التيمس الأفريقية ومجلة الشرق سيدي الأستاذ العلامة محرر المنار: السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد، فقد دفعني لكتابة هذه الرسالة بشأن جريدة التيمس الأفريقية ومجلة الشرق مقالة مفيدة بعنوان: خدمة المسألة المصرية في إنجلترا اطلعت عليها في الأهرام الغراء الصادرة في ٢٣ شوال الماضي. قال حضرة كاتبها بعد أن عدَّد الصفات الواجبة في الجريدة التي يمكن أن تخدم المسألة المصرية في إنجلترا بصورة دائمة مأمونة مضمونة النفع ما يأتي: هذه الجريدة التي أشير إليها هي صحيفة التيمس الأفريقية ومجلة الشرق، وهي مجلة شهرية صغيرة الحجم كبيرة الفائدة زهيدة الثمن يتسابق إلى شرائها الإنجليز المهتمون بالمسائل الشرقية والأفريقية قبل الشرقيين والأفريقيين أنفسهم، وتدبرها شركة دولية لا لغرض تجاري بل لخدمة صوالح الشعوب الملونة، ولما ظهرت مقالة الدستور المصري في عدد أغسطس بعثت برسالة شكر إلى رئيس تحريرها على اعتداله ونزاهته وأملت منه أن يوسع ما فيها من باب الكلام على مصر فكتب إلي يقول: إنه لولا أن أغراض الشركة إنسانية وسياسية لا تجارية لما استحقت المسألة المصرية أقل نصيب من عناية المجلة؛ لأنه لا يوجد في الشركة فرد واحد مصري من حملة الأسهم، كما أنه لا يباع منها في مصر عدد يستحق الذكر، ولا يوجد في القطر المصري إلا عدد قليل من المشتركين، وربما كان ما يباع منها في مصر غالبًا للإنكليز أو للأوربيين المقيمين فيها فيا للعار والخجل ... اهـ. قرأت هذا بين حيرة وأسف أو زادت حيرتي عندما قرأت الكلمات الآتية في مقالة حضرة الكاتب المشار إليه: وهذا النوع من الصحافة الذي هو قادر على خدمتنا موجود فعلاً ويدعونا لإدلاله أكثر من مرة على شكوانا، وقد قرأت هذه الدعوة في عدة جرائد مصرية، ونحن لاهون صامتون كأنما لا عيون لنا ولا عقول اهـ. وأظن أنه لا غرابة في حيرتي ودهشتي؛ لأني ما كنت أظن أن إقبال الوطنيين المتعلمين بمصر على هذه المجلة النفيسة التي تدافع عن صوالح مصر بغيرة وتعقل يقل عن إقبال إخوانهم في أوربا الذين يعضدونها بكل قواهم وما كنت أظن أن وطنيتنا لا تزال محصورة في القول دون العمل، وأن مصر التي يوجد بها عشرات الآلاف من المتعلمين العارفين باللغة الإنكليزية لا يتقدم منها ولو بضع مئات للاشتراك في هذه الصحيفة النافعة التي لا يربي اشتراكها على ٦ شلنات في السنة بما في ذلك أجرة البريد. على أن الأنكى هو أن نبخل أيضا بنفثات أقلامنا في سبيل خدمة الأمة، وإلا فما معنى عدم تلبية كتاب مصر المتضلعين من اللغات الأوربية لنداء تلك المجلة الذي تكرر مرارا كثيرة على صفحات أغلب الصحف المصرية، فإن قيل: إن إخلاصها مشكوك فيه. فيكفي لدحض ذلك دعوة المجلة إيانا لدلالتها على شكاوينا بالرغم من عدم مساعدتنا المالية لها، ويكفي أيضا لبطلان هذا الزعم أن نعلم أن رئيس تحريرها هو صاحب ذلك الكتاب التاريخي السياسي المشهور في أرض الفراعنة Pharaohs the of Land the in الذي نور به ذهن الرأي العام الإنكليزي عن حقيقة الشئون المصرية فخدم به مصر خدمة جليلة في وقت لم يعضده فيه مصري واحد، وفي حين أنه لو كان أنفق ذكاءه المشهود به، وأوقف قلمه على نصرة الباطل وتشويه سمعة المصريين خاصة والشرقيين عامة كما جرت عادة الكتاب الأوربيين لفاض عليه ذهب الاحتلاليين ولرفعوا منزلته السياسية إلى أبعد ما يصل إليه المتخيل. وإن قيل: إن مركز الجريدة السياسي ومكانة الكتاب الذين يحررون فيها غير عالية، فلا أدل على كذب ذلك من تناقل الصحف الإنكليزية المشهورة لما يكتب فيها، ومَنْ مِنْ سادتنا الكتاب المصريين تفوق منزلته أمثال شارلس روشر، وأليس شاءب