للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

سماع الغناء من آلتي الحاكي (الفونغراف) والمذياع (الراديو)
(س١٦) من صاحب الإمضاء في مليبار (الهند) تأخر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم.
إلى حضرة السيد الجليل المحترم صاحب الفضل والفضيلة محمد رشيد رضا
صاحب مجلة المنار الغراء حفظه الله ونفعنا وجميع المسلمين بعلومه.
بعد التحية اللائقة بمقامكم الشريف وجزيل السلام ورحمة الله وبركاته
أرفع لفضيلتكم السؤال الآتي راجيًا التكرم منكم بالإجابة عليه سريعًا، ولكم
منا جزيل الشكر، ومن المولى عظيم الثواب والأجر.
هو: ما حكم آلتي الغناء المسماتين بفونوغراف وهارمونيا، هل يجوز
استعمالهما للمسلمين في الأفراح وغيرها، وهل يجوز الالتذاذ بسماع غنائهما أم لا؟
فالمرجو من فضيلتكم أن تجيبوا جوابًا شافيًا في العدد القريب من مجلتكم
المنار الغراء، لا زلتم ملجأ للمسلمين.
... ... ... ... ... ... ... ... محمد الكود نجيري
(ج) حكم الآلات الناقلة للأصوات أنه يجوز استعمالها والسماع منها لما
يُسْمَع من الناس وغيرهم بدونها، بل ربما كان السماع منهما جائزًا لما يُحْظَر
سماعه من الألسنة لعارض، كالسماع من المرأة لما يثير الافتتان بها عند من لا يعد
السماع منها محظورًا لذاته وهو الصواب، فالمسألة واضحة لا تحتاج إلى الإطالة
إلا إذا كان للسائل شبهة فيها، وعليه إذًا أن يبينها في السؤال. فإن كان يرى أن
سماع الغناء محظور؛ لأنه مستلذ مطلقًا أو في غير العرس وقدوم المسافر كما يقول
به بعض الفقهاء وهو ما تشير إليه عبارته فسماعه من الآلة كسماعه من الناس وقد
بيَّنا في المجلد العشرين أن سماع الغناء ليس محرمًا لذاته فراجعوه.
* * *
حكم سماع القرآن من الآلات الحديثة
(س١٧) من صاحب الإمضاء بأسيوط
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل السيد محمد رشيد رضا
السلام عليكم ورحمة الله وبعد، فقد دار الحديث بيني وبين جماعة من إخواني
في سماع القرآن الكريم من الحاكي (الفنوغراف) هل يحل أو لا يحل؟ وهل إذا
كان جائزًا تترتب عليه آثاره من سجود عند سماع آية سجدة أو لا؟
وهل إذا سمع الإنسان قارئًا يقرأ القرآن في التليفون أو الراديو يكون كذلك أو
إن ذلك مشروط بالسماع من إنسان عاقل.
وكثر الجدل بيننا في هذا، وأخيرًا قد رأينا أن نتوجه بالسؤال لفضيلتكم علَّكم
تتكرمون بإفادتنا، أبقاكم الله ذخرًا للإسلام ومصدر نفع للمسلمين.
... ... ... ... ... ... ... ... محمود حسين مهدلي
... ... ... ... ... ... ... المحامي الشرعي بأسيوط
(ج) القرآن هو القرآن وسماعه هو سماعه، لا يختلف حكمه باختلاف
وصوله إلى السمع بواسطة آله تنقل الصوت أو بغير واسطة؛ إذ الأداء واحد،
والمؤدي واحد، ومثله نقل القرآن بالكتابة لا فرق فيه بين رسمه بالقلم تحركه اليد،
ورسمه بالآلة الكاتبة أو آلة التلغراف أو آلة الطبع، ولا بين الحروف الكوفية
والنسخ وغيرهما على اختلاف الأشكال فيها، ما دام المقروء واحدًا لا يختلف وهو
المقصود منها. إذا علم هذا تبين به أن على سامع القرآن من الآلة أن يستمع له
وينصت متأدبًا معتبرًا، وأنه يسن له السجود إذا سمع آية سجدة وكان متوضئًا.
وقد كنت سئلت عن السماع من (الفونوغراف) في أثر شيوعه في بلاد
الإسلام ونشرت منها سؤالين في المجلد السادس (سنة ١٣٢٥) وَرَدَا من سنغافورة
وأجبت عنهما جوابًا مفصلاً فيه بنيت فيه أن حكم سماع القرآن منه على قصد
السامع، وذكرت أن الأستاذ الإمام كان يتأثم منه مطلقًا، وأن بعض أصحاب العمائم
أباحه مطلقًا، وأن رأينا ما ذكرنا من قصد السامع هل الاتعاظ والاعتبار والتفقه
المأمور بها من يسمع القرآن؟ أم التلهي من بعض الناس؟ وجزمنا بأن هذا هو
المحظور؛ لأنه من اتخاذ الدين هزوًا ولعبًا، وذكرنا فيه حكم الأسطوانات هل
تسمى قرآنًا، ويكون لها حكم المصحف أم لا. فتراجع في ص ٤٢٩-٤٤٢ من
المجلد السادس.
