للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الخلافة الإسلامية

(مقال لجريدة الأهرام في المقابلة بين كتاب (الخلافة) العربي الذي نشره
صاحب المنار، وكتاب (الخلافة والحاكمية القومية) التركي الذي صدر عن أنقرة
وما كان من عناية الأهرام - شيخة الجرائد العربية - بتلخيص الكتاب التركي
وعناية (إقدام) شيخة الجرائد التركية بالكتاب العربي) .

إن التغيير الجوهري الذي أحدثه الكماليون في أمر (الخلافة الإسلامية) قد
اختاروا له طورًا خطيرًا من أطوار (المسألة الشرقية) لأن ذلك وقع في الوقت
الذي كان العالم الإسلامي يشعر فيه بحكم سليقة الجماعات بأن حقًّا عليه لتركيا أن
يظهر بمظهر التأييد لها ما دامت خائضة مع أوروبا في لوزان أعظم معركة سياسية
تحوم حول تصفية كثير من حسابات الشرق والغرب. فنهجت العامة ومن هم في
حكم العامة من جماهير المصريين والهنود وغيرهم المنهج الذي علمه الناس في أمر
الخلافة. ولكن كما أن للعامة لغة تنطق بها على ما تقضي به الدواعي فإن هنالك
عهدًا بين الله وبين الخاصة أن لا يكتموا العلم ولا يخذلوه.
ومن أجل ذلك صدر أثناء ضجيج العامة من الناطقين بالعربية في بلاد العرب
وبالتركية في بلاد الترك كتابان اثنان عن (الخلافة الإسلامية) أحدهما بلغة العرب
وهو كتاب (الخلافة) لحضرة الأستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة
(المنار) وهو أحفل كتاب أُلِّفَ من صدر الإسلام إلى الآن في هذا الموضوع حيث
تناوله من جميع أطرافه ووفاه حقه من التمحيص وأرضى فيه الحق الذي يقره عليه
فحول علماء العالم الإسلامي وفي مقدمتهم علماء مصر والهند، القطرين الإسلاميين
العظيمين.
وأما الكتاب الثاني فهو الكتاب الذي صدر من أنقرة باللغة التركية وقد ضمَّنه
أصحابه أقصى ما يمكنهم من عبارات الاعتذار للكماليين عما فعلوه في أمر الخلافة،
حتى اضطروا إلى أن يطعنوا في جميع أمراء المؤمنين أيام عصور الإسلام
الذهبية بعد الخلفاء الراشدين، كل ذلك لأجل أن يقولوا: إن أمراء المؤمنين لا
يصلحون لتولي إمارة المؤمنين، رغم قاعدة الشورى والقيود الشرعية التي من حق
الأمة أن تقيدهم بها بحكم الشرع، ومع ذلك فإننا لا نبخس هذا الكتاب حقه فهو
- والحق يقال - قد كُتِبَ بأجود أسلوب يمكنهم أن يكتبوه به، وقد سبق للأهرام
تلخيصه بكل أمانة.
وكما عنينا نحن بكتاب (أنقرة) عن الخلافة ولخصناه لقراء (الأهرام) كذلك
عنيت جريدة (إقدام) التركية التي تصدر في الآستانة بالكتاب العربي عن الخلافة،
فأنشأ شيخ الصحافة التركية أحمد جودت بك صاحب جريدة إقدام مقالة عن هذا
الكتاب أرسلها إلى جريدته من (لوزان) متضمنة تقريظه وانتقاده، وهذا تعريبها:
تقريظ مدير جريدة أقدام التركية لكتاب الخلافة
لقد نشر السيد رشيد رضا محرر مجلة (المنار) الصادرة في مصر كتابًا في
المدة الأخيرة عنوانه (الخلافة أو الإمامة العظمى) .
وذلك بمناسبة الحوادث والمسائل التي وقعت أخيرًا بشأن الخلافة الإسلامية،
وقدم له مقدمة خاطب بها الترك والعرب والهنود وسائر الشعوب الإسلامية.
وقد قال في فقرة يخاطب بها الترك: (أيها الشعب التركي العاقل: إنني
أهدي إليك هذه المباحث التي كتبتها في بيان حقيقة الخلافة وأحكامها، وشيء من
تاريخها وعلو مكانتها، وبيان حاجة جميع البشر إليها، وجناية المسلمين على
أنفسهم بسوء التصرف فيها، والخروج بها عن موضوعها) ثم أورد في اثنين
وأربعين فصلاً آراء ومباحث شرعية وسياسية واجتماعية عن الخلافة والإمامة وما
يتعلق بهما، وما من مبحث من هذه المباحث إلا وهو جدير بإمعان الإخصائيين فيه
على حدته، والسيد رشيد عالم مشهور من علماء الإسلام في العصر الحاضر وهو
تلميذ المرحوم (الشيخ محمد عبده) الذي كان علامة إسلاميًّا، وكانت وفاته من
عظميات الخسائر على العالم الإسلامي؛ لأبحاثه وتدقيقاته في قوانين أوروبا
وشئونها الاجتماعية وأبحاثها العلمية، وهو أعظم من أدخل النور على مصر وأوجد
فيها العقلية العصرية.
أريد أن أتكلم على بحث من أبحاث السيد رشيد، وهو البحث الذي عنوانه
(الترك العثمانيون والخلافة والتفرنج) (ص١٣٧) فإن السطور الواردة تحت هذا
العنوان لفتت نظري إليها، فهو يقول:
(كان أجدر المسلمين بالسبق إلى هذا - أي إلى إصلاح نظام الخلافة - رجال
الدولة العثمانية، ولا سيما الذين يقيمون في الآستانة والرومللي من بلاد أوروبا
يشاهدون تطور شعوبها وترقيهم في العلوم والفنون والنظام، ولكن دولتهم لم تكن
دولة علوم وفنون؛ لأنه لم يكن لهم لغة علمية مدونة قابلة لذلك إلا في أثناء القرن
الماضي. (وقال المؤلف) في موضع آخر من كتابه: (إن العثمانيين لم يجتهدوا
في تكوين اللغة التركية حتى تكون كذلك، ولم يكن يتعلم علوم الإسلام منهم إلا قليل
من المقلدين، ولهذا جعلوا سلطة سلاطينهم شخصية مطلقة، حتى بعد تحليتهم بلقب
الخلافة، فلما صاروا يدرسون تاريخ أوروبا وقوانينها، وثوراتها على حكوماتها
لإزالة استبدادها، ظنوا أن لا سبيل لتقييد استبدادهم ومنع ظلمهم إلا بتقليد أوربة
في شكل حكوماتها الملكية المقيدة، ثم رجّحوا في هذا الزمن الجمهورية؛ لأنهم رأوا
أن جعل السلطان مقدسًا غير مسئول كما قرروه في قانونهم الأساسي لم يف
بالغرض، ولو درسوا الشريعة دراسة استقلالية كما يدرسون القوانين، لوجدوا
فيها مخرجًا أوسع وأفضل من القانون الأساسي السابق، ومن الخلافة الروحية
وحكومة الجمعية الوطنية الحاضرة) .
السيد رشيد يؤاخذنا لرجعونا إلى الطرق الأوروبية، ولا نراه محقًّا في ذلك؛
إذ هو أيضًا يعلم حق العلم أن الخلافة لم تستقم في طريقها إلا إلى آخر مدة عمر،
وبدأت الفوضى زمن عثمان، فلم يعد في الإمكان إدراك مثل دوري أبي بكر وعمر.
وبعد هذين الشيخين لم يظهر من يدانيهما في العدل غير رجل واحد هو عمر
ابن عبد العزيز وآخر من الترك هو نور الدين زنكي ويعد رابعهم. ومعلوم كم ذا
الذي لقيه المسلمون من مضار الاختلاف بين الأمويين والعباسيين.
ينتقد السيد رشيد رضا جنود الترك لتغلبهم على الخلافة العباسية، نعم لقد صدر
من هؤلاء بعض أمور غير مناسبة، ولكن من المعلوم جنوح الخلفاء العباسيين بعد
ذلك إلى عدم الاعتقاد، فإذا صار الخلفاء إلى ذلك ماذا يصنع الجاهلون من الجنود
الذين في معيتهم.
والسيد رشيد يعزو كل هذه الأمور التي حلت بالإسلام إلى الفتن والمفاسد التي
نصبها مجوس فارس لتقويض هذا الدين ودك معالمه، ولكن هل مفاسد زماننا أقل
من مفاسد ذلك العهد؟ وإذا كان أولئك يدسون دسائسهم من تحت ستار فإن أمثالها
في هذا الزمان ترتكب علنًا، وهذا ما فعله الشريف حسين بتركيا ماثل أمامنا، فهل
في أحكام الشرع ما يجيز قيامه على تركيا؟ إذن فهنالك أمور تتبدل بحسب الزمان.
