(زيارة الأمير لطلاب العلم في مسجد المرسي) أظهر الأمير لشيخ علماء الإسكندرية رغبته في زيارة مسجد أبي العباس لرؤية طلاب العلم الديني وعيّن لذلك يوم ١٤ ربيع الآخر فنظم الشيخ حلقات الدروس في ذلك اليوم وأمر المعلمين بتلقين أفراد من كل فرقة مسائل يسرّ الأمير سماعها وزينت مصلحة الأوقاف المسجد والطريق إليه زينة جميلة وَبَلَّغَتْ حاشية الأمير (المَعيَّة) شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية وغيرهما من كبراء الأزهر رغبته في حضورهم هذا الاحتفال وبعد الزيارة ذهب العلماء إلى قصر رأس التين وسمعوا من الأمير النصائح التي تتعلق بشئونهم وقلد بيده الشيخ شاكرًا الوسام المجيدي الثاني وهم ينظرون فبيّن لهم بالقول والفعل رضاه عن عمله في إدارة التعليم. لهج الناس - تبعًا للجرائد - بهذه الزيارة والنصائح الأميرية ومما قيل وكُتب أن الأمير أعزه الله وأعز به العلم - أظهر الارتياح التام للعلوم التي يسمونها الجديدة كتقويم البلدان والحساب والهندسة وأنه ذم التقليد في نصائحه أو خطابه ففرحنا بذلك وسررنا؛ لأن هذه ضالتنا المنشودة. وقد تمنى أصحاب الجرائد يومئذ لو يحظون بنص خطاب الأمير للعلماء ونحن أحق بالحرص منهم على ذلك وقد طلبنا فحظينا، ذلك أن أحد العلماء الذين حضروا ذلك المحفل المهيب كتب ما سمعه بعد الخروج وتحرى فيه الألفاظ بقدر الطاقة وهذا نص ما كتبه: (خطاب الأمير) (الأمة إذا اتحدت وثقت بأفرادها وكانت ميَّالة إلى تبادل الآراء النافعة، والسعي وراء الصالح العام. إنه كان في مبدأ الأمر إذا قدمت أو سافرت من الإسكندرية وحصلت زيارات رسمية لا أرى إلا الرؤساء الروحيين وبعضًا من مستخدمي المحكمة الشرعية حتى ظننت أنه ليس في البلد علماء، أسأل عن العلماء فيقال لي: إنهم في غاية الخمول ومن ذلك الوقت عزمت على رفعة شأنهم وحفظ كرامتهم وترتيب مرتبات تقوم بحاجتهم وكان نتيجة ذلك المعاهد العلمية في الإسكندرية. وعند ذلك احتجنا إلى بعض العلماء من الأزهر تتميمًا للمواد العلمية (العصرية) فحضر البعض وكان بينهم وبين الإسكندريين غاية الوئام حتى داخلهم بعض الدسائس التي أوجبت زيادة النفرة فيما بينهم وقاسى فيها الشيخ شاكر بعض المقاساة كما قاسى في المدة الأولى من الحُساد فوجدنا أن هذا أمر شاقّ جدًّا فعزمنا على معاملة علماء الإسكندرية بالقسوة الشديدة وإرجاعهم إلى الحالة الأولى لولا أننا أملنا إصلاح الحال ومتابعة العمل النافع. غير أن مازال يوجد - الأصل (في) بدل (يوجد) - أفراد يحبون أن يستعملوا (الفسفسة) لأنهم لا قدرة لهم على العمل؛ لأنه ليس كل متعمم شيخًا، فإن بعض الناس يظهرون بمظهر العلماء ولا يحسنون شيئًا من العمل مع أن العمل قد وضعنا له البروجرامات حتى مشى على (الكسترّة) وصار الإخلال به مضرًّا جدًّا. وأنا أوصيت الشيخ شاكرًا أن يعامل كل واحد بحسب ما يمكنه من العمل فمَن له قدرة على درسين يقرأهما، كذلك من يقدر على الأكثر أو الأقل. فيلزم كل واحد السكينة ويلزم الكبير يرحم الصغير والصغير يعتبر الكبير وأن يترك (الفسفسة) فإني إن شاء الله لدينا الميزانيات ولنا الأمل في أن تزيد الماهيات والمرتبات حتى يعم النفع وكل ميزانية تظهر فيها من الخيرات ما فيه الكفاية. أنا أشتد على الشيخ شاكر بيني وبينه ودائمًا أقول