للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عيد الدستور بمصر

أنشدنا محمد حافظ أفندي إبراهيم لنفسه في ليلة الاحتفال بهذا الموسم في
حديقة الأزبكية بمصر هذه القصيدة:
أجل هذه أعلامه ومواكبه ... هنيئًا لهم فليسحب الذيل ساحبه
هنيئًا لهم فالكون في يوم عيدهم ... مشارقه وضاءةٌ ومغاربه
رعى الله شعبًا جمع العدل شمله ... وتمت على عهد الرشاد رغائبه
تحالف في ظل الهلال إمامه ... وحاخامه بعد الخلاف وراهبه
خذوا بيد الإصلاح والأمر مقبل ... فإني أرى الإصلاح قد طرَّ شاربه
وردوا على الملك الشباب الذي ذوى ... فإني رأيت الملك شابت ذوائبه
فمن يطلب الدستور بالسوء بعد ما ... حمته يد الفاروقي فالله طالبه
إذا شوكت الفاروق قام مناديًا ... إلى الحق لباه نيازي وصاحبه
ثلاثة آساد يجانبها الردى ... وإن هي لاقاها الردى لا تجانبه
يصارعها صرف المنون فتلتقي ... مخالبها فيه وتنبو مخالبه
روت قول بشار فثارت وأقسمت ... وقامت إلى عبد الحميد تحاسبه
(إذا الملك الجبار صعَّر خدّه ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه)
وسار على أعقابها كل سابح ... على متنه برج مشيد يداعبه
يصيح به (لا ريّ) أو نبلغ المنى ... و (لا شبع) أو يرجع الحق غاصبه
هنالك فانهل واتخذ ثم مربطًا ... بيلدز واحمد في الوغى مَن تصاحبه
رجال من الإيمان ملأ نفوسهم ... وجيش من الأتراك ظمأى قواضبه
صوالجه سمر القنا وكراته ... رؤوس الأعادي والحصون ملاعبه
إذا ثار دكت أجبل وتخشعت ... بحار وأمضى الله ما هو كاتبه
وثلت عروش واستقرت ممالك ... ولو أن ذا القرنين فيها يناصبه
فمن لم يشاهد يلدزًا بعد ربها ... وقد زال عنه الملك واندك جانبه
وأسلمه أحبابه لقضاته ... وفر لم يخش المعرة كاتبه
وقلمت الأقدار أظفار بطشه ... ودل على ما تجهل الجن حاجبه
فما شهد الدنيا تزول ولا رأى ... بلاء قضاء الله في مَن يحاربه
أبيح حماها وانطوى مجد ربها ... وقامت على البيت الحميد نوادبه
ولم يغن عن عبد الحميد دهاؤه ... ولا عصت عبد الحميد تجاربه
ولم يحمه حصن ولم ترم دونه ... دنانيره والأمر بالأمر حاز به
ولم يخفه عن أعين الحق مخدع ... ولا نفق في الأرض جم مسار به
أقام عليه مهلكًا عند مهلك ... يمر به روح الصبا فيوائبه
تحاماه حتى الوهم خوف اغتياله ... فلو مسه طيف لدارت لوالبه
وأسرف في حب الحياة فحاطها ... بسور من الأهوال لم ينج راكبه
ففي كل قفل للمنية مكمن ... وفي كل مفتاح قضاء يراقبه
وفي كل ركن صورة لو تكلمت ... لما شك في عبد الحميد مخاطبه
تماثيل إيهام أنيمت وأقعدت ... تراءى بها أعطافه ومناكبه
تمثله في نومه وجلوسه ... وتخدع فيه الموت حين يقاربه
أقام عليه ألف موت محجب ... ليغلب موتًا واحدًا عز غالبه
سلوه أأغنت عنه في يوم خلعه ... عجائبه أو أحرزته غرائبه
وقد نزل المقدار بالأمر صادعا ... وضاقت على شيخ الملوك مذاهبه
وأخرجه من يلدز رب يلدز ... وجرده من سيف عثمان واهبه
وأصبح في منفاه والجيش دونه ... يغالب ذكرى ملكه وتغالبه
يناديه صوت الحق ذق ما أذقتهم ... فكل امرئ رهن بما هو كاسبه
هم منحوك اليوم ما أنت مشتهٍ ... فرد لهم ما أنت بالأمس سالبه
ودع عنك ما أملت إن كنت حازمًا ... فلم يبق للآمال فضل تجاذبه
مضى عهد الاستبداد واندك صرحه ... وولت أفاعيه وماتت عقاربه
لك الله يا تموز إنك بلسم ... لجرحى الأسى والدهر تعدو نوائبه
فكم رعت جبارًا وأرهقت ظالمًا ... وأنصفت مظلومًا توالت مصائبه
