للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة

الحكمة في كون الأنبياء لا يورَّثون
(س١) أنجي أمبوغ بن أحمد في سنغافوره: ما الحكمة في كون الأنبياء
عليهم السلام لا يورثون؟
(ج) الحكمة في ذلك دفع تهمة الكافرين والمرتابين الذين يظنون أن الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام كالملوك والأمراء كانوا يريدون بدعوتهم الثروة والجاه
والسيادة. والحجة على هؤلاء أن سيرة الأنبياء ترد هذا الزعم، وتبطله فقد كانوا
معروفين بالزهد في الدنيا، وعدم المبالاة بزخرفها والعناية بمجدها. وقد يقول
المنكر: إن المعهود في كثير من الناس أن يضيقوا ويقتروا على أنفسهم ليوفروا
التراث لذرياتهم. وهؤلاء كذلك فكان من تمام الحجة أن يجعلوا ما يتركون صدقة
لأمتهم؛ ليعلم أنه لم يكن لهم حظ في الدنيا لا لأنفسهم في حياتهم، ولا لذرياتهم بعد
مماتهم، وإنما كانوا يقصدون بدعوتهم مرضاة الله تعالى بهداية خلقه وإرشادهم إلى
ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
* * *
تكفير الحج الذنوب
(س٢) عوض أفندي محمد الكفراوي بزفتى: أفيدونا عن الحج المبرور هل
يكفر جميع الذنوب الكبائر والصغائر حتى التبعات أم يكفر البعض ويبقى البعض؟
وعن أصح الأقاويل والنصوص فيه؛ لأن بيننا خلافًا في ذلك؟
(ج) الأصل في القول بالتكفير حديث أحمد والشيخين وأصحاب السنن ما
عدا أبا داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى
العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وحديث أحمد
والشيخين وغيرهم عنه: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وفي
رواية للترمذي: (غفر له ما تقدم من ذنبه) قال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي
المتعلقة بحق الله لا العباد ولا يسقط الحق نفسه؛ بل من عليه صلاة يسقط عنه إثم
تأخيرها لا نفسها فلو أخَّرها بعد ذلك تجدد إثم آخر. وقال ابن عبد البر: إن الذي
يكفَّر هو الذنوب الصغائر. وقال الطبري: هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من
تاب وعجز عن وفائها؛ أي: فمن كان عليه حق لأحد فإنه لا يكفره عنه إلا العجز
عن أدائه مع نية الأداء عند القدرة. وقالوا: إن الحج المبرور هو المقبول والذي جاء
على الوجه الأكمل باستيفاء الأعمال البدنية والقلبية ومن ذلك أن يكون المال الذي ينفقه
حلالاً. وأنشدوا:
إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجت العِير
لا يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل مَن حج بيت الله مبرور
وإذا بحثنا في معنى التكفير وسره يتيسر لنا أن نفهم أن قول هؤلاء الأئمة هو
المعقول، وأن قول بعض المتأخرين: إن الحج يكفر التبعات والموبقات، ويسقط
الحقوق. فاسد مخالف لأصول الدين وقواعد الشريعة؛ ذلك أن الكلام الإلهي والهدي
النبوي يدلان على أن الذنوب تدنس الأرواح وتُدَسِّيها، وأن الأعمال الصالحة
تطهرها وتزكيها. وأن تكرار السيئات يُحدث في النفوس ظلمات معنوية إذا كثرت
ترين على القلوب؛ أي: تغطيها حتى لا تعود تتأثر بالذكرى والموعظة، وأن
من أحاطت به سيئته بمثل هذا التكرار كان خالدًا في النار، وأن من تدارك الذنب
بالتوبة والعمل الصالح الذي يكون أثره في النفس مضادًّا لأثر ذلك الذنب يغفر له
ويكفر عنه: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: ١١٤) ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} (طه: ٨٢) .
والحج المبرور الذي لا رفث فيه ولا فسوق؛ أي: الذي ليس فيه كلام فاحش
ولا خروج عن آداب الشريعة وحدودها هو توبة نصوح وإيمان وعمل صالح له في
النفس أكبر الآثار في إصلاحها لما فيه من الانقطاع عن الأهل والوطن والأعمال
الدنيوية والإقبال على الله تعالى بزي الأموات، وإحياء شعائر أعظم المرشدين،
والوقوف في مواقف أفضل المرسلين، والتذكر بتقلبهم في تلك المعاهد المقدسة تعبدًا
لله تعالى، وتقربًا إليه وخضوعًا خالصًا لجلاله، لا حظّ للنفس فيه.
