للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الهدايا والتقاريظ
(أشهر مشاهير الإسلام في الحروب والسياسة)
لنا كلمة في كتب التاريخ العربية قلناها منذ سنين، وهي أن هذه الكتب
جمعت مادة من جزئيات الحوادث والوقائع لمن يريد أن يؤلف في علم التاريخ،
وذلك أن العلم أحكام وقواعد كلية تُستنبط من الجزئيات، وأول من اهتدى إلى علم
التاريخ أو فلسفة التاريخ هو الحكيم العربي ابن خلدون الشهير فوضع مقدمته في
فلسفة التاريخ بعد جمع مواد تاريخه كلها، أي بعد تسويده على ما اعْتَقَدَ، وكان
ذلك في عصر تدلي العلم والمدنية في الأمة الإسلامية، لهذا لم يكن لتلك المقدمة
النفع المنتظر حتى دالت العلوم إلى الغرب فنقلوها إلى لغاتهم، وكانت الأصل لعلوم
العمران والسياسة والاجتماع التي توسع الإفرنج فيها ما شاءوا، وكانت كتب
التاريخ هي المنبع لهذه العلوم بما نقَّحوها وهذَّبوها وأوردوا الحوادث فيها مقرونة
بعللها وأسبابها موصولة بذكر آثارها ونتائجها، وطالما تمنينا على الفضلاء ومنينا
أنفسنا بوضع تاريخ إسلامي على هذا النسق، فحقق الله رغبتنا بما وفق صديقنا
الحميم الكاتب الفاضل رفيق بك العظم الشهير لتأليف كتاب مطول في ذلك، وهو
ما رأيت اسمه في العنوان، ونوهنا به في آخر الجزء الماضي.
رأى المؤلف أن يبرز هذا التاريخ الإسلامي في لباس كتب سير الرجال
ومناقب العظماء؛ ليكون أقرب إلى القبول والتأثير، فجعله تاريخًا لأشهر علماء
المسلمين في السياسة والحرب من الخلفاء والملوك والقواد الذين شادوا للإسلام
صروح العز والمجد.
ويذكر بمناسبة كل شأن من شؤونهم في أخلاقهم وأعمالهم ما لذلك الشأن في
نفسه من التأثير في العمران، وما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن لا يكون، وقد
أطلق لقلمه الحرية في بيان ما يراه حقًّا وصوابًا مع النزاهة في التعبير، والتلطف
في التصوير، والتنبيه على مواضع الاعتبار، وطرق الاستبصار، وجعل الكتاب
أقسامًا لكل دولة كبيرة قسم يمثله في سيرة أعظم رجالها، وقد صدر الجزء الأول
من القسم الأول المخصوص بدولة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، وفيه
سيرة الخليفة الأول وقائده الشهير خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما.
وفي هذا الجزء من المباحث المفيدة بحث الخلافة، وبحث الردة وحقيقتها،
وأنها ليست كما يتوهم الكثيرون أن الذين قاتلهم الصِّدِّيق كانوا قد تركوا الإسلام
ورجعوا إلى الشرك، وبحث السياسة الإسلامية، وبحث القضاء في الإسلام،
وبحث الحكومة الإسلامية والعمال والكتاب، وبحث الألقاب والرتب، وبحث حكم
أهل الذمة وأصل الامتيازات التي للنصارى في البلاد الإسلامية، وغير ذلك من
الفوائد التي لا توجد في غير هذا الكتاب، وقد رغب إلينا صديقنا المؤلف أن ننتقد
الكتاب كما هو شأن من يكتب لينفع، فنعده بأننا بعد أن نُتم مطالعته نظهر ما عساه
يظهر لنا أنه يُستدرك عليه لتكون الخدمة أكمل وأتم، ونحث كل قارئ بالعربية أن
يقرأ هذا الكتاب لينتفع به، ويكون عونًا للمؤلف على تأليف بقية الأجزاء ونشرها.
***
(الفقه والتصوف)
مجموعة مؤلفة من ثلاث رسائل في انتقاد كتب الفقه والأصول والتصوف
لكاتبها العالم الفاضل الشيخ عبد الحميد أفندي الزهراوي، وقد كنا نشرنا الرسالة
الأولى في المنار، وطلبنا من العلماء والفقهاء أن يكتبوا إلينا رأيهم فيها، وذكرنا
أن لشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في أسباب الخلاف تصلح أن تكون جوابًا على
هذه الرسالة، وأننا سننشرها وملخصها في المنار، ثم وردت علينا الرسالة الثانية
مع رسالة التصوف فلم نشأ نشرهما على احترامنا حرية البحث والنقد، واعتقادنا
أن العلم لا يرتقي إلا بها، وذلك لأن مثل هذا النقد لا يكون مفيدًا إلا إذا تناوله
الخواص بالمناظرة المعتدلة، وإننا نرى أهل العلم الديني يلجأون في بلاد الاستبداد
إلى مقاومة من يخالفهم بالقوة، ونراهم في بلاد الحرية لا يحفلون بما يدور بين
حملة الأقلام وغيرهم من أمثال هذه المباحث، ولا يردون على ما يرونه منكرًا منها؛
لأنهم بمعزل عن العالم وسيره، وقد صرحنا عند نشر الرسالة الأولى بأن السبب
فيه إطلاعهم على بعض ما يدور بين الكُتاب ليكونوا على بينة منه، فلم يفد.
