للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

أسئلة من صاحب الإمضاء في بيروت
(س٥٧-٦٠)
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدًا لله العلي العظيم، وصلاة وسلامًا على رسوله الكريم:
حضرة العالم العلامة والمدقق الفهامة الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا صاحب
مجلة المنار الغرَّاء حفظه الله تعالى وأدامه نصرًا للدين وخذلانًا لأعدائه الملحدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فألتمس من فضيلتكم أن تتكرموا
بالجواب على ما يأتي في مجلة المنار الغراء ولكم جزيل الشكر.
س١: هل يجوز دفع زكاة المال أو زكاة الفطر لجمعية خيرية إسلامية تنفق
ذلك على بناء المستشفيات، وعمارة المساجد وفتح المدارس، وشراء أطعمة وألبسة
وكتب وغيرها لأولاد فقراء المسلمين أم لا؟
س٢: رجل أوصى قبل وفاته بأن يُصرف على تجهيزه، وختمته، وأسبوعه
وأربعينه، أربعين ليرة عثمانية ذهبًا، والعادة عندنا في بيروت أن في اليوم الثالث من
الوفاة يسمونه ختمًا، واليوم السابع، والأربعين منها تولم الولائم، ويدعى إليها الفقراء
وغيرهم صدقة عن الميت برضا الورثة، فهل تُنفذ وصية هذا الرجل بعد وفاته أم
لا؟ وما هي النصوص التي تعتمدون عليها في الجواب؟
س٣: إن كثيرًا من شبان هذا العصر الذين تعلموا بمدارس أجنبية، إن
أمرتهم بإقامة الشعائر الدينية كالصلاة وغيرها أو نهيتهم عن منكر يفعلونه، ردوا
على آمرهم وناهيهم بقولهم: (المدار على القلب، نق قلبك من النيات السيئة تكن
مؤمنًا ناجيًا، والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) فما هو الرد
الشافي على أمثال هؤلاء والمقنع لهم المدحض لأقوالهم، وما رأي فضيلتكم فيهم؟
س٤: إن مديرًا من مديري المدارس الخيرية الإسلامية في بيروت ألقى
خطابًا في مدرسة تبشيرية، دعا الناس إلى إحلال العامية محل الفصحى لغة القرآن
الكريم، أو تسكين أواخر الكلمات العربية، لصعوبة تعلم تلك اللغة وإعرابها على
زعمه فهل ينم خطابه هذا عن شيء في نفسه يا ترى؟ وما مبلغ دعواه من
الصواب؟ وما رأي فضيلتكم في ذلك؟
أفتونا وأفيدونا مأجورين من رب العالمين، ودمتم مقصدًا للقاصدين، وصلى
الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
ذي القعدة سنة ١٣٤٨ ... ... ... ... السائل
... ... ... ... ... ... ... ... سعد الدين خضر الأدلبي

أجوبة المنار بالاختصار
(٥٧) إعطاء الزكاة لجمعية خيرية:
إذا علم المزكي أن الجمعية الخيرية الإسلامية الذي يعطيها زكاته تنفقها في
مصارفها الشرعية على علم - كان إعطاؤه إياها جائزًا مع إعلامها بأنها زكاة وتوكيل
مديرها مثلاً بصرفها في مصرفها الشرعي، وربما كان خيرًا له من تكلف توزيعها
على المستحقين بنفسه لصعوبة تمييزه للمستحق من غيره إلا أن يكون في ذوي
القربى له من يستحقها، وهو ممن لا تجب عليه نفقتهم فتقديمهم على غيرهم أفضل،
وينبغي أن يعلم أن زكاة الفطر قد شرعت لإغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد
وهو يوم ضيافة الله عز وجل للمؤمنين فلا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لإنفاقها
على تلاميذ مدارسهم الفقراء بعده، فإن كان المزكي يعلم أن للجمعية نظامًا لإيصال
زكاة الفطر إلى فقراء البلد لينفقوها في يوم العيد فذاك، وإلا فليوزعها بنفسه أو من
ينوب عنه ممن يثق بهم من الخدم أو غيرهم.