فمن حج مثل هذا الحج المبرور، واستغرق قلبه بمثل هذا الإحساس والشعور -
رُجي أن يُمْحَى ما كان عَلِقَ بنفسه من آثار الذنوب الماضية أو تغلب تلك الظلمة بهذا
النور، وعند ذلك تنبعث النفس إلى حسن الطاعة، والاستقامة على طريق الهداية،
فتعمد إلى أداء ما عليها من الحقوق لله وللناس بقدر الاستطاعة، فيصح أن يقال:
إنها ولدت ولادة جديدة؛ لأنها دخلت في دور من الحياة جديد، وأن يقال: إن السيئات
الماضية قد كفرت وغفرت؛ لأن الغفر والتكفير بمعنى تغطية الشيء وقد غطيت تلك
الظلمة الماضية وسترت بهذا النور الحاضر.
وأما مَن يتوهم أن التكفير والمغفرة عبارة عن أجرة الحركات البدنية في السفر
إلى مكة والطواف والسعي والوقوف في تلك المعاهد، وأن مثالها مثال من أفسد في
حرث غني ونسله فكلفه بعمل شاق في مقابلة ذلك الإفساد وجعل هذا في مقابلة ذاك،
فهو الذي يجهل الدين ويرى أن الله ينظر إلى حركات الأبدان دون إصلاح النفوس
والأرواح. ولو كان الأمر كذلك لكان كل من أدى أعمال الحج الظاهرة مقطوعًا له
بالمغفرة ولكان للمغرور أن يترك الفرائض، وينتهك المحارم، ويتوغل في المظالم،
ثم يسافر إلى تلك البلاد ويأتي بتلك الحركات، ويعتقد أن قد سقطت عنه جميع
الحقوق والتبعات.
وقد قالوا: إن للحج المبرور الذي يكفر السيئات علامات جِماعها الاستقامة
بعده. قال الإمام الغزالي في آخر كتاب الحج من الإحياء بعد ذكر أعمال القلب فيه
ما نصه:
(فإذا فرغ منها فليلزم قلبه الحزن والهم والخوف، وأنه ليس يدري أقُبِلَ
حجه وأُثبت في زمرة المحبوبين، أم رُد حجه وألحق بالمطرودين، وليتعرف ذلك
من قلبه وأعماله؛ فإن صادف قلبه قد ازداد تجافيًا عن دار الغرور، وانصرافًا إلى
دار الأنس بالله تعالى، ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول فإن الله
تعالى لا يقبل إلا من أحبه، ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته، وكف عنه
سطوة عدوه إبليس لعنه الله. فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر
بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره العناء والتعب نعوذ بالله من ذلك) اهـ.
* * *
بعض حكم الحج
(س٣ و ٤ و ٥) سيد أفندي نصر بالجميزة:
(١) ما الحكمة في الوقوف بعرفة؟
(٢) ما الحكمة بجمع الجمرات من محل مخصوص؟ وما هي حقيقة الرجم؟
وأي شيء يرجمون؟
(٣) هل بئر زمزم صناعية أم طبيعية وما علة تسميتها بهذا الاسم؟
(ج) الوقوف بعرفة في معنى الاجتماع لصلاة الجمعة إلا أن جماعته أكبر،
وفائدة الاجتماع فيه أعم وأكمل، فإن المسلمين يجتمعون له من كل شعب وقبيل،
ويقصدون إليه من كل رجا من أرجاء الأرض فيتعارفون في موقف يساوي بين
الملوك والأمراء، والصعاليك والفقراء؛ إذ يجتمعون بزي واحد على عمل واحد،
ويتلقون من إمام المسلمين أو نائبه تعليمًا واحدًا بالخطبة.
