التي تدرس في دار الدعوة والإرشاد وطريقة تدريس كل علم منها في قسم الدعاة والمرشدين [١]
(تنبيه) إن إصلاح طريقة التعليم الإسلامي مع التربية الدينية هو الغرض الأول الذي تقصده جماعة الدعوة والإرشاد في هذه المدرسة، وإنما نفع التعليم بتربية ملكة استقلال الفهم في تحصيل مسائل العلوم والحكم بها، وملكة الاستحضار لها عند الحاجة إليها، وملكة العمل بالعملي منها، ولا يتم تسهيل التعليم إلا بتأليف لجنة علمية لتصنيف الكتب التي تصلح للتعليم والمطالعة على الوجه المبين هنا بالإجمال، أما في بدء العمل فتختار المدرسة بعض الكتب المعروفة، وترشد المعلمين في هذا الفصل، وفيما تبلغهم إياه من قرارات لجنتها إلى كتب أخرى يقتبسون منها دروس بعض العلوم إلى أن يتم لها ما تقصد إليه من إيجاد الكتب الدراسية الجديدة، فعليهم أن يرموا إلى ذلك الغرض، ويتوخوا تربية الملكات الثلاث. * * * (تجويد القرآن الكريم) تقرأ رسالة في علم التجويد لصنف المرشدين، ويعلمون التجويد بالعمل بأن يقرأ كل طالب على حافظ المدرسة طائفة من الآيات بالتجويد؛ في الأوقات التي تعين في البرنامج، فيصحح له الحافظ تجويدها إلى أن يكون ذلك ملكة في اللسان. * * * (التفسير) يقرأ درس عام دائم في التفسير لطلاب جميع السنين، على طريق الوعظ والخطابة بلغة فصيحة؛ ليتعلموا كيفية الإرشاد والوعظ الذي يرجى تأثيره في القلوب؛ وليكون مثالاً لهم في الأسلوب الذي يطبع ملكة الخطابة الدينية في نفوسهم وألسنتهم، وغذاء لإيمانهم، ومهذبًا لأخلاقهم، ومذكرًا لهم بمقصد الدين، من إصلاح المؤمنين. (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين تفسير القرآن كله بالاختصار والسهولة؛ مع اجتناب اصطلاحات العلوم والفنون العربية والشرعية، ويتوخى فيه فهم الآيات بغير تكلف كما يعطيه أسلوب اللغة، وينطبق به بعض القرآن على بعض، فيراعى فيه أخذه بجملته وتفسير بعضه ببعض، ويراجع فيه المأثور، ويعتمد ما يصح منه، وينبه فيه على أجوبة الشبهات عن بعض الآيات التي يعترض عليها المبطلون، أو يشتبه فيها الجاهلون من غير شرح للشبهة، بحيث إذا أوردت على الطالب يفطن لجوابها وإلا بقي غافلاً عنها. (صنف الدعاة) ويقرأ لصنف الدعاة تفسير الآيات التي ترد عليها الشبهات، ويجادل فيها الكافرون أو أصحاب المقالات، مع شرح الشبهات المتعلقة بالعلوم الكونية والفلسفة والتاريخ والقوانين ومجادلة أهل الأديان، والجواب عنها بطريق المناظرة، وكذلك الآيات الدالة على ما امتاز به الإسلام على جميع الأديان، وبيان حقائق العلوم التي لم تكن معروفة في زمن التنزيل ولا سيما للعرب، سواء كان ذلك في علوم الكون أو علوم الاجتماع والشرائع والآداب. * * * (الحديث) (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين مثل مختصر البخاري، ومختصر الزواجر، أو الترغيب والترهيب للمنذري، والشفاء، يقرأ ذلك بأسلوب سهل، فيبين لهم معنى الحديث بالاختصار من غير بحث؛ فيما يتعلق به من العلوم والفنون والإعراب إلا النادر الذي يتوقف عليه الفهم أحيانًا، ولا شرح للشبهات إلا ما يشكل على العامة عادة؛ مما يبثه المبطلون في أحاديثهم وخطبهم، والمشككون في رسائلهم وكتبهم. (صنف الدعاة) ويقرأ لصنف الدعاة مثل المنتقى للشيخ مجد الدين ابن تيمية أو غيره من مختصرات دواوين الحديث، ويتوسع لهم في فقه الحديث وحكمه وفي التعارض والترجيح بين الأحاديث، وشرح الشبهات الواردة عليها، والبحث في مشكلاتها وأسانيدها وعللها؛ إذ المطلوب أن يكون الدعاة من علماء الحديث رواية ودراية؛ لأجل تحرير ما هو صحيح متفق عليه مقبول عند الأمة، فيجب الدفاع عنه والاحتجاج به حتمًا، وما ليس كذلك فيكون من دفاع المعترضين عليه؛ أن أئمة المسلمين لم يتفقوا على قبوله، فلا يلزمهم ما يرد عليه. * * * (أصول الحديث أو المصطلح) يقرأ هذا العلم قبل قراءة الحديث نفسه، وطريقة قراءته أن يعرف كل اصطلاح تعريفًا واضحًا، ويوضح بعدة أمثلة. ويبين ما اختلف فيه اصطلاح بعض المحدثين عن بعض؛ كاصطلاح الترمذي في الحديث الحسن والغريب. * * * (التوحيد) المراد بعلم التوحيد: علم العقائد الإسلامية المبينة في القرآن الحكيم، التي قامت بها دعوة الدين، ومباحثه تدخل في ثلاثة أبواب: الإلهيات والنبوات والغيبيات، أي ما يجب الإيمان به بالغيب، ويعبر عنها أيضًا بالسمعيات. (صنف المرشدين) هذا العلم خاص بصنف المرشدين، يجب أن يبرعوا فيه قبل الانتقال إلى صنف الدعاة. فأما الإلهيات فتقرأ على هدي القرآن وسنته في الاستدلال بالكائنات أكثر من