إن الاضطرار إلى تقليل صحائف المنار على كثرة مواده حال دون تقريظ المطبوعات الجديدة في هذه السنة وما قبلها، أو التنويه بذكرها للإعلام بها، وذلك حق لأصحابه على مَن يهدونها إليهم من أصحاب الصحف الدورية حَقَّهُ العُرْفُ، وأوجبه التعاون على نشر العلم، ولقراء هذه الصحف من الحق على أصحابها أن يعلموهم بما يتجدد في صناعة المطبوعات من الصحف والمصنفات، ويبيّنوا لهم قيمتها المعنوية قبل بيان قيمتها المالية، بالتقريظ الصحيح، والنقد النزيه، وإننا نحب أن نؤدي الحقين، ونقوم بواجب النصح للفريقين، ولكن يتعذَّر علينا تارة ويتعسر تارة قراءة ما يُهدَى إلينا من هذه المطبوعات، أو قراءة طائفة من كل منها، تكفي لصحة الحكم في أمرها، ولا نحب أن نكون كمَن ينظر في فهرس الكتاب، فيختار منه ما يظن أن فيه تقصيرًا أو خطأً، فيراجعه، وينتقد منه ما يراه محلاً للانتقاد، أو يختار موضعًا يوافق رأيه فينقله، ويخصه بالثناء، ولا كمَن يثني على كل كتاب يُهدى إليه ثناءً مجملاً، أو ينشر ما يرسله إليه صاحب الكتاب إطراء مفصلاً، وخير من هذا وذاك أن يعرِّف صاحب الصحيفة بالكتاب تعريفًا تاريخيًّا، بذكره وذكر اسمه واسم مؤلفه وموضوعه ووصف حجمه وورقه وطبعه، وهو ما نجري عليه أحيانًا، وقد نزيد عليه بيان قيمته المعنوية أحيانًا، وإن من الكتب ما يعرف الجمهور قدره في الجملة بمجرد ذكره أو وصفه، وإننا نراجع الآن ما أُهدي إلينا في هذه المدة، ونذكر ما يقع في يدنا منه فيما بقي من أجزاء منار هذا المجلد. *** (جرجي زيدان "١٨٦١-١٩١٤ ") (ترجمة حياته. مراثي الشعراء والكُتاب. حفلات التأبين. أقوال الجرائد والمجلات في الرجل وآثاره) . نشر هذا الكتاب إميل أفندي زيدان نجل جرجي بك زيدان ووارث الهلال من بعده، مؤلَّفًا من ص ١٤٧ بحجم الهلال، مطبوعًا بمطبعة الهلال في سنة ١٩١٥، وهذا الكتاب مستغنٍ عن الوصف والتقريظ. *** (مبادئ علم السياسة) كتاب لخصه سليم أفندي عبد الأحد الكاتب المشهور من بعض الكتب الإنكليزية لمجلة الهلال، فطبعته في سنة ١٩١٥، وجعلته ملحقًا للسنة الثالثة والعشرين من مجلة الهلال. وهو ثلاثة أقسام: (أولها) في الدولة: حقيقتها ونشوؤها وسلطتها وصلتها بغيرها وأنواع الدول في القديم والحديث. (ثانيها) نظام الحكومة: سلطتها بأنواعها وأنظمتها وسياستها وإدارتها وأحزابها وغير ذلك. (ثالثها) الحكومة والاجتماع: وفيه ذكر المذاهب الفردية والاشتراكية والأنظمة الحاضرة. أما حاجة اللغة العربية إلى مثل هذا الكتاب فشديدة لكثرة القراء الذين يهتمون بالأمور السياسية، وقلة ما في اللغة من موادها. وأما طبع الكتاب فنظيف وورقه جيد، وصفحاته ١٣٠ بشكل المنار والهلال. *** (خلق المرأة) كتاب ألفه بالفرنسية هنري ماريون الذي كان أستاذًا في كلية الآداب بباريس وترجمه بالعربية إميل أفندي زيدان صاحب الهلال، وجعله ملحقًا للسنة السادسة والعشرين. وقد طالعته كله، فألفيت كاتبه من أعدل الكتاب الأوربيين في هذا الموضوع، وأرجو أن أكتب شيئًا في بيان ما استفدته منه، وقد طبع بمطبعة الهلال طبعًا حسنًا، ولكن على ورق غير جيد، والعذر قلة الورق، وكثرة