غذاؤنا في الصيف [*] من المعلوم أن الغذاء هو الذي يقوم الجسم ويعوض ما يندثر من بنائه , وأن لمجموع الجسم عملاً شاقًّا في طرد وإفراز الفضلات والمواد الداثرة , كذلك هو يعمل عملاً عنيفًا في تحليل مواد الغذاء وتوزيعها على أجزاء الجسم لتجديد بنائه، وتتنوع الأغذية بتنوع فصول السنة - يعلم العوام شيئًا كثيرًا من هذا فضلاً عن الخواص - وقد قضت مشيئة الله أن يكون لكل فصل وإقليم من مواد الغذاء ما يناسب حالة الجو , فترى الأبّ (الخضر) والفواكه تكثر في الفصل الحار والإقليم الحار , حيث تشتد الحاجة إليهما , وكان على الإنسان أن يجعل الطبيعة المعلم الأول له , ولكنه لما لم يفعل , عني العلماء والأطباء بإرشاده على ما به قوام جسمه قال الدكتور (كلفن كوتر) الأميركاني ما معناه: (يجب في الفصل الحار والإقليم الحار تقليل الأطعمة النيتروجية والإكثار من الأطعمة النباتية والفواكه الناضجة) وقد رأينا في (المقطم) مقالة في هذا الموضوع للدكتور أمين دمر تحت عنوان (غذاؤنا في الصيف) فأحببنا نشرها لقراء المنار , وسننشر مقالته اللاحقة التي وعد بها إن عثرنا عليها، قال: إن كيفية الغذاء ونوع الأطعمة التي نتناولها تختلف باختلاف فصول السنة وتقلبات الجو , ومن المعلوم أن غذاءنا يكون وافرًا ومغذيًا في الشتاء وفي أيام البرد القارس , ومعتدلاً خاليًا من المواد المنبهة في الصيف وأيام الحر , وهذه الاعتبارات التي يعلمها العام والخاص قد عللها علماء الطب مؤيدين ما شاهدوه بالاختبار , ولقد لخص الدكتور دي فلييري - في رسالة قدمها إلى مجمع الطب في باريس في شهر نوفمبر الماضي - ما سماه (الحوادث الناشئة عن تأثير الحر) وهي الأعراض التي شاهدها في الأطفال والراشدين على السواء , ولا سيما في المرضى على اختلاف سنهم) . اعتاد البعض أن ينسبوا هذه الحوادث المكدرة إلى الإفراط في المشروبات المبردة التي تشتد الحاجة إلى استعمالها كلما زادت درجة الحرارة , لا ينكر أحد تأثير هذا العامل المهم في حصول هذه الأعراض , وإنما هناك عوامل لا تقل أهمية عن الأول , ويزعم المسيو دي فلييري أنها تؤثر ولا محالة في الأغذية الحيوانية كاللحوم سواء كانت مذبوحة حديثًا أو محفوظة في العلب (معقمة) وذلك أنه يعجل اختمارها ويولد فيها المواد السامة , علاوة على ما يصيب الغدد البطنية: كالكبد والكلى والمعدة والمِعَى من الاضطرابات الشديدة التي تضعف الإفرازات الضرورية لهضم الطعام وامتصاصه , فينشأ عن ذلك تعب شديد يؤهل الجسم للنزلات المَعِدية المعوية كالدوسنطارية والكوليرين - وما أكثر انتشارهما في هذه الأيام - فتضعف حركة الهضم وتقل شهية الطعام , كما يشاهَد عادة في الراشدين أصحاء كانوا أو مرضى , ولا سيما في الأطفال - الذين تزيد وفياتهم جدًّا - على ما سنبينه في مقالة أخرى. فإذا كان تأثير الحر في بعض المواد الغذائية والغدد البطنية أمرًا ثابتًا لا يجوز الارتياب في صحته وجب علينا أن نتبع في غذائنا طريقة تكون مثال الاعتدال والانتظام , فنتجنب على قدر الإمكان في زمن الصيف اللحوم والأسماك والمواد الشحمية التي تعيق وظيفة الهضم , وكذلك البيض والحليب اللذين يعسر هضمهما في كثير من الأحيان , ونستعمل البقول والفاكهة واللبن الخائر الذي من مميزاته تقوية وظائف الهضم. أما المشروبات المثلجة فيجب الاعتدال في تعاطيها من حيث كميتها ونوعها ودرجة برودتها , فإذا شعرنا بالحاجة إلى الشرب يجب أن يكون شربنا قليلاً ودرجة برودة السائل الذي نشربه معتدلة , والكمية التي نشربها كل دفعة قليلة بحيث لا تتعب المعدة , ومن المرطبات التي يمكن تعاطيها في هذه الأيام ماء عرق السوس وشراب التمر الهندي، أما شراب الليمون (وأعني الليموناضة) فلا نرى فائدة بالإكثار من استعمالها بالكيفية التي نشاهدها الآن؛ لأنها تزيد حموضة المعدة فتؤخر حركة الهضم , علاوة على أنها لا تروي ظمآنًا بل تزيده عطشًا , وكثيرًا ما تكون سببًا في ما يسمونه تمدد المعدة. أما المشروبات الروحية والمسكرات فممنوع تعاطيها على الإطلاق ليس في البلاد الباردة فقط بل في بلاد حارة كبلاد مصر أيضًا.