في مساء الثلاثاء ليلة ١٧ صفر سنة ١٣٣٠ - ٦ فبراير سنة ١٩١٢ اجتمع فضلاء أدباء بيروت وأقاموا حفلة تأبين لفقيدنا السيد حسين وصفي رضا الحسيني في غرف القراءة الأميركانية , وأذاعوا تذكرة دعوة لحضور فريق أهل الأدب والفضل لمشاركتهم بذلك , وكان القائمون بهذه الحفلة هم المذيّلة أسماؤهم صورة تذكرة الدعوة، وهذا نصها: ذكرى فقيد (الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء في ٦ شباط يحتفل فريق من إخوان فقيد الأدب المرحوم السيد حسين وصفي رضا بإقامة حفلة تأبين ذكرى لفضله واعترافًا بشهامته , وذلك في غرف القراءة على (السور) فنرجو حضوركم) . المتكلمون الشيخ محيى الدين الخياط مترجم جريدة الولاية، الشيخ مصطفى الغلاييني أستاذ اللغة العربية في المدرسة السلطانية والكلية العثمانية، جرجي أفندي عطية صاحب جريدة المراقب، أمين بك طليع مدير مال قضاء الشوف، إلياس أفندي حنيكاتي كاتب (مطرانخانة الروم) نجيب أفندي بليق مدير مدرسة المقاصد الخيرية، باتر أفندي باولي صاحب جريدة الوطن، جرجي أفندي باز صاحب مجلة الحسناء، محمد علي أفندي النابلسي من التجار ووكيل المنار في بيروت. وفي الوقت المعين اجتمع كثير من أهل الفضل , وشاركوا الفضلاء المحتفلين باحتفالهم , وترأس الاحتفال الأستاذ بولس الخولي مدير مجلة الكلية، فتلا رسالة الشيخ محيي الدين الخياط الشيخ عبد الرحمن سلام لعدم حضوره [١] وأتبعها بتأبين له , وقام الأستاذ الشيخ مصطفى الغلاييني وقال. تأبين الشيخ مصطفى الغلاييني أخلاق الفقيد (الكمال يعشق) قضية لا يختلف فيها اثنان، ولا يحيد عن الإقرار بمضمونها إنسان؛ لهذا ترى الناس ميالين طبعًا لمن يرون فيه الكمال , غير أن الكمال أمر معنوي، ليس قيد الحواس , وقد اعتاد الناس أن يختلفوا في تفسير المحسوسات، وتباينوا في فهم الأمور الظاهرة , لهذا لا ترى عجبًا إذا اختلفوا في تفسير المعاني، وتباينوا في فهم المعقولات , والكمال من أدق الأشياء المعنوية، وأبعدها من متناول الأفهام , فإن كان الناس قد انقسموا فِرَقًا وطوائف وأحزابًا وجماعات في تفسير ما هو أجلى من الكمال، فأحرى بهم أن لا يتحدوا فكرًا في تأويله وتفسيره. الاختلاف سُنة من سنن البشر، وجمع الناس على الاعتقاد بأمر ورفض ما يناقضه ليس مما يمكن، ولا في وسع أحد تحقيقه - وإن تمناه كثير ممن سعوا ويسعون لنفع المجتمع - ذلك لأن الاختلاف في الرأي لم يبرح فِطَر البشر منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا , ومهما ترقى الناس، وبلغوا من سمو الفكر، ومضاء العزيمة، وقوة الإرادة، فلن يصلوا إلى ما يضم المختلفات ويؤلف بين المتناقضات, هذا في المحسوسات بله المعنويات، ذهب الناس في تفسير الكمال كما ذهبوا في تأويل كل أمر معنوي مذاهب شتى حسبما يتراءى لهم، أو حسبما تعودوا. لا أذكر الآن مذاهب كل قوم في تفسير معنى الكمال، فإن هذا يحتاج إلى موقف غير هذا الموقف ووقت لا يتسع له أمثال هذا الوقت , وإنما أذكر ما أذهب إليه، ويذهب إليه كثير غيري ممن هم يشاكلونني طبعًا ورأيًا ومحجة صواب , وفي عداد هؤلاء فقيد الكمال السيد حسين وصفي رضا الذي أقمنا هذه الحفلة ذكرى لكماله. الكمال شجرة عظيمة يتفرع منها فروع كثيرة , وكل فرع من هذه الفروع يعطي جَنيًّا وأكلاً شهيًّا، هي وإن اختلفت ألوانًا، وتباينت أشكالاً، فطعمها واحد، ولذتها واحدة. إن جماعتي الذين عنيتهم يريدون بالكمال (الخلق الحسن) فهو ملاك الفضيلة ورابطة الإخاء، ونبراس الحق، وسلطان المجد، فمن اعتصم بحبله المتين، وتمسك بركنه الركين، فهو من عباد الله الصالحين. ألا وإن الشاب الصالح، والهمام الأروع، الذي