للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد العزيز محمد


أميل القرن التاسع عشر
شذرات من يومية الدكتور أراسم [*]
(٣)
(المكتوب الثاني)
من أراسم إلى (أميل) :
فراق الولد لوالديه سُنة فطرية- العلم في ألمانيا- نقد التلميذ ما يقرأه من أفكار
غيره- القصد في علوم المعقولات نفع الأمة بالقيام بالواجب على قدر الطاقة-
اختيار الولد العمل الذي يشتغل به بعد- بيان أنه لا حرية لأمة يتكالب شبانها على
تولي أعمال الحكومة- التحذير من الملحدين- بيان أن الرأي العام لا قيمة له إلا إذا
كانت الحكومة شورى- خدمة الأمة لذاتها لا للجزاء.
لوندره في ١٣ فبراير سنة -١٨٦.
إذا كنت يا عزيزي (أميل) تألم من استيحاشك؛ فنحن نألم من فراقك ولكن
يجب علينا التسليم والرضا بما لا بد منه، واعلم أنه لو كان في وُسعي أن أبرح
لوندره وأخلف من أقوم عليهم من المرضى لمرافقتك إلى حيث أنت الآن لكنت فيه
مترددًا، فقد آن لك أن تعلم كيف تسير سيرة الرجال، إن الطيور لتحب أفراخها،
ولكنها متى أنست فيها من القوة ما يكفي لاستقلالها بنفسها في الطيران شجعتها على
تجريب أجنحتها فيه، سنة الله الذي أراد أن يهب الحرية لجميع البرايا.
أنت تعلم حق العلم أني لم أرسلك إلى (بُن) إلا لأسهل عليك درس لغة
الألمانيين، وأخلاقهم وأفكارهم، وأنا أعلم أنك إلى الآن قد استقللت بنفسك في
تعلمك، فكنت في باطن الأمر وحقيقته أستاذًا لنفسك، ومرشدًا وليس ما أخذته عني
من الدروس شيئًا يذكر، ولكن قد اقتضت أحوال هذا العالم أن توجد مذاهب وطرق
لا بد في تعلمها أن تلتمس من ينابيعها، وألمانيا في يومنا هذا هي مقتبس نور
العرفان، وهي البلاد التي يجب أن يعرف لها الفضل في الحكمة والعلم والنقد
وآداب اللغة، ومدارسها الجامعة محط رحال الكثيرين من أفاضل الأساتذة وجهابذة
العلماء، ولتسمع ذلك أدعوك إلى قبول تعليمهم على غير بصيرة وتلقي أقوالهم
وآرائهم قضايا مسلمة؛ إذن أكون قد تخليت عن جميع الأصول التي أسير عليها. إن
للإنسان شيء لا ينبغي أن يسمح به لأحد؛ ألا وهو حرية الفكر، فالعلوم التي
تتلقاها في الجامعة لا يمكن أن يتسع بها نطاق عقلك، ويقوى بها إدراكك، ما لم
تراقب ما فيها من أفكار غيرك مراقبة ذاتية، وإياك ثم إياك أن تنهك قواك التي أنت
محتاج إليها في العمل بفرط الانكباب على دراسة المعقولات بَالِغَة ما بلغت من
الطلاوة، وبعد الغور؛ فإن البحث في المنقولات لا قيمة له إلا إذا أدى الباحث إلى
وسيلة ينفع بها نظراءه، والمحب لنفسه من يَقْصُر ثمرة فكره ودرسه عليها؛ لا
مراء في أن الاتصاف بالعلم من الأمور الحسنة، ولكن أجلّ منه وأحسن أن يكون
الإنسان محبًّا لوطنه نافعًا لأهله ولا يغرب عن ذهنك أن ألمانيا ليست بلادك، وأن
آثار سلفك هي حكمة القرن الثامن عشر، وأن أمك هي الثورة الفرنسية.