إن الترك لم يكونوا البادئين بالانصراف إلى جامعتهم القومية. فهم لما رأوا
الحركات الموجهة إليهم قالوا: فلنفكر إذن في قوميتنا، وليس معنى ذلك أن الترك
قطعوا علاقتهم بالمسلمين، فالصلة المعنوية باقية كما كانت، ونحن سنؤسس علاقتنا
الحسنة مع جاراتنا الحكومات العربية قائلين: مضى ما مضى وسنتمسك بأواخي
الود مع كل جيراننا من عرب وعجم، دون أن نتدخل في الشئون الداخلية والآمال
القومية لأية أمة من تلك الأمم، وسنتعاون معهم علميًّا واقتصاديًّا إذا استطعنا، ولا
ننظر إليهم بعين العداء كما كنا نفعل وقتًا ما. فلتعمل كل أمة من هذه الأمم على
حدتها ولتسر في طريق الحضارة والارتقاء حتى تبلغ ساحل السلامة، إن الحكمة
ضالة المؤمن ونحن سننشد هذه الضالة ونأخذها حيث وجدناها في الشرق أو الغرب،
ومن الخطأ الفاحش التعامي عن المحاسن المؤدي إلى التأخر.
نحن نظن أن في استطاعة المسملين أن يستفيدوا من موقف الخلافة الحاضرة
علمًا وأدبًا استفادة لم يسبق حصولها، لأن السياسة كانت تعترض في سبيل ذلك،
فإذا كان علماء الإسلام وأهل الخير منهم يودون الاستفادة من الخلافة حقًّا، فإن
هنالك وسائل لا تضر أحدًا. فالمسلمون في كل مكان محتاجون إلى مرشدين في
العلم والتهذيب؛ إذ إن المسلمين في بعض الأماكن (ولا نريد أن نسمي) واقفون
موقفًا سيئًا في جهة الاتصال بين دينهم وقوميتهم، فإذا لم تبذل العناية في تهذيبهم
وتعليمهم فإن مستقبلهم مظلم، وإنشاء الأوضاع الدينية والتهذيبية لهؤلاء يحتاج إلى
مال، فليقرر المسلمون أولاً هذه الجهة. كأن نؤسس مدرسة إسلامية عملية في مقر
الخلافة لتدريس العلوم الدينية والعلوم العصرية معًا. فإذا تحققت المعونة على ذلك
من المسلمين يمكن الآن أكثر مما كان ممكنًا من قبل قيام الخلافة بهذه المهمة
التهذيبية.
وكما أن السيد رشيد وجه إلينا خطاب الود والصداقة في بعض فصول كتابه
فإن فيه أيضًا فقرات ينتقدنا بها بشدة، وهو ينصح لنا دائمًا أن نستمد من الشرع
الإسلامي وأن نستنير بتاريخ الإسلام، ويعنى عناية زائدة بتوطيد أواخي الإخاء بين
المسلمين ويرى أن ضعف الحكومات الإسلامية ناشئ عن الوهن العارض من هذه
الجهة. فهو ينتقد كون شخص السلطان (مقدسًا وغير مسئول) مع أن المقصود من
ذلك أنه ليس للقانون سبيل إليه وأن المسئولية في المملكة منحصرة في رئيس
الوزارة وزملائه، ولا يكون السلطان مسئولاً إلا إذا باشر العمل فلا يكون حينئذ
دستوريًّا، والسلطان الدستوري الحقيقي عندنا هو السلطان محمد الخامس ولكن
الذين لم يرق لهم عمله من رجالنا كانوا يسمونه (الدرويش محمد) .
وينتقد السيد لغتنا بأنها ليست لغة علم، وحقًّا إن تقصيرنا نحن معاشر الترك
العثمانيين وغفلتنا في هذا الأمر عظيمة. ففضلاً عن إهمالنا جعل التركية لغة علم
فإننا أهملناها بوجه عام، وكان شعراؤنا في مقدمة الذين أهملوها حتى جعلوها
بشكل لا يفهمها جمهور الشعب، ولم يبق فيها من التركية غير الروابط وسائرها من
العربية والفارسية. مما يؤسف له أننا إلى اليوم كلما أردنا أن نصطلح على اسم نلجأ
إلى العربية حتى إذا وجدنا فيها لفظة غير علمية نصرفها عن معناها إلى معنى آخر
ونلوكها بألسنتنا، كأن ذلك لا يكون إلا بأخذه من العربية. ولا تزال اللجنة التي في
وزارة المعارف سائرة على هذا المنهاج، ولو أمعنوا النظر لوجدوا في التركية ما يسد
في هذا المسد. ولكن ليس بيننا من يعرف التركية حقًّا. ولا نعلم فروعها كما يعلمها
الأستاذ فون لوكوك أستاذ التركية في برلين وذلك لأن رجالنا لم يتعودوا إزعاج
أنفسهم بالرحلة في سبيل العلم، بل كل منا يريد أن يمتلئ جيبه نقودًا وأن يبقى في
بلده محتفظًا براحته فلا يذهب إلى تركستان ولا إلى الأناضول لدرس اللهجات
التركية. وإن كتاب اللغة الذي هو مصدر للسان الترك إنما جاءنا به من مدينة
(كاشغر) رجل عربي من أهل طرابلس الشام [١] فأصبحنا وليس للغة التركية كتاب
صرف ولا قاموس؛ لأنه ليس عندنا رجال يحملون أنفسهم عناء الدرس والتحقيق،
فمتى يا ترى يكون عندنا هؤلاء الرجال؟ الله أعلم اهـ.
