للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قسم الموالد والمواسم

مولد الإمام الشافعي رضي الله عنه
لما اخترع المسلمون مولد النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يحتفلون له كبر
ذلك على بعض العلماء الذين كانوا على طريقة السلف وعدُّوه ابتداعًا في الدين
وشرعًا لم يأذن به الله ذاهبين إلى أن الله تعالى لو أراد أن يكرم نبيه بذلك لشرعه
لنا , ولو أن لأحد أن يشرع مثل هذه الزيادة في الدين لفعلها الصحابة والتابعون
والأئمة المجتهدون عليهم الرضوان لأنهم أعلم بمقام النبوة وما ينبغي له , فما بال
هذه العناية بتعظيمه لم تظهر إلا بعد ضعف الدين , وما بال أكثر المحتفلين بها من
أهل البدع والمعاصي المسرفين لأنهم لم يجدوا شيئًًا من هزئهم ولعبهم يخدعون به
أنفسهم ويسولون لها أنها على شيء من الدين إلا هذا , وممن أقام النكير على هذه
البدعة صاحب كتاب المدخل رحمه الله تعالى.
وأضر البدع وأشدها إغواءً وضررًا ما يحضره صنف علماء لأن هذا يكون
غشًّا للناس يجعلهم يعتقدون بأن البدعة شعيرة دينية , ولهذا ضربنا صفحًا عن
الموالد الكثيرة التي عملت بعد المولد الحسيني كالبيومي والرفاعي والعفيفي والسيدة
زينب ونبهنا بهذه الكلمات على مولد الشافعي لأن هذه الموالد يحضرها بعض
العلماء , وأما مولد الإمام فهم الذين يحتفلون به , فيحتج الجهلاء بهم على إماتة
السنة وإحياء البدعة , وهذا أسوأ ما كان يسيء الإمام في دار الدنيا لأنه رضي الله
عنه لم يكن له من عمل إلا إحياء السنة , فما بالك ولقد لقي الحق وأمسى في جواره
ونحمد الله أن كثيرًا من سائر الأصناف تنبهوا لفساد هذه الأعمال , وربما كانوا
هم الذين يقوّمون العلماء.
***
ليلة نصف شعبان
احتفل بليلة المعراج , ولم نكتب فيه شيئًا اكتفاءً بما كتبناه في عام مضى ,
وسيصدر هذا الجزء من المنار في إثر الاحتفال بليلة النصف من شعبان , وهو من
مواسم البدعة التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه كما قال العلامة ابن الحاج في
ابتداء القرن الثامن. وقد فصل هذا المرشد الجليل ما يكون من البدع والمحرمات
في الاحتفال بهذه الليلة وليلة المعراج وليلة الرغائب فنلخص من كلامه ما يأتي:
(١) تكلف النفقات الباهظة وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء
منه.
(٢) (الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعًا) , وأطال في هذه
البدعة وهي في مصر مخصوصة بالموالد.
(٣) (زيادة وقود القناديل وغيرها , وفي زيادة وقودها إضاعة المال لا
سيما إذا كان الزيت من الوقف , فيكون ذلك جرحًا في حق الناظر لا سيما إذا كان
الواقف لا يذكره , وإن ذكره لم يعتبر شرعًا. وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة
المال ما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه , ومن حضر من أرباب المناصب
الدينية عالمًا بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب , أما إن حضر ليغير وهو قادر
بشرطه فياحبذا) اهـ بحروفه.
(٤) حضور النساء وما فيه من المفاسد............. ..
(٥) إتيانهم الجامع الأعظم واجتماعهم فيه , وذلك عبادة غير مشروعة.
(٦) ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها.
(٧) أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما كأن بيت الله تعالى
بيتهم , والجامع إنما جعل للعبادة لا للفراش والرقاد والأكل والشرب.
(٨) ومنها السقاءون وفي ذلك من المفاسد جملة. وعد منها البيع والشراء
لأنهم يأخذون الدراهم , وضرب الطاسات وسماها نواقيس , ورفع الصوت
في المسجد وتلويثه , وتخطي رقاب الناس وكلها منكرات.
(٩) اجتماعهم حلقات كل حلقة لها كبير يقتدون به في الذكر والقراءة ,
وليت ذلك لو كان ذكرًا أو قراءةً لكنهم يلعبون في دين الله تعالى , فالذاكر منهم في
الغالب لا يقول: لا اله إلا الله , بل يقول: لايْلاَهِ يلَّلَّهْ (فيجعلون عوض الهمزة
ياء , وهي ألف قطع جعلوها وصلاً. وإذا قالوا: سبحان الله يمططونها ويرجعونها
حتى لا تكاد تفهم. والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه , وينقص منه ما هو
فيه بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والهنوك التي اصطلحوا عليها
على ما قد علم من أحوالهم الذميمة. هذا ما قاله وهو منكر يحتف به عدة منكرات.
(١٠) قال: ثم فيها من الأمر العظيم أن القارىء يبتدىء بقراءة القرآن ,
والآخر ينشد الشعر أو يريد أن ينشده , فيسكتون القارىء أو يهمون بذلك أو
يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر , وتلك
النغمات الموضوعة أكثر. فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج
المسجد منعت فكيف بها في المسجد سيما في هذه الليلة الشريفة , فإنا لله وإنا إليه
راجعون.
(١١) حضور الولدان الصغار وما يتبع ذلك من لغطهم وتنجيسهم المسجد.
(١٢) إهانة الأموات بفعل المنكرات بجانب قبورهم. وذكرها في خروج
النساء إلى القبور.
(١٣) اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل , وهو منكر شديد.
(١٤) جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان
وفرش البسط ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم , وتوقد بين يديه
المشاعل الكثيرة في صحن الجامع , ويقع منها بعض الرماد فيه , وربما وقع
الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع , أو تأتيه الخصوم من خارج وهو
فيه - هذا كله في ليلة النصف من شعبان.
(١٥) إهانة الليلة الشريفة التي يستحب قيامها وصيام نهارها , وإنما القيام
بالعبادة الصحيحة.
هذا ما لخصناه من هذا الكتاب الجليل , وكل هذه البدع كانت في زمنه , وقد
زادت في زمننا هذا أمور منها الطبول والدفوف والرقص في الذكر , ومنها الدعاء
المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقيًّا
إلخ , ولا ندري من وضع هذا الدعاء , ومنها الاجتماع لقراءته بالطريقة
المعروفة وجعل ذلك شعيرة من شعائر الدين وغير ذلك. إلا أن الوالي لا يجلس
على كرسي في كل البلاد , وقد ساعدت المدنية الأوربية على الاستغناء عن المشاعل
بالأنوار الكهربائية والغازية زيادة على الشموع. وقد شبه رحمه الله كثرة الأضواء
بعبادة المجوس فقال: (وقد تقدم التعليل الذي لأجله كره العلماء رحمهم الله تعالى
التمسح بالمصحف والمنبر والجدران إلى غير ذلك أن ذلك كان السبب في ابتداء
عبادة الأصنام , وزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر , وإن لم يعتقدوا
ذلك إلخ) ما أطال به جزاه الله عن الدين خيرًا ووفق علماءنا وأمراءنا لإماتة
البدعة وإحياء السنة عسى أن تبعث من مرقدها هذه الأمة التي أماتتها هذه البدع
وتحيا حياة طيبة وما ذلك على الله بعزيز.