آلمتني عبارة من مكتوبك وهي قولك: (إني أحيانًا آنس من نفسي فتورًا في
الهمة، وضعفًا في العزيمة، وأسألها عما أصلح له من الأعمال، وأنا ضائق بذلك
صدرًا) فاعلم أنه ليس من الضروري تحقيق النفع في الإنسان أن يكون من كبار
الرجال، فأيُّما رجل صدقت نيته في فعل الخير، وصح قصده للنفع؛ فإنه يغير من
حالة القوم الذين يعيش فيهم بقدر ما من التغيير، وعلى كل حال ليست الحياة إلا
نتيجة القيام بفروض صغيرة؛ فمن أداها كلها بما في وُسعه من الوسائل كان في
الغالب أفضل ممن يسعى في الاشتهار بعمل خطير، وليس شيء من أفكارنا ولا من
أعمالنا بضائع علينا؛ فإن آثارها تظهر في من حولنا من الناس، أو في من
يخلفوننا، ومن ذا الذي يستطيع أن يقول إن الحركات الكبرى التي غيرت أحوال
العالم من جهة السياسة والعمران لم يكن فيه المستضعفين الخاملين من الخدمة
والعمل ما للرؤساء المسيطرين، كلا، بل ربما لم يكن ظهور هؤلاء واشتهارهم إلا
صورة منعكسة لفضائل أولئك ومساعيهم المحمودة.
اقنع بأن تكون كما أنت مع مواصلة السعي في تنمية غرائزك، وتوسيع نطاق
مواهبك بالدأب في العمال والمدارسة؛ إذا احتجت في بعض أوقاتك إلى تكبير دائرة،
وجودك فتصفَّح دواوين الشعراء الحقيقيين، وكتب أئمة النظار المشهورين،
وتمتع بما تجده في نفسك عند مطالعتها من عظم القدر، وسمو المكانة الذي يسري
إليك منهم؛ فإن في ذلك غبطة لا يحيط بها الوصف؛ فإذا هبطت من هذه المقامات
العلى لم تعدم حولك من النفوس الصغيرة المحتاجة للاستضاءة بنور العلم من يغنيك
الاشتغال بهم عن الاهتمام بغيرهم، ومن صنائع البر ما فيه تسلية لك عما يعوزك
من الخصائص، واعلم أنه لا يتألم مما في عقله من مواضع الضعف والقصور إلا
محب لنفسه، أو خبيث، وأما من يستسلم ويرضى بقسمته ويتعلم ليعمل؛ فإنه لا
يطلب فوق ما قسم له من العقل شيئًا، بل يكون مغتبطًا به غير حاسد.
أراك أيضًا تغلو في الاهتمام باختيار ما تمارسه من الأعمال؛ فإنه وإن كان
مما لا مرية فيه أن كل فرد من الناس يجب عليه أن يعيش من كسبه وكده، وإني
أغتمّ لو رأيتك مفرطًا في هذا الأمر الذي هو أول فرض على الإنسان ينبغي أن
تعلم أن جملة الدروس التي تتلقاها الآن، مع كونها تؤدي إلى جميع الحرف لا تفتح
لك باب واحدة منها، ولا أرى في ذلك ما يدعو إلى كدرك؛ لأن كل علم تحصله
هو ذخيرة لعقلك؛ فإن لم يفدك في نفسك؛ فقد تجد فيه وسيلة لنفع غيرك على أن ما
في الكون من طوائف الأمور المختلفة، وطبقات الحوادث المتباينة مرتبط بعضه
ببعض؛ فلا بد في معرفة أمر منها معرفة صحيحة من معرفة أمور كثيرة لها، بهذا
الأمر تعلق بعيد، ولست بهذا القول ألزمك السعي في تحصيل ما يسمى بالعلم العام
الذي هو ضرب من الخيالات والأوهام، وإنما أريد به تفهيمك أن للعلوم قضايا عامة
لا بد لك من تصور حدودها الأصلية قبل تفرغك لتحصيل علم منها على حياله.
أنت ولي أمرك في الحكم على ما يلائمك من الأعمال، وليس عليّ إلا أن
أسألك عدم التأسي في ذلك بإخوانك من الطلبة، فكن كما يرشدك إليه خلقك وميلك
إما طبيبًا، أو محاميًا، أو مهندسًا، أو صانعًا، أو آليًّا، أو غير ذلك ولكني أسألك
بالله أن لا تكون عاملاً للحكومة.