ثم سُئلنا عنه في سنة ١٣٤٥ فأجبنا عنه في صفحة واحدة من المجلد ٢٨
(وهي ص ١٢٠) أحلنا فيها على الفتوى الأولى.
* * *
درجة حديث قراءة سورة يس على الميت
(س١٨) من صاحب الإمضاء في الجزائر
بما أننا على مذهبكم الحق مذهب السلف الصالح، وكان من مذهب مالك
رحمه الله كراهة القراءة على الجنائز وكراهة رفع الصوت خلفها، ولكن أتباع
مالك في المغربين تأصلت فيهم عادة قراءة سورة يس ورفع الصوت بلا إله إلا الله
خلف الجنازة بالرغم من إجماع مصنفي وشراح فقه مالك على كراهة ذلك، وأنها
ليست من فعل السلف كذا قالوا كلهم، ولكن كلهم قالوا: لا بأس بقراءة سورة يس
ما لم يقصد بها الاستنان محتجين بهذا الحديث الذي في النسائي ورواه أبو الدرداء
وإن الحديث - بزعمهم - مقدم على قول مالك إنه يعني شأن القراءة يس أو غيرها
ليست من فعل السلف، وكذا تمسكوا بأخبار واهية من أن عبد الله بن عمر أمر
بقراءة سورة البقرة إلى غير ذلك مما تمسكوا به؛ ولأنهم يتقاضون على ذلك الأجرة،
وإن الطبقة القراء الصغار عاشوا في هذه البدعة فانتصر لهم الفقهاء والشيوخ
الخرافيون كالدجوي إلخ، فالرجاء أن تفيدونا بدرجة الحديث هل يُعْمَل به كما ذكر
أو لا؟ ودمتم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الزواوي
(ج) حديث (اقرءوا يس عند موتاكم) وفي رواية (على موتاكم) هو
لمعقل بن يسار وهو ضعيف بالاتفاق، والمراد فيه من الموتى من حضرهم الموت
كما صرَّح به بعض المحدثين والفقهاء في شرحه، وما ذكرتم من مذهب مالك
رحمه الله في المسألة هو الحق وما ذكرتم من مخالفته فهو بدعة، والحديث المذكور
لا يُحْتَج به، وتجدون تفصيل الكلام في مُخَرِّجِيه ودرجته ومعناه وعمل الناس به
مفصَّلاً في الصفحة ٢٦٥-٢٦٨ من الجزء الثامن من تفسير المنار (الطبعة الأولى)
وهو في أثناء البحث الواسع المفصل في القراءة على الموتى وللموتى من آخر
تفسير سورة الأنعام.
* * *
أسئلة من بيروت
(س١٩-٢٥) من صاحب الإمضاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإني أرفع إلى فضيلتكم الأسئلة الآتية
راجيًا التكرم بالإجابة عليها.
(١) هل يجوز الاعتقاد والعمل بالأحاديث الموضوعة (المكذوبة)
والضعيفة في فضائل الأعمال وغيرها أم لا؟
(٢) هل هذان الحديثان الآتيان صحيحان معتمدان يجوز العمل بهما أم لا؟
وهما (يوم الأربعاء يوم نحس مستمر) وفي رواية أخرى (آخر أربعاء في الشهر
يوم نحس مستمر) ، (يوم السبت يوم مكر وخديعة، والأحد يوم غرس وبناء،
والإثنين يوم سفر وطلب رزق، والثلاثاء يوم حديد وبأس، والأربعاء لا أخذ ولا
عطاء، والخميس يوم طلب الحوائج، والجمعة يوم خطبة ونكاح)
(٣، ٤) هل يستحسن زيارة المريض يوم الأربعاء والتزوج في شهر
جمادى الأولى والثانية أم لا؟ وهل ورد في ذلك كله شيء صحيح يُعْتَمَدُ عليه أم لا؟
(٥) هل إذا أذنب الإنسان في الشهور والأيام الفاضلة كشعبان ورمضان
ويوم الخميس والجمعة وغيرها يزداد عذابه وعقابه في القبر وفي الآخرة عن باقي
الشهور والأيام الأخر أم لا؟
(٦) هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء صحيح يُعْتَمَد عليه في
أفضلية الأعداد والسنين، والشهور والأيام، والأوقات والمأكولات، والمشروبات
والملبوسات وغيرها أم لا؟ تفضلوا بالجواب ولكم الأجر والثواب.
... ... ... ... ... ... ... عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي
(١٩) العمل بالأحاديث الموضوعة والضعيفة:
العمل بالأحاديث الموضوعة غير جائز بالإجماع بل بالبداهة، فإنها ليست
بأحاديث وإطلاق لفظ (حديث) على الموضوع مشروط بوصفه بالموضوع أو
المصنوع أو المكذوب، فالمراد باللفظ ما قيل إنه حديث وليس بحديث، وأما
الحديث الضعيف فقد اختلفت العلماء في جواز العمل به مع عدم الاستدلال به على
حكم شرعي فقيل بمنعه مطلقًا، وقيل بجوازه بشروط بيَّناها في المنار مرارًا آخرها
الفتوى ٢٠ من المجلد ٣١ ص ١٢٧ فراجعوها.
(٢٠) أحاديث يوم الأربعاء وأيام الأسبوع:
هذه الأحاديث موضوعة باطلة، وقد بيَّنا ذلك بالتفصيل في المجلد التاسع
والعشرين من المنار فتراجع في (ص ٥٢٤) .
(٢١، ٢٢) عيادة المريض يوم الأربعاء:
يوم الأربعاء كغيره من الأيام لا فرق بينها في زيارة الأهل والأصدقاء
وغيرهم وعيادة المرضى إلا إن كان الزائر أو العائد يعلم أن بعضهم يتشاءم ببعضها
ويكرهه فلا ينبغي له أن يؤذيه فيها.
(٢٣) التزوج في شهري جمادى:
هذان الشهران كغيرهما من الشهور في التزوج فليس لهما مزية شرعية في
استحسانه ولا كراهته فيهما ولا مزيد فضيلة.
(٢٤) الذنوب في الأيام والشهور الفاضلة:
الأيام والشهور في ذاتها لا تفاضُل بينها، وإنما الفضيلة فيما يُعْمَل فيها
ففضيلة رمضان في عبادة الصيام، وفضيلة الأشهر الحرام الثلاثة في أداء مناسك
الحج والسفر إليها والرجوع منها، وكان رجب يشاركها فيما سميت لأجله بالحرم
وهو تحريم القتال فيها، وفضيلة يوم عرفة وأيام التشريق ويوم الجمعة بما يعمل
فيها معروفة. ومن المعلوم بالبداهة أن الأيام التي شرع الله تعالى فيها عبادة خاصة
بها يكون فعل المعاصي فيها أقبح منه في غيرها وأدل على ضعف الإيمان وتعظيم
شعائره، وأن الجرأة عليها فيها تكون أفعل في إفساد النفس وتدسيتها الذي هو منشأ
عقاب الآخرة، كما أن تزكيتها هي منشأ ثوابها كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن
زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس: ٩-١٠) ولكن لا يمكن تعيين زيادة
العذاب عليها في البرزخ الذي يعبر عنه بعذاب بالقبر ولا في الآخرة إلا بنص من
الشارع.
(٢٥) أفضلية بعض الأزمنة والمآكل والملابس على بعض:
تقدم آنفًا أن بعض الأيام والشهور أفضل من بعض بما يُشْرَع فيها من عبادة
تُقَرِّبُ إلى الله تعالى وتُرْضِيه ويستحق بها العامل مزيد ثوابه إذا كان مخلصًا فيها،
وورد في الكتاب والسنة تفضيل بعض الأوقات بجعل ذلك كالدعاء، والاستغفار في
الأسحار، وصلاة التهجد وساعة الإجابة في يوم الجمعة وحكمة إبهامها، وأما
المآكل والأشربة والملابس فقد يفضل بعضًا بضعًا بمنافعها الصحية ولَذَّاتها لا
لِذَاتِهَا، وورد في بعضها أحاديث قليلة بيناها بمناسبات مختلفة، يقل فيها ما هو
ديني منها كملابس الإحرام بالحج والعمرة، وإن مثل هذه الأسئلة المجملة المبهمة
عن أمور كثيرة من الإرهاق الذي لا سبب له إلا تلذذ السائل لا الحاجة الدينية،
فالمرجو أن لا يسأل أحد إلا عن أمر معين يحتاج إلى معرفة حكمه أو حكمته.
* * *
شرب الدخان في مجلس القرآن
(س٢٦) من صاحب الإمضاء من دمنهور:
حضرة أستاذي الجليل السيد رشيد رضا صاحب المنار، السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته. وبعد فنرجو نشر رأيكم في شرب الدخان في مجالس القرآن على
صفحات المنار، ولكم منا الشكر، ومن الله جزيل الثواب.
... ... ... ... ... ... ... محمد عبد الرحمن الحاوي
... ... ... ... ... ... ... ... مدرس بدمنهور شبرا
(ج) سبق لنا جواب عن مثل هذا السؤال في المنار خلاصته: أن هذا
العمل تابع للاعتقاد الشخصي والعرف، فمن كان يعتقد أن التدخين مباح وعرف
قومه وأهل بلده أنه لا ينافي الأدب فلا يُحْظَر عليه، ومن اعتقد أنه حرام أو مكروه
ففعلُهُ له في مجلس القرآن يزيده غلظة، وهكذا إذا كان عرف الناس أنه ينافي
الأدب فليس له أن يفعله، وإن اعتقد إباحته، والله أعلم.