للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الوقف وأصح ما ورد فيه وأشهر أحكامه [*]

روى الجماعة - أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث
عبد الله بن عمر: أن عمر أصاب أرضًا من أرض خيبر، فقال يا رسول الله:
أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ فقال
صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) فتصدق بها عمر
على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث، ولفظ الشيخين أنه لا يباع أصلها - زاد
مسلم ولا يبتاع - ولا يورث ولا يوهب: في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي
سبيل الله وابن السبيل والضيف؛ لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف
أو يطعم صديقًا غير متمول، وفي لفظ غير متأثل مالاً، وفي بعض روايات
الصحيح أن تلك الأرض يقال لها ثمغ وأنها نخل.
وذكر الحافظ في الفتح الروايات في وصية عمر، أن تكون بنته حفصة أم
المؤمنين هي التي تتولى أمر هذا الوقف بعده، ثم يكون بعدها إلى الأكابر من آل
عمر، وذكر من رواية عمر بن أبي شبة أنه اطلع على نسخة صدقة عمر قال:
أخذتها من كتابه الذي كان عند آل عمر فنسختها حرفًا حرفًا؛ هذا ما كتب عبد الله
عمر أمير المؤمين في ثمغ؛ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله،
فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها.
(قال الحافظ) : فذكر الشرط كله نحو الذي نقده في الحديث المرفوع، ثم
قال: والمائة وسق الذي أطعمني النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها مع ثمغ على
سننه الذي أمرت به، وإن شاء والي ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقًا يعملون فيه فعل،
وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم.
(وكذا أخرج أبو داود في روايته نحو هذا، وذكرا جميعًا كتابًا آخر نحو هذا
الكتاب وفيه من الزيادة: وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه صدقة كذلك. وهذا
يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته؛ لأن معيقيبًا كان كاتبه في زمن
خلافته، وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم باللفظ، وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب
حينئذ الكتاب. ويحتمل أن يكون أخر وقفيته، ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته
في كيفيته، وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن ابن شهاب قال:
قال عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها.
فهذا يشرع بالاحتمال الثاني، وأنه لم تجز الوقف إلا عند وصيته، واستدل الطحاوي
بقول عمر هذا لأبي حنيفة وزفر في أن إيقاف الأرض لا يمنع من الرجوع فيها،
وأن الذي منع من الرجوع؛ كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فكره أن يفارقه
على أمر ثم يخالفه إلى غيره. ولا حجة فيما ذكره من وجهين:
(أحدهما) أنه منقطع؛ لأن ابن شهاب لم يدرك عمر.
(ثانيهما) أنه يحتمل ما قدمته، ويحتمل أن يكون عمر كان يرى صحة
الوقف ولزومه، إلا إن شرط الواقف الرجوع فله أن يرجع. وقد روى الطحاوي
عن علي مثل ذلك، فلا حجة فيه لمن قال: بأن الوقف غير لازم مع إمكان هذا
الاحتمال، وإن ثبت هذا الاحتمال كان حجة لمن قال بصحة تعليق الوقف وهوعند
المالكية، وبه قال ابن سريج وقال: تعود منافعه بعد المدة المعينة إليه ثم إلى ورثته
فلو كان التعليق مآلاً صح اتفاقًا، كما لو قال: وقفته على زيد سنة ثم على الفقراء.