***
(٥٨) تنفيذ وصية الميت:
تنفيذ وصية الميت بما خصصه من المال لتجهيزه ودفنه والصدقة المشروعة
واجب بإجماع المسلمين؛ وإنما تكون الوصية شرعية إذا كانت لا تتجاوز ثلث ماله
ولم تكن في محرَّم (كوصية امرأة مصرية فاسقة في هذا العام أن تُضرب عندها
يوم موتها المعازف وأن تسقى المعزيات عنها الخمر) وأولياء الميت المنفذون
لوصيته هم الذين يجب عليهم تنفيذ وصيته على الوجه الشرعي الذي أراده بها دون
ما خالفه، فإن خفي عليهم أمر التوفيق بين لفظه والعادات المألوفة في بلده فعليهم
أن يسألوا الفقهاء عن تفصيل ذلك، والحكم يختلف باختلاف لفظ الوصية وطريقة
تنفيذها.
***
(٥٩) شبهة الإباحيين في ترك شعائر الدين:
إن ما ذكرتم عن هؤلاء الشبان المتفرنجين جهل فاضح خلاصته أن الدين الذي
ينجو به الإنسان من عذاب الآخرة ويستحق به نعيمها الخالد عبارة عن أمر سلبي
باطني، وهو ألا ينوي السوء والشر، ولم يوجد دين في الأرض يقول بهذا؛ وإنما
الدين إيمان وعمل صالح ونية صالحة في العمل بأن يكون لمرضاة الله وما شرع
العمل لأجله من تزكية نفس العامل وتحليتها بالفضائل ومنفعة عباده في مثل الزكاة
من الأعمال المتعدية الفائدة، فمن استحل ترك الصلاة أو غيرها من أركان الإسلام
فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذا من استحل شيئًا من المحرمات القطعية كالزنا
والسُّكر وأكل أموال الناس بالباطل.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ... إلخ الحديث المشهور،
وهو في أول صحيح البخاري فمن لا عمل له لا نية له إلا أن ينوي عملاً، ثم
يصرفه عنه العجز أو عذر آخر، ومن كان عمله الديني للرياء والسمعة وهوى
النفس فهو منافق لا ينفعه عمله؛ وإنما ينفعه إذا كان يعمله اتباعًا مخلصًا لله فيه،
ويؤيد هذا المعنى المفصل في تتمة الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا
ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وهو في صحيح مسلم،
والمراد أن مدار قبول العبادات كلها على الإخلاص في الأعمال وصدق النية لا
على الظواهر العملية التي تقع من المنافق والصادق، والمرائي والمخلص،
وهؤلاء المتفرنجون الإباحيون ظواهرهم قبيحة وبواطنهم أقبح، ولا يعتد
بإسلامهم إلا بإقامة أركان الإسلام وترك نواهيه، حتى إذا ما زل أحدهم فترك واجبًا
أو فعل محرمًا تاب إلى الله تعالى.
وأمر السوء والشر الذي حصروا الدين في عدم نيتهما تختلف آراء الناس
وأهواؤهم فيه حتى قال بعض المفسدين من كتبة مصر إن العفة ليس لها معنى ثابت
فهي تختلف باختلاف الزمان، فظهور المرأة عارية للرجال وسباحتها معهم في
البحار ورقصها معهم في الملاهي كانت تعد في الأزمنة الماضية رذيلة منافية للعفة
والفضيلة، وهي تعد الآن من فضائل المدنية بزعمهم، بل استحسنوا الجهر
بالفواحش التي يخفيها جميع البشر بداعية الفطرة وسموها الأدب المكشوف، وجملة
القول إن الإسلام هو العمل الصادر عن الإيمان والإذعان النفسي لما ثبت في الشرع
من الأوامر والنواهي، وهو يستلزم الإخلاص وحسن النية.
***
(٦٠) من دعا الناس إلى استبدال العامية بالعربية الفصحى ... إلخ:
إن كان المدير الذي أشرتم إليه يدعو إلى أن تُجعل العامية لغة القراءة والكتابة
أو يترك الإعراب منها، فهو إما جهول لا يعقل مصلحة الأمة العربية في دينها ولا
دنياها، وإما سيئ النية يخدم الأجانب في إضعاف هذه الأمة وإفساد أمرها عليها،
إلا إن كان يقصد بذلك الكلام المعتاد فله عذر ما، وهذا الذي نظنه وقد يكون
الناقل مخطئًا في الفهم.