أقمنا هذه الحفلة الكمالية لأجله هو مَنْ خَطَبَ الأخلاق الفاضلة، فألقت إليه بمقاليدها، وسلمته زمامها، فهام فيها هيام الولهان بغيداء الحسان حتى ملكت لبه , وصادت فؤاده , حتى صار كله أخلاقًا حسانًا , فلا تقع ناظرة قلبك إذا نظرت إليه إلا على عادة حسنة، وخلق كريم. إذا تكلمت عن الفقيد الحبيب، فإنما أتكلم بعد الاختبار، وأصف بعد طول المعاشرة , حتى عرفت منه ما لم يعرف إخوته وإخوانه , فهو تِرْبي في السن زميلي في طلب العلم. عرفته منذ عشرة أعوام في مصر، أيام كنت أطلب العلم في أكبر معهد علمي عربي، وهو الأزهر، وأول ما عرفته في إدارة مجلة المنار التي يحررها أخوه الأكبر الأستاذ السيد محمد رشيد رضا , كنت أول معرفتي إياه أرى فيه انقباضًا يظنه الرائي لأول مرة صلفًا وكبرًا، وإنما هو عقل ورزانة، وبُعد عن مخالطة من لا يتفق فكره مع فكره، ولا يشاكل ذوقه ذوقه , عرفت فيه مذ عرفته رجل الجد والعمل، والأدب والدرس، والبعد عن سفاسف الأمور، والنأي عن مفسدات الأخلاق، ومجالس من لم يعرف فيهم الملكات الفاضلة، والأخلاق الكريمة. عرفت فيه رجلاً حرًّا مفرطًا، لا يخاف في سبيل الحق لومة لائم، ولا يهاب في الذود عما يعتقده صحيحًا عذل عاذل , وربما تحاشى مجلسه بعض من لا يرون للحق قيمة، حذرًا من أن يجيبهم بتوضيح باطلهم، وتبيان فاسدهم , ومع هذا كله فكان إذا هفا هفوة ورُد إلى الصواب، ارتد إليه شاكرًا أنعم من هداه. كان من أخلاقه الطيبة الصبر على المكروه , وتحمل المشاق في سبيل ما يريد حتى يناله , ولو أدى به ذلك إلى جهد النفس وصرف المال , أما من جهة تدينه فقد كان رجلاً متدينًا حقًّا، مسلمًا كما يريد القرآن لا كما يريد القارئون. وكان رجلاً سلمًا لمن سالمه، حربًا على من خاصمه في غير الحق محبًّا لترقي الأمة والوطن، من غير نظر إلى اختلاف المذاهب والأديان. وكان لا يعرف التمويه والتضليل، بل يتكلم بما يعتقد دون أن يخشى أحدًا لأنه لم يكن في قاموس أخلاقه ما يسمى رياء أو نفاقًا. وأعظم برهان على هذا أنه كان طريد الحكومة الماضية , وقد حكم عليه بالسجن سنوات لا أعلم عددها , ففر إلى مصر حيث يقيم أخوه الأكبر , هاربًا بحريته ووجدانه , ومع هذا فقد كان يأتي إلى هذه الديار دون مبالاة , ويجتمع بأصدقائه في المحالّ العامة , ويتذاكر معهم في الشئون السياسية وحالة البلاد وما هي عليه من التأخر وما تنوء به من أعباء الظلم واضطهاد المصلحين، حتى خشي أن يجالسه فئة غير قليلة من خواص أصدقائه، خشية أن يكونوا قيد الرقابة أو هوان الحكومة الظالمة , وقد ذكرتني حريته هذه بقصة لطيفة لا بأس بإيرادها: يوم أعلن الدستور كنت قد واعدته أن ألقاه في بعض الأمكنة، فوافيته قبل الأجل المعين , وقد برقت أسارير وجهي , فقال: ما وراءك؟ قلت: (ما كنا نتحدث به الأمس) وكنا نرجو حصوله في سورية بادئ ذي بدء، ثم علمنا أنه سيبدأ في غيرها - وكنا قرأنا قبل بضعة عشر يومًا في الجرائد المصرية التي كنا نقرأها خفية، أن فئة من الجيش ستثور للحصول على الدستور, فقال: ذلك ما كنا نبغي , ثم قمنا من مجلسنا ذلك والصحب ما بين مصدق ومكذب وشاكّ إلا الفقيد، فذهبنا إلى المكتبة العمومية لنبتاع منها نسخًا من القانون الأساسي, فبهت صاحبها وظن أننا جواسيس، فأنكر أن يكون لديه , فأقسمنا له كل يمين أن الدستور أعلن، وأن الحرية صارت ملكًا للأمة، فاعتقد الرجل صدقنا، ودخل دكانه وبحث عن النسخ، وقد دام في البحث ما ينيف عن خمسين دقيقة حتى اهتدى إليها؛ لأن القانون الأساسي كان - كما تعلمون - من الأوراق الضارة في عرفهم وقد اشترك الفقيد مع البيروتيبن في كثير من الاحتفالات التي