***
(تعليق المنار على مقالة جريدة إقدام في الخلافة)
قد كتب رصيفنا جودت بك ما كتبه وهو لم يقرأ من كتاب الخلافة إلا ما يتعلق
بالترك كله أو بعضه كما يظهر لنا، ولعله لو قرأه كله لكتب غير الذي كتبه في
الخلافة والخلفاء، والحكومة الإسلامية، وما يقابلها من الحكومات الأوروبية، ولما
كان قد نقل مما قرأه منه تعليلنا تقليد الترك للإفرنج بعدم دراستهم الشريعة دراسة
استقلالية كما يدرسون القوانين. كان ينبغي له أن يقرأ جميع مباحث هذا الكتاب
الوجيز المبين لحقيقة الخلافة وتفضيل الحكومة الإسلامية على الحكومات الإفرنجية
قبل أن يبدي رأيًا في المسألة فنحن نتنقد عليه هذا ونناقشه في بعض المسائل التي
هي من لُبَاب الموضوع فنقول:
(١) إنه لا يرى لنا حقًّا في مؤاخذة الترك في الرجوع إلى الطرق
الأوروبية في حكومتهم، واستدل على ذلك بأن الخلافة لم تستقم على طريقتها إلا
إلى آخر مدة عمر. (قال) : وبدأت الفوضى في زمن عثمان ... وافتات علينا
بقوله: إننا نعلم ما قاله حق العلم، ولو قرأ الكتاب لما قال هذا القول، فإن فيه ما
يخالفه. وقد أخطأ فيه خطأ آخر بطعنه في خلافتي عثمان وعلي من الراشدين
المهديين رضي الله عنهما فخالف بهذا إجماع أهل السنة، وكذا الشيعة في الطعن
في علي كرم الله وجه، ولا أقول إنه وافق الخوارج، فإن طعنه في خلافة الصهرين
غير ما ينقمونه منهما. وأخطأ أيضًا في حكمه بأن الفوضى ظهرت من أول خلافة
عثمان، والصواب أن ما سماه الفوضى ليس إلا ثورة من ثار عليه رضي الله عنه،
وهي لم تظهر إلا في أواخر مدته وبدأت أسابها في الشطر الثاني منها، فقد أخرج
ابن سعد عن الزهري إمام المحدثين أنه قال: ولي عثمان الخلافة اثنتى عشرة سنة
فعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئًا، وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن
الخطاب لأن عمر كان شديدًا عليهم، فلما وليهم عثمان لانَ لهم ووصلهم، ثم توانى
في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر ... إلخ ما قاله هنا
مختصرًا ورواه ابن عساكر عنه عن سعيد بن المسيب مفصلاً.
والخطأ الأكبر جعْله الثورة على عثمان مطعنًا في شكل الحكومة الإسلامية
المُعَبَّر عنها بالخلافة - ومطعنًا في كفايته وعدالته - أما الأول فباستدلاله بها على
تخطئتنا للترك في تفضيل طريقة الإفرنج في الحكومة الملكية المقيدة ثم الجمهورية
على الطريقة الإسلامية - وأما الثاني فبقوله: إن الخلافة لم تستقم إلا إلى آخر مدة
عمر، وبعدم اعترافه بعدالة أحد بعد عمر بن الخطاب إلا عمر بن عبد العزيز
ونور الدين زنكي التركي الأصل. ذلك بأن الناس ما ثاروا على عثمان بظلم اقترفه،
وإنما ثاروا بظلم بعض عماله من مجرمي بني أمية، وكَمْ قتل الثوار في أوربة
من ملك ورئيس جمهورية ولم يعد أحد قتلهم دليلاً على فساد طريقة الحكم في بلادهم،
والثورة على عثمان لم تكن عن سخط على نظام الخلافة ولا أحكام الشريعة ولا
بسبب اتهامه بمخالفتها والخروج عنها، بل أثارها ظلم بعض عماله في الظاهر،
وجمعية عبد الله بن سبأ اليهودي في الباطن.
