(ننشر في هذا الباب ما يعرف به المسلمون أصل مدنيتهم ومنشأ سعادتهم التي ذهبت بتركه) السكوت عند الغضب عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لايقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان) [١] وروي عن غير أبي بكرة أيضا وهذا أدب عظيم لا بد من مراعاته، فإن الغضب يذهب بالرويّة والفطنة ويحكم الهوى فلا يتيسر معه استيفاء النظر والإحاطة بأسباب الحكم العادل , وقد ذهب بعض العلماء المسلمين إلى أن الحكم في حال الغضب لا ينفذ لثبوت النهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. وقال الأكثرون: إنه صحيح وإن كان إتيانه مكروها وينفذ إذا وافق الحق؛ لأن النهي الذي يفيد الفساد عند هؤلاء هو ما كان لذات المنهي عنه أو لجزئه أو لوصفه اللازم له. وفي القاعدة خلاف لا محل للبحث فيه هنا. *** المساواة بين الخصمين عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله وعليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم) [٢] . وهذا من المساواة التي جاء بها الإسلام. وقال بعض العلماء: إن هذه الهيئة مشروعة لذاتها لا لمجرد المساواة. [٣] عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم قال له: (يا علي، إذا جلس إليك الخصمان لا تقضِ بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء) . [٤] عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ومجلسه، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر) وهذا هو العدل الأكمل الذي ما بعده غاية. وذكر المسلمين فيه؛ لأن الكلام في دينهم وشرعهم وحكومتهم وإن كان المتقاضون من غيرهم كذلك؛ إذ لا فرق في حكمهم العادل بين مسلم وذمي ومعاهد. وما روي عن علي كرم الله وجه أنه جلس بجنب شريح القاضي في خصومة له مع يهودي أو نصراني وقال لو كان خصمي مسلمًا جلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: (لا تساووهم في المجالس) فقد قال المحدثون: إنه منكر وأورده ابن الجوزي في العلل وقال: لا يصح، تفرد به أبو سمية هذا ما قالوه في رواية أن الخصم كان يهوديًّا. ورواية البيهقي التي ذكر فيها أن الخصم كان نصرانيًّا في إسناده عمرو بن سمرة عن جابر الجعفي وهما ضعيفان. وقال ابن الصلاح: لم أجد له إسنادًا، فهو منكر وباطل ومضطرب، والعلة في سنده ومتنه معًا، وكان مروجه من الجهلاء الذين يرون تعظيم شأن المسلمين بظلم غيرهم، ولو كانوا كذلك لما قامت لهم دولة. ومما تجب ملاحظته هنا أن ملوك عصرنا وأمراءه لو فعلوا مثل ذلك ورضي أحدهم بأن يخضع للقضاء ويتحاكم مع بعض رعيته الموافقين أو المخالفين في الدين وجلس مع ذلك بجنب القاضي أو على رأسه لوصف بأنه أعدل العادلين، وفضل على الخلفاء الراشدين، وإنهم ليصفونهم بالعدل وينتحلون لهم ما شاء الهوى من الفضل، على حين أنهم رفعوا أنفسهم فوق الشريعة الإلهية، بل نسخوا أكثر أحكامها بقوانينهم الوضعية، فلا يمكن أن يتحاكم سلطان أو أمير مع كبير من رعيته ولا صغير، فأضاعوا بكبريائهم الدين وإلى الله المصير. [٦] عن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن لي على هذا أربعة دراهم، وقد غلبني عليها. فقال: أعطه حقه. قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال: أعطه حقه قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئًا فأرجع فأقضيه قال: أعطه حقه. قال (الراوي) : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثًا لا يراجع فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربعة الدراهم فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخبرها فقالت: ها دونك هذا - لبرد عليها طرحته عليه. وقد أوردت هذا في أدب المساواة وإن كان من باب آخر لمناسبة له. وانظر إلى شدة الإسلام في أداء الحقوق، وإلى قساوة اليهود في أخذ دينهم فقد ترك اليهودي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عريانًا لا ساتر لعورته إلا عمامته لأجل أربعة دراهم لم ينظره بها. *** ... الاحتجاب عن المتظلمين [٧] عن عمرو بن مرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة إلا أغلق الله دونه أبواب السماء دون خلته وحاجته وسكنته) استدلوا بالحديث على منع الحاكم من اتخاذ حاجب لبابه لمجلس حكمه. والحديث ناطق بأن المراد منع المظلومين من التقاضي والشكوى اشتغالاً عنهم بشئون النفس أو حبًّا بالراحة أو ترفعًا عن الناس ونحو ذلك ولا يدخل في النهي الحُجّاب الذين يقفون على أبواب المحاكم لحفظ النظام ومنع الفوضى والخلل وهو الذي قال بعض علمائنا بجوازه وبعضهم باستحبابه. وإنما يدخل فيه حجاب الأمراء والسلاطين الذين يذودون الناس عن مجالسهم؛ لأنهم لا يقابلون إلا أشخاص معلومين لهم صفة رسمية عندهم ويجهلون سائر أصناف رعيتهم بدون عذر. ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال: الذي أحدثه القضاة من شدة الاحتجاب وإدخال بطائق من الخصوم لم يكن من فعل السلف. ثم قال متعقبًا له: إن كان مراده البطائق التي فيها الإخبار بما جرى فصحيح، وإن كان مراده البطائق التي يكتب فيها للسبق ليبدأ بالنظر في خصومة من سبق فهو من العدل في الحكم. وقال الشوكاني: لو لم يحتجب الحاكم لدخل عليه الخصوم وقت طعامه وشرابه وخلوته بأهله وصلاته الواجبة وجميع أوقات ليله ونهاره. وهذا ظاهر لا نزاع فيه. *** منع الرشوة: [٨] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي) ، والرشوة هي السحت في قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (المائدة: ٤٢) . [٩] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم) وفي هذا زيادة بيان. [١٠] عن ثوبان رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، يعني الذي يمشي بينهما وفي هذا زيادة فائدة، ولا حاجة لبيان مفسدة الرشوة وتدميرها للممالك وثلها لعروش الأمراء والسلاطين فإن هذا يكاد يكون معلومًا للناس أجمعين. *** ... منع الحاكم من الهدية: [١١] عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله وعليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له: ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال:هذا لكم وهذا أهدي إليّ فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر (قال سفيان أيضًا) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لكم وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا. والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تَيْعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه (ألا هل بلغت) ثلاثًا. وتيعر الشاة بمعنى تصيح. [١٢] عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال غلول) وفي رواية: (هدايا الأمراء) . الغلول في الأصل: خيانة في الغنيمة وهي المال الذي كان يأتي إلى أيدي العمال والأمراء في الأكثر وورد في الكتاب العزيز التشديد فيه والهدية للحاكم مثله أو منه بحكم السنة. قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف. ولكن له شواهد وطرقًا متعددة تقويه. والهدية مستحبة لغير علة الحكم وما بمعناه. [١٣] عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذه بعد فهو غلول) . [١٤] عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أخذ الأمير الهدية سحت وقبول القاضي الرشوة كفر) وإنني لأتنسم من تشديده الوضع. *** آثار السلف عبرة للخلف عدل عمر وسياسته (٢) روى سعيد بن منصور في سننه، وأبو بكر بن شيبة في مسنده والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى الحِمى فلما سمنت قدمت، فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سمانًا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل لعبد الله بن عمر فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر! بخ بخ ابن أمير المؤمنين! ! فجئت أسعى فقلت ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما هذه الإبل؟ قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون. فقال: ارعو إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله بن عمر اغد على رأس مالك واجعل الفضل في بيت مال المسلمين. اهـ قوله: (ارعو إبل ابن أمير المؤمنين) إلخ حكاية قول الناس. فماذا يقول أمراؤنا الذين يستعبدون رعاياهم ما استطاعوا، ويمتصون دماءهم إن استطاعوا، ويسخّرونهم في خدمة أرضهم ومواشيهم. ما لم يأخذ الأجنبي الذي يسمونه كافرًا على أيديهم، فما هذا الزمان الذي يعلمنا فيه (الكفار) العدل بل يلزموننا به إلزامًا حتى يطمئن الرعية على أموالهم ويأمنوا على أنفسهم من أمرائهم وأئمتهم الذين انتحلو لأنفسهم إمامة الدين. *** (٣) روى ابن سعد في الطبقات وابن راهويه عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم فإذا اجتمعوا قال: يا أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم ولا من أعراضكم إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل قام فقال: أمير المؤمنين إن عاملك فلانًا ضربني مائة سوط. قال فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك وتكون سُنة يأخذ بها من بعدك. قال أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقِيد من نفسه [١٥] قال: فدعنا لنرضيه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدي منها بمائتي دينار عن كل سوط بدينارين. فماذا يقول الناس هنا في أمرائهم الذين كانوا يضربون السياط بغير حساب لتحصيل الأموال الأميرية، ويضربونهم بغير حساب لتحصيل الضرائب والمكوس الظالمة، ويضربونهم بغير حساب لتحصيل ديون الخراجات، ويضربونهم بغير حساب لتسخيرهم في