للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

(احتفال الجمعية الخيرية الإسلامية)
المواسم على ضربين دينية ووضعية فالدينية يجب أن يوقف بها عند حدود
الدين فمن زاد موسمًا في الدين , وجعله شعيرة من شعائره فقد زاد في الدين ,
والزيادة فيه كالنقص منه جناية عليه لا يقدم عليها عامدًا من يعتقد أن الدين من الله
تعالى المحيط علمه بكل شيء وكل مصلحة لا سيما إذا كان كتاب ذلك الدين ينادي
بلسان عربي مبين {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: ٣) .
وأما الوضعية فللبشر أن يضعوا من ذلك ما يرونه نافعًا لهم في دنياهم بقدر
الحاجة بشرط أن لا يجعلوا لها صبغة دينية لئلا تكون مصالحهم الدنيوية جانية على
دينهم , ولهذا نعجب من كثرة المواسم الدينية التي زادها المسلمون في دينهم (راجع
باب البدع) وعدم المواسم الوضعية التي تمس حاجتهم إليها , وقد أحسنت الجمعية
الإسلامية بإقامة احتفال سنوي في حديقة الأزبكية صار كموسم وضعي مدني لأهل
القاهرة يحضره الجماهير من جميع الطبقات من الأسرة المالكة إلى آحاد السوقة
والصنّاع , بل إن الجناب العالي الخديوي أعزه الله تعالى يشرفه بحضوره. فيا له
من موسم يجمع مظاهر السرور والابتهاج , ويجليها للناس في مقابل قليل من المال
يبذله الناس بطيب نفس لأن لهم فيه لذتين لذة حسية ولذة معنوية , وهي معرفتهم
بأن هذا المال يصرف في أفضل ما يجب صرف المال له , وهو إعانة فقراء المسلمين
وتربية أولادهم وأيتامهم , وتعليمهم ما يستعينون به على صلاح دينهم ودنياهم.
وسيكون احتفال هذه السنة في آخر ليلة من شعبان فنحث الجميع على الإقبال
عليه إعانة لهذه الجمعية الشريفة.
***
(أهم أخبار جزيرة العرب)
إن الأمير عبد الرحمن الفيصل اغتنم فرصة كون الأمير عبد العزيز الرشيد بن
متعب اغتصب إمارة نجد بقتله الأمير عبد الله الرشيد أميرها السابق منذ نحو سنتين
وغير مرضيّ عنه , فتحالف مع أمير الكويت وأخيه أمير البحرين وأمراء عنزه ,
وطي على استرجاع إمارة نجد التي غصبها آل الرشيد من آل فيصل فاجتمع من
هؤلاء نحو أربعين ألفًا ما بين فارس وهجان , وزحفوا على بلاد نجد , فتثاقل
الأمير عبد العزيز عن ملاقاتهم لعلمه بأن قومه ناقمون عليه , وتحصن في بلدة حائل
التي هي قاعدة الإمارة، وجمع نحو ثلاثين ألفًا معتمدًا على جودة أسلحته فإن عنده
بطاريتين من المدافع كان أهداهما إلى الأمير محمد الرشيد السلطان عبد العزيز
وكثيرًا من بنادق مرتين. وقد علمنا أن الزاحفين أوغلوا في البلاد فقطعوا نحو
ثلاث عشرة مرحلة لم يلقوا فيها إلا يسيرًا من المناوشات , واستولوا على مدينة
الرياض التي كانت قاعدة الإمارة على عهد آل فيصل , ويرجح العارفون بأحوال
البلاد وأهلها أن الأمر ينتهي بسقوط إمارة آل الرشيد ورجوع الإمارة إلى آل فيصل.
ويرون أن هذا أصلح للبلاد أيضًا لأن الأمير عبد الرحمن فيصل هذا من أعلم
أمراء الجزيرة , فهو واقف على عقيدته على مذهب السلف , عارف بالمذهب
الحنبلي , مطلع في الحديث والأدب , بصير بأحوال الزمان , خبير بالسياسة فإنه
سبقت له سياحات طويلة في العراق والأستانة العلية والهند , وكانت إقامته منذ
بضع سنين في البصرة تارة وفي الكويت أخرى , وكان له راتب من الحضرة
السلطانية قدره ٦٥ ليرة عثمانية في الشهر , ومقدار من الأرز والتمر يعطى من
ريع الأراضي السنية في ولاية البصرة كما أن لإمارة نجد مرتبًا من الأرز والتمر
يصرف لها في كل سنة.
أما أهالي إمارة نجد فمجموعهم يبلغ نحو المليونين التابع منهم لابن الرشيد
نحو مليون ونصف , والباقي تابع للإمارات المحاربة من آل فيصل وآل صباح ,
ومن فضائل أهل نجد أنه لا يوجد فيهم أحد جاهل بدينه. ولهم مشاركة في الآداب
حتى إن الراعي والأجير يحفظ نصف ديوان المتنبي على الأقل.