وأما الفتن التي حدثت في خلافة علي كرم الله وجهه فقد كانت ببغي معاوية
وآله وبدسائس السبئيين أيضًا، وتلا ذلك تأويلات الخوارج الباطلة. وعمر بن عبد
العزيز لم يكن على فضله بالعلم والعدل والزهد بالذي يلز بعليٍّ في هذه الثلاث، دع
سائر مناقب عليٍّ وفضائله، وأما نور الدين فلم يكن من فرسان ميدان هذا ولا ذاك،
على ما يعرفه له التاريخ من العدل والزهد والصلاح، إذ كان عاميًّا مقلدًا، وأين
العامي المقلد من كبار علماء مذهبه؟ وأين هم من إمام المذهب؟ وأين هؤلاء الأئمة،
المعروفون بعلماء الأمصار من عمر بن عبد العزيز؟ وأين هو من إمام الأئمة،
وأقضى قضاة الأمة، ربيب الرسول وصنوه الذي جعله منه كهارون من موسى
عليهم الصلاة والسلام؟
يكثر غلاة التفرنج من ذكر الفتن التي وقعت في عصر الإسلام الأول بين
الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، يريدون بذلك الطعن في الحكومة الإسلامية
وهم لا يعرفون من تلك الأحداث إلا بعض قشور الأخبار التاريخية، وقد خانتهم
كلهم فلسفتهم الاجتماعية فيها، ولولا ذلك لعلموا أنها أحداث كانت تقتضيها سنن
الاجتماع البشري في ملك جديد، طويل عريض، لم يعرف التاريخ له مثلاً من
طريف ولا تليد، فإن جمع الإسلام لكلمة العرب المتفرقة منذ ألوف السنين في
عشرين سنة كان من المعجزات الاجتماعية التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه
وسلم، ثم إن استيلاءهم بهدايته على قيصرية قيصر (إمبراطورية الرومان)
وكسروية كسرى وآسية الصغرى وشطر أفريقية الشمالي كله في جيل واحد - كان من
خوارق سنن التواريخ أيضًا، كما كانت قدرة هؤلاء الأميين الذين غلبت عليهم
طبيعة البداوة على إدارة هذه الممالك المختلفة الأجناس واللغات والأديان
والحضارات، المترامية الأرجاء من المحيط الأطلس إلى حدود الهند، وحفظ الأمن
وإقامة العدل فيها - يكاد يكون من آيات الإسلام أيضًا. أفيعقل أن تجري أمور هذه
الأقطار في حكومتها بتأثير الآيات وما يشبه الخوارق طول الحياة؟ أليس مما
تقتضيه طبيعة البشر أن يوجد في العرب محبون للرئاسة لمحض التمتع بعظمتها
ولذاتها؟ أليس من الطبيعي أن يقوم من اليهود مثل عبد الله بن سبأ يكيد لدين
الإسلام وأهله؟ أليس من الطبيعي أن تؤلف تلك الجمعيات من مجوس الفرس الذين
لبسوا لباس الإسلام يكيدون للعرب ولملك العرب ولدين العرب الذي جمع كلمتها
وأعطاها من القوة ما تمكنت به من إزالة ملك الفرس العظيم القدر، القديم العهد في
سنوات معدودات؟
كل هذا مما سبق لنا بيانه بالتفصيل وهو من سنن الاجتماع البشري - ولكن
العبرة فيه لمن يعتبر. أنه لم يوجد في تلك المملكة الإسلامية الكبرى أحد شكَا من
الشريعة الإسلامية أو رماها بالظلم، لا عربي ولا عجمي، لا يهودي ولا نصراني
ولا مجوسي ولا وثني - وإنما رمي بالظلم أفراد من عمال عثمان ثم من غيرهم،
وهذا مما لا تسلم منه حكومة ولا جماعة من البشر.
وقد بيَّنا في كتاب الخلافة وغيره أن العدل العام كان هو الغالب في الدولة
الأموية المطعون في خلافتها، وإنما كان الظلم المبين فيها خاصًّا في الغالب بما
يتعلق بحفظ سلطانهم ومقاومة خصومهم وما يستلزمه من سوء التصرف في بيت
المال، وما عدا هذا مما يؤاخذون به فذنوب شخصية لا يلقي لها أهل هذا العصر
بالاً. ومثل هذا يقال في الخلفاء العباسيين. فجميع مقاصد الخلافة كانت حاصلة في
عهد الفريقين، ولكن مع عظمة الملك كما قال ابن خلدون.