وأما رمي الجمار فيقصد به التشبه بإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ إذ كان في
تلك المعاهد يبني بيت الله، وينقل الحجارة بنفسه، ويساعده ولده إسماعيل. فإن
تذكر قيام الرجال العظام بخدمة الدين يحيي شعور الدين في النفوس، ويبعث الهمة
للاقتداء بهم. وروح هذا التشبه وسره إظهار العبودية لله تعالى، والامتثال لأمره،
واقتفاء أثر رسله في الأمور الدينية التي وضعت لإصلاح النفوس بإحياء شعور
الإيمان والتعبد لله. وللرمي أذكار مخصوصة يقصد بها ما ذكره، فتكون الحصيات
مع هذه الأذكار كالسبحة في إحصاء الأذكار المأثورة بالعدد المعين، وكانوا في
الصدر الأول إذا عدّوا يعدون على نحو الحصا والنوى، والعمدة ما ذكرناه أولاً من
معنى التأسي والتعبد.
وأما بئر زمزم فهي كسائر الآبار ماء طبيعي وبناء صناعي وفي مائها معادن
نافعة إن شاء الله تعالى. والماء الزمزم: الكثير، وروي أن هاجر أم إسماعيل عليهما
السلام هي التي اهتدت إليه عند الحاجة، وأن المَلَك فجَّره لها، والملائكة موكلون
بكل شيء، فهم أرواح النظام، ونواميس الأسباب والله أعلم.
وقد كنّا عازمين على أن ننشر في الجزء الماضي أو في هذا الجزء مقالاً
مسهبًا في أعمال الحج الظاهرة والباطنة، وفي حكمه وأسراره الروحية
والاجتماعية؛ ولكن الكلام في مسألة الفتاوى العارضة شغلنا عن ذلك حتى سافر
أكثر الحجاج الذين كنا نحب أن نزودهم بما نكتب، ولعلنا إن أمهل الزمان نكتب
ذلك في العام القابل إن شاء الله تعالى.
* * *
الصور الشمسية
(س٦) عبد الكبير أفندي المصطفوي الخطيب والمدرس في (روسيا) :
شاع في عصرنا هذا التصوير بآلة مخصوصة، ونحن مجبورون من حكومتنا
الروسية على أن نصور بهذه الآلة في بعض الأحوال لإثبات أشخاصنا، ومن ذلك
أن مَن يريد منا أن يكون إمامًا في مسجد يكلَّف بأن يقدم صورته إلى الجمعية
الشرعية في أوفا عند حضوره إليها لتأدية الامتحان لإثبات أنه هو، فهل يجوز هذا
شرعًا أم لا، وما معنى الأحاديث الواردة في النهي عن ذلك؟
(ج) سبق لنا في المنار بيان السبب في النهي عن التصوير، واتخاذ
الصور بهيئة تدل على التعظيم، وهو أن القوم كانوا قريبي عهد بالوثنية، وكانت
الكعبة في الجاهلية مزينة بالصور المعتقدة، ومنها صور بعض الأنبياء، فأراد
الشارع أن ينسيهم تلك العبادة الوثنية التي ألفوها القرون الطويلة، وأَنِسَتْ نفوسهم
بها، فنهاهم عن التصوير وتعظيم الصور، كما نهاهم عن تشريف القبور واتخاذ
المساجد عليها وإيقاد السرج عندها؛ بل وعن زيارتها في أول الأمر، وعن اتخاذ
قبره وثنًا أو عيدًا.
ولقد شدّد في أمر القبور ما لم يشدد في أمر الصور، حتى كان يلعن من
يتخذها مساجد، وهو في مرض الموت؛ ولكن المسلمين ظلّوا في الغالب يتجنبون
التصوير واتخاذ الصور؛ حتى بعد زوال سبب النهي بالمرة؛ فإنه لا يخطر ببال
مسلم الآن أن يعبد صورة أو تمثالاً، ونراهم قد استباحوا ما نُهوا عنه في شأن
القبور، فاتخذوها مساجد، وأوقدوا عليها السرج والشموع، وأوقفوا لذلك الأوقاف،
مع أن معنى النهي قائم متحقق؛ بل زاد المسلمون على غيرهم - فيما نهوا - أن
يفعلوا فيه فعلهم، وهذا من عجائب انقلاب أوضاع الدين.