أي حرية تُرجى لقوم يتطلع المتعلمون من شبانها إلى الانتظام في سلك عمال
حكومتهم؛ قد كان فن ظلم الحكام للناس في الأيام الخالية من الفنون الصعبة الكثيرة
المشكلات، التي يلزم لتعلمها استعداد خاص، ونفس كنفس ميكافيل [١] وأما الآن
فيظهر من أحوال الرعية أنهم يعنون أشد العناية بكفاية حاكمهم مؤنة استعبادهم
بالحيلة، أو القهر؛ لأنهم يتهافتون على احتمال نير عبوديته، فأي ملك أو عاهل
يجد حول أريكته رؤوسًا خاضعة، وأطماعًا سافلة نهمة كأطماع الكلاب، التي لا هم
لها إلا قضم العظام ما دام بين يديه من الأموال الوافرة ما ينفقه كيف يشاء ومن
المناصب وألقاب الشرف والرتب الكثيرة ما يوزعه على من يريد.
ليس الإلحاد والوقاحة مقصورين على أحداث ألمانيا، حيثما حللت تجد من
الشبان من لا يعتقدون بشيء، ولا يوقرون شيئًا، فكن منهم على حذر؛ لأن هذا
الفسوق العقلي يساعد قطعًا على تثبيت الأوضاع القديمة، ذلك أن هؤلاء الذين
يدعون لأنفسهم حرية الفكر لم يخلصوا من قيد الأَثَرَةِ، ومن هذه الجهة تأخذ
الحكومة منهم بالنواصي والأقدام؛ أعني أن عبادتهم لنجح مساعيهم وطمعهم في
الوصول إلى ما يبتغون، وظمأهم إلى المناصب، والتمتع بالمرتبات الجسيمة لا
تلبث أن تدعوهم إلى توقير النظام الذي سنته الحكومة وإجلاله، وإني لا أعتد
بجراءة العقل ما لم تصحبها بسالة النفس؛ وتنزهها عن الأغراض، ثم إنه مهما كان
بلوغ كل أمنية في الدنيا ممكنًا بمحض هوى الغير ورضاء لم يعدم المستبدون عبيدًا
متحمسين؛ في خدمتهم يعملون لهم ما يشاءون، وتجد من كانوا من الشبان بالأمس
منطقيين متحذلقين يصبحون، وهم أكثر الناس سجودًا للقوة واستكانة للسلطان.
ولاية أعمال الحكومة هي بلاء الأمم في هذه الأيام فالبلاد التي رئيس حكومته
هو الذي يوزع مناصبها لا يمكن أن تكون آراء الناس فيها إلا نتيجة عمل حسابي
لما يربح منها فإذا وقع خطأ سياسي أو ديني من الحاكم، وكان ينتج للموافقين عليه
بعد الحساب عشرة آلاف فرنك مثلاً، فإنه يصير حينئذ صوابًا، وإذا أتى أمرًا
خسيسًا، ودفع ضعف هذا المقدار، قيل إنه قام هذه المرة بما تدعو إليه الهمة
والبسالة فيجب الإخلاص له.
