(شاه العجم ومنظوماته) إن لشاه العجم شغفًا شديدًا بنظم الشعر، وهو يعد نفسه من أشعر شعراء مملكته، ففي ذات يوم طرق أذنه خبر وجود شاعر مجيد من مدينة طهران، فاستقدمه على جناح السرعة إلى بلاطه، ودفع إليه منظوماته ليرى رأيه فيها ويعلمه علم اليقين عنها، فلما طالعها ذلك الشيخ الشاعر التفت إلى الشاه بدون خشية وقال له بحرِّية ضمير: إن قصائدك يا مولاي متباينة القوافي، وعارية عن المعاني، ولما كان الشاه ينتظر من الشاعر تقريظها، وسمع منه بجرأة هذه العبارات أخذت منه الحدة مأخذها، وكاد يتميز من الغيظ، فأمر حالاً بأن يساق الشاعر إلى الإسطبل ويجلد، ونفذ على عجل أمره فيه، وبعد مضي مدة أيام استحضره الشاه إليه وكلمه برقة وبشاشة عن الشعر والشعراء، فأخذ ذاك يتداول معه الحديث حتى اتصل بالشاه أن يتلو عليه أبيات كان قد نظمها مؤخرًا، فما كاد الشاعر يسمع منها بيتين حتى نهض حالاً من حضرته وسار متخذًا وجهة الإسطبل لا يلوي على شيء، فناداه الشاه قائلاً له: إلى أين أنت متوجه؟ فأجابه الشيخ الشاعر بكلام متقطع وهو يهز رأسه: إنني ذاهب يا مولاي إلى الإسطبل لأستعد للجلد ثانية، فما كاد يتم هذه العبارة اللطيفة حتى استغرق الشاه في الضحك ثم عينه عضوًا في بلاطه. *** (النساء في مملكة سيام) كل فرد من المدرينيين في تلك الجهة يقتني من النساء من اثنتي عشرة إلى ثلاثين امرأة بحسب قلة ثروته أو كثرتها، ولا يمتاز الشريف منهم إلا بكثرة عدد حرمه وجمال هيئتهن. ثم إن بين حرم الواحد منهم من تسمى: (كبرى) وهي التي يكون قد اقترن بها بعد خطبة رسمية، أما الباقيات فيسمين: (صغريات) وكلهن تقريبًا يشترين بالمال، فإن المدريني منهم يمكنه أن يشتري عدة نساء جميلات بسبعمائة أو بثمانمائة فرنك بالأكثر، وإذا دفع ألف وخمسمائة فرنك يحصل على نساء يحاكين حور الجنان، أما زوجته الكبرى التي أشرنا إليها فهي التي تشتري له بقية زوجاته بحسب مطلوبه، وهي التي يلقي إليها أيضًا مقاليد رئاستهن، فتذهب بهن إلى التنزه وتكون المقدَّمة عليهن في كل ما يتعلق بشؤون بيته، وبعد وفاته تكون وحدها وريثته، ويكون ولدها خلفًا لأبيه، ولا يمكن بيعها ألبتة. *** (الآلام العصبية والبيانو) يزعم أحد علماء الفرنسويين أن أغلب الآلام العصبية التي تعتري السيدات تنجم عن لعب البيانو. *** (ميتة شنيعة) نشرت جرائد بريكسول خبر ميتة شنيعة، وهو أن بعض العملة كانوا يتعاطون المدام في إحدى الحانات، فمر بهم بائع سمك فاستوقفه أحدهم ليشتري منه، فرأى بين السمك فرخ انقليس (حنكليس) حيًّا، فقبض عليه للحال، وخاطر رفاقه على شرب كأس خمر على نفقتهم إذا قطع رأس ذلك الفرخ بأسنانه، فحالما فغر فاه وأدنى الفرخ منه انتفض هذا من يده وانساب في حلقه إلى جوفه، وبعد مضي دقيقة انتابت ذاك المسكين آلام شديدة في أمعائه، وملأ صراخه تلك الناحية، ومع كل الوسائط التي أجريت له لم يلبث إلا بضع ساعات ومات مأسوفًا عليه. