للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة

(س١) الاستمطار بالكهربائية ومفاتح الغيب - محمد أفندي كامل الكاتب
بمحكمة أسيوط: رأيت في بعض المجلات أن علماء الطبيعة في اليابان أمكنهم أن
يستحدثوا سحبًا ويستمطروها حسب أهوائهم. ورأيت في مجلة أخرى أنهم في
بلاد الإنكليز يستمطرون السحب الطبيعية. وقد ورد في القرآن الشريف للإعجاز
أن الخالق جلّت قدرته هو الذي ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام إلخ. وورد أيضًا
أن الغيث ينزل بقدر معلوم، وأن الله تعالى هو الذي يرسل السحاب حيث يشاء.
فهل ما ذكر عن الإنكليز واليابان ينافي الإعجاز الوارد في القرآن وما حدده من علم
الإنسان بالكائنات؟ نرجو البيانات وتفسير الآية (نفعنا الله والمسلمين بغزارة علمكم)
اهـ باختصار.
(ج) إن الأمة الأميركية هي السابقة إلى ادعاء إمكان الاستمطار بالعمل
وذلك بإرسال مقدار عظيم من الكهربائية في الجوّ تنتشر في السحاب فتجتمع بها
دقائق البخار فتكون ماء فينزل مطرًا. ويقال إنهم جربوا ذلك فنجح بعض النجاح
ولكنه لم يأت على حسب المراد، ويصير خاضعًا لكسب الإنسان يفعله متى أراد،
والذي نبههم إلى هذا ملاحظة حدوث المطر عَقيب الحرب حيث تطلق المدافع
فتحدث في الجوّ تغيرًا عظيمًا.
وليس من المحال عقلاً ولا شرعًا أن يصل علم الإنسان بسنن الله في الخلق
إلى حد يستمطر به السحاب متى شاء فإن الله تعالى لم يجعل لعلم الإنسان بالكائنات
حدَّا معينًا، بل تشير آيات القرآن بإطلاقها إلى أنه لا حدَّ له كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (الجاثية: ١٣) ولا ينافي ذلك - إن حصل
- كون الله تعالى هو الذي ينزل الغيث وكونه ينزله بقدر معلوم فإن ما يناله الإنسان
بسعيه وكسبه لا يخرج عن قدرة الله تعالى وعلمه، ولم يرد ذلك للإعجاز. أرأيت
هذه الينابيع التي تفجّرها. والآبار التي تحتفرها، أهي تخرج بكسبنا عن سلطة
القدرة الإلهية. وتحتجب بسعينا عن علمه المحيط بالبريّة؟ كلا.
أما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (لقمان: ٣٤)
فليس نصًّا في كون علم الإنسان يصل إلى معرفة شيء من هذه الأمور. ولكن
يشتبه على الناس تفسير قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} (الأنعام: ٥٩) بهذه الخمس المذكورة في الآية كما في حديث أحمد والبخاري. وقد قال الإمام الرازي وغيره: إن المراد مفاتح خزائن الغيب، أي: فلا يعلم جميع ما
في خزائن الغيب إلا من بيده مفاتحها وهو الله تعالى. وقد ظهر لي في أيام طلب
العلم وقراءة التفسير وجه دقيق لجعل هذه الخمس مفاتح للغيب ولم أر أحدًا من
المفسرين تعرض لذلك. وقد عرضت هذا الوجه يومئذ على أستاذنا الشيخ
محمود نشابة وعلى شيخنا القاوقجي (رحمهما الله تعالى) فاستحسناه وكتبته في
كتابي (الحكمة الشرعية) وهو: إن المفاتح جمع مَفتح بفتح الميم أو كسرها
بمعنى الخزائن أو المفاتيح، والغيب ما غاب عن الناس وهو عالم الآخرة وعاَلم البرزخ
بين الدنيا والآخرة وبعض عالم الدنيا وهو النبات الذي لم ينبت والحيوان الذي لم يولد وما تكسبه الأنفس في المستقبل. فالساعة مفتح عالم الآخرة، والغيث مفتح عالم
النبات، وما في الأرحام مفتح عالم الحيوان، وقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا
تَكْسِبُ غَدًا} (لقمان: ٣٤) ظاهر في مفتح الكسب والأعمال التي ستحدث.
وكذلك الموت مفتح عالم البرزخ ظاهر في باقي الآية. اهـ. وفي الكتاب تصوير
لمعنى الآية بصورة أخرى. ولك أن لا تسمي الموت برزخًا ولا تجعل
البرزخ عالمًا.
***
(س٢) الأعطار الإفرنجية - أ. ز. غ. في السويس: أرجو الإفادة عن
العطر المسمّى (باللوندا) ونحوه أطاهر أم نجس إلخ.
(ج) هو طاهر كما بيناه بالأدلة في الصفحة ٥٠٠ من المجلد الرابع
فليراجعه السائل.
***
(س٣) الخطباء والموضوعات - أ. على. بالأزهر: صلينا آخر جمعة
من جمادى الثانية في الأزهر الشريف فسمعنا الخطيب ذكر في الخطبة الحديث
الذي كنتم ذكرتموه في المنار أنه موضوع وهو: من صام يومًا من رجب فله كذا إلخ
فإذا كان ما نقلتم عن المحدثين من وضعه هو الصحيح الثابت فكيف يتجرأ خطيب
الأزهر على إسناد الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب
على رءوس أشهر علماء الدين في المسلمين. وهل يجب منع أمثال هؤلاء الخطباء
من ذلك أم لا؟
(ج) جاء في فتاوى ابن حجر المكي الحديثية أنه سئل عن خطيب يَرْقَى
المنبر في كل جمعة ويروي أحاديث كثيرة ولم يبين مُخَرِّجِيها ولا رواتها. فَذَكَر في
الجواب اشتراط معرفة الحديث في جواز ذلك أي: أن يكون الخطيب محدثا يروي ما
صح عنده أو ينقله من كتب الحديث المعتبرة. قال: (وأما الاعتماد في رواية
الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث أو في خطب
ليس مؤلفها كذلك فلا يحلّ ذلك) من فعله عزّر عليه التعزير الشديد.
وهذا حال أكثر الخطباء فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها
وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلاً أم لا، فيجب على حكام كل
بلد أن يزجروا الخطباء عن ذلك ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن
ارتكبه) . اهـ ولا يخفى أنه ليس عندنا في هذا العصر حفاظ ولا محدثون فيا ليت
مدير الأوقاف يلزم الخطباء بتخريج الأحاديث من الكتب الصحيحة وعزوها في
الخطبة إلى مخرجيها كالبخاري ومسلم وغيرهما من الحفاظ.
والذي ساق الخطباء إلى اختيار الأحاديث الموضوعة والواهية هو التزامهم
إنشاء الخطب في مدح الشهور والمواسم المبتدعة. وإذا لم يجدوا حديثًا صحيحًا ولا
حسنًا في صوم رجب ذكروا المكذوب والواهي. أكثر المشتغلين بالعلم جهلاء
بالحديث، ومن كان منهم عالمًا به في الجملة فهو غير عامل، فلا ينهى عن المنكر
ولا يأمر بالمعروف ولذلك استمرت هذه المنكرات حتى كاد يعدها العامة من
ضروريات الدين، ألا تراهم يحتفلون بصلاة الرغائب في دار السلطنة وغيرها
وهى كما نص الفقهاء والمحدثون بدعة مذمومة (راجع بدع رجب في المجلدين
الثاني والثالث) .
***
(س٤) القراءة على القبر - الشيخ أحمد حامد بدوي بالأزهر: قرأت في
رواية (عذراء قريش) لحضرة جرجي أفندي زيدان (أنه لما اشتد الخلاف على
عثمان رضي الله عنه دخل علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - عند قبر رسول الله
عليه الصلاة والسلام شكا إليه حال الأمة ودعا لها ثم قرأ الفاتحة) ونحن نعتقد أن
قراءة القرآن لا تجوز على القبور مطلقًا فجئنا بهذه السطور لنسأل المنار هل ما
نعتقده صحيح أو يجوز قراءة القرآن كما فعل الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله
عنه (كما قاله صاحب الرواية) وللإسلام منكم مزيد الفضل والشكر.
(ج) إن الأخبار والآثار التي يحتج بها شرعًا لا تؤخذ من القصص ولا من
كتب التاريخ وإنما تؤخذ عن المحدثين الذين يبينون أسانيدها ليُعلم: أيحتجُّ بها أم لا،
فالأثر المنقول في الرواية غير صحيح، ولو صح لجاء فيه الخلاف في الاحتجاج
بعمل الصحابي، ثم يقال بعد هذا: إن العلماء مختلفون في جواز القراءة عند القبر
ولا بد أن يكون اعتقاد السائل بالمنع مبنيًّا على عدم الاعتداد بما ذكر المجيزون من
الدليل فكيف يعتد بعد هذا برواية في قصة لمن ليس من أهل الحديث؟ وقد ذكرنا
رأينا في المسألة من قبل؛ فلا نعيده. فليراجع السائل الجزء الرابع من هذه السنة
والمجلدات السابقة.