للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد توفيق صدقي


فصل في بيان دقائق
المسائل العلمية الفلكية
الواردة في القرآن

يلاحظ القارئ مما تقدم أن القرآن الشريف قد أتى في هذا الباب بمسائل علمية
دقيقة لم تكن معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المسائل تعتبر من
معجزات القرآن الخالدة وهاكها ملخصة:
١ - الأرض كوكب كباقي الكواكب السيارة {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (الطلاق:
١٢) وهما من مادة واحدة {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} (الأنبياء: ٣٠) وهي
تدور حول الشمس {وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (النمل: ٨٨) [*] .
٢ - السيارات الأخرى مسكونة بالحيوانات {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ} (الشورى: ٢٩) ، {يُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (الإسراء:
٤٤) ، {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (الرحمن: ٢٩) ومجموع هذه
الآيات يدل على أن في السموات حيوانات عاقلة كالإنسان.
٣ - ليس القمر خاصًّا بالأرض، بل للسيارات الأخرى أقمار {وَجَعَلَ
القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} (نوح: ١٦) .
٤ - ليست السيارات مضيئة بذاتها، بل إن الشمس هي مصباحها جميعًا
{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} (نوح: ١٦) أي لهن كما يدل عليه السياق، فالنور الذي
نشاهده فيها منعكس عليها من الشمس.
٥ - السماوات والسيارات السبع شيء، والشمس والقمر شيء آخر،
فهما ليسا من السيارات كما كان يتوهم القدماء {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} (العنكبوت: ٦١) الآية وغيرها
كثير.
٦ - العوالم المتعددة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} (الفاتحة: ٢) والعوالم
هي منظومات من الكواكب المتجاذبة {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ} (الذاريات:
٧) .
٧ - ليست جميع العوالم مخلوقة لأجل هذا الإنسان {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (غافر: ٥٧) أي الناس المعهودين على وجه
الأرض، والإنسان الأرضي أفضل من بعض المخلوقات لا كلها {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: ٧٠) ولا ينافي ذلك قوله: {وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (الجاثية: ١٣) إذ لا يلزم من هذا القول
أنها غير مسخرة لغيرنا من الأحياء، فالبحر مثلاً قال الله تعالى فيه: {سَخَّرَ لَكُمُ
البَحْرَ} (الجاثية: ١٢) مع أنه مسخر لغيرنا من الحيوانات البحرية تسخيرًا أتم
وأعم، فمنه تأكل وتشرب وتتنفس، وفيه تسكن وتحيا وتموت. فما هو
مسخر لبعض الحيوانات تسخيرًا جزئيًّا قد يكون مسخرًا لغيرها تسخيرًا كليًّا،
فكذلك النجوم مسخرة لنا لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر، مع أنها لغيرنا
شموس عليها قوام حياتهم، كما أن شمسنا عليها قوام حياتنا، وهي بالنسبة لهم
نجم من نجومهم الثوابت، وبالجملة فإن جميع العوالم بما بينها من الارتباط العام
والتجاذب الذي بينها مسخرة بعضها لبعض بالنفع الكلي أو الجزئي.
٨ - كان القدماء يعتقدون أن جميع الثوابت مركوزة في كرة مجوفة يسمونها كرة
الثوابت أو فلك الثوابت، وبحركة هذه الكرة تتحرك هذه الكواكب كما تقدم، ومعنى
ذلك أن الكواكب لا حركة لها بذاتها، وأن فلك جميع الثوابت واحد، وأنه جسم
صلب. والحقيقة خلاف ذلك؛ فإن لكل كوكب فلكًا يجري فيه وحده، وكل كوكب
يتحرك بذاته لا بحركة غيره، والكواكب جميعًا سابحة في الفضاء، أو بعبارة أصح
في الأثير (مادة العالم الأصلية) غير مركوزة فيه في شيء مما يتوهمون، وبهذه
الحقائق، جاء الكتاب الحكيم والناس في الظلمات والأوهام يتخبطون. قال الله
تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: ٤٠) والتنوين في لفظ (كل) عوض
عن الإضافة، والمعنى كل واحد من الكواكب في فلك خاص به يسبح بذاته. وفي
قوله يسبحون إشارة إلى مادة العالم الأصلية (الأثير) التي تسبح فيها الكواكب
كما تسبح الأسماك في الماء، فليست الأفلاك أجسامًا صلبة تدور بالكواكب كما كانوا
يزعمون.
٩ - نص الكتاب العزيز على وجود الجذب العام للكواكب كافة من جميع
جهاتها فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ} (الذاريات: ٧) ، {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} (النازعات: ٢٧) ، {هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} (الملك: ٣) راجع تفسير
هذه الآيات فيما تقدم، فالكون كله كالجسم الواحد الكبير محكم البناء لا خلل فيه،
كما قال: {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} (ق: ٦) ، ويتخلله الأثير كما يتخلل ذرات
الجسم الصغير {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: ١٤) .