الاستدلال بالنظريات، وعلى الوجه الذي يودع في القلوب حب الله تعالى وتعظيمه ومراقبته، والجمع بين الرجاء الذي يرغب في طاعته والخوف الذي ينفر من معصيته، والاستغراق في توحيده، ومعرفة كماله بصفاته، ويشرح في هذا الباب ما فشا الخطأ في فهمه بين الناس؛ كمسائل القضاء والقدر والجبر، والتوكل والكسب، والغرور والرجاء، واليأس والأمل، والدعاء والتوسل، والولاية والبراءة. وأما مسائل النبوات، فتقرأ على الوجه الذي يعرف به احتياج البشر إلى إرسال الرسل، وتفضل البارئ الحكيم بإيتائهم ما يحتاجون إليه من هذه الهداية التي تكمل بها فطرتهم، بوحيه إلى أفراد كملتهم، ليفقهوا عنهم ويقتدروا بهم، فتصلح أحوالهم، وترتقي عقولهم وأرواحهم، ويتوقف ذلك على بيان أخلاق الرسل عليهم السلام وصفاتهم، وسيرتهم في أقوامهم، ورفعهم إياهم من حضيض الوثنية إلى أوج التوحيد، وعلى بيان مفاسد الوثنية التي كانوا عليها، وبيان ارتقاء الدين بارتقاء استعداد البشر للاهتداء به، إلى أن تم وكمل بالإسلام، وختمت النبوة والرسالة بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومعنى كون دين الله واحدًا في كل زمان، وسنة الله في ارتقائه وإكماله، وبيان ما امتاز به القرآن على سائر الكتب، والإسلام على سائر الأديان إجمالاً، ويبين في هذا الباب ما يشتبه فهمه على الناس من الشفاعة المثبتة في القرآن والشفاعة المنفية فيه، والهداية المثبتة للأنبياء والهداية المنفية عنهم، ومعنى عصمتهم وعدم التفريق بينهم، مع تفضيل الله بعضهم على بعض. وأما السمعيات الثابتة في الخبر عن عالم الغيب، فتقرأ على الوجه الذي يعرف به الإنسان فوائد الإيمان بالغيب وحياة الآخرة الأبدية؛ كتوسيع نطاق العقل بإخراجه من مضيق علم المحسوسات المشتركة بين كل ذي حس إلى فضاء مدارك الروح والعقل، وإعلاء مقام النفس بتوطينها وإعدادها لتلك الحياة العالية، التي تحتقر بالنسبة إليها هذه الحياة الفانية، فتهون عليها مصائب الدنيا وخطوبها، ويسهل عليها احتمال المتاعب وترك الشهوات في سبيل الحق. ويجتنب في تقرير هذه العقائد ذكر الخلاف بين المذاهب والفرق، ويعتمد على ما كان عليه الصدر الأول من السلف، ولا بد من وضع رسائل على هذه الطريقة تكون على ثلاث مراتب: إحداهما للتعليم الابتدائي وللعوام، والثانية للتعليم المتوسط، والثالثة للتعليم العالي، وإرشاد الطلاب بها إلى الطريقة التي يعلمون بها كل صنف من الناس على قدر فهمه وحسب ما يليق بحاله. * * * (الكلام) المراد بعلم الكلام علم حماية العقائد الإسلامية والدفاع عنها، ورد ما يورده الملاحدة والمبتدعة من الشبهات عليها والتحريف فيها، بالدلائل الحقيقية والإلزامية وقد تجدد في هذا العصر شبهات لم تكن معروفة في عصر المتكلمين السابقين، وبطل كثير من تلك الشبهات التي كانت رائجة في عصرهم المستنبطة من العلوم اليونانية وغيرها، فتجب العناية في هذا العلم بما يحتاج في هذا الزمن على الطريقة التي ترجى فائدتها فيه. (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين رسالة مختصرة من كتب المتكلمين؛ كالسنوسية أو النسفية بحيث يفهمون عباراتها، ويعرفون اصطلاحهم منها. ويقرأ لهم رسالة أخرى تذكر فيها الشبهات الرائجة بين العامة في هذا العصر من قبل دعاة النصرانية ومقلدة الملاحدة ونحل الباطنية، مع بيان وجه بطلانها. (صنف الدعاة) يتوسع لهذا الصنف في رد الشبهات المتولدة من العلوم الرائجة في هذا العصر؛ كالفلسفة والهيئة والتاريخ والقوانين أو غيرها، على النحو الذي ذكر في الكلام على التفسير. * * * (البدع والخرافات، والتقاليد والعادات) (صنف المرشدين) هذا العلم خاص بصنف المرشدين، فتقرأ لهم دروس خاصة في بيان البدع التي نجمت في المسلمين، والخرافات التي فشت بينهم، يبين فيها مثاراتها وأسبابها وتاريخها، وتأثيرها الضار في الدين والدنيا، وفي بيان التقاليد والعادات التي سرت إليهم من الأمم والشعوب التي دخلت في الإسلام أو جاورها المسلمون، والتمييز بين الضار منها والنافع، وبين ما صبغ بلون الدين منه في شيء. ويبين المدرس في مقدمة هذه الدروس وجه الحاجة إليها، وأن ما تكون عليه الأمة من هذه الأمور يعد من مقوماتها أو مشخصاتها التي تمتاز بها عن غيرها، وأن ما به الامتياز والتشخص ينبغي أن يكون حسنًا نافعًا، وأن ينقى من القبح وأسباب الضرر، وأن أطباء الأمم الروحيين والاجتماعيين لا يستطيعون معالجة أمراضها أوحفظ صحتها إلا إذا عرفوا كل ذلك منها. وقد كان علماؤنا يبينون هذه الأمور في كتب الكلام والمواعظ والرقائق والأخلاق والآداب وكتب التاريخ، فالمدرس يستمد من هذه الكتب؛ ومنها كتاب الاعتصام للشاطبي، وكتاب المدخل لابن الحاج، وكتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي، وكتاب إيثار الحق على الخلق لابن المرتضى اليماني، وكتاب الطريقة المحمدية للبركوي. ويبحث عما حدث من ذلك بعد عصر المؤلفين الذين وصلت إلينا كتبهم، ويذكر منه كل ما عرفه. * * * (الفقه ومنه الفرائض) يشترط في كل طالب أن يكون محصلاً قدرًا من فقه مذهبه، يعرف به أسلوبه ويسهل عليه به أن يراجع في كتبه منه ما يحتاج إليه. (صنف المرشدين) يُقرأ لصنف المرشدين شيء من فقه المذاهب كلها بالإيجاز في العبادات والأحكام الشخصية؛ ومنها الإيمان والنذور والذبائح والأشربة والأضحية، فتفصل بعض التفصيل؛ ليعرفوا اصطلاحات هذه المذاهب، فيسهل على كل واحد أن يتوسع في فقه أي مذهب منها بنفسه، إذا صار مرشدًا في جهة يغلب فيها اتباعه، واحتاج فيها إلى ذلك التوسع، ومن فوائد ذلك أن يعرف كل طالب أن هذه المذاهب متقاربة، فلا يتعصب لبعضها على بعض، وأنها متفقة في المسائل القطعية التي لا يسع مسلمًا جهلها، وأن ما وقع من الخلاف بالاجتهاد فيما دون ذلك، لا ينبغي أن يكون سببًا لتفرق المسلمين في دينهم، بل عليهم أن يعذر بعضهم بعضًا وإن خالفه في مثل هذه المسائل؛ كما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. ويكتفى في الفقه ببيان المسائل التي يحتاج إليها في العمل دون الشواذ والفرضيات، ويوضع لذلك رسائل تذكر فيها المسائل مفصلة معدودة على طريقة مجلة الأحكام العدلية، ويجب أن تكون عبارتها في غاية السهولة والانسجام؛ لأنها هي الطريقة التي تسلك في تعليم العوام، وتقرأ لهم رسالة في الفرائض ويمرنون على عمل المناسخات. * * * (حكمة التشريع) بهذا العلم يكون المسلم على بصيرة من دينه منبعثًا إلى العمل به بوازع من نفسه، وبه تكون حجته بالغة في الاستدلال على حقيته، ودفع شبهات المعترضين على شريعته، وبه يعلم وجه كون هذه الشريعة هي الحنيفية السمحة الصالحة لجميع البشر في كل زمان ومكان، توافق أهل السذاجة والبداوة، وترفعهم إلى أرقي أنواع الحضارة، وكون كل حضارة تخرج عن هديها لا تسلم من الرذائل المادية، والآفات الشائنة للإنسانية، فلبيان هذه الفوائد يدون هذا العلم، ولأجلها يقرأ. (صنف المرشدين) يوضع كتاب في حكم الشريعة وأسرارها على طريقة كتب فروع الفقه، يذكر في كل باب منه حكم ما ثبت في الكتاب والسنة من الأحكام بالتفصيل، ومنه يعلم حكمة ما استنبطه العلماء منها أو قاسوه عليها، ويقرأ هذا الكتاب لصنف المرشدين. (صنف الدعاة) ويوضع كتاب آخر، تجعل فيه مقاصد الشرع وحكمه قواعد، وتذكر الفروع على سبيل التمثيل، ويقرأ هذا الكتاب لصنف الدعاة، مثال ذلك قاعدة اليسر في الدين ورفع الحرج وقاعدة المحرم لذاته والمحرم لسد الذريعة، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وكونها تقدر بقدرها، وفروعها كثيرة معروفة. ويستعان على تأليف الكتابين بالمصنفات التي تذكر فيها هذه الحكم؛ كإحياء العلوم للغزالي وإعلام الموقعين وزاد المعاد لابن القيم، والموافقات للشاطبي والفروق للقرافي، وحجة الله البالغة للدهلوي ومجلة المنار. * * * (أصول الفقه) (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين بعض الرسائل المختصرة في الأصول على طريقة الجمهور، ودروس في المسائل المهمة من كتاب الموافقات للشاطبي، ويستكثر لهم من الأمثلة فيها. (صنف الدعاة) يقرأ لصنف الدعاة مختصر الموافقات، وكتاب آخر على طريقة الجمهور، تؤخذ دروسه من الكتب المبسوطة الواضحة العبارة كالمنخول للغزالي والمسودة لآل تيمية، وإرشاد الفحول للشوكاني من الأمثلة فيها أيضًا. * * * (علم الأخلاق والتصوف والتربية العلمية والعملية) من المختصرات الجديرة بالتدريس لصنف المرشدين كتاب الأخلاق والسير لابن حزم، والذريعة للراغب الأصفهاني، و (مختصر الإحياء) إن وجد مختصر موافق وإلا فيختصر على حسب الغرض [٢] ويزاد عليه في مباحث ذم الدنيا والفقر والزهد بيان الفرق بين زماننا وزمان القرون الأولى من المسلمين؛ في الحاجة إلى سعة الثروة وتوقف حياة الأمة عليها الآن، وعدم توقفها في ذلك الزمان، وكون الزهد الصحيح والقناعة الفضلى لا ينافيان تحصيل الثروة وعمارة الدنيا؛ لأنهما من صفات القلب، وفائدتهما أن يجعل الإنسان فضل ماله لنفع أمته ومجد ملته، وأنه لا ينبغي تعمد ترك تحصيل الثروة، إلا لعمل أنفع للأمة والملة. ويوضع له كتاب في الأخلاق، وكتاب في