تدور التربية النفسية على قطبي الترغيب والترهيب؛ إذ هي عبارة عن الحث على الفضائل والكمالات والتنفير عن الرذائل والنقائص، فالترغيب يحدث الرجاء والأمل بالمثوبة وحسن الجزاء على العمل الصالح، والترهيب يورث الخوف والرهبة من العقوبة. ووقوع البلاء على العمل القبيح. والخوف والرجاء هما الجناحان اللذان يطير بهما المؤمن في جو السعادة الدنيوية حتى ينتهي إلى مقعد الصدق في جوار الحق. الترغيب حليف اللين، والرأفة والترهيب قرين الشدة والغلظة، ولكل من الأمرين موضع يليق به ووقت لا يصلح فيه سواه. ووضع الندى في موضع السيف في العلى مضر كوضع السيف في موضع الندى وقد بحث علماء التهذيب في مسألة تغليب الخوف على الرجاء وعكسه وليس هذا موضع بيان ذلك، وإنما نقول هنا: إن تربية الأطفال يُختار فيها اللين على القسوة ويغلب الترغيب على الترهيب. خلافًا لجماهير الشرقيين الذين لا يفهمون من تربية الطفل إلا شفاء الغيظ بنهره وسبه وإهانته وضربه كلما عمل عملاً لا يرضى به أبواه أو أستاذه أو غيرهما من الأولياء والقُوَّام. وجدير بمن يسلك هذا المسلك في تربية أولاده أن يعتقد أن التربية لا تنفع ولكن قد تضر؛ لأن هذه المعاملة - معاملة الغلظة والإهانة - تُفسد الأخلاق وتسيء الأعمال. ولا أذم هذا لأنني أستحسن ما يقابله عند الأغنياء والمترفين من قومنا الذين يرخون لأولادهم العنان ويتركونهم لطبيعتهم يتمتعون بأهوائهم ويسمونهم (مدلَّلين) . كلا، إن هذا شر من ذاك وليس هو مرادنا باللين الممدوح. وكيف نجعل هذا الإهمال من التربية والعامة أنفسهم لا يسمونه تربية، أمَا تسمعهم يقولون: (فلان مدلل لم يتربَّ) ! وهذا القول صحيح وإن كان مبنيًّا على فاسد وهو أن التربية هي الإهانة والغلظة في المعاملة كما علمت تفريط وإفراط، والحق في الاعتدال وهو المطلوب في كل حال. أما مضرة الغلظة والخشونة وآثارهما فهي من وجوه كثيرة، وإننا نمثل لك بعضها تمثيلاً. إذا كنت تهين ولدك وتشتمه عند صدور الذنب منه لأجل أن يكف عنه ولا يعود إليه - فلا شك أنك تطبع في نفسه بذلك رذائل كثيرة تتولد منها ذنوب لا تُحصى، كل واحد منها ربما تزيد مضرته على مضرة الذنب الذي كان سبب الإهانة، وإذا كان الذنب الذي أُهين من أجله مما يتولد من تلك الرذائل فيزداد رسوخًا ويقوي الملكة؛ لأن الأعمال حسنها وقبيحها تطبع الملكات في النفوس، وقلما تكون الإهانة - لا سيما القولية - سببًا لترك الذنب وكثيرًا ما تكون مغرية به وباعثة للإصرار عليه. وإنما يحال بين الوليد وبين الأفعال الذميمة التي يكون معرضًا لاقترافها بقطع أسبابها عليه، من حيث لا يدري كما سنوضحه فيما بعد.