للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بيان عن سياسة الإبادة والاستئصال
التي اتبعتها إيطاليا في طرابُلس الغرب

(أُلقي في اجتماع عظيم في نادي جمعية الشبان المسلمين ووقع عليه أهل
الرأي والمكانة في مصر ليرسل إلى جمعية الأمم ويذاع في العالم الإسلامي) :
ولقد شهدت مصر مشهدًا لا تستطيع الإنسانية أن تعرض عنه متجاهلة ما
انطوى عليه من الآلام، وذلك أن مئات من بني الإنسان - بين رجال ونساء
وأطفال وشيوخ - اضطروا تحت ضغط الجور إلى أن يتركوا أوطانهم تخلُّصًا من
الظلم، وأن يهيموا على وجوههم في القفار، ولولا مروءة مأمور الواحات المصري
الذي خرج هو ورجاله للبحث عنهم حتى لقيهم وأنقذهم لهلكوا عطشًا وجوعًا.
أولئك هم فريق من إخواننا الطرابلسيين الذين خرجوا من قسوة الحكم
الإيطالي الذي لا يُطاق.
ولم تكد أعيننا تكفكف الدموع على هذا المشهد الذي شهدته على اليابسة حتى
حملت إلينا أمواج البحر في السلوم مشهدًا آخر أفظع من هذا وأشنع، فرمى البحر
إلى هذا الساحل المصري أربع عشرة جثة من جثث هؤلاء الطرابلسيين مغلولة في
سلسلة واحدة.
ثم توالت الأخبار بأن زاوية الكفرة المنقطع أهلها للعبادة قد أمطرتها طيارات
الإيطاليين بالقنابل وفتكت بأهلها فتكًا ذريعًا، وبعد ذلك هاجمها الجيش وكاد يأتي على
البقية الباقية من أهلها، ولم يتعفف عن هتك الأعراض وسلب الأموال وبقر بطون
الحوامل، وقد قتل من أهل الكفرة في هذه النازلة كثيرون منهم الشيخ أبو شنة وابن
أخيه الشيخ عمر والشيخ حامد الهامة والشيخ عبد السلام أو سريويل والشيخ محمد
المنشوف وابن أخيه علي بن حسين والشيخ محمد العربي والشيخ
محمد أبو سجادة والشيخ أحمد الفاندي الجلولي والشيخ خليفة الدلاية، ولما ذهب
كبار شيوخ زاوية الكفرة إلى القائد الكبير يرجونه وضع حد لهذه الذابح أمر بذبحهم
فذبحوا أمامه كما تُذبح الشياه.
ومن الفظائع التي ارتكبها الإيطاليون في برقة، ونقلها الرواة الصادقون أنهم
وضعوا أحد مشايخ عائلة الفوائد المدعو الشيخ سعد وخمسة عشر شخصًا من العرب
في الطيارات وارتفعوا بهم عن سطح الأرض ثم جعلوا يلقونهم واحدًا بعد الآخر
ليموتوا موتة لم يسبق لها مثيل.
ومن الفظائع التي ارتكبوها في الجبل الأخضر إخراج أهله منه وهم لا يقل
عددهم عن ثمانين ألف عربي إلى باديات سِرْت القاحلة، ثم أذاعوا بواسطة
قنصلياتهم في بلاد الأرجنتين أن حكومة طرابلس وبرقة تعطي الأراضي الخصبة
فيهما لكل إيطالي يريد النقلة إليهما، وبلغت مساحة الأراضي التي أُخذت غصبًا
نحو من مائتي ألف هكتار ولا تزال الحكومة الإيطالية تحث الإيطاليين على استعمار
هذه الأراضي.
وقبل انتزاع أراضي الجبل الأخضر من أهله في هذه السنة انتزعت في سنة
١٩٢٤ ما مساحته ٤٢٠ ألف هكتار بدون مقابل، وفي بعض الأحيان كان المقابل
عن المائة هكتار ستة آلاف فرنك إيطالي أي خمسين جنيهًا تقريبًا.
وقد خرج أهالي الجبل الأخضر عند انجلائهم منه وهم لا يملكون ما يقتاتون
به فرتبوا لكل عائلة فرنكين في اليوم وهم الآن يعيشون بهذا المرتب عيشة بؤس
تفتت الأكباد، وفي أثناء نقلهم إلى صحراء سِرْت كان كلما عجز واحد منهم عن
مواصلة المشي يُرمَى بالرصاص.
وفضلاً عن كل ذلك فقد جمع الإيطاليون الأطفال الوطنيين من سن ٣ إلى سن
١٤ وأخذوهم من أهلهم وأرسلوهم إلى إيطاليا بزعم تعليمهم فيها وجمعوا الشبان من
سن ١٥ إلى ٤٠ وألحقوهم بالجيش واستخدموهم في محاربة أهلهم وبلادهم.
وبلغ الاستهتار بالشعور الإسلامي مبلغًا عظيمًا من إرساليات التبشير المنبثة
الآن بين الأهالي ومن صدور الأوامر المشددة على الخطباء في الجوامع بالدعاء
لملك إيطاليا على المنابر.