التربية العلمية والعملية ونظام التعليم على الطريقة التي تمس إليها حاجة هذا العصر، يقتبس فيها من كتب حكمائه ما زادوه على المتقدمين من الفوائد والحقائق التي اقتضتها حال الاجتماع، ويلخص في كتاب التربية والتعليم ما كتبه الغزالي في نظام التعليم من كتابه الإحياء، وما كتبه ابن خلدون في مقدمته، وما يختار من كلام غيرهما كأبي بكر بن العربي والشيخ زكريا الأنصاري، ثم ما اهتدى إليه علماء الغرب من ذلك بالنظر والاختبار، وبذلك يظهر اتصال سلسة هذا العلم، وتعرف الطريقة المثلى التي ينبغي أن يجري عليها المسلمون في هذا العصر. ويدخل في باب التصوف؛ بيان طرق الصوفية واختلافهم فيها، وتأثيرها في الأمة، وأسباب انتشار بعضها في قطر دون آخر، وما وافق السنة منها وما خالفها وبيان وسائل إصلاح ما فسد منها. * * * (علم الإرشاد والدعوة والدعاة والمرشدون) الإرشاد ضرب من ضروب التربية والتعليم، وهو ما كان دينيًّا منهما كالوعظ وتربية المكلفين، فهو بمعنى التصوف على ما كان يفهمه بعض المتقدمين، والمراد به هنا ما يشمل إرشاد المسلمين إلى مصالحهم الدنيوية؛ كالمحافظة على قوانين الصحة بحسب ما وصل إليه العلم، والاقتصاد في المعيشة كما يليق بحال العصر، والعناية بأمور الكسب بالطرق الحديثة، مضمومًا هذا إلى الوعظ وتربية الأخلاق والآداب، والمرشدون هم العلماء العاملون الذين قاموا بالإرشاد ونفعوا به العباد، وأما المراد بالدعوة إلى الدين والدعاة القائمين بها فظاهر. (صنف المرشدين) علم الإرشاد المستمد من عدة علوم خاص بصنف المرشدين؛ لأنهم يعلمون تلك العلوم لأجله، فتدرس لهم طرقه العلمية والعملية وأساليبه ومسائله واختلافها باختلاف أحوال البلاد في سياستها وأحكامها وطبائعها؛ ككونها زراعية أو صناعية واختلاف أهلها في المذاهب والأخلاق والعادات، واختلاف أعمار المخاطبين وأفهامهم، وتذكر لهم تراجم أشهر المرشدين في الأمم وأساليب إرشادهم، ومبلغ تأثيرهم ووجه الاعتبار بهم. (صنف الدعاة) الدعوة إلى أصل الدين أعسر من الإرشاد إلى العمل بأحكامه والأخذ بآدابه وأخص منه؛ لأنها تستلزمه وتحتاج إلى أكثر مما يحتاج إليه من العلوم ومن الحكمة والكياسة، وتختلف مثله باختلاف أحوال البلاد وأهلها والأديان وتاريخها، ودروسها خاصة بصنف الدعاة، فتقرأ لهم على الطريقة المشار إليها في قراءة علم الإرشاد، ومنها الاعتبار بما عند الأمم الأخرى منها، وتراجم الدعاة المشهورين، ويتوسع لهم في بيان أسباب سرعة انتشار دعوة الإسلام في العصر الأول وبعده، وكيف كانت دعوته وتأثيره في الأمم والأقطار، وما سرى من أصوله وتعاليمه الإصلاحية إلى أهل الملل الأخرى. * * * (تاريخ الإسلام ودوله) المراد بتاريخ الإسلام سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين، وما فيهما من الأحكام والحكم والعبر، وسيرة أئمة العلم والدين من السلف الصالحين، فيوضع في ذلك كتاب خاص على الطريقة العلمية، يبين في مقدماته ومقاصده أحوال الأمم الدينية والاجتماعية عامة والعرب خاصة قبل الإسلام وحاجة الجميع إلى إصلاح روحي اجتماعي يضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، من الوثنية التي جعلتهم عبيدًا للمخلوقات التي سموها آلهة، والمخلوقين الذين جعلوهم ملوكًا؛ إذ لم يكن لأحد منهم حرية في استعمال عقله، ولا في التصرف ببدنه، إلا بمشيئة رؤساء الهياكل والمعابد، أو رؤساء العروش في القصور، ثم ما تتضمنه تلك السيرة المباركة من الإصلاح العام في العقائد والعبادات، والعادات والمعاملات، والحروب والسياسات، وسائر أمور البشر الاجتماعية والمدنية والأدبية، ولا سيما رابطة الزوجية ومعاملة النساء، ويلي ذلك بيان تأثيره في المسلمين بوضع السلف للعلوم واشتغالهم بالفنون التي كانت أساس حضارة الإسلام، يبين كل مقصد من هذه المقاصد في باب من أبواب الكتاب. ويوضع كتاب آخر في تاريخ دول الإسلام، يبين فيه أسباب تكون كل دولة منها، وما قامت به من الأعمال كالفتوحات والصناعات وسائر شؤون العمران ومقدماتها وسيرتها في القضاء والمدنية، ثم أسباب ضعفها وزوال ما زال منها وحالة ما بقي منها إلى اليوم. * * * (التاريخ العام قديمه وحديثه وتاريخ الأديان) (صنف المرشدين) يقرأ التاريخ العام للصنف المرشدين مختصرًا، ويجعل له مقدمة في بيان حكمته وفوائده ونقده، وما يعرض فيه من الهوى والوهم، يذكر فيها رأي ابن خلدون في أول مقدمته في ذلك، ويزاد عليه ما يختار من كتب حكماء الغرب. (صنف الدعاة) يقرأ لصنف الدعاة بالتوسع المناسب لحالهم، ويزاد لهم