للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عيد الجلوس لملك الحجاز ونجد

احتفلت الحكومة الحجازية والشعب الحجازي في شهر شعبان الماضي بذكرى
مبايعة الحجاز للملك عبد العزيز آل سعود احتفالاً رسميًّا دعيت إليه كبرى صحف
مصر اليومية، فأرسلت كل منها مندوبًا من محرريها إلى الحجاز حضر الاحتفال،
وعاد ينظم عقود الثناء على ما رأى وسمع في جدة ومكة من الإصلاح المدني
والديني، وعلى شمائل الأمير فيصل نائب ملك الحجاز (والده) وفضائله، وقد
كان هذان الثناءان اللذان اتفق فيهما أولئك المندوبون الذين تختلف آراؤهم ومذاهب
جرائدهم في كل شيء ذا قيمة عظيمة وتأثير حسن جدًّا في مصر، وفي قراء هذه
الجرائد في غير مصر بالطبع بسبب الاتفاق من المختلفين في الرأي والسياسة عليه
من ناحية، وعدم شبهة المصانعة والمداهنة من الناحية الأخرى، فكان من الدعاية
المفيدة التي جاءت من نفسها.
وقد أنكر بعض إخواننا السلفيين من هذه الحكومة الشرعية السنية مجاراة
الحكومات الدنيوية في ابتداع الأعياد السياسية لذاتها، ولما يلزمها من المنكرات
عادة كإنفاق المال في غير المصارف الشرعية، وتكليف الرعية بعض النفقات
والأعمال التي ربما لا يفعلونها مختارين، وقد رأى القراء الاستفتاء الذي نشرناه
عن بعضهم في الجزء الماضي، وأن بعضهم أسرف فقال بتحريمه مطلقًا، فأنكرنا
هذا الإطلاق الذي يتجرأ على مثله كثير من المتدينين بغير علم وفيه من الخطر
على الدين فوق ما يدعون تحريمه (كما يُعلم مما نقلناه عن الإمام أبي يوسف في
باب الفتاوى من هذا الجزء) ولا يتضمن إنكارنا هذا أننا لم ننكر ذاك، بل أنكرناه
وإن لم نحرمه تحريمًا، وكتبنا إلى بعض رجال الحكومة بذلك وخصصنا إنفاق
المال بالذكر، ولو كان لنا رأي فيه لنهينا عنه؛ لأننا نعلم أن جماهير أهل الدين
والرأي من المسلمين ومن غيرهم من العقلاء يرون أن التزام هذه الحكومة
الإسلامية السذاجة والقصد واجتنابها للفخفخة ومظاهر العظمة الدنيوية، وتقليد
المفتونين بها - هو خير لها ولشعبها، وأرجى لما يحب جميع المسلمين من قوتها
وعزتها.
وأقول على سبيل الاستطراد: إنني أحب لهذه الدولة وإمامها وآله ورجال دولته
أن لا يعنوا بسائر الاحتفالات الدنيوية، وما يكون فيها من المدائح الشعرية، فوالله
إن عمر بن الخطاب كان أعظم في أنفس العرب والعجم من جميع الأمم من معاوية
وغيره من ملوك الأمويين والعباسيين الذين فتنتهم زينة الحياة الدنيا.
وإننا نقرأ في أخبار العالم عن العلماء والكُتَّاب الذين لقوا الإمام عبد العزيز آل
سعود أنهم قد أكبروا من أخلاقه وشمائله التواضع والسذاجة العربية التي تقرب من
البداوة مع عنايته بأسباب الحضارة النافعة للشعب، كالعمران وتسهيل المواصلات
ومراعاة الصحة ونشر التعليم، وما نحن في نصيحته بمتهمين.