أقيمت إجلالاً للدستور، وخطب فيها خطبًا كثيرة قد قدرها قدرها كل من سمعها. وأذكر أنه كان يخطب في إحدى المجامع، فذكر ما كانت عليه الحكومة من التضييق على أهل الذكاء , ومن عرفوا بحرية الفكر , وكان والدي المرحوم يستمع إلى خطابه، فقاطعه الكلام وقال له: لقد صدقت فيما تقول وإني قد نهيت ولدي كثيرًا أن يكلمك أو يجتمع بك إلا حيث يأمن، خوفًا من أن يصيبه ما أصابك , وإن لم يخل من بعض ذلك، وربما كان أصابه كله لولا أن منَّ الله على الأمة بالدستور. إن الفقيد أيها السادة كان مع كل ما وصفت همامًا , قد ضربت عليه المروءة رواقها، والشهامة قِبابها، كان إذا رأى مستنصرًا أعانه، أو مظلومًا بذل جهده لرفع الظلم عنه , وكفاه فخرًا وشرفًا أنه مات شهيد المروءة والشهامة , دفاعًا عن ذات عفاف رآها عرضة لسهام جلف جاف , يسمعها من قوارص الكلام وبذاءة القول , ما لم يتحمل الفقيد السكوت عن مثله، فردعه عن تعديه وظلمه، فثارت في رأس ذلك المتشرد الجلف نخوة الجاهلية، فانتضى خنجره وأهوى به إلى السيد يريد القضاء على شهامته وأدبه، غير أن شجاعة الفقيد المشهورة دفعته إلى انتزاع الخنجر من يد ذلك الجبان الخاسر، فأصلح بينها بعض من كان مارًا، فذهب السيد آسفًا على مثل هذه الأخلاق السافلة، فلم يخط بضع خطوات حتى فاجأه ذاك الملعون بإطلاق الرصاص فلم يقصده، بل اخترق أحشاءه، وبقى في منزله بضعة أيام، دون أن ينفعه طبيب: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع وقد احتمل مضض هذه الأيام بصبر وسكون دون أن يؤثر عنه كلمة تأوه , وقبل أن يفارق هذه الدنيا الفانية بثوان، قال لشقيقته - وكانت تمرضه - بجأش رابط: (إني سأموت بعد قليل فإياك أن تصرخي واحذري أن يزعجني بصراخه أحد) ولم يكد يتم هذه الكلمات حتى قال: (لا إله إلا الله) وقد فارق الحياة. وقد كان لوفاته رنة حزن عمت كل من عرف أخلاقه وأدبه , وقرأ ما كان يدبجه يَراعه الحر البليغ من المقالات والقصائد في الموضوعات الكثيرة المختلفة. رحمه الله رحمةً واسعةً , وأغدق عليه سحائب الرضوان. *** تأبين جرجي أفندي نقولا باز صاحب مجلة الحسناء ونهض الفاضل جرجي أفندي باز فقال: سهم واحد أيها الإخوان! سهم من كنانة الدهر يرمي القضاء به الناس على السواء بلا استثناء , فيفعل في المصاب فعلاً واحدًا , ولكن تأثير فعله يختلف في الآل والأصحاب , ولكم ممن يموت ولا يشعر الناس بفقده حتى الأهل قلما يتأثرون، ولَكَمْ فقيد يألم لموته كثيرون ويودون ألا يتعزون , ولا عبرة بعمر الميت فإن الشخصية هي المؤثرة , وبحسب الاحتياج إليها يكون الحزن , وما حزن الأغنياء عنها بالمال أو بالعلم أو بالفضل أو بالأدب إلا احتياج إلى ولائها وشعورها، إلى إملاء فراغ العاطفة، إلى حفظ الحاسات من التأثر. وهذا فقيدنا لم يعمر بعد ولا توغل في الشباب، لم يشتغل كثيرًا ولا اشتهر في كل صقع ونادٍ، ومع ذلك عد فقده خسارة لا تعوض بأي كان؛ لأن شخصيته ذات استعداد يحتاج إليه الشرق، لأن نفسه كانت حية حرة كانت تكره الجمود والخمول، تبغض الجهل والغباوة، تمقت الظلم والاستبداد، تستنكف من الذل والهوان تأبى الدنايا والتافهات، تستفظع التعصب والاستئثار، كانت تحب العلم، تؤيد الحق، تناصر الضعيف، تجهر بالرأي، تخلص بالقول، تجرأ بالعمل، تستقل بالفكر، تسترشد بالبحث، تتأكد بالاختبار , كانت تعتقد أن المرأة إنسان كالرجل لها حقوق ولها نفس , وكفاها بهذه السجايا تعريفًا لها. هذا حسين يا قوم! فهلا يليق به هذا الإكرام , والشرق محتاج إلى أمثاله؟ فهلا يعد فقده خسارة؟ هذا وصفي! فهل أحاط به وصفي؟ ما لي ولقلمه السيال وإنشائه البليغ ولمقالاته الرنانة وآثار كده وجده , فحسبي منه نفسه والنفس هي الإنسان , حسبي ذكاؤه ولطفه , مروءته وشهامته , حسبي ما وصفت من خفايا نفسه وما كان يرجى من خيرها لمواطنيه، حسبي سبب قتله , ومن أولى مني بالحزن عليه لهذا لسبب؟ وأنا أحسبه واضعًا حجر الزاوية؛ لتأييد حق المرأة في الشرق , والضحية الأولى التي يقدمها الشرقيون فداء هذا الحق. إن المبادئ لا تثبت إلا على جثث الشهداء , والمرسلون قوتهم بشهدائهم فحيث لا شهداء لا مبادئ , وإذا عد قاسم أمين رسول تعزيز المرأة في الشرق , فإن وصفي رضا شهيده، ذاك المهندس وهذا المؤسس، الأول قائل، والثاني فاعل، ولذلك أحسبه حجر الزاوية لتأييد حق المرأة , والضحية الأولى التي قدمها الشرقيون فداء هذا الحق في هيكل الحرية، في حجر الطبيعة، حيث لا حائط ولا سقف ولا مذبح هنالك ضُحّي حسين , على قارعة الطريق التهب جوف كبش المحرقة، وفي سبيل حق المرأة استشهد , رأى وحشًا بهيئة رجل يهين ملاكًا بهيئة امرأة، ذئبًا يكاد يفترس نعجة، قويًّا يستبد بضعيف , وعاتيًا يظلم ذات حق فأبت مروءته غض النظر , فتداخل في الأمر فاستغاثت به الفتاة فلباها واستأسد في الدفاع عنها , وصانها من براثن ذاك الوحش ولكن ببذل دمه , جعل صدره أولاً ترسًا لها وإذ عجزت يد الذئب عن إزاحة هذا الصدر همت بتمزيقه بخنجر , ولكنَّ ساعد الشهيد كانت أقوى فانتزعت الخنجر منها , وسار الفقيد محافظًا على النعجة رافع الجبهة كالأسد، وهل أعظم ممن يدافع عن المرأة في الشرق حيث لا تزال ضعيفة غبية؟ سار ولكنه واأسفاه لم يجتز بضع خطوات حتى فاجأه الرصاص في أحشاه , وامتزجت أناته باستغاثة الصبية , ولكن أين من يدفع البلاء؟ لا علم ولا حكومة ولا أطباء حتى ولا بشر , وإنما أوهام وتُرَّهات وأشخاص على الكراسي وقوانين مكتوبة وشهادات مسهبة وأسماء بلا مسميات وأجسام تأكل وتشرب وتنام , ألا شُلت يد القاتل , ليت أمه لم تلده , ليت الشمس لم تشرق عليه , ليته يشعر بفظاعة جرمه وبأن القتيل خير من ألوف مثله , فيندبه أكثر مما يندب نفسه ويقول وهو صاعد إلى المشنقة: الويل للمستبد بالمرأة. وحري بأمثال الفقيد المستهدفين للقتل بتأييد القول بالعمل , حري بهم وبأصحابهم نصب تمثال له في قلب كل منهم إحياءًا لذكره في القلوب , وقد كان حبيب القلوب. أحب الحرية الشخصية ومات فداءها، أحب الاستقلال الفكري وقضى ضحيته، أحب الجرأة بالحق والبسالة بالإنصاف وراح شهيد ذلك. فيا هدف المرأة! فقيد الواجب! يا من ثوى بالدفاع عن امرأة! يا نصير الضعيف ومقاوم الاستبداد! يا مجاهدًا خير الجهاد لخير الأمة! لئن غيبك اللحد عنا فذكرك حي معنا وإنا لأدبك وفضلك لناشرون. *** أبيات جرجي أفندي عطية وارتجل جرجي أفندى عطية هذه الأبيات: أيها الساجعُ هيجت بكايا ... فلقد أذكرتني الحلو السجايا بلبلاً في روض علم شاديًا ... أسكتته بغتةً لسنُ المنايا كان يشدو مطربًا ألبابنا ... فغدا في لحظة إحدى الرمايا غاله سهمُ أثيم غادر ... وهو لم يأثم ولم يدر الخطايا لم يكن قطّ له ذنبٌ سوى ... أنه راقي الحِجَى سامي المزايا ألمعي رافع بند النهى ... أريحي نفسه تأبى الدَّنايا ورقيُّ المرء في أخلاقه ... قد غدا في شرقنا إحدى البلايا حظُّ أهل العلم في الشرق الشقا ... من رُبَى لبنان حتى حملايا يطلبون الخير للشعب وما ... من جزًا يلقونه إلا الرزايا يا صريع الحق نم في غبطة ... ولكم للحق في الشرق ضحايا إن تكن بالقتل جوزيت هنا ... فستلقى الأجر من باري البرايا فهو يوليك نعيمًا دائمًا ... لا تحاكيه من الناس العطايا أيها الغيثُ اسق قبرًا قد حوى ... من شهيد الفضل هاتيك البقايا أنْبِت الزهرَ عليه ولهُ ... أبدًا من صحبه أزكى التحايا *** قصيدة إلياس أفندي حنيكاتي وتلى الشاعر الرقيق إلياس أفندي حنيكاتي هذه القصيدة: لم يحل بعد فجيعة الآداب ... بحسين وصفي غير مر الصاب شهم لمصرعه القلوب تفطرت ... حزنًا وباتت في أشد مصاب ومحاجر الأدباء من نار الأسى ... جفت فلا تقوى على التسكاب أمست به (القلمون) مسقط رأسه في حالة تغني عن الإسهاب تشكو إلى الأوطان وغدًا غاله ... تشكو عدو الدين والآداب تشكو وشكواها تزيد شجونها ... لجَسِيم رزء لم يكن بحساب جناتها الخضراء كالآس اغتدت ... حمراء من دمه كما العناب لم يقترف وزرًا يدنس نفسه ... حتى يحل عليه شر عقاب لكن غيرته على الأعراض قد ... أودت به في عنفوان لشباب فقضى شهيد شهامة وكفى بها ... مجدًا لدى الأعجام والأعراب يا لهفة الإخوان بعد أخي الوفا ... والفضل بل يا لهفة الكتاب حر أسير الحق غير مداهن ... فيه ولا وجل ولا هياب يأبى محاباة الوجوه وضده ... في الناس كل مملق ومحابي وأشد ما تأباه فيهم نفسه ... لغو الكلام وفارغ الألقاب آثاره الغراء في بيروت لا ... تُنسى ولن تنسى مدى الأحقاب عرفت ذوو الألباب فيها فضله ... والفضل يعرفه ذوو الألباب فلذاك إن أحيوا له ذكرى فما ... بالأمر من عجب ولا استغراب فالمرء يحيا ذكره بطرائف م الآداب لا بمطارف الأثواب فعليك يا ابن رضا سلام عاطر ... منا وغيث رضى من الوهاب *** تأبين نجيب أفندي بليق وقال الفاضل نجيب أفندي بليق: إخواني! ماذا عساني أن أقول وقد تقدمني هؤلاء الأفاضل , فمع اعترافي بأني لن أوفي الفقيد حقه من الرثاء والتأبين , ولن أزيد على ما قاله إخواني فيه من السجايا العالية والصفات الحميدة , أرى أنه لا بد لي من القول ولو كلمة عما اتصف به الفقيد؛ لأني له صديق ومن أدرى بالصديق من الصديق؟ نشأ الفقيد في القلمون إحدى قرى لبنان المجاورة لطرابلس (والتابعة لها من جهة التقسيم الإداري في الولايات العثمانية) ودرج في حجر شيده المجد والفضل، وأثثه العلم والنبل، فتلقى العلوم الابتدائية في القرية , وتممها في طرابلس، وكان استعداده الفطري وذكاؤه الغريزي يساعدانه في التفوق على أقرانه ويرفعانه إلى أعلى مراتب التلمذة أينما كان، ولا غرو فهو من شجرة عربية الأصل قرشية الفرع هاشمية العود , وهو في حياته وحتفه كجده الحسين ميتة ونبوغًا. فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا ولما أفلت إلى مصر أخوه العلامة السيد رشيد من الظلم ورجاله والسوء وآله، عمد إلى محاربة المستبدين الغاشمين وقتالهم باليراع , فأوجس رجال هذا العهد خيفة من الوكر الذي طار منه النسر , فضغطوا على الوكر ومن فيه وشرعوا يتفننون في تعذيبهم وتهديدهم؛ لإسكات ذلك الصوت الذي يرن صداه في جاوه والهند وفارس والجزائر ومراكش والشام والقطر المصري , فطورًا يسجنون الولد , وآونة ينذرون الوالد , فلم يثنوا بأعمالهم هذه عزيمة نازل مصر , ولم يقدروا على إخماد تلك الجذوة المشتعلة في أفئدة أهل ذلك البيت , فلما بلغ الفقيد أشده واشتد ساعده في العلم نشط إليهما على حداثة سنه ولحق بأخيه , وحذا حذوه في نقد الحكومة الماضية ورجالها السفاكين , وأقام هناك ست سنين كان في خلالها يدرس في الأزهر على أشهر أساتيذه منهم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رب هذه الثورة الفكرية والنهضة العلمية، وقد طمحت نفسه إلى الكتابة فكان يكتب في المنار والجريدة المصرية وغيرهما تحت إمضاء (المشرقي) وإمضاءات مختلفة , حتى بلغ درجة في الكتابة إذا لم أقل: تفوق كتابة الذين مارسوها عشرين سنة فهي لا تقل عنهم في شيء، وكان لا يفوته علم من علوم العربية الاثني