للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


إصلاح الأزهر والمعاهد الدينية
استبشر طلاب الإصلاح الإسلامي في مصر وجناحيها من الشرق والغرب بما
ظهر من الشيخ محمد مصطفى المراغي منذ ولي أمر الأزهر من فكر ثاقب، وعقل
راجح، وعلم واسع، وهمة عالية، وشجاعة أدبية ظاهرة، وما أنتجت هذه المزايا
من قانون للإصلاح مبيِّن لأقوم مناهجه، وأرفع معارجه، وأبعد مقاصده، وما بذل
من جهد، وأنفق من وقت في السعي لإقرار الحكومة إياه، وصدور المرسوم
الملكي بتنفيذه، ثم راعهم في آخر يوم أو آخر ساعة من هذه المرحلة أن علموا أن
الاستاذ الأكبر قد استقال من منصبه؛ لأن جلالة الملك توقف عن إصدار المرسوم
به، فوجمت النفوس، وضاقت الصدور، وأكبر الناس الأستاذ المراغي في
استقالته، وعدم مبالاته بجاه المنصب الرفيع وما يتقاضاه من ألوف الجنيهات فيه،
أضعاف ما أكبروه فيما أشرنا إليه من مزاياه، إذ به ثبت لهم أن الرجل قد وقف
حياته على خدمة دينه وإن بذل في سبيله دنياه، وعلى رفعة شأن ملته وأمته، لا
على منفعة نفسه وأهله وولده، وأن نفسه الزكية نسخة من نفس شيخه الأستاذ الإمام،
وأنه لابد للمسلمين أن يستفيدوا من مواهبه في يوم من الأيام، وقد نوَّهت بذلك
الجرائد وعدُّوا استقالته إحدى الكبَر، والنذر والعِبر.
ويظن الكثيرون أن لدسائس خصوم الإصلاح تأثيرًا في الصد عنه اليوم كدأبهم
بالأمس؛ ولكننا نعلم أن ذلك القانون الإصلاحي هو رغيبة جلالة الملك فلا قنوط
بما عرض دونه ولا يأس، وقد عادت الحياة الدستورية إلى البلاد، ولن ترضى
الأمة أن يظل الأزهر على ما انتهى إليه أمره من اضطراب.
ولما أصر الأستاذ المراغي على استقالته بعد مراجعة أولي الشأن له في
الرجوع عنها صدرت إرادة جلالة الملك بجعل صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد
الظواهري شيخًا للأزهر، ورئيسًا للمعاهد الدينية، وهو من تلاميذ الأستاذ الإمام
أيضًا فلا يخفى عليه شيء من حاجة الأزهر إلى الإصلاح؛ ولكنه يؤثر التريث
فيما يراه منه، ومداراة المعارضين فيه، ونسأل الله تعالى أن يوفقه ويوفق ولاة
الأمور إلى ما فيه الخير للمسلمين، واغتنام الفرص قبل فواتها آمين.