وإنما كلامنا اليوم مع إخواننا الترك في تفضيل التشريع الإسلامي على
التشريع الأوربي - ويقول شيخ الصحافة التركية: إنه لا حق لنا فيه، ويحتج بما
حدث من الفتنة في زمني عثمان وعلى رضي الله عنهما، وبتفضيل زمن الشيخين
على زمن الصِهْرَيْنِ، وهو يعلم حق العلم أن الفتن التي سماها بالفوضى لم يكن
سببها الشريعة ولا التشريع - كما أن التشريع الأوربي وشكل الحكومات فيه ليسا
بعاصمين من الفتن ولا من الفوضى، وما فيها من نظام حسن كنظام الشرطة
والشحنة (البوليس والضابطة) ليس مما يمنعه الشرع الإسلامي، بل قد يوجبه إذا
لم يوجد نظام أحفظ للأمن منه، وكذلك النظام العسكري، ولكن التشريع الإسلامي
يمنع كل ما يهدد الحضارة الأوربية من تعاليم البلشفية والفوضوية والاشتراكية
المسرفة كما بيَّناه في كتاب الخلافة، وإن صاحب جريدة إقدام لأعلم منا بالفتن التي
تضطرم في ممالك أوربة بالخطر الذي يهددها، ولهذا دعونا الشعب التركي الباسل
أن يجدد حكومة الخلافة الإسلامية لخدمة الإنسانية، وأن يكون قدوة لأوربة لا مقلدًا
لها في عهد اضطراب مدنيتها المادية التي آن لميكروبات الفساد المتغلغلة فيها أن
تقضي عليها، فما كان ينبغي للسياسي المُحَنَّك جودت بك أن يُعَجِّلَ بتخطئتنا في
هذه الدعوة قبل أن يدرس ما كتبناه فيها.
(٢) اعتذر جودت بك عن إفساد الجند التركية للخلافة العباسية وثله
لعرشها بأنه (صدر من هؤلاء أمور غير مناسبة) قال: ولكن من المعلوم جنوح
الخلفاء العباسين لعدم الاعتقاد، فإذا صار الخلفاء إلى ذلك، فماذا يصنع الجندي
الجاهل الذي في خدمتهم؟
مثل هذا التعليل والاعتذار يُعْهَدُ في المجادلات السياسية، دون ما نحن فيه من
الحقائق التاريخية للحكومات الإسلامية! فالذي صدر عن ذلك الجند ليس (أمورًا غير
مناسبة) بل أفظع الجنايات والخيانات للدين والدولة؛ إذ كان الجندي يدمر على
الخليفة إمام الأمة ورئيس الدولة فيغتاله وهو جالس على عرشه، وإنما وظيفته
المحافظة عليه والطاعة له ولمن دونه من رؤساء حكومته، ولا ندري من أين جاء
الكاتب الكبير بقوله: (إنه من المعلوم جنوح الخلفاء العباسين بعد ذلك لعدم الاعتقاد) ؟
أمر الاعتقاد من الأمور الباطنة، فمن أين صار معلومًا للكاتب السياسي الكبير
بعد ألف سنة؟ وهب أنه أمرٌ كان معلومًا عن بعضهم في عصرهم، فهل يصح أن
يكون لجنودهم عذرًا في قتل من قتلوا من سلفهم أو منهم؟ بل إذا فرضنا أنهم
جنحوا إلى ما يسميه (عدم الاعتقاد) قبل تصدي جنودهم للفتك بهم لا بعده، كما قال
فهل يمكن أن يقال: إن ذلك الجند - الذي اعترف الكاتب الكبير بجهله - قد اقترف
جناياته تربية للخفاء على ذلك الجنوح؟ وإذا فرض ذلك فهل يكون عذرًا له مخففًا
لِجُرْمِهِ؟ إذا كان الجندي الجاهل يقتل رئيس الأمة في أمور دينها ودنياها لأمر
يتعلق باعتقاده، فكيف يمكن أن يستقيم للحكومة أو للأمة أمر؟ وأي تشريع في العالم
يجيز هذه الهمجية؟ أما الإسلام فإنه لا يبيح للخليفة نفسه أن يبحث عن عقائد الناس
ويحاسبهم أو يعاقبهم عليها، بل صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يُؤْمَر
بالتنقيب عن القلوب.
(٣) ذكر رصيفنا السياسي الكبير ما بيَّناه من تأثير دسائس مجوس الفرس
في الفتن التي دهت الأمة الإسلامية، وتعقبه بادعاء أن مفاسد هذا العصر أشد؛
لأنها تفعل جهرًا وكانت تلك تُدَسُّ من وراء حجاب واستشهد (بقيام الشريف حسين
على تركيا) وقال: (إذن فهنالك أمور تتبدل بتبدل الزمان) .