ودوجلاس سليدن، وكاثلين فريزر واللورد لامنجتون واللورد نيوتن والمستر أوبري هربرت وبدوين ساندز جورج رافالوفتس وج ب فيشر ولود ولورد موبري وأستروتن، والكابتن دكسن جونسون وكثيرين غيرهم لا تحضرني أسماؤهم وكلهم ما بين كاتب فيها أو صديق لها، ويكفي للدلالة على نفوذها أنها هي صاحبة الفضل في تكوين الجمعية العثمانية التي وفقت إلى مقاومتها الجمعية البلقانية وتحويل أغلبية الرأي العام الإنكليزي إلى جانب العثمانيين بالاجتماعات السياسية العظيمة التي عقدتها وتعقدها في كل مناسبة، وبالنشرات والمقالات وعلى الأخص بترجمة كتاب بييرلوتي نزع تركيا Agonisanto Turquie إلى اللغة الإنكليزية. بعد هذا البيان يا سيدي الأستاذ اسمح لي أن أتطرق للكلام على النقطة الأساسية التي حركتني لتحرير هذا الكتاب، ونبهتني إليها مقالة خدمة المسألة المصرية في إنجلترا السالفة الذكر، فأقول: إن مجلة التيمس الإفريقية ليست مجلة سياسية محضة بل لها أغراض ومرام أعلى من ذلك أهمها خدمة السلام العام وإزالة سوء التفاهم بين الغرب والشرق وقتل روح التعصب الأعمى للدين أو اللون، وبالاختصار هي تعمل جهدها لإحلال الوئام وحسن التفاهم بين جميع شعوب الأرض، وأظن سيادتكم تعلمون أنه يوجد في إنجلترا خاصة وأوروبا عامة من الآراء السخيفة عن الدين الإسلامي ما يدهش له كل من يعتقد في الأوربيين حب التحقيق والتسامح، ولست أدري والله ما هي ذمم أولئك المؤلفين الذين نقلوا إليهم هذه المعتقدات الساقطة التي يبرأ منها الإسلام والمسلمون وأفهموهم أن العادات والخرافات القبيحة الملتصقة بالشعوب الإسلامية الحاضرة كما التصقت من قبل بالشعوب المسيحية بسبب الجهل - سنة الله في أرضه - هي جزء من الدين الإسلامي، وكيفما كان الباعث لأولئك الكتاب على نشر هذه الأباطيل، فالحقيقة المرة أن جذورها لا تزال ثابتة حتى الآن ولم يقتلع إلا شيء ضئيل منها بهمة أمثال العلامة السيد أمير علي الهندي والأستاذين الكبيرين أرنلد وبراون، على أن حزب هؤلاء الأفاضل المحققين المصلحين لايزال صغيرًا لايعتد به ولا تزال القوة العظمى في أيدي السير هري جونستون والمستر نويل بكستون ومن على شاكلتهم ممن لا يحركهم غير التعصب الذميم وعداء ما يجهلون. والخلاصة أن كل مسلم في هذه البلاد لا يجد من أهلها وأستثني الأقلية الضئيلة التي تعرف التسامح ولا تفهم الدين فهمًا معكوسا كما أستثني الأفراد القليلين الذين بحثوا بأنفسهم وعرفوا مزايا الدين الإسلامي وحسناته الواضحة لكل ذي عقل سليم، لا يجد من أهلها غير ازدراء به وترفُّع عنه يرجع بعضه إلى التعصب للون ويرجع البعض الآخر لاحتقار دينه البربري، ومهما حاول مناقشتهم وإبلاغهم مقر الحقيقة لا يرى منهم إلا ابتعادًا وتفسيرًا لمناقشته بأنها مغالطة لا يوافق عليها علماء الإسلام. وإن الباعث له على تفسيره المقبول وبيانه المعقول الذي يعتبر مغالطة هو شعوره بسقوط دينه وإيثاره الدفاع عنه بما اكتسبه من المعلومات الغربية عن الاعتراف بذلك السقوط. ومن هذا ترى يا سيدي المفضال أنه لم تبق وسيلة لتبديل هذه الحال العجيب إلا بتسابق علماء الإسلام المستوطنين في البلاد الشرقية، وسيادتكم في مقدمتهم، إلى دحض هذه المفتريات في الصحف الأوربية ذاتها، ولا أنسب من جريدة التيمس الأفريقية ومجلة الشرق، لعل من ذلك ما يكفي لإخراس ألسنة الأفاكين ورفع رءوس جميع المسلمين المقيمين في أوربة الذين لا يقبل دفاعهم عن دينهم بحجة أنهم إنما يكتبون متأثرين بالمدنية المسيحية. وليس غرضي أن أشير بفتح باب مناقشة دينية عنيفة ومجادلة خصوم الدين الإسلامي بشكل منفر كالذي اعتاده أغلبهم؛ لأنه بغض النظر عن قلة الحذق