(قال الحافظ) : وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف: قال أحمد:
حدثنا حماد - هو ابن خالد - حدثنا عبد الله هو العمري - عن نافع عن ابن عمر
قال: أول صدقة - أي موقوفة - كانت في الإسلام صدقة عمر، وروى عمر بن
شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: سألنا عن أول حبس في الإسلام، فقال
المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي إسناده الواقدي [١] وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام
أراضي مخيريق - بالمعجمة مصغر - التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فوقفها النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة
المتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين. وجاء عن شريح أنه أنكر
الحبس ومنهم من تأوله، وقال أبو حنيفة: لا يلزم، وخالفه جميع أصحابه إلا زفر
ابن الهذيل، فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال: كان أبو يوسف يجيز بيع
الوقف، فبلغه حديث عمر هذا فقال: من سمع هذا من ابن عون؟ فحدثه به ابن
عُلية فقال: هذا لا يسع أحدًا خلافه، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به، فرجع عن بيع
الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد. ا. هـ، ومع حكاية الطحاوي هذا
فقد انتصر كعادته، فقال قوله في قصة عمر حبس الأصل وسبل الثمرة لا يستلزم
التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره لذلك، ولا يخفى ضعف هذا التأويل
ولا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأبيد، حتى يصرح بالشرط عند من ذهب إليه
وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السموات والأرض.
(قال القرطبي: رد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه، وأحسن ما
يعتذر به عمن رده ما قال أبو يوسف؛ فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيرهم وأشار
الشافعي: إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام؛ أي وقف الأراضي والعقار،
قال: ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهلية، وحقيقة الوقف شرعًا ورود صيغة
تقطع تصرف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به، وتثبت صرف
منفعته في جهة خير.
وفي حديث الباب من الفوائد؛ جواز ذكر الولد أباه باسمه المجرد من غير
كنية ولا لقب، وفيه جواز إسناد الوصية والنظر على الوقف للمرأة، وتقديمها على
من هو من أقرانها من الرجال. وفيه إسناد النظر إلى من لم يسم إذا وصف بصفة
معينة تميزه، وأن الواقف يلي النظر على وقفه إذا لم يسنده لغيره، قال الشافعي:
لم يزل العدد الكثير من الصحابة فمن بعدهم يلون أوقافهم، نقل ذلك الألوف عن
الألوف لا يختلفون فيه، وفيه استشارة أهل العلم والدين والفضل في طرق الخير،
سواء كانت دينية أو دنيوية، وأن المشير يشير بأحسن ما يظهر له في جميع
الأمور، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر لرغبته في امتثال قوله تعالى: {لَن تَنَالُوا البِرَّ
حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: ٩٢) ، وفيه فضل الصدقة الجارية،
وصحة شروط الواقف واتباعه فيها [٢] وأنه لا يشترط تعيين المصرف لفظًا، وفيه
أن الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به، فلا يصح وقف ما لا يدوم
الانتفاع به كالطعام.
(وفيه أنه لا يكفي في الوقف لفظ الصدقة؛ سواء قال تصدقت بكذا أو جعلته
صدقة حتى لا يضيف إليها شيئًا آخر؛ لتردد الصدقة بين أن تكون تمليك الرقبة أو
وقف المنفعة، فإذا أضاف إليهما ما يميز أحد المحتملين صح بخلاف ما لو قال:
وقفت أو حبست، فإنه صريح في ذلك على الراجح، وقيل الصريح الوقف خاصة
وفيه نظر؛ لثبوت التحبيس في قصة عمر هذه، نعم.. لو قال: تصدقت بكذا على
كذا، وذكر جهة عامة صح. وتمسك من أجاز الاكتفاء بقوله: تصدقت بكذا بما
وقع في حديث الباب من قوله، فتصدق بها عمر ولا حجة في ذلك لما قدمته من أنه
أضاف إليها لا تباع ولا توهب، ويحتمل أيضًا أن يكون قوله فتصدق بها عمر؛
راجعًا إلى الثمرة على حذف مضاف أي فتصدق بثمرتها، فليس فيه متعلق لمن
أثبت الوقف بلفظ الصدقة مجردًا، وبهذا الاحتمال الثاني جزم القرطبي. وفيه
جواز الوقف على الأغنياء؛ لأن ذوي القربى والضيف لم يقيد بالحاجة وهو الأصح
عند الشافعية.
