للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خرافة في سبب تحريم الخمر

(س٢٧) سعيد أفندي قاسم حمود في كنتون أوهايو (أمريكا) دار بيني
وبين جماعة من النصارى حديث أفضى إلى تحريم الخمر فقال أحدهم: لماذا
حرمت الخمر عليكم طائفة المحمدية؟ فأجبته على حسب معرفتي وما كنت أسمعه
شائعًا على ألسنة العامة في سورية قبل هجرتي إلى الولايات المتحدة: حرم لأجل
ذبح الراهب بحيرا قال: ومن ذبحه؟ قلت: أحد الصحابة الكرام، قال: وهل
تعرف اسمه؟ قلت: كلا، قال: ألم يعرف النبي من نحره؟ قلت: نعم (لعله يريد
لا) فقال الملحد في الدين: لماذا لم يقتله وكيف يسكر النبي - صلى الله عليه
وسلم - ويؤخذ سيفه من جنبه ولا ينبأ بذلك؟ فضاق ذَرْعي، ولما كان للإسلام في
مشارق الأرض ومغاربها صوى ومنار كمنار الطريق أتيتكم في عريضتي هذه كي
تفيدونا، ما سبب تحريم الخمر؟ من قتل الراهب بحيرا ولكم الأجر والثواب من
العزيز الوهاب.
(ج) بعد أن أرسلتم هذا السؤال وصل إليكم الجزء الخامس من المنار الذي
فيه تفسير {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (البقرة: ٢١٩) فعلمتم سبب تحريم
الخمر وأنه كان بالتدريج، فلم يكن تأخير الجواب عن هذه الخرافة النصرانية ضائر
بعد ما علمتم الحق، ومن لوازمه زهوق الباطل. أما حكاية قتل الراهب بحيرا فهي
من أكاذيب الرهبان، وقد سمعتها لأول مرة من أحد رهبان دير قزحيا في لبنان،
طَرَقَنَا في ليلة شاتية وكنا في سامرنا (حجرة السهر) بالقلمون فأكرمنا مثواه واجتمع
عليه الصبية وكنت منهم، فقص علينا قصة الراهب بحيرا ووصف من حب النبي
- صلى الله عليه وسلم - له واصطحابه إياه وتحريمه الخمر لأجله، والقصة في
ذلك أن بعض الصحابة ائتمروا بالراهب وخافوا غضب النبي - صلى الله عليه
وسلم - على قاتله إذا هو عرفه فكادوا له حتى سكروا مع النبي - صلى الله عليه
وسلم (حاشاه من ذلك فإنه لم يشرب الخمر قط) ذات ليلة فأخذ أحد المؤتمرين
سيف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم مستغرق وقتل به الراهب وأعاده
إلى غمده، فلما استيقظوا غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - غضبًا شديدًا أن
رأى حبيبه الراهب مقتولاً وسأل من قتله؟ قالوا: من كان سيفه ملطخًا بالدم فهو
قاتله فاستلوا سيوفهم فاعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هو القاتل في حال
السكر (حاشا لله) فحرم الخمر لأجل ذلك.
وكان غرض الراهب من ذلك أن يبين لنا أن نبينا -عليه الصلاة والسلام - كان
يحب الرهبان ويصطفيهم، وقد كان منا من أجاب الراهب بأن القصة كاذبة لا أصل
لها، وما كنا نظن أنها شائعة، وأن من عامة المسلمين من يصدقها. ولهم أكاذيب
أخرى في هذا الراهب المغمول لا يعرف لها أصل غير اختراع مخيلاتهم حتى زعم
بعضهم أنه هو الذي علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين والشريعة. والحق
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير الراهب بحيرا غير مرة واحدة في الشام،
وكان عليه السلام ابن تسع سنين، وبيان ذلك مفصل في المجلد السادس من المنار
(راجع ص ٣٩٤منه) وحكى بعض المؤرخين من النصارى أن بحيرا قتلته اليهود،
والصحيح أنه لا يعرف له تاريخ ولم يكن له شأن، وإنما اهتم النصارى بالكلام عنه
بعد أن رأوا في كتب المسلمين أنه بشر بنبوة محمد عليه السلام عند ما رآه مع
عمه بالشام فحولوا الأمر إلى ما علمت.