للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد توفيق صدقي


دروس سنن الكائنات
محاضرات علمية طبية إسلامية للدكتور محمد توفيق صدقي
(١٣)

الدرن
TUBERCUlOSiS
يراد بهذا الداء تكوُّن أجسام صغيرة في عضو أو أكثر من أعضاء الجسم [١]
ويسمي الأطباء المحدَثون هذه الجسيمات بالدرنات أو الدرن [٢] وهي تنشأ من باسيل
اكتشفه العلامة الألماني كوخ سنة ١٨٨٢ ميلادية.
أوصاف هذا الباسيل: هو عصيات مستقيمة أو منحنية قليلاً طولها نحو ٣
ميكرونات وعرضها ٥و٠ من الميكرن. ذات أطراف مستديرة في كل منها نقطة
لامعة أو أكثر ظُن سابقًا أنها حبيبات للميكروب، والحقيقة أنه لا يتوالد إلا بالانقسام
وهو عديم الحركة ولا أهداب له (خلافًا لما ذهب إليه بعض الباحثين) ويعيش في
الهواء وفي غيره من الغازات، بل في الفراغ، وأحسن حرارة تناسبه ما كانت
درجتها ٣٧ سنتجراد، ولكن نموه بطيء جدًّا.
تركيب الدرن: تتكون كل درنة من خلايا تحيط بها تشبه كريات الدم البيضاء
وفي داخلها خلايا تشبه خلايا البشرة، وفي مركزها خلية أو أكثر كبيرة ذات نويات
عديدة. وقد يوجد بين هذه الخلايا منسوج آخر دقيق جدًّا يؤلف بينها. ويوجد
الميكروب بين هذه الخلايا أو فيها خصوصًا حول الخلية المركزية الكبرى أو فيها
كما في درن الحيوانات. وفي بعض الأحوال تكون هذه الخلية معدومة، وفي
البعض الآخر تكون الخلايا البشرية، كذلك فتتكون الدرنة من خلايا كالكريات
البيضاء فقط. وقطر الدرنة الواحدة عادة مليمتر واحد أو اثنان. وتشاهد الدرنات
في هذا المرض بوضوح في الرئتين أو الكبد أو الكليتين.
وكلما كبرت الدرنة مات وسطها، وذلك إما لعدم وصول أوعية الدم إليه أو
لسموم الميكروب أو للسببين معًا، فإذا مات الوسط صار مصفرًا وقوامه كالجبن،
وهذا الوسط الميت يزداد اتساعًا بينما محيط الدرنة يُغِير على ما أحاط به من
الأنسجة، وهلم جرًّا. وهذه الدرنات تنشأ بسبب تهيج العضو بالميكروب فتتكاثر
الخلايا حوله بانقسامها إلى عدة أقسام. وتهرع إليها الكريات البيضاء لمقاتلتها
فتحيط بها فيصيبها ما ذكر. وباجتماع هذه الدرنات بعضها مع بعض تتكون درنات
كبرى فينشأ من ذلك أخرجة (جمع خراج) في العضو المصاب.
وقد تتحول إلى مادة كلسية (جيرية) برسوب فسفات الكلسيوم فيها على
الأكثر فيموت الباسيل ويُشفى العليل.
وهذه الدرنات تحدث تهيجًا في الأعضاء، وقد يكثر حولها المنسوج الليفي
الضام. ويجوز أن يغير هذا المنسوج على الدرنة ويطبق عليها فتضمر وتتناقص
حتى تستحيل إلى نقطة ليفية، وبذلك يُشفى الدرن أيضًا.
أما إذا كانت قوى المريض ضعيفة فتلتهب الأنسجة حول الدرنات وتزداد حالة
العليل سوءًا فوق سوء، وفي آخر الأمر تتقيح الدرنات وما حولها ويشترك مع هذا
الميكروب ميكروبات أخرى فتتكون أخرجة وكهوف كما يحصل كثيرًا في رئة
المسلولين.
الأسباب: ميكروب هذا الداء منتشر كثيرًا بين الناس وبعض الحيوانات.
ولمعرفة كيفية العدوى به يجب أن نقسم البحث هنا إلى مسألتين:
(الأولى) الاستعداد الشخصي: للوراثة تأثير عظيم في العدوى بهذا الداء
فإنه يغلب حدوث هذا المرض في أولاد المسلولين. ولا يتوهم أحد أن الذي ينتقل
من الوالد إلى ولده وهو الميكروب، بل استعداد خاص فقط، اللهم إلا في أحوال
نادرة جدًّا، ولذلك كثيرًا ما يولد الولد في صحة لا بأس بها أو جيدة، ثم يصاب بعد
ذلك بالدرن وهناك مهيئات كثيرة للعدوى تسبب نهاكة القُوى فيضعف الشخص عن
مقاومة الميكروب فيقهره، وأهم هذه الهيئات:
(أ) الازدحام وفساد الهواء بأي سبب كان.
(ب) قلة الأغذية.
(ج) إجهاد قوى الجسم فوق طاقته بأي عمل كان ككثرة العدْو أو الانهماك
في الجماع أو في السهر وجلد عميرة، أو المطالعات الطويلة والمباحث العقلية
العنيفة خصوصًا إذا صاحبها الفقر وفساد الهواء.
(د) كثرة الحمل والولادة أو الإرضاع.
(هـ) كثرة التردد إلى الأماكن الرطبة المظلمة التي يندر دخول الشمس
فيها.
(و) الحمى التيفودية.
(ز) الإسراف في شرب الخمور.
(ح) البُوال السكري.
(ط) الزُّهَري إذا أهمل حتى أفسد البِنية.
هذه هي المهيئات العامة هناك مهيئات أخرى خاصة بالعضو المصاب
ويسمونها بالمهيئات الموضعية مثل، كثرة النزلات الشعبية أو الرئوية، وتهيج
الرئة ببعض الغازات أو بغبار بعض المعادن وغيرها كما يحصل في المصانع.
وللعمر تأثير كبير أيضًا في العدوى، فترى أن الدرن كثيرًا ما يصيب الصغار
ففي الأطفال تشاهد كثيرًا إصابتهم بدرن السحايا أو البريتون أو الغدد اللمفاوية أو
العظام أوالمفاصل، وفي الشبان كثيرًا ما نشاهد الدرن الرئوي (وهو المسمى
بالعربية السل أو الهُلاس) وأما الأشخاص الذين عمرهم فوق الأربعين فتقل
إصابتهم بالدرن ولا ينافي ذلك أنه يصيب الشيوخ أحيانًا قليلة، وفي تلك الحال
يغلب أن تكون إصابتهم مزمنة أي أن المرض بدأ فيهم قبل الأربعين.
(المسألة الثانية) مدخل الميكروب: يدخل الميكروب الجسم من طريق
الجلد أو الرئتين أو القناة الهضمية.
(أ) طريق الجلد وهو نادر الوقوع غير أنه يشاهد أحيانًا ثُؤلول في أيدي
المشرحين لجثث المسلولين، وفي هذا الثؤلول توجد ميكروبات الدرن وقد تنتشر
منه إلى الرئتين أو غيرهما.
وهناك درن الجلد يسميه الإفرنج [لوبس LUPUS] آخذًا من كلمة لاتينية
معناها (الذئب) لأن هذا الداء يصيب كثيرًا الوجه فتتآكل أجزاء كثيرة منه تآكلاً
يشبه نهش الذئب، ولكن هذا الدرن الجلدي قل أن ينتشر ميكروبه في الأحشاء.
وهذا الطريق الجلدي غير مهم في الغالب.
(ب) طريق الرئة وهو طريق مهم جدًّا. ولا يكفي لحصول الداء من هذا
الطريق مجرد استنشاق بعض نَفَس المسلول أحيانًا، ولكن يحدث المرض إذا كثر
الاختلاط بالمريض والقرب منه حتى يستنشق الإنسان الهواء المشتمل على ذرات
تخرج من صدر المسلول أثناء سُعاله فتنتشر في الهواء المحيط به، أما نفسه الهادئ
فلا يوجد فيه الميكروب. وإذا بصق المريض على الأرض أو غيرها وجف
البصاق تطايرت منه أجزاء فيها الميكروب وتكون خطرًا شديدًا على مستنشقيها.
ويكثر وجود الذرات التي فيها الميكروب على بعد نصف متر من فم المصاب
فإذا بعدت عنه مترًا ونصف متر فقلَّ أن يصيبك منها شيء.
وهناك بعض الحيوانات الداجنة التي تصاب بالدرن كالببغاء، وتكون أيضًا سببًا في
العدوى بهذا الداء من هذا الطريق.
ومن الحيوانات الأخرى الداجنة التي تكثر إصابتها به الخيل، ويقل وجوده
في الكلاب والقطط.
(ج) طريق القناة الهضمية، وهو أهم الطرق، فإن كثيرًا من الحيوانات
التي تؤكل يوجد فيها هذا الداء؛ إذ إنه كثيرًا ما يصيب البقر والخنازير والدجاج
والأرانب وخنازير الهند، أما المعز فقلَّ أن تصاب به، وكذلك الضأْن.
