للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قضية البرنس أحمد سيف الدين بك

أحصت الجرائد اليومية جزئيات هذه الحادثة من يوم وقعت إلى يوم حكم فيها
حتى جاءت بالذرة وأذن الجرَّة، ولا يصدف هذا بجريدة أسبوعية كالمنار أن
تطرف قراءها، خصوصًا الذين لا يطَّلعون على الجرائد اليومية، بمجمل من
خبر المحاكمة، مع الملاحظة عليها بعد ما أخبرناهم بمجمل الواقعة من قبل،
وإنا موردون في ذلك سبع جمل:
(١) أن هذه أول دعوى وقعت في القطر، سِيقَ فيها أحد عائلة الإمارة، بل
أسرة الملك إلى المحكمة، وأوقف فيها في موقف المجرمين، وحُكم عليه بالعقوبة،
وكان من شهودها الوزراء: كعباني باشا ناظر الحربية، ومظلوم باشا ناظر المالية،
ويعقوب أرتين باشا وكيل نظارة المعارف.
(٢) أن انتظام أمر المحاكم تحقيقًا وتدقيقًا وضبطًا وعدالة أطلق الألسنة
بالثناء واللُّغي المختلفة على حضرة القاضي الفاضل صاحب العزة أحمد فتحي بك
زغلول رئيس محكمة مصر الأهلية وافتخر به المصريون بحق واحتجوا به على
أنهم قادرون على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وبمثل سعادته تنهض لهم الحجة، ولولا
ضيق المجال لأسهبنا بما شاهدناه كما أسهبت الجرائد اليومية ولكننا نكتفي بتصديقها
بما حكت وأثنت.
(٣) حكمت المحكمة على المتهم بثبوت تهمة الشروع في قتل دولة البرنس
فؤاد باشا وبسجنه سبع سنين تحسب منها مدة الحبس الاحتياطي وبتعويض للمجني
عليه قدره ١٨٤٥جنيهًا إفرنكيًّا وذلك قيمة ما صرفه البرنس فؤاد على الأطباء
والأدوية فقط وبإلزامه بالمصاريف ورفضت طلب الحجر عليه.
(٤) قد استأنف المحكوم عليه الحكم ولم تستأنف النيابة العمومية.
(٥) قد أهين المتهم بالدفاع عنه حيث رمي بالعته وضعف العقل وبالحكم
عليه حيث ذكر الرئيس في تعليلات الحكم وحيثياته أن الذي دفع به إلى الجناية عدم
التربية الصحيحة، وهاك عبارة الرئيس في ذلك: (وحيث إن سيرة المتهم منذ
صغره لا تدل على أنه تربى كما يليق بشأنه، وقد تيتم قبل أن تتمكن منه صفات
الرجال ووجد نفسه ذا ثروة واسعة مطلق السراح ولم يكن له من معاشريه ومخالطيه
من يطلب له السعادة بإهداء رشيد النصح وتمثيل الفضائل له بما يحرضه على
اعتناقها، فمال طبعًا إلى ما يميل إليه من خلص من كل القيود وكان له مكانته
الاجتماعية نصيرًا على عدم التصادم بجزئيات الحوادث كل يوم) .
(٦) إن هذه الحادثة قد كشفت الستار عن كثير من الشؤون الداخلية لهذه
العائلة العظيمة القدر، تمس مقام غير أمير وأميرة منها، وترميهم بالطمع الشائن
مع واسع ثروتهم، وما سبب ذلك إلا التربية الإفرنجية الخاسرة.
دع ذكر المبالغ العظيمة التي طلبتها دولة الأميرة (البرنسس) نازلي هانم من
المتهم لإنقاذه، وذكر المعاملة القاسية التي كان يعامل بها دولة فؤاد باشا قرينته
الأميرة شويكارهانم لأجل توكيله على أمور مالية، حتى كان من تبرمها وشكواها
لأخيها سيف الدين بك ما حركه على الانتقام منه، كما شكت لعمها صاحب الدولة
أحمد كمال باشا ولغيره.
(٧) كان من شؤم هذه الحادثة أن طلق البرنس فؤاد باشا قرينته المشار إليها
فأسقط في يدها وأرسلت له الكتب تستعطفه وتعتذر له، وقد احتج في المحاكمة
بكتبها له، كما احتج بكتبها لدولة عمها وعمتها وأخويها وغيرهم، حيث كانت تشكو
منه، وإننا نكتفي من كتبها بنشر هذا الرقيم الاعتذاري تفكهة للقراء وهو:
عزيزي فؤاد ...
أكتب لك هذا وأنا باكية، وقلبي ألف قطعة، بل وأنا في حالة الجنون ولا
أصدق أن فؤادي لا يريدني؛ لأني عالمة أنك تحبني شديد الحب. نعم، أنا أعترف
بأني مخطئة فيما كنت أقول من الأقوال الفارغة، ولكن أنت تعلم أنني عصبية، فأنا
أقبل قدميك وأستحلفك بأمك وبقبر والدك كي تسامحني.
فإن لم يكن صفحك نظرًا لخاطري فنظرًا لخاطر بنتنا (وكيجه) وللجنين الذي
سيولد بعد سبعة أشهر. إنني سأعتبر نفسي جارية لك، كأنك اشتريتني بالمال من
عند الياسرجي، وأكون مطيعة لأوامرك، ولا أحسب نفسي مطلقًا أنني من عائلة
(أحمد) المتهم - وهل تظن أيها العزيز أني قادرة على تحريض أحمد-هذا الأهبل -
أن يفعل أمرًا شنيعًا كالذي فعل. هل أحرضه على أن يقتل زوجي والد وَلَدَىَّ.
إنني أقسم لك بأن مثل هذا الأمر ما خطر بفكري قط. ارحمني يا فؤادي، اشفق
عليَّ وسامح جاريتك؛ إذ لا يمكنني أن أعيش دونك، إن غاية ما كنت أتمناه لك من
صميم فؤادي الصحة ولله الحمد قد رجعت لحبيبي فؤاد. والآن أقبّل قدميك وأبقى
في ظلك واسمح لي فقط باللقاء ولو مرة واحدة وأموت بعدها.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (شويكار)