تاريخ الأديان عامة وتاريخ الكنيسة خاصة، وما له من التأثير في الانقلاب الاجتماعي والسياسي والمدني في أوربة وغيرها، ويرشد من يراد إرسالهم إلى قطر من الأقطار للإرشاد أو للدعوة أن يطالعوا المطولات في تاريخ ذلك القطر وسكانه من تصانيف المتقدمين والمتأخرين؛ ليكونوا على بصيرة في عملهم، وينبه الطلاب في كل درس على ما فيه من العبرة والموعظة، ويدل الأستاذ الطلاب على الكتب التي تسهل عليهم المراجعة في كتب العهد العتيق والعهد الجديد؛ كقاموس الكتاب المقدس للدكتور بوست، وكتاب مرشد الطالبين، وكتاب مغني الطلاب، وكتاب ذخيرة الألباب. * * * (الملل والنحل والجمعيات الدينية) (صنف الدعاة) علم الملل والنحل خاص بصنف الدعاة، وتؤخذ دروسه مما كتبه علماؤنا كابن حزم والشهرستاني ومن الكتب الأوربية، ويختصر الكلام في الملل والنحل المندرسة ويتوسع في غيرها، ويتبع هذا بيان أحوال الجمعيات الدينية، ويتوسع أيضًا في بيان أحوال أهل النحل الرائجة بين المسلمين في هذه الأزمنة في هذه الأزمنة؛ كالبكداشية والبابية البهائية منهم وغير البهائية. * * * (تقويم البلدان وخرت الأرض) يقرأ لصنف المرشدين خرت الأقطار الإسلامية وتقويم بلدانها مفصلاً تفصيلاً وخرت سائر الأرض بالإجمال. ولكنه يفصل لصنف الدعاة بأنواعه الدينية والسياسية والتجارية، وينبه الطلاب في أثناء الدروس إلى العبرة بسنن الله تعالى في إدالة الدول وإرث الأرض. * * * (حفظ الصحة) (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين علم حفظ الصحة، وما يتبعه من علم الإسعافات الوقتية التي يمكن استعمالها في غيبة الطبيب عند حدوث المرض أو الجرح أو الحرق، ويذكر في مقدمة هذا العلم ما ورد في الكتاب والسنة من الدلائل على مشروعية الطب والتداوي وتحرير مسألة العدوى، ويبين فيه أن قوام هذا العلم في اتباع الشريعة في الطهارة والعفة والاعتدال في الأمور كلها. * * * (الاقتصاد - أو - تدبير الثروة) يوضع للدروس التي تقرأ من هذا العلم مقدمة في الآيات والأحاديث الواردة في الاقتصاد وذم الإسراف والتبذير ومراعاة الشريعة لذلك بحظر إضاعة المال وإنفاقه في المضار أو ما لا يفيد، حتى في مثل النهي عن الإسراف في الماء عند الوضوء والغسل، وتبين فيها المقابلة بين الإسلام والنصرانية في ذلك، وفي اختلاف أثر الدينين في التابعين لهما؛ إذ عمل جماهير كل من المسلمين والنصارى في هذه العصور بضد ما يهدي إليه دينهم، ويبين فيها مكانة الثروة من حياة الأمم والدول في هذا الزمان. * * * (أصول القوانين وحقوق الدول وضروب النظام) (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين قدر صالح من نظام الشركات والنقابات والجمعيات والمحاكم الشرعية والمجالس الحسبية والبلدية ونظام الإدارة والقضاء الأهلي والمختلط، بحيث يكونون على بصيرة مما عليه الحكومات القانونية في عصرهم. (صنف الدعاة) ويقرأ لصنف الدعاة قدر صالح من حقوق الدول وأصول القوانين وفلسفتها، ويبين لهم في كل باب منها نسبة مسائله إلى الشرع. ويستعان على هذا بما كتبه بنتام ومونتسيكو وغيرهما من حكماء الغرب * * * (المنطق) يجتنب في تعليمه إيراد الأمثلة بالحروف، ويتحرى أن يكون أكثرها من الوجوديات وأقلها من النظريات، ويتوسع في مباحث الاستقراء والتمثيل وسائر مواد القياس، ويبين في باب البرهان منه خطأ الحس، ويحرر فيه بحث الواتر وشروطه، وما يعده الناس منه وهو ليس منه، ويشرح في بحث الخطابة والشعر طرق التأثير بهما، وفي مباحث الجدل والمغالطة والسفسطة ضروب التلبيس بها، ويستكثر من الأمثلة على ذلك، ويكلف الطلاب استخراج الأمثلة في ذلك من مناظرات الجرائد بإرشاد الأستاذ وتنبيهه. * * * (المناظرة وآداب البحث) كان علماء المعقول منا يستعملون اصطلاحات في آداب البحث في مناظراتهم كما يستعملون اصطلاحات المنطق؛ كلفظ السند والمنع والنقض والمعارضة لاتفاق المتناظرين عليها، ولا يكاد يستعملها الآن أحد، ولكنها تفيد العارف بها بصيرة وقوة، فتقرأ مع بيانها بالأمثلة. (صنف الدعاة) يمرن صنف الدعاة على المناظرة بالفعل؛ بأن يجميع بعض الطلاب شبهات الملاحدة أو النصارى على الإسلام، ويناظر فيها بعض إخوانه فيكون كل منهما سائلاً تارة معللاً أخرى، ولا يدخر مورد الشبهات وسعًا في تقريرها على النحو الذي يقرره به أهلها مع النزاهة والأدب في العبارة، فقد أطلق إبراهيم عليه وعلى آله الصلاة والسلام لفظ الرب على الكوكب والقمر والشمس؛ تمهيدًا لإثبات التوحيد، فإن عجز المدافع عن الإسلام أو الداعي إليه عن