(فرقان القلوب) كُتَيِّب جديد للشيخ محمد أبي الهدى أفندي الصيادي الشهير قال في فاتحته: (وأرى أن هذا الكتاب المستطاب جدير بأن يدرس في مكاتب الإسلام؛ لينتفع به إن شاء الله الخاص والعام، فبإقرائه ينتفع بالثواب المنتهي، وبتعلمه ينتفع في دينه المبتدي) ونقول: إن موضوع الكتاب مما يفيد المبتدئين؛ لأنه في أحكام وحكم أركان الإسلام الخمسة، ولكن هناك مانعًا من تدريسه وهو ما فيه من اصطلاحات الصوفية المعروفة وغير المعروفة التي يعسر على معلمي المدارس معرفة المراد منها أو بيانه للتلاميذ، فماذا ترى في فهم التلاميذ لها واستفادتهم منها؟ وما قولك في كتاب تذكر فيه العبارة وتفسر بعبارة أشد منها غموضًا، مثال ذلك ما نقله عن الشيخ أحمد الرفاعي الكبير في بيان حقيقة التوحيد وفسره، وهو كما في (ص٤) (وجدان تعظيم في القلب يمنع عن التعطيل والتشبيه، ومعنى ذلك الوجدان استدلال العقل وتسلط فهم القلب على ما يكن إليه الخاطر ويقف عنده السر من البراهين النظرية التي تؤيد سر التوحيد، فيعتقد العاقل بسبب تلك البراهين القاطعة وجود الخالق ولا ينصرف رأيه إلى التعطيل ولا إلى التشبيه) . الظاهر أن هذا كله من كلام الرفاعي، ونقول قبل بيانه له: إن معلمي المدارس لا بد أن يقفوا أمام هذه الجملة موقف الحيرة ويعسر عليهم إيصالها إلى أذهان تلاميذهم؛ لأنهم لا يعقلون وجهها لتفسير وجدان التعظيم باستدلال العقل؛ فإن هذا الوجدان محله القلب واستدلال العقل: أي فكره في تأليف الأدلة النظرية من عمل الدماغ، والقلب يطلق في لغة القرآن على ما يكون به الفكر والإدراك، وعلى ما يكون به الشعور والوجدان، ولعله يرى أن العبارة قد مزجت الاستعمالين فبغى أحدهما على الآخر، ولا شك عندي أن فهمه يقف عند تفسير وقوف السر وتأييد سر التوحيد، وتسمية البراهين النظرية براهين قاطعة، وجعل نتيجتها الاعتقاد بوجود الخالق مع أنها أقيمت على توحيده، والكلام في توحيده إنما يُبنى على التسليم بوجوده، وعدم الانصراف إلى التعطيل والتشبيه يصدق بغفلة الذهن عنهما، فلا تكون تلك البراهين مفيدة للتوحيد ولا مفسرة لذلك الوجدان، فإذا وقف المدرس أمام هذه العبارة الرفاعية الرفيعة هذا الموقف، فهل ينتاشه منه ما بيَّنها به المصنف، إذ قال: (وبيان ذلك أن ينظر في هابطة السرور وهابطة الحزن وحال الانقباض وحال الانبساط ومسامرة الخاطر ونشأة الحب وزفرة البغض ووارد الرأي وطلسمية الفكر والحرص والزهد والحقد والصفح وأمثال ذلك من دقائق الأسرار القالبية التي تتدلى إلى القلب، وتقوم بالعقل ومثلها اللطائف المجردة الخمسة: الشامَّة، والباصرة، والسامعة، والطاعمة، واللامسة، كلها موجودة في الوجود غير منكر وجودها وغير مدركة كيفيتها، ولهذا السر القاطع والدليل الساطع قال تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (الذاريات: ٢١) فإذا استدل العقل وتسلط فَهْم القلب على وجود الخالق بما في الذات المصنوعة من الدلائل التي تجحد وو، فهنالك لا بد أن يعظِّم مولاه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله) إلخ، ثم انتقل إلى الكلام عن المبلِّغ لهذه الكلمة صلى الله عليه وسلم. هذا نموذج من أول الكتاب وفيه ما هو أشد غموضًا منه في نفسه، وفي الموضوع الذي دسّ فيه وناهيك بكلامه في الأرواح عند الكلام عن أسرار الحج الذي جعله وسيلة للقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم مدّ يده من قبره الشريف حتى خرجت إلى المسجد فقبَّلها الشيخ أحمد الرفاعي والناس ينظرون، وللشيخ أبي الهدى غرام بإذاعة هذه الدعوى حتى لم يَدَعْ الكلام في الدين وأركانه يخلو منها، وقد ذكر هذا الكتاب وجه امتياز الرفاعي على الصحابة وأئمة آل البيت بهذه المنقبة، وذكر أنه ثالث عشر أئمة آل البيت، أي أنه يلي الإمام محمد المهدي المنتظر. فلينظر الناظرون، أين مكانة الأُمة بمدارسها ومعلميها من رأي مؤلف هذا الكتاب؟ نرى المتخرجين في مدارس الأستانة أكثرهم ماديون، ونرى مدارس مصر قريبة منها، ونرى بعض الناس يكتب في الصحف اليومية أن دين الإسلام قد تحجر من شدة الجمود فلا يقبله أهل هذا العصر بالصفة التي دُوِّن بها في الكتب، ثم نجد فينا من يرى أنه ينبغي لنا أن نعلمه من مثل هذا الكتاب، فماذا هذا الخلف العظيم؟