عشر إلا أحاط به كأحد أساتيذه , ولا عجب فهو شقيق الأستاذ السيد رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده. ولما مَنَّ الله على الأمة العثمانية بنعمة الشورى، جاء بيروت مهللاً لها فرحًا وحبورًا، وخطب في الحديقة مرارًا كان يرتجل خطابه دون أن يستعد له , ومع ذلك كانت خطبه لا يشتم منها رائحة الارتجال؛ لأنه - رحمه الله - ضليع في العربية حاضر الذهن , وكان يكتب المقالة بين لفيف من أصحابه ولا تشغله أحاديثهم ولا تلهيه مسامراتهم عما يكتب , وكان يجيبهم ويباحثهم ولا يفقد فكرة هيأها أو نتيجة أعدها، ولقد توفرت فيه كل صفات الرجولة التي يحسد صاحبها ويغبط حائزها: إباء لا يمازجه كبر، ووفاء لا يشوبه رياء، ولين لا ضعة فيه، وفخر مجرد من جفاء، وأدب خالص من غرور، وعلم عارٍ عن فضول , كان - رحمه الله - قليل الكلام، كثير التفكير، قوي الحجة ثابت الروع , لا يرضخ لكبير، ولا يستهين بصغير، يلتهب غيرة في إصلاح أمته، ويذوب حسرة على انحطاط قومه، لا يفرق بين طائفة وطائفة إلا بالعلم والفضل , شأن عظماء الرجال, عظماء النفوس الذين يعتبرون أبناء آدم إخوانًا مهما تباينت لغاتهم واختلفت مذاهبهم فهو لعمري حري لمبدئه هذا بالاعتبار والإجلال. يحق لي أن أبكي حسينًا ما دمت حيًّا؛ لأني أخوه في ثلاث: في العربية، في الوطنية، في المبدأ الذي كان يعيش من أجله , وإذا مات فموته من أجله وهو تكافؤ أرومات العرب , وتضافر عيدانهم وجعلهم كتلة واحدة في وجه العدو وصد هجماته عنهم، ولا يتم ذلك إلا بالعلم وردعه قاتله (شلت يداه) عن تعذيب فتاة من دواعي العلم. ألا ليت أمي لم تلدني وليتني ... سبقتك إذ كنا إلى غاية نجري وقصارى القول في فقيدنا العزيز: أنه لو عُمِّرَ عُمْرَ مَنْ عظم من الرجال أولي النهضات العلمية والسياسية منها لكان له بينهم شأن يحفظه التاريخ , ويردده له جيل بعد جيل، لكن واأسفاه عاجلته منيته فقصفت به غصنًا نضيرًا. يا موت لو أقلت عثرته ... يا موت لو تركته لغد يا موت لو لم تكن تعاجله ... لكان لا شك كوكب البلد جرت العادة عند الأمم المتمدنة أن تحيي ذكرى نوابغها بعد وفاتهم , ولقد تتفاوت درجات النبوغ , فمنهم من يشتهر بالشجاعة الأدبية ويصرح بمعتقده ولو كان في ذلك ذهابُ سالفته، ومنهم من يفني أيامه في التأليف والتنقيب , ومن هؤلاء الكاتب والشاعر، ومنهم من ينهك قواه ويسهر الليالي الطوال ويسجن نفسه أهِلَّة وأعوامًا؛ ليأتي قومه والناس بشيء جديد وهذا المخترَع والمكتشَف، ومنهم من يخدم دولته في قيادة أو إدارة فيجيد القيام بها ويخلص في الخدمة , ولقد يجدر بالأمم التي شأن أفرادها على ما ذكرت أن تقيم لهم ليالي متعددات , تذكر فيها آثارهم وأفكارهم فتحيي بعملها هذا شعورًا يهب بأبنائها إلى الرقي , ويربأ بهم نحو العمران وقد تفنن الغربيون في إحياء ذكر عظمائهم وتجديد همم علمائهم ومخترعيهم وقوادهم فتراهم يسمون الشوارع والبواخر الحربية بأسماء أولئك العظماء وينصبون للملأ تمثال كل منهم في الأزقة والشوارع , حتى إنه لا يكاد يخلو شارع من تمثال عظيم، وبهذه الواسطة وبمثل هذا التشجع يعكف رجال الغرب على العمل دون كدّ ولا ملل , والقوم كلهم ما بين مستحسن ومشجع حتى يصل أحدهم إلى غايته وينتهي إلى أمله , أما الأمم الشرقية فإنها وإخوانها الغربية على طرفي نقيض , وقد أبدع حافظ إبراهيم في هذا المعنى إذ قال: ينبغ النابغة فينبعث أشقاها للطعن عليه فلا يزال يكيد له حتى يبلغ منه، ويكتب فيها الكاتب فينبري له سفيهها فلا يفتأ ينبح عليه حتى ينشب فيه نابه، ويفسد عليه كتابه، ويشعر فيها الشاعر فيحمل عليه جاهلها فلا ينفك عنه حتى