للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار
***
حرمة الرضاع
(س ١٧) من محمد فؤاد أفندي عثمان في عطبرة (السودان) وبعد، أدام الله
فضلكم فما قولكم فيمن رضع من امرأة على أكبر أولادها، فهل اللاتي أتين بعد
الرضاع ببعض سنين حرام عليه؟ أفتوني في أمري هذا ولكم من الله الأجر
والثواب.
(ج) نعم يحرمن عليه، فإن من أرضعته وهو في سن الرضاع صارت أمه
فكل أولادها إخوته من تقدم ومن تأخر، وأولاد أولادها أولاد إخوته، وهم كإخوة
النسب في التحريم.
(س ١٨ - ٢٠) من صاحب الإمضاء في الشرقية:
سيدي العلامة المفضال السيد الرشيد
سلام عليك ورحمة الله. وبعد فأرجو التكرم بالإجابة على المسائل الآتية على
صفحات منار الإسلام ولك الفضل والشكر وهي:
(١) ما رأيكم فيما زعمه العلامة ابن تيمية في رسالته العقيدة الحموية من
أن الله فوق العرش، وما رأيكم في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي استدل
بها على ذلك نرجو الجواب بإسهاب.
(٢) ما رأيكم أيضا فيما زعمه إبراهيم أفندي علي في كتابه (أسرار
الشريعة الإسلامية) من أن علماء السنة قالوا بأن الروح توازن أوقية.
(٣) ما هي فائدة الطب والدواء إذا كان لكل أجل كتاب.
هذا واقبلوا فائق تحياتنا
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أبو هاشم قريط
***
صفات الله وتنزيهه
ومذهب السلف في ذلك
أما الجواب عن السؤال الأول فرأينا وقولنا واعتقادنا هو ما كان عليه سلفنا
الصالح من وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه
وسلم، وإنما أَوَّلَ أكثر الخلف الآيات والأحاديث في مثل هذه المسألة هربًا من
لوازمها التي هي لوازم الأجسام فقالوا: إذا قلنا: إنه تعالى مستوٍ على العرش، أو
فوق عباده أو في السماء كما ورد، لزم من ذلك أنه جسم محدود له طول وعرض،
وأنه متحيز تحصره الجهات، وكل هذا محال على الله تعالى بالبرهان العقلي. وظنوا
أن وصفه بالعلم والإرادة والقدرة وغيرها من صفات المعاني التي يذكرونها في
كتبهم الكلامية لا يستلزم شيئًا من لوازم المخلوقات. والصواب أن جميع الألفاظ
التي يوصف بها الخالق عز وجل قد وضعت للمخلوقات وعقيدة التنزيه تنفي
مشابهته تعالى لشيء من خلقه، فالمسلم المؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه
وسلم هو الذي يجمع بين آيات التنزيه وآيات الصفات فيؤمن بالمعنى الشريف الذي
وصف الله به نفسه وبالآيات التي نزه بها نفسه عن مشابهة خلقه. قال تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: ١١) وكل من لفظ السميع
والبصير قد وُضع لمعنى له مثل، فنقول: إنه سميع بصير ولكن سمعه وبصره
ليس كسمع أحدنا وبصره، بل هو أعلى من ذلك كما يليق بكمال ربنا وتنزيهه وقال
تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُواًّ كَبِيراً} (الإسراء: ٤٣) فكلمة
(سبحانه) تدل على التنزيه، وكلمة (علوًّا) يلزم منها التشبيه، فنؤمن بكل منهما
على أن التنزيه، ينفي اللازم لكلمة التشبيه، فنقول: إن علوه تعالى ليس كعلو
سقف البيت على أرضه، بل هو علوّ يليق بكمال ربنا وتنزيهه، ولو لم يطلق عليه
سبحانه الكلم الذي استعمله الناس الذين بعث الله رسله لهدايتهم لما أمكن التعبير عن
