للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أخبار وآراء

(تعيين سعد باشا زغلول ناظرًا للمعارف)
رأى اللورد كرومر أن يعين هذا النابغة ناظرًا للمعارف العمومية فصدر الأمر
العالي بذلك، فاتفقت الجرائد الوطنية والأجنبية في البلاد على استحسان هذا التعيين
ووصف الناظر الجديد بالعرفان واستقلال الفكر وقوة الإرادة والاستقامة - وهي
صفات الكمال في الرجال - وكان ينبغي أن يتفقوا على شكر اللورد كرومر ولكن
الذين جعلوا من مذهبهم ذم المحتلين على كل عمل - وإن كان نافعًا في نفسه وفي
عرفهم - قد ذموا نية اللورد في هذا التعيين وما ذموا إلا النية التي اخترعوها له
وانتقل بعضهم بسبب الثناء على الناظر الجديد إلى القدح بسائر النظار تصريحًا أو
تلويحًا، وما كان ذلك من الذوق في شيء وقال أشدهم إسرافًا: إنه لا خير في هذا
التعيين إلا إذا جعل الناظر الجديد آمرًا والمستشار الإنكليزي مأمورًا! ولفظ
المستشار يمنع أن يكون مسماه عبدًا مأمورًا وإن لم يكن من دولة محتلة بقوتها في
بلاد أبسلها ضعفها وجهلها , فدعْ كلام المسرفين واشكر هذا العمل لإدارة المحتلين،
فالشكر مدعاة المزيد من الإحسان عند كل إنسان، ومما قيل وكتب ما يؤيده حتى
في جريدة (التيمس) أن في تعيين سعد باشا ناظرًا للمعارف قصدًا إلى ترقية حزب
المرحوم الشيخ محمد عبده الذي شهد له اللورد في تقريره بالاعتدال وقالت إحدى
الجرائد الأوربية: إذا كانت الأرواح تشعر بما يكون في الدنيا فإن روح الشيخ
محمد عبده مسرورة الآن بتعيين فلان ناظرًا للمعارف، وقد صدق صاحب القول
وسعد باشا جدير بخدمة المعارف وإسعاد أهل الاعتدال والاستقامة من مريدي أستاذه
وأستاذهم الإمام , جعله الله خير خلف له في عمله للبلاد وخدمته، واستقلاله
وحكمته.
* * *
(الجامع الأزهر - مشيخته وإدارته)
ذكرنا في الجزء الماضي ما كان بلغنا عن استقالة شيخ الأزهر وعزم الأمير
على تعيين الشيخ محمد شاكر وكيلاً للأزهر تمهيدًا لجعله أصيلاً وقد تحقق ذلك
ولكن استقالة شيخ الأزهر حُفظت وحمل على طلب إجازة ثلاثة أشهر، وعين
الشيخ محمد شاكر وكيلاً لمشيخة الأزهر فعظم ذلك على أهل الأزهر واستنكره
كبراء الشيوخ واستكبروا أن يكونوا مرءوسين له على حداثته في السن والعلم،
وانتهى الأمر إلى الحكومة أو إلى أولي الأمر فخاطبوا الأمير في ذلك وتقرر أن
الشيخ شاكرًا لا يكون شيخًا للأزهر ولا وكيلاً، وقد سمي الآن نائبًا، وقد زاد
الشغب والاضطراب في الأزهر أيام نيابته على إمداد الأمير إياه بنفوذه، ويتوقع أن
ينتهي هذا التلاعب في الأزهر بجعْله تحت مراقبة نظارة المعارف؛ إذ لا قرار إلا
مع السلطة الثابتة المنتظمة , ولعلنا نتكلم عن إصلاحه في جزء آخر.