ولبن هذه الحيوانات يشتمل كثيرًا على باسيل الدرن إذا أصيبت ضروعها به
ولما كانت معرفة الضروع المصابة عسيرة في أول الأمر كان من الواجب اتقاء
شرب اللبن إلا بعد غليه مدة خمس دقائق على الأقل. وقد يوجد الميكروب في لحم
هذه الحيوانات وأحشائها. ونظرًا لانتشار الدرن في البقر يُشاهد هذا الداء كثيرًا في
بطون الأطفال الذين يربون بلبنها، وقد دلت التجارب أن الحيوانات الصغيرة إذا
ابتلعت ميكروب الدرن نفذ في جدر أمعائها، وأصاب غدد المساريقا فينشأ عنه
مرض هذه الغدد. أو تدرن معوي أو بريتوني، وقد يصل بعد مضي زمن إلى
أجزاء الجسم الأخرى فيصيب الغدد العنقية ويحدث داء الخنازير، وقليلاً ما يصيب
رئتي الصغار.
أما الشبان فإذا نفذ الميكروب خلال أمعائهم لم يصبها بشيء حتى يصل إلى
الرئتين فيحدث السل الرئوي. وهذا الفرق يشاهد أيضًا بين الصغار والشبان إذا
حقنوا بذرات من الكربون (الفحم) فتبقى في بطن الصغار وتصل إلى رئة الكبار،
ومن ذلك استدل بعض العلماء على أن الرئتين قد تصابان بالسل من طريق البطن
إذا أكل الشخص لحمًا أو لبنًا مصابًا، بل رجح هؤلاء العلماء أن إصابة الرئتين
بالسل من هذا الطريق هي أكثر حدوثًا من طريق التنفس.
وفي أكثر الأحوال تكون الإصابة بالدرن موضعية في أول الأمر يعني أنها
تكون قاصرة على عضو واحد، ومن ثم قد تنتشر تدريجيًّا إلى الأعضاء الأخرى
إما بسير الميكروب خلال الأنسجة أو بسيره في الأوعية اللمفاوية. وهناك درن عام
تصاب به فجأة أعضاء كثيرة من الجسم دفعة واحدة، ولكن يكثر في مثل هذا النوع
أن يكون مسبوقًا أيضًا بإصابة صغيرة موضعية كدرن الخُصية مثلاً، أو غدد العنق
أو غير ذلك.
ومما سبق يعلم أن أهم أنواع الدرن اثنان - الدرن العام والدرن الرئوي.
***
الدرن العام أو الدخني
سمي هذا النوع بهذا الاسم؛ لأن الدرنات تكون منتشرة في جميع أجزاء
الجسم تقريبًا وتشبه حبات الدَّخن إذا نثرت فيها.
الأعراض: هذه الأعراض تكون في أول الأمر مبهمة فيشتكي المريض من
ضعف عام ونحافة وإقهاء (فَقْد شهوة الطعام) وصداع وحمّى، وقد يوجد أثر من
الزلال في البول وتسوء حال المريض شيئًا فشيئًا، ثم تظهر أعراض أخرى تعين
إصابة الرئتين ككثرة السُّعال والبصق، أو يصاب الشخص بأعراض تعين إصابة
البطن كالإسهال المتعاصي والمغص، أو بأغراض أخرى تعين إصابة السحايا
كالتشنجات والشلل. والمراد بذلك أن تكون أعراض انتشار الدرن في الأعضاء
المذكورة أظهر من انتشارها في غيرها، وإن كانت كلها مصابةً به.
ويحصل الموت في مدة تتراوح بين ٣ أسابيع إلى ١٠، ولا يعلم باليقين أن
أحدًا أصيب بهذا الداء وشُفي منه.
المعالجة: عديمة الجدوى، وإنما تعالج الأعراض فقط، ويعطى المريض
السوائل المغذية وبعض المنعشات مع بعض مرَكَّبات الأفيون لتسكين الألم والسعال،
ومن المنعشات النافعة جدًّا النوشادر، ويجب أيضًا أن تكون سُكنى المريض في
الأماكن التي تكون طلقة الهواء وتتخللها الشمس كثيرًا.
***
الدرن الرئوي أو السل
هذا الداء يصيب الرئتين بسبب تهييج باسيله لمنسوجها فتتكون الدرنات
ويلتهب ما حولها فيتصلب منسوج الرئة، ثم يتقيح ويتحول إلى تجاويف ممتلئة
بمِدة وصديد تسمى بالكهوف. ويكون ميكروب الدرن مصحوبًا بميكروبات أخرى
من الأنواع البزرية غالبًا إذا حدثت هذه التغييرات المذكورة أخيرًا فإنها تساعده في
إحداثها.
