للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أبو الهدى أفندي


مكتوب من بعض بلغاء مصر
لسماحة أبي الهدى أفندي الشهير

أهم الأخبار التي يتحدث بها الناس في العاصمة أن بعض الوجهاء في مصر
حمل إلى دار السعادة تقارير مختومة بأختام مزورة بأسماء أكابر العلماء كصاحبي
الفضيلة مفتي الديار المصرية وشيخ الجامع الأزهر , وأن وجيهًا آخر ذهب ليكشف
للحضرة السلطانية مؤامرة على حياته الشريفة , وكثر القيل والقال في هذا , وتناقل
الناس أن هؤلاء الوجهاء لقوا هناك ما يستحقه السعاة المحالون لا ما كانوا ينظرون
وكثرت الرسائل ممن تعنيهم هذه الأمور في مصر إلى دار السعادة وقد وقفنا أخيرًا
على رقيم من أحد بلغاء الكتاب الوجهاء في مصر أرسله إلي سماحة السيد أبي
الهدى أفندي الشهير لكنه يرمي فيه صاحب السماحة السيد توفيق البكري شيخ
مشايخ الطريق بأنه ممن خاض الناس فيهم , فنشرناه لما فيه العبرة مع البلاغة
والفكاهة , وإن كنا نصرح بأن الكلام السابق لا ينطبق على السيد البكري لأنه لقي
إنعامًا (دار ووسام لوالدته وإلزام بالإقامة في الآستانة) لا انتقامًا وهو بحروفه:
سيدي ومولاي
(أقبل يدًا خلق باطنها للكرم وظاهرها للقبل. وبعد فقد كثرت الإشاعات عن
سماحة السيد البكري واختلفت فيها الظنون حتى خشيت عليه من صدق بعضها ,
وقد أقرأني بالأمس شاهين بك مكاريوس كتابًا جاءه من صفا أو صفر بخطه
وإمضائه لا يستطيع صديق لمولاي أن يأتي عليه كله لمحتوياته من القذف والسباب
والشتم والهجاء في البيت الرفيع الرفاعي , وقد ذكر السيد البكري فيه ذكرًا لو سمعه
المسكين لكر إلى مصر هائمًا على وجهه أو عائمًا على قفاه , ولترك بلدًا ليس فيه
للقانون سماعون ولا لكلمة الحق واعون , ولا هى كالبادية يحفظ الرجل فيها شرفه
بقوته ولا هى كالحضر يعز الإنسان فيه بحسن سيرته بل كالجحيم كلما دخلت أمة
لعنت أختها. وماذا أقول في بلد لو كان الإنسان يمشي فيه على صرح بلقيس
ويجلس على بساط سليمان ويأكل شواء من كبش إسماعيل , ويشارب الخضر من
عين الحياة، وينادمه مالك , وعقيل ويصرف ختمه الأمر من مصر إلى عدن إلى
العراق , فأرض الروم , فالنوب , وكان معه أمثال هؤلاء يساكنونه فيه وهو عاجز
أن يؤذيهم فيسحقهم، أو يرديهم فيمحقهم لكن المشي على شوك السيال والجلوس
على صخرة في منقطع العمران والأكل من رأس الضب، والشرب من الطحلب،
والحديث مع حسن باشا محافظ بشكطاش والعجز عن تصريف عنز أروح للنفس
وأهنأ للبال.
لن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب أو إساءة مجرم
مولاي: إن الصابون يغسل الأجساد ولا يغسل الأعراض إلا الدم , ولهذا قيل:
الجمال أحمر. أتحاكم المؤيد من بعد ألف ميل على كتاب قيل إنه طبع في مطبعته
لا هوَ ألفه ولا كتبه ولا أمضاه ولا نشره وتترك من يؤلف ويكتب ويمضي وينشر
مطلق اليد واللسان وهو منكم بين المخلب والناب. والله إن قلبي يكاد يتقطع نياطه
حين أسمع من الناس هذا الاعتراض وهم يبتسمون في خلاله ابتسامات تبكي لها
عيون الذين يعرفون فضلكم وقدركم.
أكتب لمولاي هذا، وأنا أحدث نفسي التي تنظر إلى نفسكم في علوّها
وارتفاعها نظر السلحفاة إلى الأجدل فوق شرفات المجدل بأنه لو مُدَّ لي طريق
قضبانه من الذهب لا الحديد ومركباته من اليواقيت وسائق آلته جبرائيل ليبلغني إلى
بلد أساكن فيه هؤلاء الأوغاد لفضلت الجلوس فوق الأرض وتحت هذه الشجرة التي
تظلني وأنا أكتب لك هذا الكتاب لا أَظْلِم ولا أُظْلَم.
سيدى إنك ابن من منَّ الله عليه بقوله: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ} (الحجر: ٩٥) فليجعل مولاي همه في الدعاء أن يكرمه الله بما أكرم به جده فيكفيه
هؤلاء المستهزئين الشاتمين القاذفين القادرين على الإقامة معه حيث يراهم ويرونه.
مولاي: اعذرني إذا طغى القلم فإني أخاطبك خطاب المحب الصادق والله
يعلم أني أحبك لعلمك وحلمك ونسبك وأدبك لا لجاهك وذهبك , فأنا الغني بالقناعة
وفى مصر لا أخاف ظلمًا ولا أخشى , وأسأل الله جلت قدرته أن يمتعنا بأخلاقك
وصفاتك نياشين المجد والفخر لا بتلك النياشين التي يساويك فيها نجيب ملحمة ,
فلعنة الله على هذه الدنيا ولعنة الله على الآخرة إن كانت مثلها) اهـ بنصه.