يغلبه على أمره، ويقهره على شعره , فكيف بعد هذا تزكو لنا حصاة وتصل لنا قناة. أما بعد إعلان الشورى في بلادنا فقد تغيرت أخلاقنا وتحسنت علائقنا , وأصبحنا نعترف للفاضل بفضله - اللهم إلا نفر قليل من طبقة الدنيا - وأنصع دليل لتأييد هذه القضية هو احتفالنا بتأبين المرحوم السيد حسين , وإحياء ذكرى له تنويهًا بنجابته ونبله، واعترافًَا بأدبه وفضله، وإني أيها الأخ السيد أحمد [٢] لا أعزيك وحدك بفقد المرحوم , بل أعزي النابتة العربية جماعها؛ لأنها فقدت به أخًا كريمًا وشهمًا عظيمًا فأصبح في لحد من الأرض ميتًا ... وكانت به حياة تضيق الصحاصح سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغِض ... فحسبك مني مما تجن الجوائح فما أنا من رزء وإن جل جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... فقد حسنت من قبل فيك المدائح *** تأبين أمين بك طليع وقال أمين بك طليع: إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليًّ الجيب يا ابنة معبد بيت قاله طرفة بن العبد صاحب المعلقة المشهورة منذ جيل ونصف جيل أتخذه مقدمة لكلامي. الأسيف مكلف لكلمة عامة وهي أضمن ما يمكن أن يكلف به عاجز مثلي مع من سمعتم وتسمعون من فضلاء الشعراء ومشاهير الكتاب , خصص كل منهم نفسه بما عرفه في الفقيد - رحمه الله - واختبره فيه من الأخلاق والمعارف والمبادئ والسياسة , وترك لي تقديم صورة إجمالية؛ لأجاريهم في الموضوع أو بالحري كي لا أحرم من قليل منه في جانب ما أصابني من كثير الأسى والحزن. فقيدنا العزيز المحتفل بتأبينه هذه الليلة السيد حسين وصفي رضا سليل العترة الحسينية الطاهرة وفرع الشجرة الزكية الزاهرة , شاب كان في ريعان الصبا ومقتبل العمر، نبت في بيت الحسب، ودرج من مهد الفضيلة والأدب، فنشأ فاضلاً أديبًا، ولوذعيًّا أريبًا، وشبَّ عاقلاً مفكرًا، ووطنيًّا مخلصًا، وشهمًا أبيًّا، منذ سنوات في بيروت وهو على أهبة السفر إلى القطر المصري لاحقًا بأخيه المصلح الشهير العلامة السيد رشيد , رسخت بيننا قواعد المودة وتوثقت عرى المصافاة , فعرفت منه حرًّا متطرفًا أيام كانت الحرية جريمة لا تغتفر، وجريئًا مقدامًا لا تأخذه في الحق لومة لائم أيام كانت الجرأة جزاؤها البوسفور، يُنحي باللائمة على دولة الظلم ورئيسها وعملها في نفس بلاد الظلم , ثم رأيته في مصر بلاد الحرية بلاد النور فرأيته حرًّا رزينًا , يدرك أن حرية الشخص تنتهي حيث تبتدي حرية شخص آخر، وحادثته هنا وهناك قبل الدستور وبعد الدستور فإذا هو هو: صحيح المذهب فصيح اللهجة , إذا روى أبدع، وإذا جادل أقنع، وإذا استُرعي استمع، حادّ الذهن نازه النفس شديد التمسك بنواهي الدين الحنيف مع تسامح نادر المثال مع مخالفيه، وتساهل فيما يعرفه من ملكات أصدقائه ومحبيه. لا أنسى ولن أنسى أيامًا معدودات قضيناها هذا الصيف في جبل لبنان حيث الهواء عليل، والنسيم بليل، والماء سلسبيل، وهو بيننا - والَهْف قلبي عليه! - الدَّيِّن لا يستثقل رشده، والأخلاقي لا يمُج نصحه، والنديم لا يُملّ مجلسه. لقد كادت تخنقني الزفرات أوزِعني اللهم صبرًا ... الصحف والمجلات تشهد أنه - رحمه الله - أفاد الأدب باجتهاده، وخدم الوطن بعلمه وجهاده، ودافع في سبيل الشهامة بسعيه ثم - وأسفاه! - بدمه ... - شلت يد القاتل - لو سِرت مع العواطف لبكيته بكاء الخنساء على صخر، ولرثيته بكل قصيدة عصماء بكل مبتكر من الشعر، ولا أغزر من عبرات يذرفها الصديق المقيم على الصديق الراحل، ولا أجزل من عبارات يرثي بها الأخ المرحوم الزائل , ولكن عفوًا! فلا أروع هذه الشعائر الرقيقة والقلوب الكريمة (مع ما تعانيه) بمنظوم يستدر