رد شبهات الآخر، وإثبات مدعاه هو - جاء حكم الحكم بينهما مبينًا للحق في المسألة. * * * (علم النفس والحكمة العقلية) يقرأ هذان العلمان بأسلوب الصوفية وعلى طريقتهم، وإن اقتبست المسائل من كتب الحكماء المتأخرين، والمراد بأسلوب الصوفية وطريقتهم ما يعين على تربية النفس على الكمال، وتربية العقل على الاستقلال؛ بأن توجه المسائل إلى الطالب توجيه مطالبة بأن يكون سالمًا من أمراض النفس والعقل، متمتعًا بصحتهما شاكرًا لله تعالى نعمته بهما باستعمالهما فيما خلقا له، والعروج بهما إلى سماء الكمال، بقدر الطاقة والإمكان، لا توجيه من يريد أن يرسم في لوح الدماغ صورًا يمتع صاحبه بزينتها إذا عرضها على خياله، أو على أنظار الناس في الصحائف، أو أسماعهم في المجالس، ويذكر في مقدمة كل منهما خلاصة ما وصل إليه المتقدمون فيهما؛ ككلامهم في الحواس الباطنة، وما ذكروه من مراكز الحس المشترك والحافظة والواهمة. * * * (علم سنن الاجتماع) هذا العلم من أجل العلوم التي هدانا إليها القرآن الحكيم، فأجدر بالمسلمين أن يكونوا أشد الأمم عناية به، وتحريرًا لمسائله، واهتداء بحكمه، وينبغي أن يقرأ على الطريقة الإسلامية التي هي أرجى للعبرة وأدعى إلى العمل. (صنف المرشدين) تؤخذ من مقدمة ابن خلدون المسائل الاجتماعية، ويعقب على بعض الفضول منها بما لا بد من التنبيه عليه؛ كبيان خطئه في بعض ما قاله عن العرب، وبيان ما اختلفت فيه طبيعة العمران وأحوال الاجتماع؛ كتغلب أهل الحضارة والترف في زماننا على أهل البداوة والخشونة، خلافًا لما كان في عهده وقبل عهده، ويجعل ذلك دروسًا أو فصولاً تقرأ لصنف المرشدين. (صنف الدعاة) ويوضع كتاب في هذا العلم على النسق الذي ارتقى إليه لهذا العهد، وتنفخ فيه روح العبرة والهداية الإسلامية ويقرأ لصنف الدعاة. مثال ذلك أن يذكر في مقدمة العلم وبيان موضوعه ما ورد في ذلك من الآيات الحكيمة، والأحاديث الشريفة، كقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} (آل عمران: ١٣٧) وقوله: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: ٦٢) وما ماثلها، وفي باب أصول البشر وأصنافهم ومراتب الاجتماع فيهم مثل قوله عز وجل:] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [] وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [وقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة: ٢١٣) الآية، وفي باب قوة الاجتماع والجمعيات الآيات والأحاديث الواردة في الإنفاق والاعتصام، والناهية عن التنازع والتفرق وهي كثيرة، وفي معناها حديث الترمذي (يد الله على الجماعة) ، وفي باب انتقال الأمم والدول من حال إلى حال مثل قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد: ١١) وقوله: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: ١٤٠) وفي باب الاشتراكية والتعاون ما ورد من الآيات والأحاديث والآثار في الزكاة والصدقات، وينبه الطلاب على وجوه العبرة في هذا العلم وما ينبغي من العمل به. * * * علوم سنن الكائنات في المواليد وسائر الموجودات (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين دروس مختصرة في المواليد الثلاثة، يتوسع فيها بعلم النبات والحيوانات الداجنة والسائمة بعض التوسع، ورسائل مختصرة أيضًا في الحكمة الطبيعية والكيمياء ووظائف الأعضاء، ويقرن تعليم كل علم بما يمكن من التجارب العملية التي يتمكن بها العلم، ويظهر للمتعلمين مبادئ فوائد العمل به؛ ليرشدوا الأمة إلى أن العمل هو المقصود بالذات. (صنف الدعاة) ويقرأ لنصف الدعاة دروس متوسطة في ذلك. تقرأ هذه العلوم كلها على طريقة إسلامية، يعبر فيها عن كل قاعدة من قواعدها بالسنة الإلهية، فيقال في العنوان: سنة الله تعالى في الجاذبية العامة، سنة الله تعالى في تمدد الأجسام بالحرارة، ويقال في أثناء الكلام: سنة الجاذبية، سنة التمدد، سنة ضغط السائلات.. إلخ، ويذكر في كل موضوع ما يرى مناسبًا له من الآيات الحكيمة والأحاديث الشريفة في الحث على النظر في الكائنات والاعتبار بها، والاستدلال بما فيها من النظام على علم الله وحكمته، وبما فيها من المنافع على سعة رحمته بعباده، وكذا ما ورد مناسبًا لكل موضوع في بابه، تمزج التنبيهات بالمسائل مزجًا يغذي الإيمان، ويرسخ به الإيقان، وينبهون على منافع هذه العلوم في العمران، وما يجب على الأمة من الاستعانة بها على إتقان الصناعات، وعمل الآلات والأدوات، والجواري المنشآت، وما يترتب على إهمالها من عجز الأمة وضعفها، وصيرورتها عالة على