الثمن، وصفحاته ١١٩. *** (الصبي: بحث في الأخلاق والتربية في قالب روائي) كتاب ألفته إنكليزية اسمها (ماري كورلي) وعني بترجمته بالعربية عبد العزيز أفندي صدقي من موظفي وزارة المعارف والتزم طبعه نجيب أفندي متري صاحب مطبعة المعارف، وقد طبع الجزء الأول منه في العام الماضي في ١٢٨ صفحة. أما المترجم فشاب نبيه يتوخى أن ينفع بلاده بما يترجم، وليس ممن لا هَمَّ لهم من الترجمة أو التأليف إلا الكسب، فيختارون ما يلذ للجمهور، لا ما ينفعه، وعبارته حسنة، ولكن فيها ما فيها من ضعف أساليب الجرائد وغلطها، وذلك ما يعز أن يسلم منه كاتب عصري، وهو - على ما أظن - غير مغرور بها على علمه بأنها تفضل عبارات أكثر مترجمي القصص التي تُنشر في هذه الأيام، بل يحب الترقي والكمال في الترجمة والإنشاء، ولا طريق لذلك إلا عرض ما يترجم وينشئ لنقد بعض علماء اللغة والأدب ومتأنقي الكتاب قبل نشره أو بعده ولو بالجعل والجزاء. وأما غرضه من ترجمة هذه القصة فقد بيّنه في مقدمتها وهو إكمال ما ينقص البلاد من القصص الجدية الجامعة بين لذة المطالعة والفائدة النافعة في تربية الأسرة، وقد شرح ذلك شرحًا جميلاً في صفحتين ونصف صفحة. تصفحت هذا الجزء فألفيته مفيدًا كما قال المترجم ولكن البلاد ليست فارغة خالية من مثله كما ادعى، كيف وقد طبع فيها كتاب (التربية الاستقلالية) مرتين وأوشكت نسخ الطبعة الأخيرة أن تنفد، وهو إذا قوبل بما ظهر من كتاب (الصبي) يظهر أنه أعم فائدة وأفضل، وأسلم من لغو القصص وأبعد، ومما أعجبني من الفوائد التي انفرد بها كتاب الصبي أو خالفه فيها غيره - بيان كراهة الشعب الإنكليزي لتعليم أولاده وتربيتهم في مدارس أجنبية، فإن مؤلف كتاب التربية الاستقلالية (إميل القرن التاسع عشر) - وهو فرنسي - قد استحسن أن يُربَّى الطفل الفرنسي في البلاد الإنكليزية؛ لأن التربية فيها أفضل، وأن يعلم ويربى في بلاده إذا صار يافعًا؛ لينشأ فرنسيًا وطنيًّا صادقًّا، ثم يكمل علومه في البلاد الألمانية؛ لأن العلوم العالية أرقى فيها وأكمل. وأما مؤلفة كتاب الصبي أو قصته فهي تقول في التعليم في المدارس الأجنبية ما قال مالك في الخمر، وتجعلها أدهى من الساعة وأمرّ؛ فقد ذكرت أن أم (الصبي) الجاهلة - التي جعلتها مثلاً للتربية الفاسدة - قد اختارت له مدرسة أجنبية، يتعلم فيها من اللغات والعلوم العقلية والجسمية، وما يؤهله لكل عمل في الحياة، على قلة الأجر والنفقات، ثم ذكرت أن الصبي ارتاع لهذا الاختيار الذي يُخرجه عن كونه إنكليزيًّا: (إذ كان وجدانه يحدثه أن المدارس الأجنبية تبدل جنسيته وأخلاقه) ، ثم قالت: (إن الصبي ذكر ذلك لشيخ كبير مختبر، يعرف البلاد الأجنبية، فحذره من ذلك، وأنذره سوء عاقبته بقوله: إن المدارس الأجنبية لا تخرّج إنكليزيًّا مطلقًا، إنك تذهب إلى الخارج شابًا ظريفًا مؤدبًا كما أنت الآن، ولكنك لا تعود بتلك الصفات، ستعود وقد تعلمت الكذب والنفاق والمخادعة، فعندما تتحدث تنهق كالحمير، وعندما تسير تقفز كالضفادع، وسوف تخاف من الماء البارد، ولا يمكن للناظر إلى وجهك أن يقول: إنك إنسان حي، إنك أجنبي متَّسخ حقير، هذا ما ستكونه) اهـ.