له: عامِلْ هؤلاء الناس بما فيه الراحة ولي أمل شديد في حصول المطلوب كما أني سُررت جدًّا من حالة أبي العباس والطلبة ورأيت نجاحًا باهرًا ولي أمل إن شاء الله أن يكون الأزهر كذلك. (وهنا ضجة من كبار مشايخ الأزهر تقول - وفى رواية قولية: إن بعضهم قال - نعم نعم يا أفندينا نجاح باهر جدًّا امتحنَّاهم فوجدنا الأمر فوق المرام بهمة أفندينا) . الحمد لله لنا أمل قريب يظهر علماء من الإسكندرية ينفعون وطنهم وإذا خطب أحدهم لا يخشى الإنسان من سماع خطابته ولكن هذا لا يكون إلا بالمحافظة على النظام وترك الفساد والحسد كما أننا مستعدون لسماع أي شكوى فأبوابنا مفتوحة لسماع أي شكوى ولكن لا نحب المجاهرة والغوغاء بين الناس. وهنا التفت إلى شيخ الأزهر وقال له: (أحب أن يكون الأزهر متحدًّا مع الشيخ شاكر حتى يحصل نجاح عظيم فإن حالة إسكندرية تسر جدًّا وأرغب أن يكون الأزهر كذلك. ثم إني أحب جدًّا لزوم السكينة وأن لا يحصل شيء أبدًّا حتى إذا جئنا من السفر لا نسمع إلا ما يسرنا) اهـ. قال الكاتب: إنه لم يترك شيئًا مما قاله الأمير إلا كلمة أشار بها إلى أن بعض المشايخ جاءه لأجل الفسفسة والوشاية فأمر زكي باشا فكرشه (أي طرده) ولم يأذن له في الدخول، أقول: وهذا عين الحكمة ولا أحد أقدر على تأديب صغار العقول من المشايخ من الأمير وفقه الله. وهذه النصائح صريحة في استيائه من حال الأزهر وكون هذه المشيخة الجديدة لم تأتِ على ما يرغب ويرجو ولم ينسَ الناس هنا خطبته عند إلباس الكسوة لشيخ الأزهر الحاضر. *** (الجريدة) انْتُدِبَ جماعة من أعضاء مجلس شورى القوانين وغيرهم ممن كان ذاكرهم الأستاذ الإمام في مسألة إنشاء جريدة يومية على الوجه الذي ذكرناه في ترجمته إلى تنفيذ هذا المشروع فدَعَوْا غير واحد من وُجهاء الأغنياء للاكتتاب فاكتتبوا في مجلس واحد بعشرة آلاف جنيه ونيف ثم وضعوا قانونًا لشركة المساهمة وعينوا مديرًا للجريدة وأعضاء لمجلس الإدارة الذي يدير العمل وسموها (الجريدة) وهم الآن يسعون في تأسيس المطبعة والبحث عن العمال والكُتّاب. رأيت أكثر مَن سمعتهم يذكرون الجريدة حتى بعض المكتتبين يقولون: نخشى أن نكون مُقَطّمًا ثانيًا، ومن الناس من يجزم بذلك ويستدلون بأن وجهاء الأعضاء استشاروا اللورد كرومر في أمرها، وقد أيد بعض الجرائد اليومية هذا الرأي فزاد انتشارًا ولا ريب عندنا في حسن نية أهل الرأي من القائمين بهذا العمل وقصدهم فيه إلى خدمة هذه البلاد وعدم إيثار مصلحة على مصلحتها، وأنهم يعلمون كما يعلم كل عاقل أن ليست مصلحة البلاد في اتخاذ حكومتها خصمًا لها والمحتلين أعداءً لأهلها وأن ليس من الخدمة النافعة أن تهب الجرائد عند كل عمل منتقد للحكومة صائحة إن هذا من سوء نية الحكومة أو المحتلين، وأنهم يريدون به هدم حقوق الوطنين عامدين متعمدين، كما يعلمون أن من الخيانة للبلاد السكوت عن انتقاد ما يجب انتقاده من أعمال الحكومة ومشروعاتها بالدليل والبرهان، مع أدب القلم واللسان، وتلك هي الطريقة المثلى في هذه الخدمة الفضلى، وسيرى أكثر الناس أن الجريدة خير مما كانوا يظنون؛ فأعضاء مجلس إدارة الجريدة خمسة وعشرون رجلاً ليس فيهم مَن يعدها ركنًا لمعيشته ولا لرفعته كما هو شأن أصحاب الجرائد، فالرجاء في إخلاص هذه الجماعة أقوى من الرجاء في إخلاص