يلهج الناس كثيرًا بذكر الرأي العام، ويقولون: إنه أقوى كفالة للحق والحرية
وهو صحيح؛ إذا كان أمر الأمة بيدها، وكانت هي التي تلي شئون إدارتها، وأما
إذا كان حالها غير هذا فالرأي العام نفسه قد يكون فيها آلة للاستبداد؛ فإن أكفل
وسيلة لظلم الأمة هي إعدام شرف النفس من أفرادها، وإزهاق روح الاستقلال بينهم
بتحبيب الحكومة القائمة إليهم، وحملهم على رجاء بقائها. ورب قائل يقول: إن
عدد العمال في الحكومة لا يذكر في جانب السواد الأعظم من الأمة، فأجيبه: إن هذا
الاعتراض عبث؛ لأنه قد نسي أن بإزاء كل عامل نال منصبًا ألفًا من الناس
يطلبونه، ويرجون رجاء قويًّا أن ينالوه يومًا من الأيام، فعالم العمال يكافئه عالم
آخر من السائلين، ومن ورائهم جميع طلاب الأموال، وإذا كان تحرير الناس من
الاستعباد لا يتأتى إلا متى أعانوا عليه بإرادتهم، فأي وسيلة تبعثهم على إرادة
التفصي من ربقته؛ إذا كان فريق منهم -وهم الذين تقوم لهم الحكومة بنفقات
مطعمهم، وملبسهم، ومسكنهم - قد بلغت بهم الحال إلى أن يكون استعبادهم قوام
معيشتهم والفريق الآخر يغبطونهم على هذه النعمة، ولا يأسفون إلا على عجزهم
عن مشاركتهم فيها.
ولست أقصد بهذا القول أن من لوازم المناصب العامة تصغير نفوس القائمين
بها، أو الساعين في تقلدها - حاش لله - فإنها في الحكومات الحرة كحكومة
أمريكا مثلاً من شأنها أن تنمي فيهم قوة العزيمة، ومكارم الأخلاق؛ لأن الحكم في
اختيارهم راجع إلى انتخاب الأمة، ولأنهم إنما يمرون بالأعمال مرورًا؛ ولأن
جميع الولايات لا تلبث أن يعود أمرها إلى الأمة، فتقلدها من تشاء، ومن هنا يعلم
أني لا أتكلم عن الأمة التي حكوماتها مؤسسة على الشورى، وإنما أتكلم عن الحكومة
التي تولى الأعمال فيها بالمحاباة والهوى؛ فشبانها يتدلون ويصغرون بسعيهم في
تقلد تلك الأعمال؛ لأن حكوماتها لا تبغي في الحقيقة إلا نفوسًا سلسة القياد تلصق
بما جرى عليه العمل من التقاليد الإدارية - وطباعًا لينة - عطفت على كل ناحية
فلم تبق لها وجهة ذاتية وعقولاً مثقفة، ولو لم تسم عن عقول العامة تستعمل زخرف
القول في تصوير ما وضع من النظام بصورة معقولة. وإني لتمر بي ساعات
أحدث فيها نفسي بأن من ظلم الشعوب أن يلوموا حكامهم على استعبادهم فأي معنى
للوهم إذا كانوا قد جعلوا مقادتهم بأيديهم، وكان الآباء لا يتمنون لأبنائهم إلا تقلد
المناصب ذات الرواتب العظيمة التي لا عمل فيه بدلاً من صرفهم إلى وجوه الكسب
الأخرى، بل إذا كان الناس يؤلمون أن يكون عالة على المصلحة العامة ويودون لو
أن للحكومة من العقل والوداعة ما يكفي لمنعها من الانتفاع بما يقدمونه لها من الفوائد،
فما أسخف عقولهم إذ جعلوا أنفسهم ترابًا ثم هم يدهشون من وطء الحكام إياهم.
أنا لا أنكر أن نيل الشاب منصبًا من المناصب الكثيرة المقررة في الحكومة
أسهل عليه كثيرًا من أن يفتح لنفسه بابًا للكسب في قومه بجدارته وأهليته الذاتية،
ولهذا لا يلبث الإنسان أن يعرف الأمم التي اعتادت الارتزاق من حكوماتها، لما
يكون فيها من فقد الاستعداد لإنشاء الأعمال وابتكارها فترى الصناعة والزراعة
والتجارة تنساق في مجرى العادة بتكلف وجهد، والأموال تحذر الخروج من جيوب
المتمولين، والتقاويم التجارية التي تأبى الحكومة حمايتها يشق عليها - كما يقال -
أن تطير بأجنحتها، والصناعات الحرة تحوم حول السلطان لنيل الأعمال والمحاباة
وترقب فرصة التطفل على مائدة المصلحة العامة، وآداب اللغة والفنون تتأثر بقوة
السلطان، وتتدلى الحياة العامة التي يحطها سلطان رجل واحد، وحاجة التغذي من
يد الحكومة تزيد على الدوام عدد طائفة الندمان والمملقين.