الأعراض: سير هذا الداء مختلف فبعضه يكون سريعًا والبعض الآخر يكون
بطيئًا فيمكث عادة من ستة أشهر إلى بضع سنين.
وأهم أعراضه السعال وضيق النفس والبصق الصديدي والنحافة الزائدة
والحُمَّى ونزف الدم من الصدر.
وتبدأ هذه الأعراض بطرق مختلفة، ففي كثير من الإصابات تبدأ بالسعال
وبصق المخاط مع الصديد زمنًا ما، وكثيرًا ما يتوهم الشخص أن داءه من البرد فلا
يَعْبأ به كثيرًا في أول الأمر، وفي حالات أخرى تبدأ بالنزف الرئوي، وفي هذه
الحالات قد يكون الشخص متمتعًا بالصحة فيندهش بمفاجأة النزف الرئوي له بعد
سعال خفيف فيخرج منه بضعة دراهم أو أوقية، وقد يزيد الدم إلى نصف لتر وبعد
زمن تظهر باقي الأعراض، وقد يعاوده النزف عدة مرات. وفي حالات قليلة يبدأ
المرض بشكل التهاب رئوي أو التهاب بليوراوي مع انسكاب في الصدر.
وهناك بعض الحالات التي تبدأ باضطراب في الجهاز الهضمي فيصاب الشخص
بالإقهاء مع القيء المتكرر والنحافة، ثم تتم باقي الأعراض المذكورة.
***
مضاعفات هذا الداء
الجهاز التنفسي: يصاب بالتهاب الحنجرة، فيُبَح صوت المريض، وفي
بعض الأحوال النادرة قد يكون ذلك أول ما يلاحظ على المريض. ويصاب هذا
الجهاز أيضًا بالتهاب البليورا، كما سبق مع الانسكاب المصلي أو الانسكاب
الصديدي أو الدموي أو تخترق الرئة فيدخل الهواء في تجويف الصدر، وبذلك
يبطل تنفس الرئة المصابة.
الجهاز الدوري: يصاب القلب بالضعف والتمدد في الأحوال المزمنة. وقد
يصيب الدرن بعض شرايين الرئة فيفجرها، ويحصل بسبب ذلك نزف شديد قد
يكون سببًا في الموت العاجل.
الجهاز الهضمي: يصاب - كما قلنا - بالإقهاء والغثيان والقيء وعُسر
الهضم والإسهال، وهو كثير الحصول في درجات المرض الأخيرة. وقد يصاب
البريتون أيضًا بالتدرن، وقد تصاب الكبد والطحال والكُليتان والأمعاء
بتغير مخصوص في أنسجتها يسمى عند الأطباء (الارتشاح الشمعي
degeneration waxy) ويُشاهَد أحيانًا ناسور في الشَّرَج بسبب هذا الداء
أيضًا.
الجهاز العصبي: قد يصاب بدرن في السحايا.
وقد تصاب أعضاء أخرى بالدرن فتزيد المرض شدة فوق شدته.
نهاية المرض: يحصل الموت بهذا الداء بالطرائق الآتية: نهاكة القُوى أو
النزف أو اختراق الرئة أو التهاب السحايا أو انثقاب الأمعاء أو التسمم البولي.
الإنذار: إذا اكتشف هذا الداء في أول درجاته فقد ينجح فيه العلاج ويُشفى منه
المريض غير أن أثر الدرنات يبقى في الرئة. وفي بعض الأحوال يسرع الموت
إلى المريض في أشهُر قليلة، وقد يمكث المصاب به عدة سنين قد تمتد إلى
الخمسين.
المعالجة: لا يوجد دواء لهذا الداء محقق النفع، وإنما يتلخص العلاج في
الكلمات الآتية: يوضع المريض في أصح الأهوية وأجودها وأكثرها تعرضًا
للشمس، ويُكثر من الراحة والنوم لتوفير قواه، وكذلك يُكثر من الأغذية الجيدة
السهلة الهضم كاللبن والبيض والعسل واللحوم بأنواعها إلى غير ذلك، وإذا اشتدت
الحمى أو أصاب المريض الإسهال وجب عليه الاقتصار على الأغذية السائلة.
وبالاختصار يجب اتباع جميع القوانين الصحيحة حتى تتقوى البنية فتتغلب على
المرض. ويُعطى المريض الأدوية المقوية كزيت السمك والحديد (بشرط أن لا
تكون حرارة المريض مرتفعةً جدًّا) والزرنيخ والكينين وغير ذلك، وهناك أدوية
مطهِّرة للصدر يعرفها الأطباء فلا حاجة لذكرها هنا.