غيرها. * * * (العلوم الرياضية) تقرأ العلوم الرياضية كلها على الطريقة المعروفة في المدارس إلا الهيئة الفلكية، فإنها تقرأ على النحو الذي أشرنا إليه في طريقة قراءة علوم سنن الكائنات من مزج المسائل بالآيات الحكيمة في الاستدلال بها على قدرة البارئ الحكيم، وعلمه وقدرته، وبيان موافقة ما ارتقى إليه العلم في هذا العصر؛ لما أنزله الله تعالى على نبيه الأمي صلى الله عليه وسلم منذ ثلاثة عشر قرنًا. يقرأ لصنف المرشدين الحساب بالتفصيل التام، وقليل من الهندسة ومبائ الجبر والهيئة، ويتوسع لصنف الدعاة في ذلك بعض التوسيع. * * * (اللغة العربية وفنونها وتاريخ آدابها) الغرض من تعليم اللغة العربية وفنونها وآدابها؛ أن يكون كل متعلم قادرًا على التعبير الفصيح بهذه اللغة قولاً وخطابة وكتابة بلا تكلف، وأن يفهم أقوال بلغائها منظومة ومنثورة، ثم أن يفهم كتاب الله تعالى ويدرك إعجازه بعقله وذوقه، ويتأثر قلبه ويخشع بتلاوته، ويفهم كذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يفهم أيضًا تصانيف علمائها في العلوم والفنون والآداب، ويقدر على التدريس والتصنيف بها فيما علمه منها، فينبغي أن يراعى هذا الغرض في جميع الدروس، ويقرن فيها العلم بالعمل في مادة اللغة وفقهها وفنونها المبينة فيما يأتي. * * * (فقه اللغة ومفرداتها وأساليبها) هذا العلم هو الأصل المقدم في علوم اللغة والنحو والصرف والبيان وغيرها من الفنون فروع أو وسائل له، ويحتاج في هذا العلم إلى قليل من القواعد والقوانين في الوضع والمعاني العامة؛ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمشترك والمترادف وغير ذلك، وإلى كثير من قراءة الكلام البليغ في الأغراض المختلفة، وكثير من مراجعة الكتب المصنفة في ذلك. فمن الكتب المشتملة على القواعد والقوانين الكلية التي تدرس أو تجعل مادة للمدرس كتاب (الصاحبي) في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها (لابن فارس) وكتاب (أدب الكتاب) لابن قتيبة، وكتاب (الأدب) للزمخشري و (المزهر) للسيوطي و (الخصائص) لابن جني (والكليات) لأبي البقاء. ومن الكتب التي تراجع عند الحاجة كتاب (أساس البلاغة) للزمخشري، و (لسان العرب) لابن منظور وكتاب (المخصص) لابن سيدة و (فقه اللغة) للثعالبي (وإصلاح المنطق) و (تهذيب الألفاظ) كلاهما لابن السكيت، فأمثال هذه الكتب تكون بين أيدي المعلمين والطلاب، يردون حياضها بقدر الحاجة عند المطالعة وعند الكتابة. وأما مراجعة المفردات لأجل ضبطها أو الوقوف على معناها، فيعتمد فيه على أحسن المعاجم ترتيبا، وأسهلها في الكشف عن الألفاظ طريقًا. * * * (النحو والصرف والعروض) (صنف المرشدين) يقرأ لصنف المرشدين بعض المختصرات التي ألفت في هذه الفنون، أو تؤلف على الطريقة العصرية في سهولة العبارة وكثرة الأمثلة وإن سبق لهم حضور ما هو أكبر منها من الكتب على غير هذه الطريقة؛ ليتعلموا بذلك طريقة التدريس للمبتدئين، ويقرأ لهم كتاب آخر في النحو، تختاره لجنة المدرسة ويتحامى في قراءته ما لا فائدة فيه من التعليلات المخترعة والفلسفة العقيمة، وكل ما ليس من موضوع الفن ولا يوصل إلى غايته. * * * (المعاني والبيان والبديع) تسمى هذه الثلاثة فنون البلاغة، والبلاغة في الحقيقة ملكة طريق تحصيلها مزاولة الكلام بالقراءة والحفظ والتكلم والكتابة، وقواعد هذه الفنون تعين على فهم الكلام البليغ إذا قرنت الأمثلة الكثيرة من ذلك الكلام، فعلى هذه الطريقة تقرأ، وينبه الطلاب على ذلك المرة بعد المرة؛ لكيلا تشغلهم القواعد والاصطلاحات عن المراد منها، فيجعلوها مقصودة لذاتها، كما جرى عليه الذين جعلوا منتهى تحصيل البلاغة مدارسة مختصر السعد التفتازاني ومطوله في بلاد العرب والعجم، ويراعى هنا ما ذكر في الكلام على النحو والصرف والعروض، ويعتمد المدرسون على كتابي إمام الفن الشيخ عبد القاهر الجرجاني (أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز) ومثل (كتاب الصناعتين) لابن عساكر من الكتب الجامعة في البلاغة بين العلم والعمل، ويراجعون أيضًا كتاب (المثل السائر) على ما فيه من التكلف والدعوى، وغير ذلك من الكتب التي يستعان بها على وضع الدروس بإقرار لجنة المدرسة. * * * الإنشاء والشعر والخطابة يعلم الطلاب طرق الإنشاء وأساليبه، وقرض الشعر ونقده، وكيفية الخطابة ومواقفها وإشاراتها، ويمرنون على ذلك بالعمل، ولا يكلف نظم الشعر من لا يميل إليه بسليقته، وأما الإنشاء والخطابة فيكلفهما كل طالب تكليفًا، إلى أن يكونا ملكة له، ومادتهما