للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أنباء العالم الإسلامي

(حال المسلمين أو العرب مع دول الاستعمار)
بيَّنا في فاتحة منار هذا العام حال الدول والشعوب الإسلامية في العالم كله،
ومنه أن دول الاستعمار المعادية للإسلام قد تقلص ظل نفوذها وبغيها عن مسلمي
الأعاجم ووجهت ظلمها وقهرها للأمة العربية في مهدها من جزيرة العرب وما
حولها من آسية وفي أفريقية، وهي الشعوب التي بذلت دماءها وأموالها في سبيل
هذه الدول في الحرب العالمية الكبرى. فهي تكافئهم على هذا بسلب ما بقي لهم من
استقلال وثروة ووحدة في آسية والقضاء على دينهم ولغتهم وثروتهم في أفريقية،
لماذا؟ لأنهم جهلاء متفرقون لا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم؟ فإن قوة العرب
في جزيرتهم كافية لكف عدوان الإنكليز عن الحجاز وفلسطين وسورية، لو لم
تجعل هذه الدولة بأسهم بينهم شديدًا، وتهددهم بتخريب بيوتهم بأيديهم.
وأما فرنسة فلا تزال تهدم دينهم في سلطنة المغرب الأقصى وإمارة تونس
اللتين علاقتها بهما علاقة حماية مشترط فيها سلامة دينهم وجنسيتهم بأشد مما تفعل
في الجزائر التي فتحتها منذ مائة سنة، وقد بلغ من اضطهادها للحرية الدينية فيها أن
منعت من عهد قريب علماء المسلمين من الوعظ الديني وقراءة الدرس في التوحيد
والفقه من جميع المساجد.
وقد كاد ينتهي العام الثالث على إصدارها الظهير البربري المشهور (في ١٦
مايو) الذي يخولها إخراج شعب البربر من دائرة الشريعة الإسلامية وجعلهم من
أتباع الكنيسة الكاثوليكية، وهي لا تزال مصرة على تنفيذه بكل ما أوتيت من قوة.
وهي على هذا تنشئ سكك الحديد لوصل المغرب بمستعمراتها الداخلية في
إفريقية لتتمكن من حشد الجيوش منها إلى الساحل المغربي ونقلها إلى أوربة عند
اشتعال جحيم الحرب الآتية التي ستكون هي أكبر الأسباب لاشتعالها بسياستها
العسكرية المسرفة، ومحاولتها قتل الشعب الألماني صبرًا وقهرًا بحرمانه من
الاستعداد للدفاع عن نفسه {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (الحشر: ٢) .
* * *
(الجنسية الفرنسية في تونس)
وضعت الدولة الفرنسية منذ عشر سنين نظامًا لتجنيس مسلمي الإمارة
التونسية بجنسيتها لأجل إخراجهم من دينهم ومن جنسيتهم التونسية المعترف بها في
عقد حماية فرنسة لها، وقد حدث في الشهر الماضي أن مات أحد هؤلاء المتجنسين
فمنع الشعب المسلم أهله من دفنه بين المسلمين في مقابرهم لأنه مرتد، فتصدت
السلطة الفرنسية لقمع هذه الحركة وأرادت أن تستعين على هذه الجناية بفتوى
بعض العلماء الرسميين بنفوذ الوزير تُوهِمُ العامة أنه يمكن للمتجنس بالجنسية
الفرنسية أن يظل مسلمًا بأن يتوب من ذنبه، وحينئذ يصح أن يصلى عليه إذا مات
ويدفن في مقابر المسلمين، ولكن من المتفق عليه عند العلماء أن ركن التوبة الأول
هو الرجوع عن الذنب الذي صار به كافرًا مرتدًّا، وهو في هذه المسألة التجنس
المعلوم، يقال: إن الفتوى الرسمية صدرت، وإن العلماء الأحرار أنكروها،
والشعب نبزها ونبزهم، والرسميات لا مزية لها ولا رجحان على غيرها في عقائد
الإسلام؛ إذ ليس فيه باباوية ولا عصمة، فالجمع بين الإسلام والجنسية الفرنسية
مُحَالٌ، فحيا الله الشعب التونسي، وننصح لعلمائه وحكومته بألا تخذله في دينه،
ومن خذله منهم خذله الله وسنعود إلى الموضوع، إن شاء الله تعالى.
* * *
(فرنسة وسورية الشمالية)
لا تزال فرنسة مُصِرَّةً على تقسيم سورية إلى عدة دول وحكومات للإجهاز
عليها واستعبادها: دولة مسيحية في لبنان ودولة علوية في اللاذقية ودولة إسلامية أو
عربية في الشام ودولة دُرْزِيَّة في جبل الدروز. ولما رأت نفسها مضطرة لدى جمعية
الأمم إلى إلغاء الانتداب اقتداء بإنكلترة، خلقت مجلسًا نيابيًّا بقوتها العسكرية ومال
الحكومة السورية ومساعدة أنصارها الخونة وألفت حكومة سورية من أعوانها،
أرادت أن تضع مع هذه الحكومة ومجلسها معاهدة تحل محل الانتداب وتعني بالدولة
السورية المدائن الأربع المحصورة بين الصحراء وسورية الساحلية، فشعر الشعب
بإيقاظ زعمائه المخلصين بخطر هذه المعاهدة فهب لمقاومتها فنحثه على الثبات،
ونوجه نظر الدولتين العربيتين السعودية والعراقية إلى ما يجب عليهما من العطف
عليه، فإنه ذنبه الذي لا يغفر هو العروبة والإسلام، وتعذر جعله فرنسيًّا كاثوليكيًّا
كما يرجون من الدُّرُوز والنُّصَيْرِيَّة.