الأعمال العامة والخاصة. ومع هذا كله يمنون على البلاد أنهم أنقذوها من ظلم الظالمين السابقين؛ أي: إنهم حصروه في أنفسهم واحتكروه لها ولا فرق عند المظلوم بين أن يسمى ظالمه مالكًا أو مملوكًا. وإنه ليفرح بإنقاذه سواء سمي منقذه مسلمًا أم سمي كافرًا. فالحقائق لا تتبدل بتبديل الأسماء والألقاب وبالعدل قامت ممالك الإسلام، وبالظلم سقطت ممالك المسلمين {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} (الإسراء: ٨) . *** (٤) روى ابن عساكر من مسند عمر عن الأحنف بن قيس قال: ما كذبت إلا مرّة قالوا: وكيف يا أبا بحر قال وفدنا على عمر بفتح عظيم فلما دنونا من المدينة قال بعضنا: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صوننا فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة وشارة حسنة كان أمثل. فلبثنا ثياب صوننا وألقينا ثياب سفرنا حتى إذا طلع في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دين ورب الكعبة. فقال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي فعلمت أن ذلك ليس بموافق القوم فعدلت فلبستها، (وفي نسخة: فلبثت ثياب سفري) وأدخلت ثياب صوني العيبة وأشرجتها [١٦] وأغفلت طرف الرداء ثم ركبت ولحقت بأصحابي، فلما دفعنا إلى عمر نَبَت عيناه عنهم ووقعت عيناه عليَّ فأشار إليّ بيده فقال: أين نزلتم؟ قلت في مكان كذا وكذا فقال أرني يدك فقام معنا إلى مناخ ركبنا فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقًّا؟ ألا تقصدتم بها في المسير؟ (وفي راوية: قصدتم. وهما بمعنى التوسط) ألا حللتم عنها فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بفتح عظيم فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بالذي يسرهم فحانت منه التفاتة فرأى عيبتي فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت لي يا أمير المؤمنين. قال: فما هذا الثوب؟ قلت ردائي. قال: بكم ابتعته، فألقيت ثلثي ثمنه فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه! ثم انطلق راجعًا ونحن معه فلقيه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعذني على فلان فإنه قد ظلمني. فرفع الدرة فخفق بها رأسه [١٧] وقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم حتى إذا أشغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعذني أعذني. فانصرف الرجل وهو يتذمر فقال: علي الرجل. فألقى المخفقة فقال: امتثل. فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا. إما تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف ثم مضى حتى دخل منزله ونحن معه، ففتح الصلاة فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب كنت وضيعًا فرفعك الله وكنت ضالاًّ فهداك الله وكنت ذليلاً فأعزك الله ثم حملك على رقاب المسلمين فجاءك رجل يستعديك فضربته. ما تقول لربك غدًا إذا أتيته؟ قال فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة ظننا أنه خير أهل الأرض. فأين أمراؤنا اليوم؟ وما مبلغ معرفتهم بالله وخوفهم منهم وتعظيمهم له. أعرف أن بعض من يتراءى بالدين ويفتخر بأنه يصلي قال له قائل مرة: ورد في الحديث (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ومولاي من أئمتهم فأنا عملاً بالحديث أقدم له هذه النصيحة في شأن كذا. فغضب عليه غضبًا شديدًا؛ لأنه وجه إليه النصيحة ومثله أعلى في اعتقاده من أن ينصح، وإن كان الحديث ناطقًا بأن النصيحة لله ولرسوله. ومثل هذه من أمرهم لا يحصى. *** (٥) روى الدينوري في (المجالسة) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قدم بريد ملك الروم على عمر بن الخطاب، فاستقرضت امرأة عمر بن الخطاب دينارًا فاشترت به عطرًا فجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم فلما أتاها فرغتهن وملأتهن جواهر وقالت اذهب إلى امرأة عمر بن الخطاب فلما أتاها فرغتهن على البساط فدخل عمر فقال: ما هذا؟ فأخبرته بالخبر، فأخذ عمر الجواهر فباعها ودفع إلى امرأته دينارًا وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين. اهـ وفي الأثر من الفقه: أن الهدية وإن كانت مكافأة على هدية أخرى فهي لأجل أن امرأة عمر امرأة أمير المؤمنين لا لذاتها فيجب أن يكون ما أخذ بجاه أمير المؤمنين للمؤمنين، ولكن الملوك والأمراء على المؤمنين في هذه العصور قد ملأوا قصورهم جواهر من بيت مال المؤمنين، وهم يهدون منها ويهبون بلا معارض ولا منازع. وفيه أيضًا الموادة والتحاب بالهدايا بين المسلمين وغيرهم وإن كانوا حربيين ولكن في غير وقت الحرب وغير ما يتعلق بالحرب كالإعانة عليها فإن عمر لم ينكر على امرأته إهداء العطر إلى ملكة الروم وهو يدل أن النساء أسرع إلى الائتلاف والموادة بعضهن مع بعض من الرجال وهو مشاهد معروف. ((يتبع بمقال تالٍ))