(المؤتمر المصري) في ٣٠ من ربيع الآخر ٢٩ أبريل انعقد المؤتمر المصري تحت رياسة شيخ وزراء مصر وعظمائها مصطفى رياض باشا في المكان الأفيح المعروف (بلونابارك) من مصر الجديدة، وهو ملعب كبير يسع بضعة آلاف رجل، وقد زين بالأعلام، وأقيم للرئيس وكبار أعضاء اللجنة التحضيرية فيه محراب واسع، وجعلت المجالس فيه أقسامًا مرتبة؛ منها مكان لوجهاء العاصمة، ومكان لأصحاب الصحف، وأمكنة أخرى لأصناف الأعضاء وفود المديريات، يعرف كل قسم منها بلوح مكتوب عليه ما يدل الداخل على مكانه. وقد افتتح الرئيس المؤتمر بالخطاب الآتي: أيها السادة، دعوناكم وكلكم من أهل المكانة وأصحاب المنافع وذوي الآراء والكتاب والمفكرين، وكلكم ممن تهمهم مصالح البلاد العليا، وكلكم من يغار على رقيها وتوثيق روابط جامعتها؛ لتتشاوروا في بعض المسائل العمومية الشاغلة للرأي العام في الحالة الحاضرة. من بين هذه المسائل مسألة ما كنا نود لها وجودًا؛ وهي ما يسمونه بمطالب الأقباط؛ لأن حالة البلاد لا تسمح بتقسيم المصالح بين أبنائها تبعًا لانقساماتهم الدينية ستعرض عليكم موضوعات أخرى أدبية واقتصادية؛ لتقرروا فيها الوسائط التي تساعد على رقي حالة التعليم، ونمو الثروة العمومية. أبنائي الأعزاء: إني وإن كنت لا أشك في أنكم ستحكمون في مداولتكم ورغباتكم رح العدل، والميل إلى تأييد الروابط الوطنية بينكم وبين سائر إخواننا وأبنائنا من أبناء الديانات الأخرى، ولكن ذلك لا يمنعني من أن أوصيكم بأن تراعوا في مباحثكم وطلباتكم فوق روح العدل والإنصاف روح التسامح والانعطاف الذي عرفت به ديانتنا السمحاء، والله أسأل أن يكلل أعمالنا بالنجاح والسلام. وقد صفق الحاضرون وهتفوا بالدعاء لدولة الرئيس عند حضوره وفي خاتمة خطابه. وبعد أن أتم الرئيس خطابه، قام أحمد لطفي بك السيد مدير (الجريدة) وشرع يتلو تقرير اللجنة التحضيرية (وهو الواضع الأول له) ، وساعده على تلاوته صديقاه أحمد بك عبد اللطيف وعبد العزيز بك فهمي المحاميان. وهؤلاء الثلاثة كانوا مع بعض إخوانهم من حزب الأمة هم الواضعين لنظام هذا المؤتمر والقائمين بأهم أعماله، وقد أتم المؤتمر اجتماعاته بحسب برنامجه الذي تراه بعد وكان النظام حسنًا والكلام معتدلاً. نشرنا في هذا الجزء طائفة من تقرير اللجنة التحضيرية الذي صادف إعجاب الجماهير من الناس، وسننشر باقيه في الجزء الآتي، ويرى القراء أن معظم ما فيه من المسائل جاءت موافقة لمقالاتنا (المسلمون والقبط) وكذلك الخطب المعتدلة الأخرى التي كانت كالشرح لهذا التقرير. ولا حاجة إلى نشرها كلها في المنار، بل نكتفي بنشر برنامج المؤتمر المبين لها وما أقره من مطالبها، وربما نختار شيئًا منها بعد. * * * (بروجرام أعمال المؤتمر المصري الأول) يوم السبت ٣٠ ربيع الثاني سنة ١٣٢٩الموافق ٢٩ إبريل سنة ١٩١١ (الجلسة الأولى) من الساعة ١٠ أفرنكي صباحًا إلى الظهر: (١) افتتاح المؤتمر بخطبة دولة الرئيس. (٢) تلاوة تقرير لجنة المؤتمر. (الجلسة