ونحن نقول: إن للعرب نظرًا آخر في المسألة، يقولون: هنالك جند جاهل
متوحش يهدم سلطة الدين والدولة الإسلامية تلذذًا بما اعتاده وصار كالغريزة له من
حب الفتك والعدوان والفساد في الأرض كما هو مُدَوَّنُ في بطون التواريخ العامة،
فلم يقل أحد من المؤرخين: إن الجند التركي الذي فعل ما فعل في الخلافة العباسية
كان له مقصد من المقاصد الدينية أو المدنية يسعى له سعيه ويتوسل إليه بقتل
الخلفاء، وههنا شَعْبَان كانا مرتبطيْنِ بحكومة انفرد أحدهما بالسيادة والسلطان
الأعلى فيها فاستعان بذلك على قهر الآخر واستذلاله وقهره على التحول عن جنسيته
وترك لغته المقدسة التي تعبد الله تعالى بها جميع أهل دينه إلى لغة الغالب القاهر
الملفقة التي لم يستقر بها على قرار، أكان من العجب أو من المنكر في عرف أحد
من الأمم أن يغتنم زعيم من هذا الشعب المقهور فرصة اشتغال قاهره بحرب يرجح
هو انكساره فيها فيسعى لاستقلاله وحفظ حياته أن تزول بالتبع له؟
هذا ما يراه العرب في التنازع بينهم وبين الترك الذي أثارته جمعية الاتحاد
والترقي في الدولة العثمانية التي كان العرب راضين بالارتباط بها مع هضم حقوقهم
فيها قبل قيام الطورانيين بالسعي لجعلها تركية محضة، يجبر كل مرتبط بها على
أن تكون لغتها لغته دون سواها، وأن تكون أحكامها تركية قومية، ويذكر رصيفنا
صاحب السعادة جودت بك أننا كنا كلمناه كما كلمنا رؤساء الدولة في وجوب تلافي
خطر هذا التنازع بين الشعبين الأكبرين في هذه الدولة اللذين شبهناهما بالعنصرين
المكونين لحقيقة الماء أو الهواء، وأننا عرضنا عليه أن نشرح للدولة وللرأي العام
التركي في العاصمة أسباب التنازع والطريقة المثلى لتلافي ضرره واتقاء خطره
بمقالات ننشرها في جريدته (إقدام) ويتذكر أيضًا أنه رضي أن ينشرها بشرط أن
يحفظ للجريدة حق النقد والمناقشة فيها وأننا رضينا بالشرط، وأنه نشر لنا ثلاث
مقالات لم ينكر منها شيئًا وامتنع عن نشر الثالثة وما بعدها، لما رأى في الثالثة أن
ما يشكو منه العرب حق لا يمكن أن يناقش فيه، وأنه قال لنا: هذه شؤوننا الملية،
فليس لكم أن تعارضونا أو تجادلونا فيها. ويتذكر أيضًا ما كانت تنشره جريدته في
ذلك الوقت من الطعن في العرب لبعض الكتاب حتى في عرضهم وشرفهم، وما
كان من سوء تأثير ذلك باعتداء بعض الشبان عليه في إدارة جريدته ... نعم إنه
يتذكر ذلك إذا ذكر به، وقد صرَّح في مقالته التي نحن بصدد المناقشة فيها أنهم
كانوا يبغضون العرب وأن السبب قد زال الآن بانفصال كل منهما عن الآخر، بل
هو يعد خروج الشريف حسين على الدولة التركية من المقتضيات التي تتبدل بتبدل
الزمان، ولكنه لا يرى لها وجهًا في الشرع فهو يستدل بها على تخطئتنا في مطالبة
الدول التركية الجديدة بالتزام الشرع الإسلامي دون التشريع الإفرنجي.
ونقول في جوابه: إذا كان أمير مكة لم يلتزم في قيامه أحكام الشرع، وهو
ينكر ذلك، ويدعي ضده فليس سبب ذلك أن الشرع لا يمكن التزامه في هذا الزمان،
وهذه شبهة المتفرنجين على الشريعة الإسلامية؛ وقد بيَّنا خطأهم فيها مرارًا كثيرة
في المنار، وأثبتنا أنها صالحة لكل زمان ومكان، وذكرنا ذلك في كتاب الخلافة،
والظاهر أن رصيفنا الأكبر أحمد جودت بك لم يقرأ هذا البحث فيه. وقد كان من
الممكن أن يلتزم أمير مكة أحكام الشرع في عمله كما نصحنا له، وكان ذلك خيرًا له
وأحسن عقبى. ولكن الدسائس والأخاديع البريطانية التي تؤيدها (أكياس الذهب) هي
التي أضلته عن الشرع وعن مصلحة المسلمين عامة والعرب خاصة، ولست أقول:
إنه كان يجب عليه شرعًا أن يطيع سلطان الآستانة - لأنه خليفة الرسول صلى الله
عليه وسلم - وقواده مثل جمال باشا؛ فإن السلطان لم يكن هو الإمام الحق الذي تجب
طاعته على كل مسلم، وإن لم يكن متغلِّبًا عليه، ولو فرضنا أنه كان كذلك فإننا
نعلم كما يعلم جودت بك والأمير حسين أنه كان مغلوبًا على أمره، فلا أمر له ولا
نهي، وإنما نقول: إنه كان يجب عليه شرعًا أن يتقي تغلُّبَ الدول الأجنبية على
الدول الإسلامية والبلاد الإسلامية، وبهذا نصحنا له فصرَّح لنا هنالك في احتفال
العيد بمِنَى أننا متفقون معًا في الرأي، ولكنه كان خادعًا وظهر خداعه من بعد.