كأني بك تقول لي إن ذلك الذي وصفت عيب في شكل من أشكال الحكومة
وذنب لمجموع الأمة التي ترضى هذا الشكل وأنه ليس مما يعتد به كثيرًا أن يزيد
عدد عمال الحكومة واحدًا أو ينقص واحدًا؛ لأنهم جيش لا يعد - فأجيبك على هذا
بأني لست أجهل أن واحدًا من الناس ليس في قدرته أن يغير أحوال أمة بأسرها،
ولكن إذا ارتكن كل فرد من أفرادها على هذه المغالطة فاستسلم للتيار المحتوم الذي
يسوق غيره فلا ينبغي أن يرجى شرف للأوضاع القومية، ولا حرية للناس. إن
الأمم إذا تدلت وفشت فيها عدوى التأسي وجب على كل إنسان حقيق بأن يسمى
إنسانًا أن يرفع لها من نفسه لواء المجد، ويدعوها إلى النهوض، فإنها لا تنهض
من انحطاطها إلا بالمجاهدة وبذل القوة الذاتية، وكم من رجل يشكو من خسة
السرائر في قومه، ويتألم من دناءة نفوسهم وهو شريط لهم بالواسطة في فعل ما
أداهم إلى هذه الحالة بكثرة خشيته وتحرجه في سيرته؛ فإنه إذا تعفف هو عن تولي
المناصب الرسمية قد يريدها لابن أخ له، أو لأحد اللائِذين ببيته، وبهذا يصير شريكًا
في الضرر الذي يندب سوء مغباته.
هذه يا بني أفكاري قد أفضيت بها إليك صراحة، فإن كنت لا بد راغبًا في بلوغ
منصب رسمي فوسيلتك إليه ميسرة جدًّا، وهي أن تذل وتستكين، وأما إذا فضلت
كرامة نفسك واستقلالك وشرفك على المزية التي تجدها في سهولة فتح باب الكسب
وسرعته؛ فإني أهنئك عليه من صميم فؤادي، ولكن لا بد لك حينئذ أن تعرف ما
أنت داخل فيه فإنك بتنازلك عن رعاية الحكومة تضطر إلى كسب قُوتك بالعمل
والجهاد، ولا تجد من أحد حمدًا على كدك ونصبك وترى كثيرًا من الناس يسخرون
من بسالتك وإقدامك فعلام يحبونك إذا كنت تسفههم وتزري عليهم بالنهج الذي تسير
عليه في عملك وفكرك؟
اخدم الأمة ولا ترجُ منها جزاءً ولا شكورًا؛ فإنها لا تملك ما تجزيك به؛
لأنه ليس بيدها شيء من أموال البلاد، ولا من ألقاب الشرف، ولا من وسائل
التنويه وإعلاء الذكر، وعلى أنها قد تنكر ما لك من حسن النية في خدمتها فليس
عليك حينئذ إلا الاعتماد على قواك الجسدية والعقلية.. وأنه ليس في هذا الإنكار
المتوقع ما ينبغي أن يريعك؛ فليست أهم مسألة للإنسان في حياته أن يبلغ مقامًا
ساميًا بل المسألة الكبرى هي أن يكون قدره أعلى من المقام الذي يشغله.
وأما أخبار البيت فمنها أن (لولا) عهدت إلي إعلامك بأن طيورك،
وزهورك في حالة راضية،وأن دفائنك بعد أن حفظت في بطن الأرض مليونين أو
ثلاثة من السنين سالمة من التغيُّر، قد تغيرت قليلاً من غبار لندرة ودخانها، وبأنها
قد رتبت مجموع حشائشك، وأنها أشد لك ذكرًا منك لها.
وفي الختام أقبلك أنا وأمك قبلة الوداع، ونرجو أن تكون دائمًا على علم
بدروسك ومقاصدك وحالة معيشتك فكل ما يتعلق بك يعنينا. اهـ
((يتبع بمقال تالٍ))