الثانية) من الساعة ٥ مساء إلى الساعة ٨ ونصف: (٣) في أن عناصر الجنس المصري كلها من أصل واحد - سعادة الدكتور أباتا باشا. (٤) عطلة يوم الأحد - الأستاذ محمود بك أبو النصر. (٥) العوامل الاجتماعية للحركة القبطية - الأستاذ محمد حافظ رمضان. (٦) تمحيص مطالب الأقباط وإزالة موجبات الشقاق - صالح بك حمدي حماد. (٧) نظرة عامة حول مؤتمر الأقباط - إبراهيم بك غزالي عضو مجلس مديرية أسيوط. (يوم الأحد أول جمادى الأولى الموافق ٣٠ أبريل) (الجلسة الثالثة) من الساعة ٤ ونصف إلى الساعة ٨ ونصف مساء: (٨) الأقلية الدينية والمجالس النيابية - الأستاذ أحمد عبد اللطيف. (٩) الكفاءة في التوظف - الأستاذ إبراهيم بك الهلباوي. (١٠) وسائل ترقية المرأة المسلمة المصرية - باحثة بالبادية. (١١) التعليم العام الأستاذ - محمد بك أبو شادي. (يوم الإثنين ٢ جمادى الأولى الموافق ١ مايو) (الجلسة الرابعة) من الساعة ٤ ونصف إلى الساعة ٨ ونصف مساءً: (١٢) التعليم العام وحظ المسلمين والأقباط فيما تنفقه الأمة عليه - سعادة الشيخ علي يوسف. (١٣) التعليم العلمي النافع للصناعة والزراعة والتجارة - علي بك الشمسي. (١٤) الصناع في مصر إبراهيم بك رمزي. (١٥) حماية وترويج المصنوعات الوطنية الأستاذ جبرائيل كحيل بك. (١٦) ضرورة ترك بدع المآثم والمقابر الأستاذ محمد بك يوسف. (١٧) إصلاح القضاء عبد الستار أفندي الباسل. (١٨) الوسائل المؤدية للتوفيق بين العناصر المختلفة في مصر أحمد بك لطفي المحامي. (يوم الثلاثاء ٣ جمادى الأولى الموافق ٣ مايو) (الجلسة الخامسة) من الساعة ٤ ونصف إلى الساعة ٨ ونصف مساءً: (١٩) ضرورة مراعاة أحوال الزمان والمكان في تطبيق الأحكام الشرعية الشيخ عبد العزيز جاويش. (٢٠) حالة مصر الاقتصادية والمالية - يوسف بك نحاس. (٢١) التعاون المالي والنقابات الزراعية - الأستاذ عمر بك لطفي. (٢٢) مستودعات التأمين الأستاذ - محمود بك أبو النصر. (٢٣) الربا الفاحش وضرورة العقاب عليه - الأستاذ هاشم محمد مهنا. (٢٤) أضرار الربا الفاحش - الأستاذ محمد بك علي. (٢٥) حالتنا الاقتصادية الزراعية - أحمد أفندي الألفي. (يوم الأربعاء ٤ جمادى الأولى الموافق ٣ مايو) (الجلسة السادسة) من الساعة ٤ ونصف إلى الساعة ٨ ونصف مساءً: مناقشة الاقتراحات التي وردت في تقرير اللجنة، وفي المواضيع التي تليت بالجلسات السابقة وغيرها مما ورد بالمواضيع والطلبات التي لم تصر تلاوتها. اهـ. (المنار) هذا هو النظام والبرنامج الذي سار عليه المؤتمر كما وضعته اللجنة التحضيرية. ولقب الأستاذ قد أطلق على المحامين (وكلاء الدعاوى) وهو اصطلاح وضعه مدير (الجريدة) ، وقلده فيه كثير من الكتاب، فصار معروفًا في مصر، وإنما نبهت عليه؛ لئلا يظن قراء المنار في غير مصر أن هؤلاء الأساتذة من علماء الأزهر وغير الأزهر من المعاهد الدينية، وهؤلاء لم يخطب أحد منهم في هذا المؤتمر، ولم يره أحد من شيوخهم الكبار. (الجلسة الأخيرة) حضر دولة الرئيس الساعة