ما يحفظ ويقرأ مع الفهم من القرآن الكريم وجوامع الكلم من الأحاديث النبوية، والسنن وما يقابلها من البدع، وما يوعى من التاريخ وعلم سنن الاجتماع، وكذا مختارات الحكم والأمثال والخطب المأثورة عن البلغاء في الجاهلية والإسلام وغير ذلك، كما أن مادة الشعر في أسلوبه هي حفظ بعض المختار من جيده وقراءة الكثير منه مع الفهم، ولا بد مع ذلك من مراعاة ما تقدّم في الكلام على فقه اللغة ومفرداتها وأساليبها، وما سيأتي في الكلام على المطالعة، وأما صورة الخطابة وطرق الأداء فيعتمد في تعليمها على العمل الذي يقوم به الأستاذ أمام الطلاب، وما يسمعونه من مصاقع الخطباء في نادي المدرسة وغيره. * * * آداب اللغة العربية وتاريخها في كل أمة عَوَامّ وخَوَاصّ، ومما يمتاز به الخواصّ في الكلام: الفصاحةُ، والبلاغةُ في التعبيرِ والتأثير والقدرة على الشعر والخطابة والمحاورة والمناظرة والمفاخرةِ والكتابةِ بأنواعها. ومنها الرسائل وكتابة المصالح العامة للحكومة وغيرها , وكذا التصنيف في العلوم والفنون المختلفة، وتلك الضروب من الكلام هي التي يعبرون عنها بآداب اللغة العربية، وهي تختلف باختلاف الأزمنة التي تتغير فيها أحوال الأمة الاجتماعية والعلمية والسياسية والدينية، وغير ذلك من ضروب التغيير، فكما تحتاج الأمم إلى تاريخ جميع أحوالها التي أَشَرْنَا إلى تغيرها تحتاج إلى تاريخ اللغة التي يعبر بها عن المقاصد التي تختلف باختلاف تلك الأحوال. فتاريخ اللغة العربية له عصور أو عهود: عصر الجاهلية أو عهدها (صدر الإسلام، الأمويين، العباسيين، الأندلسيين، الدول الأعجمية، النهضة العصرية في مصر وسورية) ومادة تاريخها في هذه العصور متفرّقة في الكتب، ولا يوجد فيما نعلم كتاب مُدَوُّن في ذلك صالح للتدريس، وأما عصور دول العرب البائدة فَقَلَّمَا يوجد في كتبنا التي بين أيدينا شيءٌ عنها يعتد به، وقد طَفِقَ المنقبون في البلاد، والمستنطقون للآثار، والباحثون عن كتابات الأقدمين المنقوشة في الأحجار، يستخرجون ويكتشفون بعض تلك المخبآت والأسرار، المكتومة في بطن الأرض أو مجاهيل القفار؛ فتاريخ اللغة يتناول كل ما عرف عنها في عصر من الأعصار، وقد توجهت الهمم إلى جمعه في الصحف وتدوينه في الأسفار. يقرأ هذا العلم لصنف المرشدين في السنة الأخيرة فإن وجد في ذلك الوقت مؤلف مختصر تراه المدرسة صالحًا قَرَّرَتْهُ لجنتُها، وإلا وُضِعَ غيرُه، ويقرأ لصنف الدعاة بالتوسع الذي تحدده لجنة المدرسة. ومما تعنى به المدرسة في هذا العلم الإسهاب في الكلام عن القرآن الحكيم، وتأثيره في هذه اللغة وأهلها ببلاغته وحكمه، ويراجع في هذا الباب ما كتبه فُحُولُ العِلْمِ وفرسان البلاغة كالقاضي أبي بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن والجاحظ وغيرهما. * * * المطالعة والحفظ أفضل ما يحفظ وأنفعه لتقويم العقل والنفس واللسان كتاب الله - القرآن المجيد - فلا بد لكل طالب داخلي في دار الدعوة والإرشاد من حفظه كله، وتبالغ المدرسة في النصح للطلاب الخارجيين وتُلِحُّ عليهم بأن يحفظوه أيضًا. وتختار المدرسة للحفظ طائفةً من الأحاديث الشريفة في الحكم والأخلاق والآداب ومقاصد الدين، وطائفة من الأمثال ومختار الشعر والنثر. وتختار للمطالعة أحاسن الكتب التي تغذي العقل والروح وتطبع ملكة البلاغة في النفس، كنهج البلاغة وكتب الجاحظ وأمالي أبي علي القالي والكامل للمبرد، وبعض كتب وآثار المتأخرين، ومن كتب حكماء الغرب المترجمة مثل كتاب (التربية الاستقلالية) وتعنى بوضع كتب جديدة للمطالعة يراعى فيها أفْهَام جميع طبقات القراء لتكون عونًا على تقويم اللسان والنفس فيهم. * * * الإملاء والخط والرسم تعلم هذه الفنون على الطريقة المعتادة؛ لأنها طريقة معبدة لا تطلب المدرسة أكمل منها إلا أن تشترط أن يكون ما يملى من خير الكلام وأنفعه، ويُراعى فيه سِنُّ الطالب ومعارفُه، ويكون بالتدريج اللفظي والمعنوي، ويصحح ما يكتبه الطلاب بالدقة التامة، ويعلمون رسم البلاد والأقطار وكل ما يباح رسمه؛ ولو على بعض الأقوال والوجوه التي يعتد بها. * * * اللغات من يراد جعلهم مرشدين أو دعاة في قطر من الأقطار يعلمون اللغة المنتشرة في ذلك القطر، وطريق تعليم اللغات الأوربية معبد معروف ومعلموه كثيرون، وكذلك بالتركية والفارسية من لغات المسلمين، ومتى احتيج إلى تعليم لغة منها أو من غيرها يستعان عليها بصالحي أهلها. هذا ما اقتضت الحال بيانه من إصلاح التعليم الإسلامي في دار الدعوة والإرشاد، والله الموفق وبه الاستعانة وله الحمد.