وفيه أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف؛ لأن عمر
شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ولم يستثن إن كان هو الناظر أو
غيره، فدل على صحة الشرط، وإذا جاز في المبهم الذي تعينه العادة كان فيما
يعينه هو أجوز، ويستنبط منه صحة الوقف على النفس، وهو قول ابن أبي ليلى
وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه، وقال به من المالكية ابن شعبان وجمهورهم
على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئًا يسيرًا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته،
ومن الشافعية ابن سريج وطائفة وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ
البخاري جزءًا ضخمًا، واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة [٣] بحديث
أنس في أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، ووجه
الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق، وردها إليه بالشرط، وسيأتي البحث
فيه في النكاح، وبقصة عثمان الآتية بعد أبواب. واحتج المانعون بقوله في حديث
الباب: (سبل الثمرة) وتسبيل تملكيها للغير، والإنسان لا يتمكن من تمليك نفسه
لنفسه، وتُعُقِّبَ بأن امتناع ذلك غير مستحيل، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم
الفائدة، والفائدة في الوقف حاصلة؛ لأن استحقاقه إياه ملكًا غير استحقاقه إياه وقفًا؛
ولا سيما إذا ذكر له مالاً آخر، فإنه حكم آخر يستفاد من ذلك الوقف، واحتجوا
أيضًا بأن الذي يدل عليه حديث الباب أن عمر اشترط لناظر وقفه أن يأكل منه
بقدر عمالته؛ ولذلك منعه أن يتخذ لنفسه منه مالاً، فلو كان يؤخذ منه صحة الوقف
على النفس لم يمنعه من الاتخاذ، وكأنه اشترط لنفسه أمرًا لو سكت عنه لكان
يستحقه لقيامه. وهذا على أرجح قولي العلماء: إن الواقف إذا لم يشترط للناظر
قدر عمله جاز له أن يأخذ بقدر عمله , ولو اشترط الواقف لنفسه النظر
اشترط أجره، ففي صحة هذا الشرط عند الشافعية خلاف؛ كالهاشمي إذا
عمل في الزكاة، هل يأخذ سهم العاملين؟ والراجح الجواز ويؤيده حديث عثمان
الآتي بعد.
واستدل به على جواز الوقف على الوارث في مرض الموت، فإن زاد
عن الثلث رد، وإن خرج منه لزمه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن عمر
جعل النظر بعده لحفصة وهي ممن يرثه، وجعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه،
وتُعُقِّبَ بأن وقف عمر صدر منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي
أوصى به إنما هو شرط النظر.
واستدل به على أن الواقف إذا شرط للناظر شيئًا أخذه، وإن لم يشترط له
لم يجز إلا إن دخل في صفة أهل الوقف؛ كالفقراء والمساكين، فإن كان على
معينين ورضوا بذلك جاز.
واستدل به على أن تعليق الوقف لا يصح؛ لأن قوله: حبس الأصل
يناقض تأقيته، وعن مالك وابن سريج يصح، واستدل بقوله لا تباع على أن
الوقف لا يناقل به [٤] وعن أبي يوسف: إن شرط الواقف أنه إذا تعطلت منافعه بيع
وصرف ثمنه في غيره، ويوقف فيما سمي في الأول، وكذا إن شرط البيع إذا رأى
الحظ في نقله إلى موضع آخر، واستدل به على وقف المشاع؛ لأن المائة سهم
التي كانت لعمر بخيبر لم تكن منقسمة. وفيه أنه لا سراية في الأرض الموقوفة
بخلاف العتق، ولم ينقل أن الوقف سرى من حصة عمر إلى غيرها من باقي
الأرض، وحكى بعض المتأخرين عن بعض الشافعية أنه حكم فيه بالسراية وهو
شاذ منكر، واستدل به على أن خيبر فتحت عنوة، وسيأتي البحث فيه في كتاب
المغازي إن شاء الله تعالى اهـ، كلام الحافظ وفي بعض كلامه بحث.