الخامسة والدقيقة العشرين فقابله المؤتمرون بالهتاف. وبعد أن استراح قليلاً في السرادق الخاص بدولته وكبار القوم، أعلن افتتاح الجلسة ثم وقف الأستاذ عبد العزيز فهمي، وتلا محاضر جلسات المؤتمر منذ افتتاحه إلى اليوم. وذكر أن جميع التقارير حفظت مع أوراق المؤتمر. وطلب أحد الحاضرين أن تحفظ هذه العبارة (وقد لوحظ أن الوقت يسمح بتلاوة خطبة الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش) فرد عليه الأستاذ أحمد عبد اللطيف بأن لجنة المؤتمر كانت قد عينت ميعادًا لقبول الخطب، فلم يأت خطاب من الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش في الميعاد المعين؛ ولذلك لم يذكر في بروجرام المؤتمر، وهذا هو السبب في قولنا: وقد لوحظ.. إلخ. ثم وقف الأستاذ أحمد عبد اللطيف وأخذ يتلو اقتراحات المطروحة على المؤتمر المصري فيما يتعلق بمطالب الأقباط، وهذه صورتها: (الاقتراحات المطروحة على المؤتمر المصري الأول) مطالب الأقباط: (أ) هل يرى المؤتمر إمكان قسمة الحقوق السياسية في مصر بين طوائفها الدينية المختلفة، أو أن المؤتمر يقرر أن الأمة المصرية هي في مجموعها كل لا يقبل التجزئة في الحقوق السياسية، وأنه مع ما لكل طائفة دينية من الحرية التامة في عقيدتها، فإن للحكومة المصرية دينًا رسميًّا واحدًا هو الإسلام. (ب) هل يرى المؤتمر من حقوق أية طائفة دينية في مصر؛ أن تطلب عطلة يوم الأحد أو غيره من الأيام؟ أو أن المؤتمر يرى الاقتصار على أن تكون العطلة الرسمية هي يوم الجمعة. (ج) ألا يرى المؤتمر أن تكون قاعدة التعيين في وظائف الحكومة هي الكفاءة من جميع وجوهها: علمية وإدارية وأخلاقية معًا. وألا يرى المؤتمر أن الأقباط تجاوزوا فيما نالوه من تلك الوظائف الحد المقبول، وهل يرى وجوب إلفات نظر الحكومة إلى تحقيق أسباب امتلاء الكثير من مصالحها بالموظفين الأقباط، مع وجود الأكفاء من المسلمين وغيرهم من المصريين؟ وهل يجب السعي وراء الحكومة في إعادة اللجنة المستديمة بنظارة المعارف؛ لامتحان طالبي التوظف، حتى لا يقع مثل هذا الغبن في المستقبل. (د) هل يرى المؤتمر تعديل قانون الانتخاب بما يجعل لكل طائفة دينية مصرية دائرة انتخاب خاصة، أو أن حق الانتخاب يبقى كما هو شائعًا بين جميع المصريين على السواء. وهل يوافق المؤتمر على السعي لدى الحكومة في أن تجعل للكفاءة العلمية حظًّا أوفر مما هو الآن في المجالس النيابية؟ (هـ) هل يوافق المؤتمر على إعطاء كل طائفة من طوائف الأمة المصرية ما تجبيه منها مجالس المديريات من ضريبة الخمسة في المائة؛ لتنفقه كما تشاء؟ وهل يرى المؤتمر أن الأقباط متمتعون من التعليم بجميع أنواعه بأكثر مما ينفق مع نسبتهم العددية، ونسبة ما يؤدونه من الضرائب؟ (و) هل يرى المؤتمر أن للأقباط الحق في أن يطلبوا من الحكومة بصفتهم طائفة دينية أن تنفق من خزينتها العمومية على مرافقهم الطائفية الخاصة! فوافق المؤتمرون على جميع تلك الاقتراحات بعد أن حصل جدال في بعضها وخصوصًا الاقتراح الثالث، فان بعضهم طلب أن تراعى النسبة العددية في إسناد الوظائف إلى الأكفاء، فرد عليه الأستاذ عبد العزيز فهمي قائلاً: إن تقسيم الوظائف بناء على النسبة العددية مخالف للاقتراح الأول الذي وافق عليه المؤتمرون وهو أن الأمة واحدة لا تقبل التجزئة، وأن اعتبار النسبة العددية يؤدي إلى المنازعات. ثم حض الحاضرين على التزام الهدوء والسكينة، وقال: إن العالم ينظر إلينا الآن، ثم تكلم أيضًا الأستاذ أحمد عبد اللطيف وقال: إنه لا يمكن في بلدنا ولا في أي بلد آخر أن تقسم الوظائف بناء على النسبة العددية. وقال سعادة الشيخ علي يوسف: إننا قررنا فيما تقدم أن الحكومة إسلامية، وأن دين الإسلام هو دينها الرسمي، فإذا قسمنا الوظائف على النسبة العددية، نكون قد قسمنا الحكومة إلى شطرين مبنيين على الدين، وهذا مخالف لمصلحة الأمة، على أنه يرى أن المدير لا يمكنه أن يكون قبطيًّا؛ لعدم مقدرته على إدارة شؤون المديرية التي يتولاها كما يجب من السلطة والنفوذ. فبقي بعضهم يعترض، فقام الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش وقال: إن الكفاءة الإدارية تستوجب الثقة، ولقد دلتنا التجارب على أن الأكثرية لا يمكنها أن تثق بالأقلية، واستنتج من ذلك أن المدير يجب أن يكون مسلمًا؛ لتتم تلك الثقة المطلوبة. واقترح أن يضاف إلى اقتراح المؤتمر هذه الكلمات (أن تكون الكفاءة الإدارية كفيلة باستقامة الأحوال) ، وبعد مناقشة طويلة في هذا الشأن تقرر إبقاء الاقتراح على حاله، ثم طلب الأستاذ أحمد عبد اللطيف إلى المؤتمرين أن يوافقوا على جعل اللجنة التحضيرية لجنة تنفيذية. ثم دارت المناقشة على الاقتراحات المعروضة على المؤتمر، فقبل ما قبل ورفض ما رفض منها، كما هو مبين فيما يلي: اقتراحات المؤتمرين وغيرهم (١) اللجنة التنفيذية لا بد لتنفيذ قرارات هذا المؤتمر من لجنة دائمة تباشر هذا التنفيذ. ويعلم حضرات المؤتمرين أن اللجنة التحضيرية قد انحلت حيث انتهى عملها، ولا يمكن أن تصير لجنة تنفيذية دائمة إلا إذا أقرها المؤتمر على ذلك، فهل تقرونها لجنة تنفيذية، يكون من جملة وظيفتها دعوة هذا المؤتمر للاجتماع عند الاقتضاء، وأن تنتخب لها مجلس إدارة، وأن تضم إليها من تؤمل فيه المساعدة في مهمتها. اقتراح مقدم من حضرات محمد بك حافظ رمضان وحسن بك عبد الرزاق والشيخ محمد عمر الإنجباوي المحامي الشرعي بمصر. إبراهيم بك غزالي عضو مجلس مديرية أسيوط. محمود بك أنيس بمصر. سليمان أفندي فهمي من موظفي المالية سابقًا والآن بالسنطة. محمود أفندي حمدي المحامي بكفر الزيات. محمد أفندي البدوي رئسي نقابة تشل الزراعية. إبراهيم أفندي فوزي بشارع محطة مصر بالإسكندرية. محمد أفندي راغب بطنطا. محمد أفندي كامل بدرب القمح بالسيدة بمصر. إبراهيم بك دويدار عمدة شبرامنت. حسين بك عابدين. لجنة المؤتمر بمديرية المنوفية. سليمان أفندي فهمي سليمان المحامي. علي عبد السلام بالسويس. لها بقية ((يتبع بمقال تالٍ))