١٠ - كان الناس في سالف الأزمان لا يدرون من أين يأتي ماء المطر،
ولهم في السحاب أوهام عجيبة، كما كانت لهم في كل شيء سخافات وخرافات،
ولكن القرآن الشريف تنزه عن الجهل والخطأ فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي
سَحَاباً} (النور: ٤٣) إلى قوله: {فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} (النور:
٤٣) وقال: {فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} (النور: ٤٣) ومقتضى القولين
أن الماء العذب الذي نشربه ونسقي به الأرض سواء كان من الينابيع أو من الأنهار
هو من الأمطار الناشئة من السحاب، ومن أين يأتي السحاب؟ هو بخار من
بحار هذه الأرض أي: أن السحاب هو من الأرض، وهو عين قوله تعالى:
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعات: ٣١) أي أن الماء جميعه أصله من
الأرض، وإن شوهد أنه ينزل من السحاب.
فهذه كلها آيات بينات ومعجزات باهرات دالة على صدق النبي وصحة القرآن.
* * *
(الخاتمة في بيان الغاية من هذا الوجود)
قد علمنا مما تقدم أن العوالم متعددة، وأنها كلها مسكونة بالأحياء العاقلة وغير
العاقلة، فهل كلها مخلوقة عبثًا؟ ؟ وهل لهذا الوجود غاية؟ ؟ أم كل هذه العوالم
سائرة للفناء؟ وخلقت لا لشيء؟ شموس وسيارات وأقمار تجري في أفلاكها
بانتظام ونواميس وسنن وهي مملوءة بالأحياء، وتظهر فيها جلائل أعمال الطبيعة
والمخلوقات، أتنقرض هذه كلها وتنتهي إلى الفناء المحض والعدم الصِّرف؟ كلا ثم
كلا.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ} (المؤمنون: ١١٥-١١٦)
الحياة وخصوصًا حياة الحيوانات العاقلة، هي كما نشاهد غاية الغايات في
هذا الوجود، وإلا كان العالم كله كالقصر المشيد الذي لا سكان فيه، أو كالملعب
الجميل الذي لا يرى فيه ممثلون أو لاعبون.
وإذا كانت الحياة هي غاية هذا الوجود، فهل لهذه الحياة غاية؟ ؟ وإذا كانت
المادة وقوتها في هذا العالم غير قابلة للعدم والفناء كما يقولون، فلم تكون الحياة
فانية؟ وإذا كانت المادة وقوتها تتشكل بأشكال مختلفة، وتظهر بصور وأطوار
متنوعة ومع ذلك نقول ببقائهما؟ فلماذا نقول بفناء الحياة إذا تغير شكلها أو صورتها؟
أليس من العجيب أن القائلين بعدم فناء المادة والقوة هم المنكرون لبقاء الأرواح
البشرية إذا غيرت المادة المنظورة شكلها؟ مع أن الأرواح قد لا تكون شيئًا آخر
سوى نوع مخصوص بسيط لطيف من أنواع المادة التي لا نعرفها، كالأثير الذي
يقولون بوجوده وأنه مالئ للعالم كله وأنه يتخلل ذرات المادة الكثيفة: {وَمَا أُوتِيتُم
مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء: ٨٥) .
وإذا سلم أن النفوس أو الأرواح لا تفنى إذا كانت من نوع هذه المادة، فهل
أعمال هذه النفوس تفنى، وأنتم القائلون بعدم فناء القوة، سواء كانت كامنة أو
عاملة؟ ! (Potential & Kinctic Energy) .
هذا، ولا يخفى أن لكل عمل أثرًا في النفس [١] وإذا سلم أن النفس وعملها
(قوتها) وأثر عملها لا تفنى كان من السهل علينا أن نسلم أن الأعمال السيئة تطبع
في النفوس آثارًا سيئة (impressions - Bad) لا تمحى. ولا تزال تلك
الأعمال تطبع آثارًا من جنسها في النفس كلما زادت، حتى تجعل النفس شريرة أو
صالحة، كأنها جبلت على الشر أو الخير.
وإذا كان من المشاهد أن الجزاء في هذه الحياة هو النتيجة الطبيعية للأعمال
إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، والنفوس بما انطبعت عليه باقية كما بينا، أفلا تلقى
جزاءها الأوفى في الدار الآخرة، كما كانت تلقى ذلك في الدنيا، وتكون النفس
الشريرة هناك دنيئة غير صالحة إلا للسكنى مع الأشرار الذين هم مثلها في دار
تناسبها أحوالها، كما أن النفوس الصالحة تكون في عكس ذلك {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس: ٩-١٠) .
وإذا سلم أن النفوس كما هي بشرها أو خيرها باقية، أفلا يكون الجحيم
والنعيم لهما باقيين كذلك غير فانيين؟ فالدنيا مزرعة الآخرة أو المدرسة لتربية
النفوس، فمن ربيت نفسه على الخير حتى صارت صالحة، كان جزاؤها النعيم
المقيم في الآخرة، ومن ربيت نفسه على الشر حتى صارت شريرة فاسدة، كان لها
الجحيم لا يناسبها غيره لأنها مجرمة {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي
جَحِيمٍ} (الانفطار: ١٣-١٤) فالجزاء باق لأن النفوس بما طبعت عليه في الدنيا
باقية، قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين:
١٤) ، وقال: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: ٨١) فدوام العذاب هو للنفوس الشريرة التي
فسدت، حتى صارت لا تصلح للخير مهما بقيت في الدنيا {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا
نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (الأنعام: ٢٨-٢٩) {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (الأحقاف: ١٩) .
... ... ... ... ... ... الدكتور محمد توفيق صدقي
... ... ... ... ... ... ... طبيب ليمان طره