مقام الألوهية بشيء، إذ لا يخاطب الرسل الناس إلا بما يعرفون، ولهذا ذهب
بعض المدققين كالغزالي إلى أن لفظ القدرة إذا أطلق على صفة الله تعالى التي بها
يوجد ويعدم يكون استعارة إذ لا يوجد في اللغة كلمة تدل على كنه تلك الصفة؛ لأنه
معنى لم تلمحه عين أحد من واضعي اللغات فيضعوا له لفظًا يدل على كنهه. ومثل
هذا يقال في جميع صفات الله تعالى. فعليك بعقيدة السلف، ولا يصدنك عنها
شقشقة مقلدة الخلف، وإن غالى بعضهم فتجرأ على تكفير كل مؤمن بالقرآن،
ويدعي أنه ينصر بذلك الإسلام ويقيم دعائم الإيمان، الذي اعتمد فيه على نظريات
فلسفة اليونان، على أنه يذكر اسم الجلالة فيقرنه بكلمة (تعالى) وهي من الكلمات
الموهمة فما له يجيز بعض هذا الكلم ويحرم بعضه بالهوى؟
***
وزن الروح
وأما الجواب عن الثاني فهو أنني لم أقف على نص في الكتاب أو السنة يثبت
وزن الروح وزنتها. وما كل قول يوجد في كتب طائفة كأهل السنة أو الشيعة يكون
عقيدة لتلك الطائفة. فللعلماء أقوال وآراء كثيرة يناقض بعضها بعضا كما ترون في
كتاب الروح للعلامة ابن القيم. وأن بعض ما ينسب منها لبعض أئمة الأشاعرة ما
لو قال به بعض المسلمين اليوم لعده جماهير علماء الأزهر وغيرهم كافرا كقول
القاضي أبي بكر الباقلاني: إن الروح عرض من أعراض الجسد، وهو عين ما
يقوله الماديون اليوم وقبل اليوم. فعليك ألا تلتفت إلى الأقوال التي لا تقرن بدليل
يؤيدها، ولا تبالي أيًّا كان القائل لها.
***
لكل أجل كتاب. يدخل في عمومه معالجة الداء بالدواء
ترون في الجرائد آنًا بعد آنٍ أن الأطباء يقدرون زمنًا معينًا لشفاء المرضى
والجرحى وتأخذ المحاكم بتقديرهم في القضايا التي تتعلق بذلك. وهذا التقدير يكون
في الأكثر مبنيًّا على المعالجة والتداوي. وهم يضعون مثل هذه التقديرات لموت
المرضى والجرحى كما يضعونها لشفاء من يحسبون أنه يُشفى. يقولون مثلاً: إن
هذا المرض أو الجرح إذا عولج معالجة قانونية يُشفى بعد شهر أو يموت صاحبه
بعد شهر، وإذا لم يعالج يُشفى بعد ثلاثة أشهر أو يموت صاحبه بعد أسبوع.
فالتقدير يختلف باختلاف أحوال المرضى وباختلاف معالجتهم، وقد يكتبون تقديرهم
ويعينون فيه أجل الشفاء وأجل الموت. وهذا مثال تفهم منه تقدير الله تعالى وكتابته
للآجال مع التفرقة البديهية بين تقديره وكتابته وتقدير عبيده الأطباء وكتابتهم. فهم
لعدم إحاطة علمهم وعدم عموم قدرتهم يبنون على الظن ويخطئون في التقدير
والكتابة، والله تعالى بكل شيء محيط علمًا وقدرة فلا يخطئ ألبتة. فتقديره - أي
جعله كل شيء بمقدر يليق به - لا يختل نظامه، ولا يمكن أن يكون التداوي
خارجًا من تقديره ولا أن يكون المتداوي وغير المتداوي في علمه سواء، فإن علمه
مطابق للواقع، وهو الذي خلق الدواء لإزالة المرض وجعل لكل شيء قَدْرًا.
***
نقل الجنازة
(س٢١) من ع. س في سنغافورا
ما يقول الأستاذ وفقه الله وأدام عُلاه، في حمل الجنائز حيث بعدت المسافة
فإنها في هذه البلدة تكون غالبًا بين ثلاثة وخمسة أميال إنكليزية، هل الأفضل فيه أن
يكون على الأعناق كما هي العادة في جميع الأقطار حتى عند اليهود والوثنيين
وتكون تلك الهيئة مما تعبدنا الله به فتتحتم أم نحكم بفضلها مطلقًا فتندب، وإن كان
الحاملون لها مأجورين أم نقول: هي متحتمة أو مندوبة في غير أوقات الضرورة.
