للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تهاني الشعراء

نظم أشهر شعراء مصر القصائد في التهاني السلطانية، وفي مقدمتهم
إسماعيل باشا صبري وأحمد شوقي بك ومحمد حافظ بك إبراهيم، وامتازت
قصيدة شوقي بأنها لم تكن مدحًا وثناء مجردًا كغيرها؛ بل تمثيلاً لشعوره ووجدانه
الخاص من حيث هو ربيب بيت الخديوي إسماعيل باشا، وغرس نعمته، ووجدانه
العام من حيث هو مسلم مصري، ويشاركه في هذا جمهور المصريين؛ فإذا
أثبتناها بنصها أثرًا تاريخيًّا لا نخرج عن سنة المنار في عدم نشر المدائح الشخصية
وها هي ذه:
الملك فيكم آل إسماعيلا ... لا زال بَيْتُكُمُو يُظِل النيلا
لطف القضاء فلم يمل لوليكم ... ركن ولم يشف لحسود غليلا
هذى أصولكمو وتلك فروعكم ... جاء الصميم من الصميم بديلا
المُلك بين قصوركم في داره ... من ذا يريد عن الديار رحيلا [١]
(عابدين) شرف يا ابن رافع ركنه ... عزًّا على النجم الرفيع وطولا
ما دام مغناكم [٢] فليس بسائل ... أحوى فروعًا أم أقل أصولا
أنتم بنو المجد المؤثل والندى ... لكمو السيادة صبية وكهولا
النيل إن أحصى لكم حسناتكم ... ملأ الزمان محاسنا والجيلا
أحيا أبوكم شاطئيه وابتنى ... مجدًا لمصر على الزمان أثيلا
نشر الحضارة فوق مصر وسوريا ... وامتد ظلاًّ للحجاز ظليلا
وأعاد للعرب الكرام بيانهم ... وحمى إلى البيت الحرام سبيلا
***
حفظ الإله على (الكنانة) عرشها ... وأدام منكم للهلال كفيلا
بنيان (عمرو) أَمَّنَتْهُ عناية ... من أن يزعزع ركنه ويميلا
وتدارك الباري لواء محمد ... فرعى له غررًا وصان حجولا
في برهة يذر الأسرة نحسها ... مثل النجوم طوالعا وأفولا
الله أدركه بكم وبأمة ... كالمسلمين الأولين عقولا
حلفاؤنا الأحرارُ إلا أنهم ... أرقى الشعوب عواطفا وميولا
أعلى من الرومان ذكرًا في الورى ... وأعز سلطانًا وأمنع غيلا
لما خلا وجه البلاد لسيفهم ... ساروا سماحا في البلاد عدولا
وأتوا بكابرها وشيخ ملوكها ... ملكًا عليها صالحًا مأمولا
تاجان زانهما المشيب بثالث ... وَجَدَ الهدى والحقُّ فيه مقيلا
***
سبحان من لا عز إلا عزه ... يبقى ولم يك ملكه ليزولا
لا تستطيع النفس في ملكوته ... إلا رضا بقضائه وقبولا
الخير فيما اختاره لعباده ... لا يظلم الله العباد فتيلا
يا ليت شعري هل يحطم سيفه ... للبغي سيفًا في الورى مسلولا
سلب البرية سلمها وهناءها ... ورمى النفوس بألف عزرائيلا
زال الشباب عن الدسار وخَلَّفُوا ... للباكيات الثكل والترميلا
طاحوا فطاح العلم تحت لوائهم ... وغدا التفوق والنبوغ قتيلا
الله يشهد ما كفرت صنيعة ... في ذا المقام ولا جحدت جميلا
وهو العليم بأن قلبي موجع ... وجعًا كداء الثاكلات دخيلا
مما أصاب الخلق في أبنائهم ... ودهى الهلال ممالكا وقبيلا
أأخون إسماعيل في أبنائه ... ولقد ولدت بباب إسماعيلا
ولبست نعمته ونعمة بيته ... فلبست جزلاً وارتديت جميلا
ووجدت آبائي على صدق الهوى ... وكفى بآباء الرجال دليلا
رؤيا (عليّ) يا حسين تأولت ... ما أصدق الأحلام والتأويلا
وإذا بناة المجد راموا خطة ... جعلوا الزمان مُحَقَّقًا ومُنِيلا
القوم حين دها القضاء عقولهم ... كسروا بأيديهم لمصر غلولا
هدموا بِوادي النيل ركن سيادة ... لهمو كركن العنكبوت ضئيلا
ارَقْه [٣] سرير أبيك والبس تاجه ... واكْرُمْ على (القصر المشيد) نزيلا
مرت أويقات عليه موحشًا ... كالرمس لا خلوًا ولا مأهولا
ليست معالي الأمر شيئًا غائبًا ... عنكم وليس مكانكم مجهولا
كم سستموه في الشبيبة مضلعًا ... وحملتموه في المشيب ثقيلا
وحميتمو زرع البلاد وضرعها ... وهززتمو للمكرمات بخيلا
يا أكرم الأعمام حسبك أن ترى ... للعَبرتين بوجنتيك مسيلا
من عثرة ابن أخيك تبكي رحمة ... ومن الخشوع لمن حباك جزيلا
ولو استطعت إقالة لعثاره ... من صدمة الأقدار كنت مقيلا
***
يا أهل مصر كِلُوا الأمور لربكم ... فالله خير موئلاً ووكيلا
جرت الأمور مع القضاء لغاية ... وأقرّها من يملك التحويلا
أَخَذَتْ عنانًا منه غير عنانها ... سبحانه متصرفا ومديلا
هل كان ذاك العهد إلا موقفًا ... للسلطتين وللبلاد وبيلا
يعتز كل ذليل أقوام به ... وعزيزكم يُلْقِي القياد ذليلا
دفعت بنافيه الحوادث وانقضت ... إلا نتائج بعدها وذيولا
وانفضّ ملعبها وشَاهِدُه على ... أن الرواية لم تتم فصولا
فأدمتمو الشحناء فيما بينكم ... ولبثتمو في المضحكات طويلا
كل يؤيد حزبه وفريقه ... ويرى وجود الآخرين فضولا
حتى انطوت تلك السنون كملعب ... وفرغتمو من أهلها تمثيلا
وإذا أراد الله أمرًا لم تجد ... لقضائه ردًّا ولا تبديلا