ويجب أثناء المرض أن يبادر الطبيب بعلاج كافة الأعراض والمضاعفات
بجميع الوسائل الممكنة السريعة التأثير حتى لا تنهك قوى المريض.
الوقاية: تكون بما يأتي:
(١) يتجنب المريض البصق على الأرض أو في أي مكان يمكن أن يتصل
منه الميكروب إلى الأصحَّاء. ومن أحسن الوسائل أن يُكلَّف المريض بالبصق في
مباصق خاصة (منها ما يحمل في الجيب) ويوضع فيها محلول مطهر كحامض
الفنيك بنسبة ١/٢٠ من الماء. وإذا بصق في منديل وجب حرقه أو غليه غليًا
طويلاً قبل أن يمسه أحد.
(٢) يجب على كل شخص أن يتقي القرب من المريض حتى لا يكون في
طريق الذرات التي تتطاير منه أثناء السعال وغيره، فلا يجوز النوم معه في
الفراش أو الجلوس بالقرب منه. ويجب على المريض أن يتحاشى الزواج خدمة
لنفسه حتى لا تضعف قواه، ولا يأتي بنسل ضعيف وخدمة للأمة بعدم عدوى النساء
وبعدم إيجاد ولد له ضعيفًا أو مصابًا بالسُّل مثله.
(٣) يجب تهوية الأماكن التي يسكنها المسلولون وتعريضها لشعاع الشمس
كثيرًا وتنظيفها دائمًا بالمحاليل المطهرة، وغلي كل ما فيها من أواني وملاءات
وغيرها.
(٤) يجب أن تتقي الأمهات المسلولات إرضاع أبنائهن.
(٥) يجب على الناس كافة طبخ لحوم الحيوانات طبخًا جيدًا وتقطيع اللحم
إلى قطع صغيرة مع إطالة مدة الغلي حتى تصل الحرارة إلى ما قد يكون في باطنها
من ميكروب الداء، فقد ثبت أنه إذا زادت قطعة اللحم عن ستة أرطال فلا تكون
درجة الحرارة في باطنها كافية لقتله. وكذلك يجب غلي اللبن غليًا جيدًا مدة خمس
دقائق على الأقل.
وإذا عُلِمَ أن حيوانًا مصابًا بالدرن وجب اجتنابه وتحاشي أكله أو شرب لبنه
وإبعاده عن الحيوانات الأخرى السليمة. وهناك طريقة لتمييز الحيوانات المصابة
بالدرن عن غيرها، وذلك باستعمال (التيوبركيواين) وسيأتي الكلام على ذلك
تفصيلاً ولْيُلاحَظ عدم الغلو في غلي اللبن كأن يوضع في إناء مغلق وتطول مدة
الغلي فإنه قد ثبت أن ذلك يُفسد بعض مواده الضرورية لحياة الجسم، فإذا اقتصر
الشخص على شرب مثل هذا اللبن المبالَغ في تعقيمه كالأطفال مثلاً فقد يصاب بداء
الكُساح أو بالإسكربوط، فلذا يجب الاعتدال في تطهير اللبن.
وإذا خيف على الطفل من هذين الداءين فيحسن تغذيته بالأشياء الآتية مع اللبن
وهي، القشدة وزيت السمك وعصير البرتقال المُحَلَّى بالسكر أو بالعسل ومرق
اللحم، وإذا كان للطفل بعض أسنان فلا بأس في إعطائه قليلاً من الموز بعد عجنه
ولو باليد النظيفة.
(٦) يجب على كل شخص أن يتجنب كل ما يُنهك القوى ويفسد الصحة
كالسكنى في الأماكن الفاسدة الهواء أو الانهماك في الدخول إلى الأماكن المكتظة
بجماهير الناس كالمسارح و (دور الصور المتحركة) ونحو ذلك ويتجنب السهر
الطويل وإجهاد الجسم أو العقل وكثرة الجِماع أو جلد عميرة وإدمان الخمور،
وينبغي الإكثار من الرياضات البدنية مع الاعتدال، واستنشاق الأهوية النقية-
كالتي في الفلوات والبحار- وتعاطي الأغذية الجيدة السهلة الهضم، والإكثار من
النوم واتقاء شرب الدخان واستنشاق الغازات والأبخرة المتصاعدة من النيران
والمصانع وغيرها، وبالجملة فالواجب التزام قواعد الصحة كافة وعدم التهاون في
شيء منها.
((يتبع بمقال تالٍ))