ولا سعة عندنا في الوقت لتعقب كل كاتب وإبداء رأينا فيما يكتبه، وقد كتبنا
رأينا في الفقهاء والصوفية في السنة الأولى، ونتذكر أننا قرأنا ذلك يومئذ على
فضيلة شيخ الأزهر وبعض علمائه، فقال الشيخ في المقالة إن كلامها شرعي لا
يعترض عليه، وذلك أننا ذكرنا محاسن القوم وذكرنا ما لا يوافق الشرع أو
المصلحة العامة مما يؤثر عن مجموعهم؛ ولكن رسالة الفاضل الزهراوي
مخصوصة بالمساوي؛ ولذلك كان يجب أن لا يطلع عليها إلا الخواص فطبعها خطأ،
وإن كان قصد مؤلفها حسنًا، فنحن نُجِلُّ غيرته ونحترم حريته ونمدح شجاعته،
على أنه أفرط فيها، ونتمنى أن يطلع العلماء على رسالته وينتقدوها.
***
(استدراك على مقالة السياسة والساسة الأخيرة)
فاتنا أن نستدرك في الجزء الماضي على هذه المقالة بعد العزم على ذلك، فإن
في بعض القول مجالاً للوهم، لا يهتدي فيه كل فهم، فمن ذلك قوله: (ماتت
الفرق الإسلامية التي أساس مذهبها العلم فقط كفرق المعتزلة والجبرية المحضة
مثلاً) يتوهم بعض الناس أن الكاتب يرجح هذه المذاهب وينفي العلم عن سواها،
وليس كذلك وإنما يعني أن قوامها البحث العلمي بدون أخذ الأمراء والحكام بها
وتأييدهم إياها، وفيه أن بعض الخلفاء العباسيين انتصر لبعض عقائد المعتزلة،
وكأنه لم يعتد به لأن المنتصرين لم يكونا هما السبب في القول بما انتصرا له ولم
يطل الأمد على ذلك، وفيه أيضًا أن عقيدة الجبر المحض لم تمت على ما فيها من
الجهالة والضرر، فإن كان الذين اخترعوها ودعوا إليها ودافعوا عنها قد انقرضوا،
فقد قام بنصرها من هم أقوى منهم تأثيرًا وأعز نصيرًا وهم أكثر فرق المتصوفة،
ولا تكاد تجد الآن عاميًّا من المسلمين إلا وهو يجادل في هذه العقيدة ويؤيدها بالعقل
والنقل، وكأن الكاتب لم يعتد بهذا لأن هؤلاء الجبرية لا يتمسكون بهذه العقيدة
ويناضلون دونها إلا بالنسبة لما يطلب منهم من الكمالات الشخصية والمنافع العامة
والاعتذار عن تقصيرهم في التمسك بدينهم وخدمة أمتهم.
ومن ذلك عدَّه أهل السنة في المذاهب التي أساسها الأغراض السياسية، يذهب
الوهم إلى أنهم غير مؤيدين بالعلم بقرينة قوله في المعتزلة والجبرية؛ ولكنه قال
هناك (فقط) وظاهر أن أهل السنة هم الذين نبغوا في كل العلوم الإسلامية،
والوهم في عبارته واضح وقد سماهم في الأصل (الحشوية) وحُذفت هذه الكلمة
من الأصل بإذن من جاء بالرسالة، ولعل الكاتب يرى أن أهل السنة هم أهل
الحديث وأن الذين يسمون بهذا الاسم غير متبعين السنة؛ ولذلك وقعوا فيما وقعوا
فيه من الخلاف وآثاره، ويظهر من كلامه بعد أنه يرى أن الوهابية أقرب من
غيرهم إلى هذا اللقب؛ لأن مذهبهم الحديث، ويظهر أيضًا أنه ليس مقلدًا لمذهب
معين والله أعلم.
***
من قصيدة للشاعر المجيد الشيخ مصطفى المنفلوطي يهنئ بها فضيلة مفتي
الديار المصرية بالعيد.
رويدك ما بعد الذي نلت غاية ... ترام لمرتاد فأين تريد
ورحماك بالحساد إن نفوسهم ... تقَطَّعُ أحشاء لها وكبود
يريدون ما لا يرتضي المجد والعلا ... وما الله والإسلام عنك يذود
وما لك ذنب غير أنك سيد ... وهل يذنب الإنسان حين يسود
ألست الذي أعلى بنا العلم بعدما ... هوى وأجار الحق وهو طريد
وقام بأمر الدين يحرس مجده ... ويكلأه والحارسون هجود
وجاهد فيه وحده وكأنما ... له عُدد من بأسه وعديد
فبيَّنه للناس أبلج واضحًا ... منيرًا وآيات الكتاب شهود