(كتاب ابن الرشيد إلى الصدر الأعظم) ذكر في بعض الصحف أن سعود باشا الرشيد كتب إلى الصدارة العظمى كتابًا قال فيه: علمنا أن بعض الناس يقومون الآن في بعض الولايات طالبين من الدولة العلية مطالب مجحفة بحقوق الدولة ومنافية للدين الإسلامي الحنيف، الأمر الذي ساءنا جدًّا، وعليه ليكن معلومًا لدولتكم ولدى العالم الإسلامي أجمع أننا لا نقبل هذه الشئون المضرة بالدين الإسلامي والدولة. وإننا مستعدون مع كافة جنودنا وقبائلنا للقيام بما تأمرنا به الدولة العلية ولا نحيد عن أوامر خليفتنا المعظم. اهـ. ونحن نقول: (أفلح الأعرابي إن صدق) في قوله: إنه لا يرضى بما لا ينافي الدين، وإنه لا يقبل الشئون المضرة بالدين والدولة، نقول هذا ونحن لا نعلم ما هي المطالب التي يعنيها؛ إذ لم يبلغنا أن الناس طلبوا في بعض الولايات ما ذكره، ولو أنه أشار إلى تلك المطالب لعلمنا مبلغ صحة حكمه عليها، وهل هو مصيب فيه أو مخطئ؟ وهل قال قوله عن علم بأحكام دين الله أم لا؟ ويا ليت شعري إذا علم الأمير ابن الرشيد - أرشدنا الله وإياه إلى نصر الدين والدولة - أن بعض الناس يطلبون من الدولة منع الفواحش والمنكرات كالسكر والزنا والربا والمجاهرة بالفطر في رمضان نهارًا من دار الملك والخلافة ومن غيرها من البلاد العثمانية وإقامة الحدود الشرعية فيها كلها، وعدم بيع شيء من أرضها أو معاداتها للأجانب، هل يكون مستعدًّا مع جنوده وقبائله لنصرته وشد أزرهم؟ فإن كان ينصرهم ولو بلسانه وقلمه فليعلن هذا كما أعلن ذاك، وإن لم يفعل علم العالم الإسلامي أجمع أنه غير مستعد الآن إلا لما كان يعده له السلطان عبد الحميد من قبل من سفك دماء المسلمين في جزيرة العرب مهد الإسلام وحرزه لأجل توسيع سلطته في بلاد أمراء آل سعود وتكثير ماله وإعلاء رتبه الرسمية العثمانية عند من يرضيهم هذا وهو ما يتهمه به المشتغلون بالسياسة في ديار الشام والعراق حتى الآن وإن من هؤلاء من هم أعلم بالشرع وأحكام الإسلام منه ومن الصدر الأعظم أيضًا. ما يجب على أمراء جزيرة العرب الآن: أما نحن فنقول له: إن أفضل خدمة يخدم بها الإسلام والدولة الإسلامية - أيدها الله بتوفيقه وتسديده - هو أن يساعد على ما يجمع كلمة المسلمين على ما يفرقها بأي اسم كان، وأول ما يجب عليه من ذلك عقد الاتفاق بينه وبين جاره الأمير ابن سعود والعهد والميثاق على السلم والأمان، وأن لا يبغي أحدهما على الآخر ولا يقاتله ألبتة، وإذا وقع خلاف بينهما على شيء يحكمان فيه من يرضيان حكمه، وعلى أن يتعاونا على تأمين جميع البلاد التي يصل نفوذهما إليه، ومنع غزو الأعراب بعضهم لبعض فيها، وعلى نشر العلم الديني وما يعد فرض كفاية من علوم الدنيا في بلادهما، وعلى تنظيم قوتهما الحربية على قاعدة قول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: ٦٠) والمرابطة فيها لحفظ الحرمين الشريفين وما هو سياج لهما من جزيرة العرب، وأن يتحدا على هذا مع أميري اليمن والإمام الإدريسي، فبهذا يرضيان الله ورسوله والمؤمنين، ويكفيان الدولة مؤنة إرسال الحملات العسكرية المرة بعد المرة إلى العراق والشام واليمن ونجد، وسفك دماء المسلمين فيها لإخضاع العرب أو حفظ الأمن، أو جمع السلاح وما أشبه هذه الأسباب والحجج، التي كثيرًا ما كانت باطلة، ناشئة عن وشاية سافلة أو نية سيئة. وأقترح أن يتضمن هذا العهد والميثاق إعانة الدولة على كل حرب تكون بينها وبين أعداء الإسلام من تنازع أهله وتفرقهم وسفك بعضهم دماء بعض، وإنه لولا هذا التفرق والشقاق ما زال ملك الإسلام من الشرق والغرب، ولم يبق له إلا هذه البقعة المهددة بالزوال في كل يوم، وإن الدولة العثمانية -أيدها الله بتوفيقه - لا تقدر أن تحمي بعسكر الأناضول عاصمتها وبلادها الأوربية والآسيوية ثم تحمي به الحرمين وجزيرة العرب، وإنما يقدر على ذلك العرب وحدهم إذا اتفقوا. وليعلم أن زوال قوة العرب من الجزيرة ستفضي إلى وقوعها في قبضة الأجانب في أسرع وقت وأقربه فلا يبقى للمسلمين استقلال ولا حرية في الأرض، إلا بقدر ما تنعم به أوربة عليهم. ألا وليعلم ابن الرشيد وغيره أن دول أوربة يراجع بعضهم بعضًا القول في تحديد مناطق نفوذهم السياسي والاقتصادي في البلاد العربية والأناضول، وأنهم يتشاحون في قسمتها