أم يكون الأفضل الآن، لتغير الفتوى واختلافها بحسب الأحوال، حملها على
عربة مخصوصة تجرها الخيل أو ترام أو ترل، وقد قال بهذا بعض طلبة العلم هنا
وعمل به الفقراء، ووقف بعض محبي الخير عربة جميلة عملها لذلك مخالفة لما
يستعمله النصارى واحتج بقوله: إن الميت يُحترم ميتًا كما يُحترم حيًّا، وحمله
مسافة بعيدة على الأعناق يعزر به وشاق عليه لو كان حيًّا مع وجود العربات
الجميلة ولو كان مريضا وحاولوا أخذه على الأعناق لاستغاث بالحكومة، وقد كان
الحمل على الأعناق قبل تعبيد الطرق واختراع جميل العربات خيرًا من الحمل على
نحو الجمال. ولا يعترض على هذا بما يعتاد الآن من حمل من يعظمونه في بعض
الحفلات على الأعناق فإن ذلك شبه الزفاف وقت نشوة الفرح ولا يناسب حزن
الموت وهيبته. نعم لو جر العربة الرجال بهيئة غير مزرية وكان ذلك للتعظيم
لمكاانة مخصوصة للميت لم يبعد أن يكون حسنًا فهل ما قاله هذا مما له قيمة أم لا.
وإذا فرضنا أن أجرة نقل الميت على الأعناق تستغرق عشرين ريالاً، ونقله على
العربة لا يستغرق إلى ريالاً واحدًا مثلاً وترك أيتامًا ولم يعين في وصيته صفة
نقله، فهل للوصي حينئذ أن ينقله على الأعناق أم يتعين عليه نقله في العربة؟
أفيدونا ولكم الأجر والثواب.
(ج) لم يرِد في الكتاب ولا السنة نص في وجوب حمل الجنازة ولا في
ندبه كما وردت الأحاديث في الصلاة عليها وفي التكفين والتحنيط والدفن، نعم إنهم
كانوا يحملونها عملاً بالعادة المتبعة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال (أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك
فشر تضعونه عن رقابكم) رواه الشيخان وأصحاب السنن. والجمهور على أن
الأمر هنا للاستحباب، وقال ابن حزم: بل هو للوجوب على الأصل فيه.
وورد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسرعون بالجنازة، فالإسراع بها
سنة عملية ثابتة بالنص والعمل جميعًا، ومع هذا عدها الجمهور مستحبة ولم
يحرموا تركها، بل لا أذكر أنني شيَّعْت جنازة مع علماء مصر إلا وكان السير بها
دون السير المعتاد. وكثيرًا ما تُحمل جنازة بعض الوزراء وأمراء العسكرية على
عربة مدفع ويشيعها العلماء من جميع المذاهب ولا ينكر أحد منهم ذلك عند التشييع
ولا بعده.
ولست أعني أن سكوت هؤلاء العلماء عن إنكار شيء حجة على مشروعيته،
وإنما أعني أنهم لا يفهمون من أمر حمل الجنازة على الأعناق إلا أنه عادة، فإذا
تعسر العمل بهذه العادة وكان فيه مشقة أو نفقة فلا بأس بالعدول عنه ولا سيما إذا
كانت النفقة في مال اليتامى.
ومن فوائد العدول الإسراع المأمور به في السنة، ويمكن الجمع بين الأمرين
بنقل الجنازة على العربة إلى المقبرة، أو قربها وحملها هنالك إلى القبر، وإذا لم
يكن هنالك مشقة بأن كانت المقبرة قريبة، فالأولى أو الأفضل أن لا تترك عادة
السلف الصالح بشبهة إكرام الميت. وينبغي في حال العدول اتقاء التشبه بأهل
الأديان الأخرى.
***
عدد من تصح بهم صلاة الجمعة
(س٢٢) من صاحب الإمضاء بمكة المكرمة
ما قولكم دام فضلكم في قرية لم يبلغ أهلها أربعين رجلاً بل كانوا اثني عشر
مثلاً، وهم يصلون الجمعة تقليدًا على قول من يجوِّز إقامة الجمعة بأقل من أربعين
هل يصلون الظهر بعدها أم لا؟ فإن قلتم: نعم. فهل هو سنة أو حسنة أو جائز؟
فما قولكم في فتوى عالم من علماء الحجاز هو أن صلاة الظهر بعد الجمعة حسنة
احتياطُا. فهل هذه الفتوى صحيحة أم لا؟ وما معنى الاحتياط؟ أفيدونا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... سلام من السائل
... ... ... ... ... ... ... ... ... حاج داود الرشيدي
... ... ... ... ... ... ... ... ... من مشتركي المنار
(ج) : ثبت أن الصحابة لما انفضوا إلى التجارة وتركوا النبي صلى
الله عليه وسلم قائمًا يخطب يوم الجمعة، كان الذين بقوا في المسجد اثني عشر رجلاً
فصلى بهم الجمعة، وهذه الحادثة هي التي نزلت فيها الآية التي في آخر سورة
الجمعة , والحديث رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، فهو حجة على صحة
صلاة الجمعة باثني عشر وعلى بطلان اشتراط ما زاد على ذلك دون بطلان ما
نقص عنه؛ لأن وقائع الأعيان لا تفيد العموم، والصفات والأحوال التي يتفق كون
النبي صلى الله عليه وسلم عليها عند عمل ما، لا تفيد أنها شرط لصحة ذلك
العمل.