***
معجزات المولد النبوي والشبهة على المعراج
(س٦١) من حضرة صاحبي الإمضاء في يافا (فلسطين) تأخر:
صاحب الفضيلة مولانا العلامة الأكبر الشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار
الغراء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فلا يخفى على فضيلتكم تطور الحالة
المدنية وانتشار العلوم العصرية من طبيعية وفلسفية في الأصقاع الإسلامية.
وبما لفضيلتكم علينا من فضل التربية العقلية والتثقيف العلمي رأينا من
الضروري أن نتشرف برفع هذا الاستفهام إليكم؛ وإننا على يقين من أنكم ستلبون
طلبنا وتتكرمون بإجابتنا إلى ملتمسنا خدمة للدين وتطبيقًا للعلم على العلوم العصرية
في هذين الأمرين المهمين اللذين هما من مباني الدين الحنيف حتى تكون سلاحًا في
يدنا لينتفع بكم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها آمين.
ينقسم هذا الاستفهام إلى شقين:
الأول: عن المولد الشريف ما سبقه من البشائر والعلامات، وما لحقه من
المعجزات وتأييد ذلك بالبراهين العقلية والنقلية إجمالية أو تفصيلية.
الثاني: عن الإسراء والمعراج، وبنوع خاص نظرية الصعود واختراق
السماوات وقابليتها للالتئام وإمكان اختراق الجو مع عدم وجود الهواء في الفضاء
أكثر من سبعة أميال وما رآه المصطفى صلى الله عليه وسلم في طريقه.
هذان الأمران اللذان ينكرهما الطبيعيون والماديون، وإن سلَّم بعضهم بشيء
منها وأنكر بعضها، كما نرجو من فضيلتكم أن تتفضلوا بالإجابة في زمن يسمح لنا
بالاستعداد قبل دنو شهر الميلاد، أو أن ترشدونا إلى الكتاب أو الكتب التي يمكننا
الانتفاع منها في هذا الشأن والاسترشاد بها والله يحفظكم.
محمد فهمي غريب ... ... ... ... ... م. فوزي الإمام
الواعظ العام بجامع يافا الكبير ... ... إمام وخطيب جامع يافا الكبير

الجواب
(٦١) ما يذكر في قصص المولد النبوي من البشارات والعلامات وما
يختص به من المعجزات لا تؤيده براهين عقلية ولا نقلية؛ ولكن هنالك روايات
آحادية ليس فيها حديث مرفوع، ومنها الضعيف والموضوع، وأكثرها مراسيل
وإسرائيليات منكرة أشهرها في هذه القصص ثلاثة آثار طويلة فيما وقع أثناء حمله
وعند ولادته صلى الله عليه وسلم من العجائب، وقد قال السيوطي في الخصائص
الكبرى: (إن فيها نكارة شديدة ولم أورد في كتابي هذا أشد نكارة منها، ولم تكن
نفسي لتطيب بإزائها لكني تبعت الحافظ أبا نعيم في ذلك) فإن شئتما قصة المولد
من ذلك مقتصرة على الصحيح فعليكما برسالتنا (ذكرى المولد النبوي) ففيها غناء،
وفي مقدمتها تفصيل لحكم الاحتفال بالمولد وتاريخه، وما فيه من بدع، ولها
مختصر يقرأ في الحفلة الرسمية بمصر وفي غيرها.