وقد حدث مرارًا أن الحكومة تعلن العفو والأمان، فإذا وقع المعفوّ عنهم في
قبضتها غدرت بهم. وممن ذهبوا ضحية هذا الغدر من رؤساء القبائل: خليفة بن
عسكر والشيخ عبيدة الصرماني وأحمد الباشا وإبراهيم بن عباد والهادي كعبار
وابنه محمد كعبار والشيخ أحمد الحجاوي والشيخ علي الشويخ والشيخ عبد السلام ابن
عامر والشيخ محمد التريكي والشيخ شرف الدين العمامي والشيخ أحمد بن حسن ابن
المنتصر والشيخ عمر العوراني والشيخ محمد عبد العال، ومن الضحايا الذين لا
يعرف لهم ذنب: الشيخ صالح العوامي وهو شيخ يبلغ التسعين عامًا من أهل العلم
والصلاح قبضت عليه إيطاليا سنة ١٩٢٣ وزجَّته في سجن بنغازي إلى أن مات
فدفن بمحل مجهول.
فأرواح هؤلاء الضحايا تصيح بالإنسانية جميعها وبجمعية الأمم بنوع خاص
أن هَلُمِّي إلى إنقاذ البقية الباقية من أبناء الإنسانية المعذبة في هذه الربوع من سياسة
الفتك والاستئصال والإبادة التي تتبعها إيطاليا في طرابلس المنكودة.
وإن العالم الإسلامي يعتبر ما وقع في طرابُلس الغرب عدوانًا مباشرًا على كل
مسلم مهما كان جنسه ووطنه، وسيبقى عار هذه الأعمال لاصقًا بالإنسانية كلها حتى
تهب الهيئات الرسمية - وفي مقدمتها عصبة الأمم - لإجراء تحقيق دولي حر دقيق
في نفس بلاد برقة وطرابلس عن كل ما جرى فيها وإعلان نتيجته كما تقتضيه
العدالة والحق.
والموقعون على هذا يطلبون من جمعية الأمم إجراء هذا التحقيق تنزيهًا
للإنسانية عن لحوق هذا العار بها إلى الأبد ويرجون بإلحاح أن يكون لهم مندوب
يختارونه مع لجنة التحقيق، وهم ينتظرون ما تقرره العصبة في هذا الشأن بفارغ
الصبر.
التوقيعات
محمد أبو الوفا الشرقاوي ... ... خليل الخالدي
... ... ... ... ... رئيس الاستئناف الشرعي بفلسطين
محمد رشيد رضا ... ... ... محمد عبد اللطيف دراز ... ... ... ... ... ... ... ...
منشئ مجلة المنار الإسلامية ... ... ... من العلماء
... ... ... ... ... وعضو مجلس إدارة جمعية الشبان بالقاهرة
محمد عبد الرحمن قُرَّاعة ... ... ... عبد الوهاب النجار
من العلماء ومدرس بالأزهر الشريف ... وكيل جمعية الشبان الملسمين بالقاهرة
محمد كامل القصاب ... ... ... ... الأمير عمر طوسُن
علي سرور الزنكلوني ... ... ... محمد تقي الدين الهلالي
المدرس بقسم ... ... ... ... ... الأستاذ الأول
التخصص بالأزهر ... ... ... للآداب العربية بندوة العلماء بالهند ... ... ... ... ...
علي جلال ... ... ... ... ... فؤاد سليم الحجازي ... ... ... ... ...
المستشار بمحكمة الاستئناف سابقًا ... سفير الدولة العثمانية بسويسرا سابقًا
عبد الحميد سعيد ... ... ... ... عبد العزيزصدقي
الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين ... ... وكيل مديرية سابقًا
حسين شيرين ... ... ... ... حافظ موسى الكلحي
رئيس جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية ... عضو مجلس النواب سابقًا
... محمود السيد ... ... ... ... مصطفى الشُّرْبَجِي
محامٍ وعضو مجلس النواب سابقًا ... ... محامٍ وعضو مجلس النواب سابقًا
الدكتور يحيى أحمد الدرديري ... ... محمود علي فضلي
المراقب العام لجمعية الشبان المسلمين ... عضو مجلس إدارة الشبان سابقًا
طنطاوي جوهري ... ... ... ... أحمد حافظ عوض
مدرس سابقًا ومؤلف ... ... صاحب جريدة كوكب الشرق
محب الدين الخطيب ... ... ... محمد أحمد الغمراوي
منشئ مجلة الزهراء وصحيفة الفتح ... كاتم سر جمعية الشبان بالقاهرة
محمد الناغي ... ... ... ... ... إبراهيم أطفيش الجزائري
عضو إدارة الشبان المسلمين ... ... ... صاحب مجلة المنهاج
محمد أحمد الحناوي ... ... ... ... الدكتور محمد علي
محرر بجريدة الفلاح المصري ... ... من أطباء مديرية الغربية
الدكتور نصر فريد ... ... ... الدكتور عبد اللطيف فاضل
من أطباء القاهرة ... ... ... ... من أطباء القاهرة
الدكتور حسن أبو السعود ... ... ... محمد أحمد الفقي
من أطباء القاهرة ... ... ... ... ... من العلماء
محمود شلتوت ... ... ... ... عبد ربه مفتاح
من علماء الأزهر ... ... ... ... من علماء الإسلام
محمد الههياوي ... ... ... ... ... أحمد مختار
صحفي ... ... ... ... ... مهندس
أحمد عبد الحميد ... ... ... ... ... محمد عثمان
مهندس ... ... ... ... ... ... مهندس
عبد العزيز عثمان ... محمد عِفَّت ... ... عبد الرازق البيلي
مهندس ... ... ... مهندس ... ... مهندس
(ويلي هذا مئات من الإمضاءات في مصر وفي أقطار أخرى نشرتْها كلها
مجلة الشبان المسلمين في القاهرة) .