اتخاذ الصورة وحملها لأجل أن يُعرف الشخص بها لمصلحة ألزمته حكومته
بها - لا ضرر فيه، لا لأنه لا دخل لنزعات الوثنية، وتذكُّر عبادتها بهذه الصورة
فقط؛ بل نزيد على انتفاء علة النهي عن التصوير، واتخاذ الصور - أن الفقهاء
الذين يقلدهم المسلمون الآن قد صرّحوا بذلك، فمنهم من قال: إن اتخاذ الصور من
غير تعظيم لها لا ضرر فيه، واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في الصحيح، وهو
أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرها بهتك القرام (الستار) ، الذي فيه الصور؛ إذ
كان معلقًا كما تعلق الصور المعبودة، فهتكته، واتخذت منه وسادة كان النبي صلى
الله عليه وسلم يستعملها والصور فيها. ومنهم من قال: إنه لا بأس باتخاذ الصور
التي لا يعيش مثلها، وأكثر الصور الشمسية التي تُتخذ لمعرفة أشخاص أصحابها لا
حرمة فيه عليكم، لا اجتهادًا ولا تقليدًا؛ بل الأمر أوسع من ذلك.
* * *
تعليم النساء الكتابة
(س٧) ومنه: ذكرتم في المنار أن الحديث الوارد في النهي عن تعليم
النساء الكتابة موضوع، وقلتم: إن تعليمهن الكتابة جائز؛ ولكن الكتاب الذي طبع في
ديارنا المسمى (تفليس إبليس) أو (فصل الخطاب) يقول إن الحديث في النهي عن
تعليم النساء الكتابة، وإسكانهن الغرف متواتر فمن أين أخذ صاحب هذا الكتاب
القول بتواتر الحديث وتصحيحه؟
(ج) : إن مؤلف ذلك الكتاب جاهل بالحديث والشرع، فلا يعتد بقوله،
وهو أخذ قوله عن أمثاله من العامة، وإننا لم نقرأ من كتابه المذكور شيئًا حرصًا
على الوقت أن يضيع منه شيء في قراءة لغو المعتدين على العلم والدين بغرورهم،
وقد رأيتم النص عن المحدثين بأن الحديث موضوع، وأنصح لكم بأن لا
تعتمدوا على أي حديث، في أي كتاب لأي مؤلف إذا لم يذكر تخريجه عن الحُفّاظ
المعروفين.
وكيف ينهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن إسكان النساء الغرف، والله
تعالى يقول: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (الطلاق: ٦) ؛ ولكن أين هؤلاء الجاهلون من فهم القرآن وتطبيق السنة عليه؟
* * *
أيعمل بخبر الجرائد في إثبات الصيام؟
(س٨) الشيخ مقبل الذكير في جزيرة البحرين: اطلعنا في الجزء السابع
عشر من المنار على بحث الصيام وفضله وثبوته؛ فجزاكم الله عن الإسلام خيرًا،
فقد أوجزتم وأحسنتم، ولنا ههنا سؤال: وهو إذا ذكرت الجرائد أن شهر رمضان قد
ثبت شرعًا أن أوله الجمعة، وكان بعض أهل الأقطار البعيدة كخليج فارس
والعراق قد رأوا الهلال ليلة السبت فهل يعتمدون على خبر الجرائد إذا بلغهم في أثناء
الشهر، ويبنون عليه إتمام العدة ثلاثين يومًا إذا لم يروا هلال شوال ثم يقضون ذلك
اليوم (الجمعة) أم يتمون العدة على حسب صيامهم الذي أوله السبت ولا يجب
عليهم قضاء؟ أفيدوا مأجورين.
(ج) : الواجب على من ذكرتم أن يعملوا بحسب رؤيتهم، ويتموا العدة على
حسابهم إلا أن يروا الهلال ليلة الثلاثين بحسابهم فإنهم بنوا صيامهم على إثبات
شرعي صحيح. وما سبق في المنار استحسانه من عمل أهل القطر المصري لا
ينطبق على مثل ما ذكرتم فإنه خاص ببلاد يمكن أن يعرف أهلها كلهم إثبات الشهر
في الليلة الأولى منه ليصوموا جميعًا ويفطروا جميعًا؛ فإن الاجتماع والاتفاق في
أداء العبادة من مهمات الشرع. وأما البلاد المنقطعة بعضها عن بعض فيجب أن
يعمل أهل كل جهة بما يثبت عندهم، ولا يعمل أهل البحرين بما يثبت في البصرة
أو الهند أو مصر إلا إذا أمكن العلم بذلك في الليلة الأولى من الشهر بطريقة مأمونة
من التزوير وأنَّى لهم هذا؟