(٦٢) الإسراء ثابت بنص القرآن فهو قطعي والمعراج روي من طرق
متعددة في الصحيحين وغيرهما تدل جملتها على صحة أصله على ما فيها من
التعارض والاختلاف في كونه وقع في اليقظة أم في المنام، وهما على كل حال من
الأمور الغيبية الخارقة للعادة، ويقربهما من العقل أن روح النبي صلى الله عليه
وسلم كان لها السلطان على جسده في تلك الليلة، فلطفت جسده الكثيف فكانت
كالجسد الذي كان يتمثل به الروح الأمين في صورة دحية الكلبي فأمكنها أن تعرج
معه بمثل قوته التي لا تقل عن قوة الكهرباء، وبهذا التقريب تسقط شبهة حدود
الهواء، وأما شبهة اختراق السماوات فيقال فيها إن الوصول إلى السماوات السبع
وتجاوزها لا يقتضي اختراقها؛ وإنما كان هذا شبهة لعلماء الهيئة اليونانية الذين
كانوا يزعمون أن الأفلاك التي ركبت فيها الدراري والنجوم أجسام صلبة شفافة لا
تقبل الخرق والالتئام بطبعها، وظن بعض علماء الشرع أن هذه الأفلاك المزعومة
هي السماوات، وقد أبطل علم الهيئة هذا الزعم من أساسه؛ وإنما السماوات
المذكورة في حديث المعراج من عالم الغيب تسكنها الملائكة وتعرج إليها أرواح
الأنبياء عليهم السلام، وقد سبق لنا تفصيل هذه المسألة في المنار من قبل.
وإن هنا قاعدتين لا ينبغي أن تغيبا عن مسلم: (١) أن كل ما ثبت في
الكتاب والسنة من خوارق العادات، فالواجب على المسلم قبوله على ظاهره ما لم
يقم برهان قطعي حسي أو عقلي على استحالة ظاهره فيؤول (٢) أن كل ما أخبر
به الوحي عن عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة ولا يشترط في قبوله موافقة
سنن هذا العالم وعاداته، ومعجزة الإسراء والمعراج من الخوارق الروحانية الغيبية،
وليست من المحال الذي يقول علماء الكلام إن قدرة الله لا تتعلق به، وقد فصلنا
مسألة الخوارق في التفسير مرارًا آخرها تفسير هذا العام، وبيَّنا فيها أن ما ظهر
للبشر في هذا القرن من عجائب الكهرباء وغيرها قد قرَّب إلى العقول كل ما كانت
تستبعده من المعجزات وأمور الغيب.
***
إخراج مُصَلٍّ من صلاته وإبطالها عليه
لأنه قرأ البسملة
(س٦٣) من صاحب الإمضاء:
حضرة صاحب الفضيلة والسماحة السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة
المنار.
تحية وسلامًا وبعد؛ فإنني بينما كنت قادمًا من حلوان بمحطة باب اللوق
وجدت عند نزولي بمحطة باب اللوق رجلاً أقام الصلاة وحينما قرأ الفاتحة في أول
ركعة ابتدأها بالبسملة، وبدأ الآية بعدها بالبسملة، فمنعه رجل آخر وأخرجه من
الصلاة وعرَّفه أنه لا يجوز قراءة البسملة في ابتداء الفاتحة ولا في ابتداء الآية
أيضًا، وهذا يختص بمذهب مالك زاعمًا أن الابتداء بالبسملة في وسط السورة
مبطل للصلاة فهل هذا الزعم في محله، وهل كان له أن يخرجه من الصلاة.
وإلا فما رأي فضيلتكم، وأرجوكم التكرم بنشره على صفحات المجلة
لفضيلتكم الشكر والثناء وختامًا تفضلوا بقبول فائق الاحترام.
... ... ... ... ... ... ... عزب سيف الدين
... ... ... ... ... ... من أهالي محطة المعصرة الجديدة
... ... ... ... ... ... ... ... خط ... حلوان
(ج) مسألة قراءة البسملة في أول سورة الفاتحة اجتهادية ومذهب الشافعي
أن الصلاة لا تصح بدونها، وأقوى حجة له تواترها عن بعض القراء وثبوتها في
المصحف الإمام بالإجماع، ولا يمكن أن يقال في بسملة الفاتحة ما قيل في غيرها
من السور، وهو أن البسملة في أولها للفصل بينها وبين غيرها، وأن الأحاديث
المتعارضة في قراءتها آحادية ويأتي فيها قاعدة تقديم المثبت لها على النافي، ومن
المقرر في المذاهب كلها عدم جواز الإنكار على متبع مذهب بمذهب غيره، وأما
قراءة البسملة في ابتداء قراءة آيات من أثناء السورة فهو غير مشروع ولم يثبت في
مذهب من مذاهب الأئمة؛ ولكنه لا يبطل الصلاة وفاعله لا بد أن يكون قد سبق به
لسانه أو يكون جاهلاً بالحكم، وكان ينبغي للمنكر عليه أن يقول له وهو في الصلاة
أو بعدها لا تقرأ البسملة في أول الآيات فإنها غير مشروعة، وأما إبطاله لصلاته
بإخراجه منها فهو خطأ وجهل ظاهر.