والظاهر المتبادر أن الجمعة كالجماعة لا بد فيها من الاجتماع ولا دليل على
تحديد أقله. ومن صلاها معتقدًا عدم صحتها كان متلبسًا بعبادة فاسدة في اعتقاده
وذلك معصية، وأما إذا صلاها معتقدًا صحتها بالدليل وبالثقة بقول من قال: تصح
باثنين أو ثلاثة كأهل الظاهر وفقهاء الحنفية حرُم عليه أن يصلي الظهر بعدها؛
لأنه عبادة لم يأذن بها الله تعالى، إذ لم يشرع لنا أن نصلي فريضة في وقت واحد
مرتين إلا إذا صلى أحدنا منفردًا، ثم أقيمت الجماعة فإنه يسن له أن يعيد معهم
وتكون له نافلة كما ثبت في الحديث الصحيح عند أبي داود والترمذي والنسائي،
والزيادة في الدين كالنقص منه، ولو وجب على المسلم أن يعيد كل صلاة أداها
مخالفًا بعض الفقهاء فيما اشترطوه في الصلاة لوجب عليه أن يعيد كل صلاة , ولا
معنى للاحتياط في مثل هذا.
***
البيع بالغبن الفاحش
بسم الله العلي الحكيم، ما قول أئمة الدين القويم حفظهم الله تعالى وألهمهم
الصواب في شخص ذي إلمام بمعرفة الأحجار النفيسة فتحصل على قطعة ثمينة،
ولم يكن ساعتئذ عنده ثمنها ولم يسعه تركها فأتى أحد التجار غير تجار الجواهر
وقال له: أقرضني قيمتها وأرسلها إلي وكيلك في محل كذا وأنا أحولها لوكيلي
يستلمها ويسلم حقك لوكيلك. فأجابه التاجر بنعم إن جعلت لي فيها حصة فقال
صاحبها: نعم. وتراضيا على شيء معلوم فدفع له المبلغ. ثم بعد أيام أتى صاحب
الجوهرة للتاجر، وقال له بعني حصتك بمنعفة، كذا فلما سمع التاجر الذي ليس له
إلمام بمعرفة الأحجار ذلك رأى أن النفع في جانب الثمن شيء عظيم فباعه حصته،
فلما وصلت الجوهرة إلى وكيل التاجر وهو المقرض للدراهم صادف غياب وكيل
صاحب الجوهرة فعرضها أي وكيل المقرض على العارفين بالجوهر فتعاظم الثمن.
فهل للتاجر أن يطالب فيما زاد مع إيجاد القرائن والغبن الفادح أم البيع تام وليس له
إلا دراهمه المفروضة وفائدة قسمه الذي استويا عليه، أي ثمن حصته التي باعها؟
والحالة هذه بينوا بيانًا كافيًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ج) : الغَبْن الفاحش مع التغرير محرَّم وللمغبون الخيار في فسخ البيع كما
هو معلوم، فإن أمضاه نفذ ولكن في واقعة الحال مبهمات غير ظاهرة، ذلك أن
مقترض المال وعد المقرض بأن يجعل له حصة معينة ولكن ليس في السؤال أنه
اشترى الجوهرة شركة بينهما على نسبة تلك الحصة. وقال: إنه اشترى حصته
وهو لا يملك الحصة بالوعد ولم يملكها بعقد البيع فيما يظهر من السؤال حتى يكون
بيعه لها صحيحًا، وقد ورد النهي عن بيع ما يشتريه الإنسان قبل أن يقبضه.
فكان ينبغي أن يبين كل ذلك في السؤال. والأولى على كل حال أن يتصالح
الفريقان بينهما فيزيد المقترض الذي أخذ الجوهرة شيئًا من المال لمن وعده بحصة
ثم اشتراها منه ليخرج من تبعة الفحش، والله الموفق.