للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مصطفى أحمد الرفاعي اللبان


ظهور المنار ودلالته

لما توفي المغفور له السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار خشى المصلحون
أن يذهب المنار بذهاب صاحبه , ويخبو ضياؤه الذي لبث ثلث قرن يشع على العالم
الإسلامي علمًا , وثقافة , وفضلاً , وخيرًا , وبركة , ويضع العلامات في طريق
الجهاد الإسلامي ليسلك المجاهدون على بصيرة وعلم ونور.
وقد حدث ما خشي المصلحون , فإنه صدر من المنار بعد وفاة صاحبه بضعة
أعداد , ثم توقف عن الصدور , وخفت صوته المعروف الذي كان يملأ آفاق
الأرض , وخلا مكانه من الصف , وطويت أعلامه , وظن الناس أن لن يعود.
وكنا نخاطب عنه محبي الإصلاح ليتعاونوا على إصداره , ويجتمعوا على
إرجاعه سيرته الأولى؛ ولكنهم كانوا يعتذرون بأن هذا الأمر فوق طاقتهم , وأن
قوتهم وحالهم لا يسمحان بتحقيق هذه الأمنية العزيزة المرجاة.
وبينما الفضلاء في يأس من عودته؛ إذ تقدم رجل شاكي السلاح مدرع، قد
جمع في نفسه المؤهلات الكافية لخدمة الإسلام والحق والإصلاح، تقدم هذا الرجل
ورفع راية الإصلاح المناري , ونادى بأعلى صوته قائلاً:
أيها الناس إني - على بركة الله وبتوفيق من الله - أخذت على عاتقي إصدار
المنار الأغر؛ حتى لا يحرم المسلمون منه , ولا تنقطع عنهم فيوضاته , ولا
ينضب معين إصلاحه.
فتلفت الناس إلى المتكلم , فإذا هم يجدون الأستاذ حسن البنا المرشد العام
للإخوان المسلمين , والمصلح الذي وقف نفسه على نصرة الإسلام والمسلمين ,
فاطمأنت نفوسهم، وانشرحت صدورهم , وحمدوا الله - عز وجل - على فضله
ونعمته وآلائه.
وهكذا ظهر المنار بعد اختفاء , وأسفر بعد احتجاب , وكتب الله له الحياة على
يد من لا يريد لقومه إلا الحياة.
وإن لظهور المنار دلالة نحب أن نسجلها هنا بإيجاز , حتى يعرف القراء
الحقائق , ويكونوا على بينة من الأمر , ولا تأخذهم الحيرة مما يشاهدون , أو
يقرءون , أو يسمعون.
لما توفي صاحب المنار - رحمه الله تعالى - حزن محبو الإصلاح وأصابتهم
الحسرة على إغماد سيف كان يجاهد في سبيل الله ولا تأخذه في الحق لومة لائم؛
ولكن فريقًا آخر طرب وصفق وتبادل التهاني والتبريكات لزوال من كانوا يظنونه
عدوًّا لهم؛ لأنه يحارب تخريفهم ودجلهم وجمودهم , وقد جهروا فيما بينهم بانقطاع
المنار إلى الأبد , وأقاموا الحفلات لضعف أخلاقهم؛ فرجوع المنار يسر المصلحين
المخلصين , ويكبت الشامتين الضعفاء اليقين. ومن المشهور عندنا أن العمل
العظيم إنما يقوم به فرد , فإذا أفلت منه ذهب في طي النسيان , وهذا صحيح إلى
حد ما؛ ولكن حظ المنار كان طيبًا فكتب الله له البقاء , ولما هوت رايته، كان
هويها استنادًا وارتكازًا للراحة والاستجمام، تقدم فضيلة الأستاذ حسن البنا ورفعها
على القمة ليراها الغادي والرائح، فعلم الجمهور أن عمل الفرد المخلص لا يضيع
أبدًا , بل يقيض الله له من يحييه ويمده بما يعيد إليه الشباب ويقويه.
وكنا نسمع من كثير من الناس أن دعوة صاحب المنار لا تتعدى أفرادًا معينين،
ولا تصل إلى مدى يصح معه أن نقول بوجود الإصلاح في الأمة , ولكن الرغبة
الملحة في إصدار المنار وقيام رئيس الإخوان المسلمين بهذا الإصدار يدل دلالة
قوية على أن الإخوان - وهم ألوف كثيرة - يؤمنون بهذا الإصلاح ويفدونه
بالأرواح، وإذا عرف القراء أن الإخوان جمهرتهم من الشباب المثقف، علم علم
اليقين مقدار تغلغل الإصلاح الإسلامي العتيد في النفوس التي نرجيها لرفع شأن
الأمة، والدفاع عن ذمارها، وإعلاء مكانها.
هذه بعض أوجه الدلالة في ظهور المنار، يعلم منها أهمية العمل الذي أخذه
على عاتقه الأستاذ الكبير رئيس الإخوان المسلمين.
ونحن نقترح هنا ما يجب على القراء وعلماء المسلمين في مشارق الأرض
ومغاربها، ليؤدي المنار مهمته العليا النقية، ولينجح النجاح المرتقب له من كافة
المؤمنين المخلصين.
أما القراء، فالواجب عليهم أن يعاضدوه حسًّا ومعنًى , ويعاونوه بما في
جهدهم ليصول في ميدان الجهاد ويجول، ويشتد عوده في مقاومة كل ما يلحق
الأذى بالإسلام والمسلمين، ويرسل الجنود تلو الجنود تصرع أعداء الله، وتخذل
الذين يريدون الإسلام بسوء.
وأما العلماء المخلصون الذين أحبوا المنار وأشربوا في قلوبهم مبادئه السامية
وطريقته المثلى، فعليهم أن يحبوا المنار بعطفهم، ويمدوه بآرائهم الصائبة،
وأفكارهم المنيرة، ويستخدموا علمهم النافع في تقويته، وإنجاحه، وإكثار أركان
حربه.
ونحن نعلم أن محبي المنار الفضلاء الكاتبين منبثون في أنحاء العالم الإسلامي
من الصين شرقًا إلى مراكش غربًا، ومن التركستان شمالاً إلى جنوب إفريقية
جنوبًا، وهم - بتوفيق الله - في مكنتهم خدمة المنار الخدمة الجلى ليكون صحيفة
الإسلام العالية في الدين، والاجتماع، وشتى ما يحتاج إليه المسلمون.
ونعود فنهنئ فضيلة المرشد العام بما ندب نفسه إليه من خير وإصلاح، كتب
الله له النجاح، وأمده بروح من عنده، وأعانه على الجهاد في سبيل الله، والله
قوي عزيز.
... ... ... ... ... ... ... مصطفى أحمد الرفاعي اللبان
... ... ... ... ... ... ... ... ... القاهرة