للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قليل من الحقائق عن تركيا
في عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

(المعارف العمومية والمدارس)
كان تعليم المسلمين بتركيا - فيما سبق - محصورًا كله في المساجد، وكان
لمدارس القسطنطينية شهرة عامة، وذلك بسبب هذا الحديث (طلب العلم فريضة على
كل مسلم ومسلمة) فكان يوجد في ذلك العهد نوعان من المدارس وهما المكاتب أو
المدارس الابتدائية المعهود بإداراتها لأئمة المساجد في الجهات المختلفة،
والمدارس أو معاهد تلقي علوم الكلام والفقه والفلسفة، وهي ملحقة بالمساجد الكبرى،
وجميعها تنفق عليها إدارة الأوقاف، ولم يكن في تركيا مدارس وسطى، فكانت التلامذة لهذا السبب تنتقل من المدارس الابتدائية إلى المدارس العليا بدون استعداد
كافٍ يؤهلها للاستفادة من دروسها، وقد أصبح التعليم في مدارس الحكومة بديلاً من
التعليم في المساجد بسبب خروج أمر التعليم العام من يد علماء الدين إلى يد
الحكومة، إلا المدارس الدينية العليا فإنها لا تزال في دائرة اختصاص مشيخة
الإسلام، ومثل هذا التغير لم يتم دفعة واحدة، فإنه من الضروري في تنفيذ
مقتضى ما يكتب في الأوراق من أوامر الإصلاح من مضيّ زمن تحصل فيه التجربة
والاختبار، فالقواعد النظرية إن لم تصحبها طريقة مثلى للعمل بها كانت مقضيًّا عليها
بالعقم وإن كانت من أسمى القواعد، تلك الطريقة المثلى هي التي كانت تعوز الحكومة
العثمانية ولم يتأت لهذه بما بذلته من الثبات والهمة الوصول إلى النتائج المطلوبة.
قبل سنة ١٨٧٦م كانت المعارف العمومية فيما يختص بالمسلمين قد وصلت
إلى دائرة ضيقة جدًّا ما عدا بعض مدارس للتعليم العالي أبقتها الحكومة في
القسطنطينية، فالمدارس الابتدائية بسبب أنها كانت مؤسسة على نظام قديم جدًّا لم
يكن صغار التلامذة المسلمين يحصِّلون فيها إلا تربية في غاية النقص؛ إذ كانوا لا
يتعلمون هناك إلا مجرد القراءة والكتابة خصوصًا في مدارس الأقاليم حيث كان
درسا التاريخ والجغرافية مهملين لا حظ لهما من العناية، ولم يكن التعليم الثانوي
والتعليم العالي أحسن حظًّا وأوفر عناية من التعليم الابتدائي، ثم إنه لا ينكر أن
الشبان في القسطنطينية من الطبقات الممتازة من الأمة كان لديهم من الوسائل ما
يمكنهم من دخول مدارس الحكومة الخصوصية أو المدارس الأجنبية إلا أن هذا
يختص بما عدا المدارس الابتدائية.
أما الآن فقد تغير الحال تغيرًا كليًّا، فالمعارف العمومية قد سطعت شمسها في
سماء تركيا فقشع ضوؤها ظلام الجهل، ووصل إلى أبعد أرجاء المملكة، فإن جلالة
السلطان عبد الحميد لما كان معتقدًا أن في نشر العلم زيادة لصولته وتأييدًا لدولته
عمل بمقتضى الحديث الشريف (اطلبوا العلم ولو في الصين) وسار بالمملكة
العثمانية في هذا الطريق حتى أحلها المحل الأول في التربية العقلية (مبالغة) قسم
القانون الأساسي للمعارف العمومية المدارس تقسيمًا نظريًّا إلى قسمين وهما:
المدارس الأميرية التي تتعلق إدارتها بالحكومة دون غيرها، والمدارس الخصوصية
التي ليس للحكومة عليها إلا مجرد المراقبة، وهي التي يؤسسها ويديرها بعض
الأفراد والطوائف (ومن هذا القسم المدارس الدينية الإسلامية، والمدارس غير
الإسلامية) إلى ثلاث درجات وهي التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي والتعليم العالي.
(التعليم الابتدائي)
يشمل التعليم الابتدائي ثلاثة أنواع من المدارس وهي مكاتب الصبيان التي
يمكن تشبيهها بمعاهد تربية الأطفال في أواسط أوروبا والمدارس الابتدائية أو
المدارس الابتدائية الحقيقية والمدارس الرشدية أو المدارس العالية الابتدائية،
فالابتدائية مدة التعليم فيها أربع سنين، ومواده هي مبادئ التهجية للغة التركية وحفظ
آيات من القرآن والقراءة التركية، والخط ونحو اللغة التركية والحساب والجغرافية
والتاريخ. التعليم الابتدائي في حق المسلمين مجاني وإجباري فيجب على رؤساء
العقارات على حسب ما يقضي به القانون أن يتقدموا إلى رئيس بلدية المحلة التي
يقطنونها المسمى (بالمختار) لأجل أن يسجلوا لديه أسماء أولادهم ذكورًا وإناثًا متى
كانوا في السادسة من عمرهم في سجلات الصبيان، أو الأبدانية ما لم يُثبتوا أن
لديهم وسائل للتربية الابتدائية المنزلية.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))