أولئك الأفراد. على أن الفائدة الحقيقية للجريدة موقوفة على حسن اختيار الذين يتولون كتابتها وتحريرها فإذا ظفر مجلس إدارتها بالكاتبين المحررين القادرين على الإجادة في مسائل الاجتماع والأخلاق والاقتصاد والانتقاد والزراعة والتجارة والأدب والشريعة والقوانين ممن لا تنبسط أيدي أصحاب الجرائد الأخرى إلى استعمال أمثالهم تسنى لها أن تكون أرقى من كل ما عداها، وبذلك تكون قدوة صالحة للجرائد كما هو المرجو، وإذا هي ظهرت مثل أرقى الجرائد الحاضرة رآها الناس دونها؛ لأنهم ينتظرون أن تكون أكثر إتقانًا فهم يزنونها بهذا الميزان. *** (حادثة دنشواي) في ١٣ يونيو ذهب بعض ضباط جيش الاحتلال لصيد الحمام الداجن في جهة دنشواي التابعة لمركز شبين الكوم وكانوا ألموا بها في سيرهم بفرقتهم إلى الإسكندرية ولما شرعوا في الصيد استاء أصحاب الحمام واتفق أن اشتعلت النار في جرن (بيدر) بالقرب منهم فانبرى بعض الفلاحين لصدهم عن صيد حمامهم حرصًا عليه وخوفًا على أجران غلتهم أن تحترق من نار البنادق، وفي أثناء المقاومة أصيبت إحدى نساء الفلاحين بنار بنادق الضباط وظن أنها قُتلت فعادت المقاومة ملاكمة وضربًا بالعصي والطوب فجرح غير واحد وأمر الرئيس أحد الضباط المضروبين بالسير إلى المعسكر لطلب النجدة فسار في حر محرق فأصيب بضربة الشمس على رأسه المشجوج فمات في الطريق. وأثبت التحقيق أن الضباط مالوا إلى المسالمة وسلموا أسلحتهم للفلاحين فما زادهم ذلك إلا خشونةً وعدوانًا وقد سلبوا من الضباط ساعة وسلسلة مفاتيح وصفارة وأخذوا سلاحهم كما هي عادة بعضهم مع بعض في مثل هذه الحال! . هذا وقد عظم أمر الحادثة على المحتلين؛ لأن العزيز يعد الإهانة الصغيرة كبيرة. ومَن يَهُن يسهل الهوان عليه ... فأجمعوا أمرهم على محاكمة الفلاحين في المحكمة المخصوصة بمن يعتدي على أحد من جيش الاحتلال فاجتمعت هيئة المحكمة في شبين الكوم (في ٥ ج١) وحكمت حكمًا لا يقبل الطعن ولا الاستئناف على أربعة من الفلاحين بالشنق وعلى اثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة وعلى واحد بالأشغال الشاقة ١٥ سنة وعلى أربعة بالأشغال الشاقة ٧ سنين وعلى ثلاثة بخمسين جلدة، ثم بالحبس مع الشغل سنة وعلى خمسة بخمسين جلدة فقط. وقد نُفذ هذا الحكم علنًا على جميع المحكوم عليهم في قرية دنشواي وبعضهم ينظر إلى بعض والأهل والأقربون ينظرون وعسكر الاحتلال محيط بالمكان وكان الجلد في نظر الناس أشد من الشنق فكان لذلك أشد التأثير المزعج للناظرين، ثم لجميع أهل القطر فهبَّت الجرائد للانتقاد والشكوى وكثر لغط الناس بظلم الإنكليز وقال المتفلسفون منهم: إنما كان ذلك اللين السابق قبل تمام التمكن في البلاد. ثم روعوا بزيادة جيش الاحتلال وبما قال ناظر خارجية إنكلترا في التعصب، وقد أشرنا إليه في مقالة التعصب من هذا الجزء حتى قصرت ألسنة الذين كانوا يُثنون على أعمال الإنكليز النافعة ويفضلونها على جميع الدول. يقول بعض المنتقدين على الاحتلال: إن هذا الحكم سياسي ويقول من ينتصر للإنكليز في كل شيء: بل هو قضائي عادل، وعندي أن الأولين هم المنتصرون؛ لأن القوم إذا كانوا يعتقدون أن الحكم القضائي العادل - الذي هو القصاص بالمساواة في مثل هذه الواقعة - يجرئ الفلاحين على جيش الاحتلال لتعصبهم أو لخشونتهم