***
الإنكار على تأليف الجمعيات الدينية
بدعوى أن قام الإسلام بالسيف
(س٦٤) من صاحب الإمضاء الرمزي في طنطا:
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الإمام صاحب المنار الأغر:
تحية من أبنائك المتمتعين بجليل علمك وعظيم خلقك المعجبين بجهادك في
سبيل الله جهادًا صادقًا لا تشوبه شائبة رياء أو ظهور.
وبعد فقد تألفت في طنطا جمعيتان دينيتان، جمعية الثقافة الإسلامية وجمعية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغرض منهما العمل على رفعة الدين وبث
روح الهداية في الناس مع بعدهما عن كل ما يمس السياسة، وقد وجدنا من كل
الطبقات في البلد تشجيعًا صادقًا وعطفًا ذا أثر.
غير أننا والأسف يملأ جوانحنا وجدنا شيخ معهد طنطا يحارب الجمعيتين بكل
ما لديه من الوسائل، فيرغم الطلاب المشتركين فيها والمدرسين الذين انتخبوا في
مجلس إدارتها على الانسحاب منها بحجة أنها ليست من الطرق التي رسمها الدين
لإقامته لأنه لم يقم إلا بالسيف.
فهل هذا صحيح؟ وماذا كان يملك النبي صلى الله عليه وسلم من وسائل القوة
الحربية في بدء الدعوة؟
أفيدونا على صفحات المنار أو في الجرائد اليومية، ولكم منا أجزل الشكر
ومن الله حسن الأجر والسلام عليكم ورحمة الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... (م. س)

(ج) إن ما حكاه هذا السائل عن شيخ المعهد الديني الأحمدي الذي هو ثاني
الأزهر - جهل فاضح يكاد يكون غير معقول؛ فإن تأليف الجمعيات لأجل الدعوة إلى
الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابت في كتاب الله بقوله: {وَلْتَكُن
مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
المُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤) ويدخل في ضمن قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى
البِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: ٢) فكيف يقول شيخ معدود من كبار علماء الأزهر هذا
القول الذي أُسند إليه في السؤال وهو من الجهل الفاضح بصريح القرآن وبما هو
معلوم من الإسلام بالضرورة، إن لنا أن نرتاب في صحة هذا القول على إطلاقه
وإن كان قد بلغنا عن هذا الشيخ من تأييد الخرافات التي ينشرها الشيخ يوسف
الدجوي ما لم يبلغنا عن غيره من علماء مصر، بل علمت من بعضهم وعن بعض
آخر أنهم ينكرون عليه ما كتبه من الطعن فينا ومن فتاويه الأخرى في تأييد البدع
والخرافات ويعترفون بأنه فضح الأزهر ومجلته بذلك.
وأما شيخ المعهد الأحمدي فقد نُقل إلينا عنه أنه أمر بقطع أحد الطلبة عنده عن
الدرس مدة أسبوع أو أسبوعين - الشك منا - لأنه اعترف أمام أستاذ له بأنه يقرأ
مقالات السيد رشيد رضا في الرد على الدجوي ويجلها ويستفيد منها، فالتمسنا له
من العذر أنه ربما يكون قد قرأ مقالة الدجوي وبهائته في مجلة مشيخة الأزهر
وصدَّقه فيما افتراه علينا ولم يقرأ شيئًا من مقالاتنا في فضيحة كذبه وبيان جهله،
وإن كان المشهور عنه أنه على رأيه في خرافات القبور وأمثالها، وهذا الصنف من
الأزهريين يقل ويضمحل؛ ولذلك لم يجد الدجوي له في الأزهر من ولي ولا نصير،
ولكن لم يُعرف عن أحد من الأزهريين إنكار على الجمعيات الدينية والوعظية بل
تعددت جمعياتهم في هذا العهد.
