الحمد لله قد تنبه المسلمون من جميع الطبقات إلى الإصلاح، فهم يعرجون في مراقيه تدريجًا، فكما نسف بعض الفضلاء بدعًا كثيرة من المآتم قام بعض شيوخ الطريق يمحو أضاليل ومنكرات من الموالد، وعسى أن يستمر السير ويقلد الناس بعضهم بعضًا في طريق الخير. كتبنا غير مرة في منكرات الاجتماعات والاحتفالات التي تقام في الديار المصرية للأموات من الصالحين ورجال الطريق، ويسمونها الموالد، وقد توهم مرضى اليأس من الإصلاح أن هذه الموبقات قد رسخت ولا أمل بالرجوع عن شيء منها، وقد فندنا رأيهم الفاسد بالبرهان، وكذبه أهل الإصلاح بالفعل، ففي الأسبوع الماضي احتُفل بمولد الولي الشهير سيدي دمرداش المحمدي (قُدس سره) فجاء أهل الغواية إلى ضواحي المسجد الدمرداشي يضربون الخيام للبغايا والمومسات وباعة الحشيش ونحوه من متلِفات العقول والأموال، فانتدب الأستاذ الكبير للطائفة الدمرداشية الشيخ عبد الرحيم الدمرداش لتقويض خيامهم، وطردهم من ضواحي المسجد، ولم يمكِّن أحدًا من المكث هناك. وهذا أول مولد أقيم في الديار المصرية، ولم تقم فيه سوق مخصوصة للبغاة وشرب الحشيش والأفيون والرقص والتهتك في الفحش الذي يسمونه: (المساخر) وغير ذلك من الشعوذة والميسر (القمار) والتخنث، بل ومن الألاعيب المعتادة كالأراجيح وخيمة الخيل والطبول والزمور، وقد انتهى المولد طاهرًا من هذه الرذائل، وكانت ليلة أمس (الجمعة) موعد خروج الشيخ المومأ إليه ومريدي الطريقة من خلواتهم، فاحتفل بذلك الاحتفال المعتاد، وحشر الناس لحضوره أفواجًا، ومما امتاز به أهل هذه الطريقة على غيرهم: نظافة ملابسهم، فقد كانوا جميعًا لابسي البياض، وعدم وجود الأغاني وآلات الطرب في ذكرهم. فما أجدر كافة أهل الطريق بالاقتداء بهم في ذلك، وعسى أن يكون الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الرحيم قدوة لهم في تطهير الطريق من كل البدع، وتحريره على السنة السَّنية ولو بالتدريج. وهنا ننبه الذين يقيمون الموالد بأسماء شيوخهم وأجدادهم أن يجروا على سنن المولد المحمدي الدمرداشي، فيبطلوا الفواحش والمنكرات، فإن لم يفعلوا فليأذنوا بحرب من الله ورسوله، وليعلموا أن سهام التوبيخ تصيب صدورهم وقوارع التقريع تقع على رءوسهم، لا سيما إذا كانوا من المنتسبين للعلم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.