تكلمت مجلة دين ومعيشت فيما رددنا به عليها في الجزء الرابع، وقالت إنه ليس ردًّا عليها، بل على ذلك التتري الذي ترجم لنا عبارتها ترجمة غير صحيحة، وجزمت بأنه كان متعمدًا لذلك وساعيًا بالفساد، وكان لها أن تلتمس له عذرًا بضعفه في الكتابة العربية، وقالت: إن تذييلها ما كانت نقلته عن الجزء الأول من المنار، لم يكن للتردد في صدقه ولا للرغبة في تكذيب طلعت بك لأقوال المنار، (بل كان هذا ليتأكد صدق المنار، فإن غاية ما تمنيناه هي بعينها ما يتمناه صاحب المنار في هذه المسألة، فلهذا لما طالعنا ما رده صاحب المنار وأنه غير موجه إلينا، واطلعنا على بشارته بقرار طلاب الإصلاح المقاومين لأولئك الزعماء بإبطال المحافل الماسونية من عاصمة الآستانة، انشرحت صدورنا وانكشفت همومنا شرحًا وكشفًا لا نقدر قدره، وهذه البشارة لا تعد لها ولا تكافئها الدنيا وما فيها فلله الحمد وله المنة) . ثم قالت: وأما نحن أصحاب مجلة دين ومعيشت بحمد الله تعالى مسلمون، ولسنا بكاهنين ولا متكهنين، فإن الكاهن عدو الله وكافر بالإجماع، فكيف المتكهن؟ (فبإقرار منا على فضيلة صاحب مجلة المنار، لا نلتزم الاتباع له في كل ما كتبه وبسطه، فإن كان هو حقًّا في اعتقادنا، ووافق لما سبلناه وسلكناه كما هو في مسألة التياترو صدقناه واتبعناه، وإن كان غير ذلك كما في مسألة الحجاب رددناه أو سكتنا، وهذه سنة الله في الذين خلوا من قبل) . المنار: إن الخلاف يقع بين الناس بسوء الفهم أكثر مما يقع بسوء القصد، ولو كنا نكتب نحن وأصحاب هذه المجلة بلغة واحدة لسهل الاتفاق بيننا مع حسن النية في كل شيء. وإني رأيت في عبارتهم العربية ضعفًّا، فأخشى أن خلافهم للمنار في بعض المسائل جاء من ذلك. مثال ذلك أنهم ههنا جزموا بأن المتكهن أجدر من الكاهن بالإجماع على كفره، وهم يشيرون بهذا إلى قولنا: إن مجلتهم (تكهنت في استنباط الباعث) على ما كتبناه. قال في الأساس: (وتكهن قال ما يشبه قول الكهنة) وبهذا المعنى يستعمل هذا اللفظ في مصر وغيرها من البلاد العربية، ومن قال ما يشبه قول الكهنة في الأخبار عما لا يقوم عليه دليل ظاهر؛ كالكلام عن نية إنسان أو مقصده لا يكون كاهنًا ولا يكون حكمه حكم الكاهن (ولا نبحث هنا في حكمه) فهل يصح أن يكون أولى من الكاهن فيما يحكم به عليه؟ لا. لا يبعد أن يكون فهمهم لما قلناه في مسألة الحجاب كفهمهم لهذه الكلمة، وإننا لا نطالبهم باتباع المنار في شيء قط بل باتباع الحق إذا ظهر دليله، سواء وافق ما كانوا عليه من قبل أم لا؛ فإن الحق أحق أن يتبع. وفقنا الله وإياهم لاتباعه في كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ آنٍ. وأما سرور أصحاب هذه المجلة من قيام صادق بك ومن معه لإصلاح ما أفسده غيرهم، فيشاركهم فيه أكثر العثمانيين وجميع المسلمين الذين يغارون على هذه الدولة لأنها إسلامية، ولا يرضون أن يكون سلطانها (إمبراطورًا) لا (خليفة) ولا ندري أيتم السرور أم لا، فإن أولئك الزعماء يجمعون أمرهم الآن ليستعيدوا نفوذهم. وقد وصلوا بالدولة إلى حيث صارت أوربة تنذرها بالقضاء عليها، ونسأل الله السلامة وحسن العاقبة.