فديناك من شهر أغرَّ محجل ... أوائله ميمونة وعواقبه
تقابله الأعياد في الأرض كلما ... تجلى هلال الشهر أو لاح حاجبه
ففي الغرب عيد ينظم الغرب حسنه ... فتهتز من وقع السرور جوانبه
وفي الشرق عيد لم ير الشرق مثله ... تدفق في دار السلاح مواكبه
يطفون بالعرش الكريم وربه ... تطيف بهم آلاؤه ومناقبه
لتهنئ أمير المؤمنين محمدًا ... خلافته فالعرش سعد كواكبه
ستملك أمواج البحار سفينة ... كما ملكت شم الجبال كتائبه
ممالكه محروسة وثغوره ... ركائبه منصورة ومراكبه
وأرسل إلينا إسماعيل بك عاصم المحامي المصري هذه القصيدة من الآستانة:
عيد عز الدستور بالأمن أسفر ... نوره الأنام الله أكبر
آل عثمان هاكم اليوم يوم ... هلل القلب فيه بشرًا وكبر
يوم عيد الحرية التي كم بتـ ... ـنا زمانًا لبعدها نتحسر
كل حرية بغير حماة ... لا يراعى زمامها من تجبر
ولهذا جاء الرشاد ليحميـ ... ـها فكانت لعصره خير مظهر
يا أميرًا للمؤمنين وسلطا ... ن جميع الشعوب لا فرق يذكر
كل هذي الأقوام ترجوك في تعويض ... ما فات أنت بالعدل أقدر
أنت أدرى يا صاحب الملك بالما ... ضي فأدرك بحزمك الملك تشكر
يا رجال الوزارة الصيد هذا الـ ... ـوقت في هوله كيوم المحشر
دققوا في الحساب بالقسط ترتا ... ح البرايا فطالما الظلم كدر
فالمليك المحبوب رأس وأنتم ... منه أعضاؤه به تتأثر
والكرام النواب أوردة الجسـ ... ـم وماء الحياة منها تفجر
آل عثمان إن سلطاننا أعـ ... ـظم ملك بنوره نتبصر
هو حامي الدستور حامي الرعايا ... حافظ العهد للعدالة أظهر
فتفانوا في حبه فهو بالإخـ ... ـلاص منا وبالمحبة أجدر
أيها النائبون عن هذه الأمة ... أنتم لها العماد الأكبر
أنتم عارفو البلاد وحاجا ... ت الأهالي وما به تتعمر
أعين الناس نحوكم ناظرات ... فاظهروا للورى بأشرف منظر
لا نريد استرداد ما راح لكن ... حفظ ما عندنا فلا نتقهقر
ثلث قرن مضى ونحن من الإر ... هاق كانت أعصابنا تتخدر
ثلث قرن ونحن في ظالمات ... بعضها فوق بعضها تتكرر
فجلا تلكم الدياجي نور ... من سنا قادة الجيش مظفر
أنقذونا وكاد الروح تدنو ... للتراقي وصائح الموت زمجر
فسجدنا لربنا وشكرنا ... هؤلاء الأبطال والحر يشكر
يا ليوث الوغى ويا خير من أحـ ... ـيا نفوساً كادت من الظلم تقبر
يا أسود الشرى ويا خير من قوَّ ... م ملكا قد كاد أن يتدمر
قد جلوتم لنا عروسًا تجلت ... تتجلى بدر السماء وأزهر
وهي حرية أضأت ودستو ... ر بحفظ الحقوق في الملك بشر
فعليك السلام يا شوكت ... منا تليه تحية تتعطر
أنت أدركت ذي الخيانة فانقضـ ... ـيت حتى ظفرت والملك عمر
وعلى الفرقدين أزكى سلام ... بطلي تركيا نيازي وأنور
لا تقولوا قد راح مدحت عنا ... كلكم مدحت إذا ما تدبر
فاتركوا ما مضى وجدوا لما يأ ... تي بحزم النهى وعزم الغضنفر
واستعينوا بالحق دومًا ومبعو ... ثانكم فالنجاح في ذاك أكثر
خير ما ينفع الشعوب ثبات ... واتحاد بعزمه تتحرَّر
فهنيأ يا آل عثمان هذا ... يوم عيد للناس عيد مكبر
دام سلطاننا ونوابنا والجيش ... والشعب في الهناء الأوفر
هذه غادة من النيل وافت ... بسناها ودلها تتبختر
غادة زانها حلي المعاني ... ومن اللفظ عقد در وجوهر
أقبلت في بشائر أرختها ... عيد عز الدستور بالأمن أسفر
سنة ١٣٢٧ ... ... ... ... ... ٨٤ ٧٧ ٧٠١ ١٢٤ ٣٤١
* * *
ضاق هذا الجزء عن باب الفتاوى وفيه بيان معنى كون الدستور موافقًا للشرع وغير ذلك من المسائل فأرجأناه إلى الجزء الآتي.