(٤) قوله: إن الترك لم يكونوا هم البادئين بالانصراف إلى جامعتهم
القومية التي لا تنافي الصلة المعنوية بين الترك وسائر المسلمين إلخ ما في (ص
٧٦٩) فهو حسن، وأقل ما يجب من توادّ الشعوب الإسلامية وتعاونها، ونحن قد
دعونا الترك إلى منزلة فوق هذه المنزلة.
(٥) قوله: إنه يظن أن المسلمين يستطيعون أن يستفيدوا من موقف
الخلافة الحاضرة علمًا وأدبًا إلخ، قول غريب في ظن غريب، فهو قد جعل الخلافة
الشرعية التي نتكلم فيها - وهي رئاسة الحكومة الإسلامية في إقامة الدين وسياسة
الدنيا - بمعنى مشيخة الطريق التي ينحصر عملها في الإرشاد والتهذيب. وإذا كان
هذا ما يريدونه من معنى الخلافة، فلماذا يحرصون على هذا اللقب فيخرجونه عن
مدلوله الشرعي؟ ولماذا يحصرون هذه الوظيفة في أهل بيت تركي معيَّن لا يوجد
أحد من أفراده ممتاز بالعلوم التي يتوقف عليها الإرشاد الإسلامي، وهي علوم
القرآن والسنة والعقائد والفقه والتصوف؟ وكيف ساغ لشيخ الصحافة التركية أن
يقول: إذا كان علماء الإسلام وأهل الخير منهم يودون الاستفادة من الخلافة ...
وهو يرى أن الخلافة التي يعرفها علماء الإسلام قد زالت بزوال الحاجة إليها،
والخلافة الجديدة التي يقررونها ليست الخلافة التي يعرفونها، على أنها لم توجد
بعد؟
(٦) قوله: إنني أنتقدهم بشدة كما وجهت إليهم خطاب الود والصداقة،
صحيح، وإنني عملت في هذا بالحكمة العربية التي سارت مثلاً، وهي: (أخوك
من صَدَقَكَ لا من صَدَّقَكَ) على أنني لم أتجاوز في النقد حد الضرورة التي لم أر
منها بُدًّا للإقناع بما أريد من الخير للترك وسائر المسلمين الذي اعترف لي به
الرصيف الكريم لظهوره وظهور إخلاصي فيه، ولله الحمد.
(٧) ما فسر به جعل السلطان مقدسًا غير مسئول، معروف عندنا، وإنما
انتقدناه؛ لأنه غير شرعي فهو يجب أن يكون عاملاً؛ وأن يكون مسئولاً عن عمله،
والنظرية الدستورية في هذا مبنية على تلافي شر ما جرى عليه الملوك من
التعالي وما جرت عليه الشعوب من تقديسهم فأبقوا لهم العلو والتقديس بسلب السلطة
منهم؛ لئلا يفسدوها باستبدادهم، ولكن الإسلام أبطل تقديس البشر، وأبطل
الاستبداد، وقيد طاعة الرسول المعصوم بالمعروف حتى لا يطمع غيره بالطاعة
المطلقة كما بيَّناه في كتاب الخلافة. فرئيس الحكومة الإسلامية (الخليفة) يجب أن
يكون عاملاً يحمل تبعة عمله , وراعيًا مسئولاً عن رعيته، وليس له امتياز في
الشريعة يرتفع به عن مساواة غيره، أو يبيح طاعته فيما تحرمه الشريعة، وإذا
كانت الحكومة لا بد لها من رئيس، فرئيس الحكومة الإسلامية العليا هو خليفة
الرسول في المسلمين، سواء سمي خليفة أم لا، بشرط أن تراعى فيه الشروط
الشرعية المعروفة، فإن تعذر عليها استجماع الشروط وجب عليها، وعلى الأمة
في جملتها السعي لاستجماعها، وإذا وجدت عدة حكومات إسلامية كانت الحكومة
الشرعية الحق هي المستجمعة لها والقائمة بوظائفها، ولا تجب الطاعة لغيرها
شرعًا في حال الاختيار، بل غيره متغلب تجب الهجرة من داره إلى دار العدل التي
يرأسها الإمام الحق (الخليفة) إلا لعذر، وأما ابتداع رئاسة دينية محضة وتسميتها
خلافة وتسمية رئيسها (خليفة رسول الله) فهو مردود؛ لأنه عبث بهذا الدين.
وإذا نصب المسلمون في أي مكان خليفة مستجمعًا للشروط الشرعية فالواجب
على رئيس هذه الخلافة البدعية أن يطيعه في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية لله.