في ذلك فالمجلة المشار إليها التي غرضها سياسي التوفيق لا التفريق وخدمة الحقيقة بوجه عام لا يمكن أن ترحب بكتابة على تلك الصورة، ولكنها ترحب على ما يظهر لي مما نشر من قبل فيها بكل كتابة أساسها التسامح والتحقيق وحب التوفيق، ولا شك أن هذا المبدأ مما يرتاح إليه أئمة الإسلام الذين نحتاج إلى بياناتهم النزيهة لتنوير الرأي العام الأوربي في كثير من المسائل التي شوهت لديه، وأخص بالذكر مسألة المرأة المسلمة فإن الفكرة السائدة هنا هي أن المرأة المسلمة لا حقوق لها، تباع وتشترى كبيع السلع، ومقيدة بكثير من الأغلال والقيود التي لا يمكن أن تتفق مع الحضارة الصحيحة ومبادئ الإنسانية. هذا ويحسن أن أذكر هنا ما قرأته في التيمس الأفريقية من أنها مستعدة لقبول كل ما يكتب في صالح مبادئها بأية لغة أوربية وأن قلم ترجمتها ينقله إلى الإنكليزية، ولا أظن أن من العسير على العلماء المسلمين أن يوفقوا بين أصدقائهم العارفين باللغات الأوربية إلى إيجاد من يتبرع لهم بترجمة آرائهم إلى الفرنسية أو الألمانية أو غيرهما إن لم يجدوا من يقدر على ترجمتها مباشرة إلى الإنكليزية، وحبذا لو بعث كل عالم منهم بصورته الشمسية إلى المجلة المذكورة لتنشر بجانب مقاله لعل في هذا ما يدحض الرأي الشائع هنا عن أن الدين الإسلامي يحرم التصوير الشمسي. وأخيرًا: أؤمل أن يكون من رسالتي هذه محرك للهمم؛ لأنه إذا كان من السخافة أن تنام عن استنباط الوسائل التي نصون بها كرامتنا وندفع بها مهاجمة عدو، فمن الجنون أن نتعامى عن تلك الوسائل إذا هي وجدت فعلا وكانت متهافتة علينا، وليس مما يشرفنا أن نقرن بخلنا المالي في سبيل المصلحة العامة ببخلنا القولي أيضًا، ولنتخذ لنا من نهضة الأمم البلقانية والوسائل التي اعتمدت عليها في سبيل ذلك عبرة نعتبر بها، فإنه لولا استئجار تلك الحكومات لكثير من الصحف الأوربية وتصويرها العثمانيين بصورة المتوحشين، ولولا ضربها على النغمة القديمة في تمثيل الدين الإسلامي دينًا بربريًّا مريعًا لا يستحق أنصاره إلا الفناء؛ لأنهم أهل مفسدة، لولا ذلك لما استطاعت جذب أغلب الأوربيين إلى صفها، الذين لم ينتبهوا لحقيقة الحالة إلا بعد ضياع الفرصة، ولكن أطالبهم بعدم الاستمرار على التواني في الدفاع عن مصالحنا وخدمة الحق الذي يشهد الله أنَّا في جانبه، وإطلاع الأوربيين على حقيقة الواقع لدينا وصدق شؤوننا التي يعمل أهل الأغراض ليل نهار على تشويهها. وأختم كتابي بذكر عنوان المجلة المشار إليها ليرجع إليها كل غيور تدفعه غيرته للمساعدة المالية أو الأدبية، هذا مع العلم بأن مركز الجمعية العثمانية committee Ottoman The الرئيسي هو في إدارتها وهذا هو نص العنوان: Review Orient & Times Afrrcan The . C.E LONDON Street Fleet ١٥٨ برنجهام ... ... ... ... عماد الدين (المنار) نشكر للكاتب الغيور نصحه وإرشاده، ونتمنى لو يقبل قراء الإنكليزية من إخواننا المصريين على الاشتراك في هذه الصحيفة التي طالما تمنى عقلاؤهم أن يكون لهم مثلها في وطنهم، ولهي في لندن أنفع منها في مصر، ونتمنى لو يوافيها أهل العلم الصحيح بالمقالات التي تبين للأوربيين حقيقة ديننا ومظالمنا، فإن أهل الفضيلة والاستقلال النفسي والإنصاف وحب العدل لا يحصى عددهم في أوربة فإذا عرفوا حقيقة حالنا كانوا قوة لنا لا نستطيع تكوين مثلها في بلادنا، وإنما كان ولا يزال يغش هؤلاء الفضلاء رجال السياسة ودعاة الدين، والمبشرون وكلا الفريقين يستحل الكذب والبهتان وقلب الحقائق؛ لأن رياسته ومجده ورزقه تتوقف على رواج هذه التجارة فمن يقيس جميع الأوربيين على ما يرى ويسمع من تعصب هذين الفريقين فهو مخطئ ضال.