وروى أحمد والشيخان وغيرهم من حديث أنس واللفظ للبخاري قال: لما
نزلت {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: ٩٢) ، جاء أبو
طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، يقول الله تعالى:
{لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: ٩٢) وإن أحب أموالي
بيرحاء؛ قال: وكانت حديقة كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يدخلها،
ويستظل فيها ويشرب من مائها، فهي إلى الله وإلى رسوله (صلى الله عليه وسلم،
أرجو بره وذخره، فضعها أي رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله: (بخ
يا أبا طلحة، ذلك مال رابح، قبلناه منك ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين)
فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه، قال: وكان منهم أُبي وحسان. قال:
وباع حسان حصته من معاوية. فقيل له تبيع صدقة أبي طلحة، فقال: لا أبيع
صاعًا من تمر بصاع من دراهم؟ قال: وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني
جديلة الذي بناه معاوية اهـ.
قال الحافظ في الفتح عند قوله: وباع حسان حصته.. إلخ: هذا يدل على أن
أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة، ولم يقفها عليهم؛ إذ لو وقفها لما ساغ لحسان أن
يبيعها، فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا
تخالف فيه الصدقة الوقف ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم؛ لما وقفها عليهم أن
من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها، وقد قال بجواز هذا الشرط بعض
العلماء كعلي وغيره والله أعلم اهـ.
وليعلم أن حسان بن ثابت وأبي بن كعب لم يكونا من ورثة أبي طلحة، بل
كان حسان يجتمع معه في الأب الثالث وأبي يجتمع معه في الأب السادس؛ كما
بينه البخاري نفسه في سياق نسبه في أول (باب إذا وقف أو أصى لأقاربه ومن
الأقارب) وذكر الحافظ في شرح هذه الترجمة من الفتح ما نصه:
قال الماوردي: تجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه من صغير وكبير
وعاقل ومجنون وموجود ومعدوم؛ إذا لم يكن وارثًا ولا قاتلاً والوقف منع بيع
الرقبة والتصدق بالمنفعة على وجه مخصوص. وقد اختلف العلماء في الأقارب
فقال أبوحنيفة: القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم، ولكن يبدأ بقرابة
الأب قبل الأم: وقال أبو يوسف ومحمد: من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو
أم من غير تفصيل، زاد زفر وتقدم من قرب منهم وهي رواية عن أبي حنيفة أيضًا.
وأقل من يدفع إليه ثلاثة، وعند محمد اثنان، وعند أبي يوسف واحد، ولا
يصرف للأغنياء عندهم إلا أن يشرط ذلك، وقالت الشافعية: القريب من اجتمع في
النسب، سواء قرب أم بعد، مسلمًا كان أو كافرًا، غنيًا كان أو فقيرًا، ذكرًا كان أو
أنثى، وارثًا أو غير وارث، محرمًا أو غير محرم. واختلفوا في الأصول والفروع
على وجهين، وقالوا: إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا، وقيل:
يقتصر على ثلاثة. وإن كانوا غير محصورين، فنقل الطحاوي الاتفاق على
البطلان وفيه نظر لأن عند الشافعية وجهًا بالجواز، ويصرف لثلاثة منهم ولا يجب
التسوية، وقال أحمد: في القرابة كالشافعي إلا أنه أخرج الكافر. وفي رواية عنه
القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه، وقال مالك:
يختص بالوصية سواء كان يرثه أو لا، ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطى الأغنياء،
وحديث الباب يدل لما قاله الشافعي سوى اشتراط ثلاثة، فظاهره الاكتفاء باثنين
اهـ.