وأن هذا الجيش إذا لم يكن مما لا تطمح النفوس إلى الجرأة عليه فإنه لا يمكن للمحتلين أن يقيموا في البلاد، وكانوا قد قسوا في الحكم للإرهاب وإقفال هذا الباب فإن السياسة المتبعة في كل زمان تقول لهم أصبتم في التنكيل ببضعة رجال وعقابهم بأكثر مما يحكم به العدل في القصاص العادي لمنع حدوث فتن ربما أدت إلى قتل مَنْ لا يُحصى من الرجال وإفساد كثير من الأعمال. وإذا نحن قلنا: إن هذا الحكم قضائي لا سياسي يقول لنا المنتقد: أين القانون أو الشرع الذي بُني عليه الحكم ومتى كان الرأي المجرد قضاءً عادلاً وكيف يكون من العدل قَتْل كثيرين بواحد وجَلْد كثيرين وتعذيبهم طول الحياة لجرح بعضهم مَنْ يكفي لشفائه أيام معدودات؟ ! . فاللائق بمقام الإنكليز في الوجود أن يكون الحكم سياسيًّا وإن كانت السياسة مجهولة للفلاحين. ونسأل الله أن يوفق الحكومة والمسيطرين عليها إلى الطريقة المثلى لحفظ الأمن وتهذيب الفلاحين ليمتنع العدوان الذي تأصَّل في البلاد بضعف الدين وقوة الجهل وزوال هيبة الحكومة وأن لا يعود مثل هذا الخطأ في الفهم بين المحتلين والمصريين. آمين. *** (وفد الشريف إلى اليمن والثورة) بلغنا أن الشريف أمير مكة المكرمة أرسل وفدًا مؤلفًا من أحد الأشراف وأحد العلماء وثلاثة نفر تابعين لهما إلى زعيم الثورة في اليمن ليقنعه بالخضوع للدولة العلية. والدولة لا تزال ترسل الجيوش إلى اليمن تباعًا، والثورة تزيد قوةً وامتدادًا وإن قليلاً من العدل والحكمة خير من ذلك كله وأَنَّى لنا بهما؟ ! . *** (الدولة ومؤتمر الأديان في اليابان) بلغنا أن ما شاع في مصر وكتبناه في جزء سابق من أن السلطان أرسل وفدًا إلى مؤتمر الأديان في اليابان غير صحيح، واليابان طلبت منه ذلك فلم يُجب وقد كتب من الآستانة إلى بعض الناس هنا بذلك قال الكاتب: وإنني قبل أن أكتب هذا قد اجتمعت بأحمد مدحت أفندي الذي ذكرت الجرائد المصرية أنه أحد أعضاء الوفد. *** (إلى وكيل المنار الصديق في تونس) قد بسطنا رجاءنا لوكيل المنار الفاضل في الجزء الأخير من السنة الماضية والجزء الأول من هذه السنة بأن يتفضل علينا بالحساب عن السنين التي تكرم بقبول الوكالة فيها فلم يحر جوابًا ولكن صديقه الحميم الذي مَنَّ علينا بأن نعهد إليه بالوكالة وكلفه القبول كتب إلينا فيما كتب بأنه قد بادر إلى محاسبة المحصل وأنه أرسل طائفة من النقود التي حاسبه عليها وأنه لا يلبث أن يكتب إلينا بيانًا بتصفية الحساب عن مدة وكالة صديقه. ولما طال العهد بالوعد كتبنا إليه نذكّره فلم يُرجع إلينا قولاً ولكن جاءتنا طائفة من النقود في حوالة من المحصل على البريد فاضطررنا إلى التذكير بلسان المجلة. ولا يعزب عن فهم الصَّديقين الأديبين أننا أحوج إلى بيان الحساب منا إلى ما أرسل من النقد؛ لأن سَنة المنار التاسعة قد انتصفت بهذا الجزء ونحن لا نعرف ممن سدد قيمة الاشتراك إلا من جرت عادتهم بإرسال ما عليهم إلينا ولعلهم لا يبلغون عشرة في المئة من مشتركي تونس ولهذا يتعذر علينا أن نطالب أحدًا منهم بشيء ما لم نطلع على نتيجة أعمال الوكيل وما كان من أمر التحصيل فعسى أن يتفضل الصديقان بالبيان المنتظر ليتسنَّى لنا عرفان ما هنالك من حقوق المنار، ونستريح من ألم الانتظار، ونشكر لهما الشكر الصميم، وإنما الأعمال بالخواتيم.