عقد الدموع، ومنثور يذكي نارًا بين الضلوع، ولا أحاول تجسيم الرزء وتعظيم الخطب , فإن الرزء في نفسه لجسيم والخطب لجليل. أما ترى البدر إن تأملت والشمـ ... ـس هما يكسفان دون النجوم وهو الدهر ليس ينفك ينحو ... بالمصاب العظيم نحو العظيم ولا أسهب في بيان الخسارة وكلكم تعرفون أن هذا الوطن العزيز لقي أمس الاحتياج إلى أديب مع كثرة الأدباء، وفي أشد الافتقار إلى حر مع قلة الأحرار , يخدمه ويعلي من شأنه , وكلكم تشعرون أن هذه الفئة - فئة الأدباء والمتنورين - سلسلة مرتبطة الحلقات تعوزها حلقلة تزاد وهي بالطبع تتأثر لحلقة تفقد , قلت: إذا مت إلخ ... شاعر الجاهلية - وعصره عصر يكرم النابغين ويعظم المتفوقين - عرف أن الشرق والشرقيين لا يحفلون بغير وجيه حي ومثرٍ متحرك , يعظمونهما ويمجدونهما ولا يبالون بغير حاكم حكم يقدسونه , ويحرقون بين يديه الطيب ويجرون على أقدامه المباخر , وكأنه أدرك بتلك الألمعية - مع ما كان في زمنه من إجلال العلماء والشعراء - أن العالم والشاعر والأديب قد يحتاجون بعد مفارقة هذه الحياة الدنيا إلى من يذكر لهم أثرًا ويذرف عليهم دمعته , ويستمطر رحمته مثال أمه أو زوجته أو نسيبته (لا يحضرني من هي) بأن تنعيه بما هو عليه من أربحية نادرة وبلاغة معجزة وشاعرية فطرية وطلب إليها أن تشق عليه الجيب. فمسكين هو النابغة في الشرق ومسكين هو الأديب يضحي بنفسه ليفيد، ويحرق دماغه لينير، يقضي العمر في جهاد مر، وعناء مستمر، فلا مادة يصيب ولا نفس ينال , وإذا هو مات فلا ينعى ولا يشق عليه جيب , ولا يكون غير سكون دائم على جسم هامد , تدل بقياه على ما عاناه من التعب وما تكبَّده في دنياه من النصَب. بَيْد أن أدباء بيروت ولبنان انتبهوا منذ عشرات من السنين إلى حظ الأديب من دنياه مادة؛ فعمدوا إلى إقامة مثل هذه الحفلات تقال بها كلمة , وتذرف دمعة وهي أقل ما يكافأ به أديب ميت، وأفضل ما يشجع به أديب حي فحيا الله هذا الشعور. إن الإنسان ثلاثة على حد ما قيل: واحد يمر في هذه الحياة ولا يُبقي بعده أثرًا كما يمر العصفور في الهواء أو السفينة في الماء، وواحد يمر كما يمر الطيب في القارورة يبقي بعده ريحًا طيبًا لا يذهب بعد ذهابه، وواحد يكون دعامة بنيان عظيم فإذا ذهب سقط ذلك البنيان. أخونا حسين وصفي رضا مثل كل أديب مرَّ في هذه الحياة كما يمر الطيب في القارورة وترك بعده طيبًا لا يذهب بذهابه , فأنا أنعيه بما هو أهله من أدب غض، ومحتد كريم، وخلق دمث، وقول حر، وأنشر من أخلاقه ومباديه أريجًا يبقى إلى ما شاء الله، وأستمطر على تلك الروح الشريفة شآبيب الرحمة والرضوان , وأسأل لذويه وخلانه ومحبيه الصبر والسلوان، وللذوات الحاضرين الوقاية من الأحزان. سلام على روح الحسين ورمسه ... على قمر يا رمس أنت حجابه فلا تثقلنه فهو عضب مهند ... أبى غمده الدنيا فأنت قرابه وأنت به قارورة الطيب ضمنها ... شمائله، أخلاقه، وشبابه لبسنا عليه الخط ثوب حداده ... وللشرق من حظ الأديب خضابه فيا روحه أنى حللت فبلغي ... مصابك في شرق كبير مصابه ولا تحرمينا من خيال يزورنا ... فنحن ذووه فاعلمي وصحابه
وبعد تمام الاحتفال ارفضَّ القوم يستمطرون شآبيب الرحمة على تلك الروح الطاهرة , ويندبون حظ قومهم ويشكرون للمحتفلين عنايتهم بالفضل وأهله اهـ. وهذا ما انتهى إلينا من وصف هذه الحفلة أثبتناه , ولا تزال تأتينا تعازٍ ومراثٍ من الجهات البعيدة والقريبة , وإننا نشكر للجميع تعازيهم ومشاركتنا الحزن من نشرنا له تعزيته ومن لم ننشرها له؛ لكونها ليست على شرطنا , لخلوها من ذكر شيء من مناقب الفقيد - سائلين الله أن يشكر عنا سعي الجميع والسلام.