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (لبنان) *** (فتح أم درمان والقضاء على السودان) لم تكد ترتفع الشمس في يوم الأحد الماضي إلى ربع السماء حتى فاجأتنا أصوات المدافع من قلعة مصر، وأول ما خطر لنا من السبب في ذلك، فتح أم درمان والنصر على السودان، وكان كذلك، فقد بعث سعادة كتشنر باشا سردار الجيش المصري في صبيحة ذلك اليوم (الأحد) رسالة برقية رسمية إلى صاحب السعادة فخري باشا، نائب القائم مقام الخديوي يؤذنه فيه باحتلال الجنود المصرية المظفرة (أم درمان) فصدر أمره سريعًا بإطلاق واحد وعشرين مدفعً من القلعة إعلامًا بالنصر، فأطلقت الساعة التاسعة صباحًا. وأرسل سعادته رسالة برقية يبشر فيها سمو الخديوي المعظم ورسالة أخرى لعطوفة مصطفى باشا فهمي رئيس النظار (وهما في أوروبا) . كانت الملحمة الكبرى في صباح يوم الجمعة الماضي، وكان البادئ بالهجوم التعايشي بدراويشه، ولقد جالدوا مجالدة الأبطال، لكنهم رأوا بأعينهم أنه لا قبل لهم بالسردار وجنوده وما لديهم من المدافع والعدد الكاملة والأهب التامة، وما هم عليه من التنظيم والشجاعة، فولوا الأدبار وأركنوا إلى الفرار، وكان التعايشي يقاتل في قلب الجيش فتقهقر، ثم ولى وأدبر، فَكَرَّ رجاله على أثره، كما هو شأن الجيوش الغير منظمة إذا قتل أو ولى رئيسها لا تقوم لها قائمة، اتباعًا لنظام الشطرنج، وهاك تفصيل خبر الملحمة والفتح نقلاً عن الأخبار البرقية الواردة من مكاتب شركة روتر (نقلاً عن المؤيد الأغر) . كان أول من رأى العدو قادمًا هم طلائع السواري، حيث رأوا جيوش الأعداء زاحفة كالسيل على بعد ثلاثة أو أربعة أميال، وهم بين راجل وفارس، رافعين الأعلام، مترنمين بالأناشيد الحربية الحماسية. حينذاك اصطفت البيادة وعلى يسارها الأورطة العشرون والأورطة الخامسة من الريفل والجاردس، وانضمنت إليها أورطة مكسيم فيوزلرس الأيرلندية، وأورط وارويكس وكمرون وسيفورث ولينكولن ورويال وتيلري، وأورطتا مكسويل ومكدونالند السودانيتان، ثم وضعت المدافع على الجانبين، وأقيمت ألوية لويس وكولنسن وراء الجيش للحاجة. وما جاءت الساعة ٧ والدقيقة ٢٠ حتى زحف العدو من المرتفعات جملة واحدة وقبل ذلك أطلقت مدافعنا حيث كانت الساعة ٦ والدقيقة ٤٠ فجاوبتها بنادق الدراويش، ثم حملوا حملة منكرة مندفعين من الأعالي على الجناح الأيسر، إلا أننا أسرعنا وصوبت نحوهم البنادق من كل صوب وحدب، وانصبت عليهم النيران من جميع الجهات، فاضطروا إلى الانسحاب نحو قلب الجيش ليحملوا حملة أخرى، وكان فرسانهم يقابلون النيران بقوة ثبات، إلا أن أورط الكمرون واللينكولن والسودانيين سحقوا العدو سحقًا، فتأخر وتقدمنا، وصارت بعد ذلك الأرض مغطاة بجثث القتلى، ولا يمكننا أن نقدر خسائرنا تمامًا، ومهما وصف الكاتب شجاعة الدرويش وحملتهم وثباتهم، فإنه لا يعد مبالغًا ولا متغاليًا، فإنك ترى حاملي الأعلام منهم يجدون في الزحف وليس بيننا وبينهم سوى مائة ياردة. أما الأمراء الممتطون صهوات الجياد، فكانوا يبذلون أرواحهم عن طيب خاطر ثباتًا واستماتة. وقد أوقف العدو إطلاق الرصاص هذه الساعة، وربما كان لغرض اجتماع قوتهم لكي يحملوا حملة ثانية، ولذلك كان هذا اليوم يومًا مشهودًا، قتل فيه من الدراويش ألف، وتقدمت فيه جيوشنا، حتى صارت على أبواب أم درمان، وإليك ما عرفته لهذه الساعة من القتلى والجرحى: قتل الليفتنت غرنفل من الأورطة الثانية عشرة اللانسرس، والكبتن كالديكوت من الوارويكس وجرح كثيرون. (الجمعة مساءً) زحفت الجنود وأخذت أم درمان وفر التعايشي وخلص نيوفلد. جرح الكولونل رود (مكاتب التيمس) ولما تأخر الدراويش وراء التلال أعطى السردار الأوامر لألوية لويس وكولنس بأخذ الحذر والتيقظ التام، وحاول الدراويش الهجوم على الجناح الأيسر ولكنهم فشلوا في أمرهم ونكصوا على عقبهم، وقد تقدمت قواتنا أورطة أورطة نحو أم درمان. وبينما كانت الألوية الإنكليزية تسير على الجانب المكون لشكل هلال من النيل (قرب أم درمان) وإذا بالدراويش قد هجموا على الجناح الأيمن من الجنود المصرية التي كانت تسير من المعسكر، وقد تجمعت الدراويش وراء صخور مرتفعة عالية تبعد نحو ميلين عن المعسكر، وساروا تحت لواء أسود للتعايشي ليقاوموا ما استطاعوا، فكانت القوة المهاجمة للجنود المصرية مؤلفة من خمسة عشر ألفًا من الأشداء الأقوياء، قد جعلوا قبلتهم الجناح الأيمن، فصدرت في الحال أوامر السردار بتطويح الجناح الأيسر والقلب حول الأعداء، وتركت الأورطة الأولى من برتيش بريجاد لنقل المهمات، بينما احتلت أورطة مكسويل السودانية (الاكت) التي كان يجتمع عندها الدراويش، وانضمت بقية لواء مكدونالند لضرب النار. في خلال عشر دقائق تمكنت جنودنا الباسلة من حصر قوة الدراويش (قبل تمكنها من الرجوع إلى المنازل) تحت نيران ثلاثة ألوية وبعض مدافع للطوبجية. ولطالما حاول الدراويش المخلصون أن يقاوموا مقاومة شديدة بكل شجاعة وإقدام، ولكنهم كانوا يُسحقون سحقًا، ويرتدون على أعقابهم المرة بعد المرة، ومع ذلك كانوا يرفعون أعلامهم بكل زهو وخُيَلاء ويموتون تحت ظلالها، ولا ريب أن مثل هذه الأعمال أكثر ما يقدر على مقاومته الجسم البشري، إذ كلما مُحيت كتيبة تقدمت أخرى، حتى فني أكثرهم وولى الباقون الفرار تاركين الأرض وراءهم مغطاة بالجثث المتلحفة بالمفرقعات. تلغراف آخر: ناوشت الأورطة الحادية والعشرون اللانسرس بعض الأعداء، فوجدت كتيبة من فرسان الأعداء مستترة، فصبت عليها رَصاص البنادق، حتى أوقفتها مكانها، ولكن قتل من جنودنا ضابط وقتل أيضا ٢١ جنديًّا وجرح ٢٠، هذا بينما كانت الخيالة المصرية مشتبكة القتال طوال النهار مع فرسان البقارة الذين أخذوا مدفعًا بقي معهم مدة من الزمان، ولكن جنودنا ردته ثانية بعد ذلك بهمة وإقدام غريبين. وإن الإنسان ليأخذه الإعجاب والتأثر الزائد من شجاعة الدراويش وإقدامهم، فكلما انفرط عقد اجتماعهم واضمحلت قوتهم تألبوا ثانية مقدمين للحرب حتى يقطعوا إربًا إربًا، ولا يبقى لهم أثر ما، وترى الأمراء يقتحمون الأهوال ويدفعون بأنفسهم للموت، تنشيطًا لأتباعهم حتى كاد بعضهم يصل صفوفنا قبل أن يحترق جسمه بالرصاص المذاب المنصب عليه، وكم من جريح يعالج سكرات الموت يدير رأسه ليطلق من بندقيته طلقة الوداع. وعند الساعة ١١ والدقيقة ١٥ أمر السردار بالزحف، فتقدمت القوة وطردت من بقي من الأعداء أمامها في عرض الصحراء، بينما كان الفرسان يقطعون خط رجعتهم عن أم درمان. وعند الساعة ١٢ والدقيقة ١٥ دخلت الجنود جميعها أم درمان، تحت قيادة السردار وراية التعايشي السوداء مرفوعة. وأنا أكتب هذا في ضواحي هذه المدينة المضمحلة منتظرًا احتلال المدينة بأجمعها هذا اليوم. وتقدر خسائرنا تقريبا بنحو ٢٠٠ نفر، وخسائر الدراويش بالألوف، وقد انقرضت المهدوية بذلك انقراضًا لا تقوم لها بعده قائمة. اهـ. وأنت ترى أن تهور هؤلاء الدراويش وغرورهم دفع بهم إلى مبارحة حصون عاصمتهم (أم درمان) المنيعة والهجوم على الجيش الذي يفوقهم تنظيمًا واستعدادًا، وهكذا إذا وقع القضاء عمي البصر.