وأما ما أسنده السائل إلى الشيخ الديناري من أنه يقول: إن دين الإسلام لم يقم
إلا بالسيف، فهو من الجهل الفاضح بالسيرة النبوية والتاريخ، يؤيد به طعن أعداء
الإسلام من دعاة النصرانية وساسة الإفرنج فيه، وقد سبق لنا دحضه مرارًا في
المنار، ونحيل السائل وغيره على ما كتبه الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد في
دحض هذه التهمة والرد على مفتريها، وعلى بحثنا في إصلاح الإسلام الحربي
الذي يرى أوله في هذا الجزء.
ويبقى الكلام مع شيخ المعهد الأحمدي في مسألة أخرى، وهي إن كان قيام
الإسلام بالسيف يقتضي أن لا يعمل لبيانه ولا لنشره عمل إلا سل السيف، فهذه
المعاهد الدينية التي يرأس أحدها يجب إبطالها وإرسال طلبتها إلى المدارس الحربية،
وإن كان يفرق بين إقامته في المشركين المعاندين وتبليغه لغيرهم، ولا سيما
المسلمين الجاهلين، فهاتان الجمعيتان من هذا النوع فكيف ينكر على مؤسسيها من
المدرسين والطلبة؟
***
بدعة كفارة الصلوات الفائتة
(س٦٥) من صاحب الإمضاء بعزبة علام قمانة (نجع حمادي)
حضرة صاحب الفضل والفضيلة محيي السنة، ومميت البدعة الأستاذ السيد
محمد رشيد رضا أطال الله عمره.
سيدي أشكو إليكم مُرَّ الشكوى من جماعة يسمونهم أهل فضل في بلدنا القمانة
مركز نجع حمادي يقرءون على الناس في جبر الصلوات الفائتة في كتاب صغير
الحجم يسمى المجموعة المباركة في صحيفة نمرة ٧ سطر ١ منه ومضمونها أن من
يصلي أربع ركعات في آخر جمعة من شهر رمضان، ويقرأ دعاء كانت كفارة له
لألف سنة عن الصلوات الفائتة وإن لم يعش هذا العمر، فيكون الباقي إلى أقاربه
وجيرانه وأهل بلده، ولربما فضيلتكم اطلعتم على هذا الكتاب، فأرجو الجواب ولكم
الثواب يا منادي الإصلاح، أبقاك الله ذخرًا للإسلام والمسلمين، والرد يكون
بمجلتكم الغراء.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ابنكم
... ... ... ... ... ... ... ... ... حسين محمد
... ... ... ... ... ... ... ... بعزبة علام قمانة

(الجواب) : إننا أخرنا هذا الجواب مدة طويلة وهو بديهي رجاء الاطلاع
على الكتاب المسمى بالمجموعة المباركة ونبيِّن مفاسده وبدعه المضلة ولما يتسنَّ لنا
ذلك، وقد رأينا أن نشره الآن في هذا الجزء الذي يصدر في شهر رمضان مناسب،
فنقول: إن هذه الكفارة باطلة بالضرورة، وكذب على الله تعالى وافتراء على
شرعه القويم، بل هي مفسدة تجرئ الجاهل الذي يصدقها على ترك الصلاة التي
هي عماد الإسلام ولا يصدقها مسلم يعرف ضروريات دين الإسلام، بل يدرك
بطلانها كل من له مسكة من العقل وقليل من الذكاء؛ فإنه يدرك أن صلاة أربع
ركعات من النوافل لا تغني عن جميع الصلوات المكتوبة، ومن علامات الحديث
الموضوع أن يكون فيه ثواب عظيم جدًّا على عمل قليل، وأجدر بهذا التكفير لترك
الصلاة أن يكون تكفيرًا بالإيمان من أصله، وليتكم تجدون لنا نسخة من هذه
المجموعة الضلالية المفسدة للإسلام لنبين ما عسى أن يوجد فيها من هذا الضلال
غير هذه المسألة.