كما يتشاحون في قسمة المال؛ لأن صاحب كل منطقة يتفقون على إعطائها له يعد نفسه مالكًا لها بحق الفتح الإسلامي، ولم يبق من عذر لأحد في الاغترار باعترافهم باسم الدولة. فإن بقاء هذا الاسم أنفع لهم من عدمه، لأنهم يستعملون به في نفوذها الصوري والمعنوي لإدارة البلاد وإخضاع المسلمين فيوفرون مالهم ورجالهم. فإذا اتفقوا على القسمة كما هو المنتظر في كل يوم، وانفردت كل دولة بالنفوذ في ساحل من سواحل جزيرة العرب، فقل على الجزيرة والحجاز السلام، لأن حياتها المادية خرجت من أيدي أهل الإسلام، فمن كان لديه غيرة وقوة فكر فليفكر في استعمالها لتلافي هذه الأخطار، لا لتهديد طلاب الإصلاح في الولايات. *** (حرية المسلمين الدينية بمصر) لدعاة النصرانية المبشرين عدة مدارس ومستشفيات وصحف في مصر لا غرض لهم منها إلا تنصير المسلمين، وقد ساعدتهم الحكومة المصرية على إنشاء مدارسهم ومستشفياتهم باسم نشر العلم وعمل الخير، ثم إنهم ينشرون في كل سنة عدة كتب ورسائل في الطعن في القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام وتنفير المسلمين من الإسلام. دع النشرات والأوراق الصغيرة التي ينشرونها في المستشفيات، والخطب التي يلقونها فيها وفي سائر معاهد التبشير. وقد عز عليهم مع هذا أن يكون للمسلمين في هذا القطر الإسلامي كله صحيفة إسلامية واحدة ترد عليهم وتدافع عن الإسلام، فسعوا بواسطة بعض قناصلهم إلى لورد كتشنر ورغبوا إليه أن يأمر الحكومة المصرية بإلغاء مجلة المنار وإبطال صدورها، وبمحاكمة صاحبها هو والدكتور صدقي الذي يساعده في الرد عليهم، أليس من عجائب الغلو في تعصب القوم أن يسعى إلى هذا أو يتحدث به أو يفكر فيه بعض أبناء الأمتين الأمريكية والإنكليزية، أعرق أمم الإفرنج في احترام الحرية. وقد سئلنا عما ينشر في المنار من الرد على النصارى فأجبنا: إننا أقدمنا على هذا العمل مدافعين لا مهاجمين، وإن هؤلاء المبشرين قد كتبوا في الطعن في ديننا أضعاف ما كتبنا، إن هذا الرد واجب علينا شرعًا بل هو من فرائض الكفاية إذا لم يقم به بعض المسلمين أثم الجميع، وإنه يجب على المسلمين الهجرة من البلاد التي ليس لهم حرية فيها في إظهار دينهم والدفاع عنه، وإننا مع هذا نفضل أن يسكت هؤلاء المعتدون عنا ونسكت عنهم. على أن مجالهم أوسع في الرد علينا؛ لأننا نؤمن بنبيهم وكتابهم الذي أنزله الله عليه ونعد الطعن فيه كفرًا كالطعن في نبينا بلا فرق، فلا نستطيع أن نقول كما يقولون، ولا أن نخوض كما يخوضون. ألا إنه لم يكن يظن أحد من الناس أن الحرية التي كانت مصر تفاخر فيها أوربة من كل وجه تتضاءل بعد لورد كرومر حتى يطمع الطامعون فيها بمثل ما ذكرنا، وهي التي رفعت اسم إنكلترة حتى صار جميع مسلمي الأرض يفضلونها على جميع دول أوربة، ضعفت في مصر الحرية السياسية فخفف على الناس المصاب فيها راحتهم من أولئك الأحداث السفهاء، فإذا اضطهدت الحرية الدينية فأي شيء يخفف على المسلمين مصابها ويعزيهم عنها؟ على أن الذي ظهر لنا أن أولي الشأن قد أقنعوا أولئك السعاة المحالين بأنهم هم المعتدون وأنه يصدق على رد المنار عليهم: واحدة بواحدة، بل بمئات، والبادي أظلم. *** (مسألة الأرمن وتعصب أوربا الديني) لم تكد دولتنا تمضي عقد الصلح بينها وبين اليونان، وتنفض يدها من حرب البلقان حتى فاجأتها الدولة الروسية بما ليس في الحسبان، إذ اقترحت أن تكون الولايات الخمس التي يقيم فيها الأرمن مستقلة في إدارتها يتولاها كلها حاكم أوربي أو عثماني مسيحي تختاره الدول الكبرى ويعينه السلطان (كمتصرف لبنان بل نفوذ الدولة فيه أضعف) وأن تكون مجالسها العمومية نصفها من الأرمن والنصف الآخر من غيرهم، وفرنسة وإنكلترة تؤيدان روسية في طلبها، فليتأمل العاقل كيف يدخل التعصب الديني في أعمال أوربة وسياستها، هذه الولايات فيها زهاء خمس ملايين من المسلمين وثلاثة أرباع المليون من الأرمن، وفيها كثير من اليهود أيضًا، وتريد دول الإنسانية والمدنية أن يكون نصف الأعضاء الذين يديرون أمرها من النصارى مع جعل الحاكم منهم. فإن كانت المسألة دينية فما هو المرجح لدين النصارى؟ وإن كانت جنسية ففي تلك الولايات الترك والعرب والكرد واللاز والإسرائيليون؛ فَلِمَ لم يكن لكل جنس أعضاء يمثلونه؟