***
شروط الواقف
المشهور على الألسنة أن شرط الواقف كنص الشارع، يجب العمل به،
وهذا باطل على إطلاقه كما تقدم في تعليقنا على عبارة الحافظ ابن حجر بحديث
عائشة المتفق عليه في الولاء، وأقوال الحنابلة في هذه المسألة أقوى مما خالفها،
فننقل هذا الفصل عن كتاب الفروع منها قال:
ويرجع إلى شرطه في تقديم وتسوية وجمع وضد ذلك، واعتبار وصف
وعدمه وعدم إيجاره أو قدر المدة، واختار شيخنا لزوم العمل بشرط مستحب خاصة
وذكره ظاهر المذهب؛ لأنه لا ينفعه ويعذر غيره، فبذل المال فيه سفه ولا يجوز،
وأيده الحارثي بنصه الآتي في شرط أجرة للناظر، وقال شيخنا: ومن قدر له
الواقف شيئًا فله أكثر إن استحقه بموجب الشرع، وقال: الشرط المكروه باطل اتفاقًا،
وقيل: لا يتعين طائفة وقف عليها مسجد أو مقبرة كالصلاة فيه، وفي الانتصار:
يحتمل أن عين من يصلي فيه من أهل الحديث أو يدرس العلم اختص إن سلم؛
فلأنه لا يقع التزاحم بإشاعته، ولو وقع فهو أفضل؛ لأن الجماعة يراد له، وقيل
يمنع تسوية بين فقهاء كمسابقة. قال شيخنا: قول الفقهاء (نصوصه كنصوص
الشارع) يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ
الموصي والحالف والناذر، وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم
بها، وافقت لغة العرب أو لغة الشارع أو لا، قال: ولا خلاف أن من وقف على
صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي ونحوه لم يصح، والخلاف في المباح
كما لو وقف على الأغنياء لا يخرج مثله هنا؛ لأنه يفعل لأنه مباح، ولا يجوز
اعتقاد غير المشروع مشروعًا وقربة وطاعة واتخاذه دينًا، والشروط إنما يلزم
الوفاء بها إذا لم يفضِ ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي، ولا يجوز المحافظة
على بعضها مع فوات المقصود بها، قال: ومن شرط في القربات أن يقدم فيها
الصنف المفضول، فقد شرط خلاف شرط الله كشرطه في الإمامة تقديم غير الأعلم،
فكيف إذا شرط أن يختص بالصنف المفضول.
والناظر منفذ لما شرطه الواقف، ليس له أن يبتدئ شروطًا، وإن شرط أن
لا ينزل فاسق وشرير ومتجوه ونحوه عمل به؛ وإلا يوجه أن لا يعتبر في فقهاء
ونحوهم، وفي إمام ومؤذن الخلاف، وظاهر كلامهم وكلام شيخنا في موضع،
وقال أيضًا: لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقًا؛ لأنه
يجب الإنكار عليه وعقوبته، فكيف ينزل وإن نزل مستحق تنزيلاً شرعيًّا، لم يجز
صرفه بلا موجب شرعي وإن حكم حاكم بمحضر الوقف فيه شروط، ثم ظهر
كتاب وقف غير ثابت وجب ثبوته والعمل به إن أمكن، وإن شرط للناظر إخراج
من شاء منهم وإدخال من شاء من غيرهم بطل؛ لمنافاته مقتضاه لا قوله: يعطي
من شاء منهم ويمنع من شاء؛ لتعليقه استحقاقه بصفة ذكره الشيخ [٥] وقال الحارثي:
الفرق لا يتجه، وقال شيخنا كل متصرف بولاية إذا قيل ما شاء يفعل، فإنما هو
لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه وما يراه مطلقًا، فشرط باطل
لمخالفته الشرع، وغايته أن يكون شرطًا مباحًا، وهو باطل على الصحيح المشهور،
حتى لو تساوى فعلان عمل بالقرعة، وإذا قيل هنا بالتخيير فله وجه، قال وعلى
الناظر بيان المصلحة، فيعمل بما ظهر، ومع الاشتباه إن كان عالمًا عادلاً يسوغ له
اجتهاده، قال: ولا أعلم خلافًا أن من قسَّم شيئًا يلزمه أن يتحرى العدل، ويتبع ما
هو أرضى لله ورسوله استفاد القسمة بولاية كإمام وحاكم أو بعقد كالناظر والوصي
ويتعين مصرفه نقله الجماعة، وقيل: إن سبَّل ماء للشرب جاز الوضوء به،
فيشرب ماء للوضوء يتوجه عليه وأولى اهـ المراد منه.
((يتبع بمقال تالٍ))