للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(تهنئة الأمير حبيب الله خان بإمارة الأفغان)
لحضرة العالم الأديب الشيخ أحمد جيتيكر من فضلاء بمباي (الهند)
سرى عنك الأسى يا نفس طيبي ... فقد جاء البشير بنشر طيب
وعادت نضرة الأيام حتى الـ ... ـقفار اليوم كالروض الخصيب
وغنَّت كل روض بالتغني ... بتشبيب المهنئ والنسيب
وتغريد الفواخت مطربات ... يجاوبها غناء العندليب
نعم عمَّ المراح فراح غمٌّ ... طرا بكوارث اليوم العصيب
ومد يد النشاط بساط بسط ... ونزهت الصدور من الكروب
فيا بشرى بها الآمال تحيا ... أتت تشفي القلوب من الوجيب
وطوبى إذ بدا نجم المعالي ... عقيب خفاء نجم في مغيب
وما نجم له مثل ولكن ... يعبر عن بعيد بالقريب
زها عرش الخلافة إذ علاه ... (حبيب) الله محبوب القلوب
فهللت العساكر من رجال ... وخيل قد ملأن فضا الجيوب
وكبرت المدافع مطلقات ... تدندن وهي تغني عن نقيب
وحيَّا كل حي بالتهاني ... وجمع الشمل ألحان الخطيب
علا فعلا به العرش الثريا ... بأسنى من سناها والثقوب
فتى جم المحاسن ليس تحصى ... ومن يحصي النجوم سوى الحسيب
أغر الوجه ذو صدر رحيب ... طويل الباع ذو الكف الوهوب
ذكي الخلق مرضي السجايا ... نقي الجيب عن كل العيوب
محبته سرت في كل قلب ... ففاح شذاه كالمسك الرطيب
فتى قد وجه الآمال حتى ... حدقن حوال ناديه الرحيب
ودان له الأداني والأقاصي ... وهان له الصعاب من الشعوب
نشا في معشر خُشُن فلانوا ... لأخشن منهم كفًّا أريب
وأعلم بالعواقب والمبادي ... وأبصر بالشواهد والغيوب
وأسخى من أخي طي عطاءً ... وأرسخ من همالي [١] في الخطوب
(أرسطو) حكمة (جمشيد) جاهًا ... و (رستم) حين يُدْعَى للحروب
تجلى والعفاف له شعار ... فآثره على البُرد القشيب
تقلد بالإمارة وهو سيف ... يضيء فرند جوهره العجيب
به شبَّت ذوائبها فأعجب ... بعود شبابها بعد المشيب
أتاها وهي من عهد قديم ... أبت إلا مواصلة الحبيب
فواصلها وأيدها وزيرًا ... (بنصر الله) ذي الرأي المصيب
هما كالفرقدين بغير فرق ... وصنوا المجد من أصل نجيب
وكالعينين في شخص بصير ... وإنسانين في عيني طبيب
وكالدرين من عقد ثمين ... وكالزهرين من غصن رطيب
وكالشجرين بالوادي استنارا ... بنور قد علا نور الخضوب
فبورك فيهما أصلاً وفرعًا ... ومَن مِن مغرس ذاك الخصيب
وزاد ضياء (كابل) بالأميرالـ ... ـحبيب وبالوزير له اللبيب
وعمَّ ممالك الأفغان طرًّا ... سعادة نائب [٢] وسنا المنيب
ليهنكما أيا قمران ذا الملـ ... ـك والتدبير خالدَي الرتوب
وزادكما إله العرش أيدا ... بنصر منه والفتح القريب
وجدد في ظلالكما ارتقاء الـ ... ـعلوم وسائر الفن الغريب
ولا عدم اعتناءكما مديحي ... أتيت به بإخلاص المنيب
وليس الشعر من أدبي ولكن ... لأمر ما وسمت به نصيبي
به الإسلام أخدمه عسى أن ... يصادف دعوتي نظر المجيب
رجائي منكما حث اعتزامي ... وسنى لي إلى العليا ركوبي
فدام علاكما بالعز والجا ... هـ ما كرَّ الطلوع على الغروب
وإذ فاق الإمارة فليؤرخ ... تفوقت الإمارة بالحبيب
سنة ١٣١٩ ... ٩٨٦ ٢٧٨ ٥٥
وقلنا حين زاد الملك حسنًا ... أضاء الملك نصر بالحبيب
سنة ... ١٣١٩ ... ٨٠٣ ١٢١ ٣٤٠ ٥٥
وقل بالفارسية مستطيبًا ... زهي شاه وخوشا ماه جيبي (كذا)
سنة ... ... ... ١٣١٩ ٢٢ ٣١٢ ٩٠٧ ٤٦ ٣٢
أديب وآخرا أرخ دعاء ... وفاق الملك ضوعف بالحبيب
سنة ... ١٣١٩ ... ١٨٧ ١٢١ ٩٥٦ ٥٥
***
(رثاء أمير أفغانستان)
من نظم الشاعر الناثر مصطفى أفندي صادق الرافعي
يافاجع الموت ماذا ينفع الحذر ... وقد عهدناك لا تبقي ولا تذر
جنت يداك أزاهير الورى فهوت ... كما تناثر من أوراقه الزهر
وما بمانعهم ما قدروا وقضوا ... فإن كل قضاء فوقه قدر
ليس الجبان بمغنيه تذلله ولا أُسود الشرى ناب ولا ظفر
وفي الجديدين للأحياء موعظة ... وما مواعظ دهر كله عبر
يا لهف (كابل) إذ فاجأتَ كافلَها ... وقد تركتَ قلوب القوم تنفطر
فَجَعتَها وفَجَعتَ العالمين بها ... حتى النجوم وحتى الشمس والقمر
وجئتَ ضيغمها الضاري بمخلبه ... فلم يواثبك ذاك الضيغم الهصر
كم كان يزجي المنايا للعدا زمرًا ... حتى بُعثن له من ربه الزمر
وكان يأتيه ريب الدهر معتذرًا ... فاليوم عنه صروف الدهر تعتذر
والمرء إن عضه ناب الحِمام ثوى ... لا البيض مانعة عنه ولا السمر
وما تبسم للأيام مختبل ... إلا تفجع بالأيام مختبر
والدهر يومان يوم كله كدر ... لا صفو فيه ويوم بعضه كدر
سلوا المآثر عنه فهي خالدة ... في كل قلب له من حبه أثر
واستخبروا الشرق ما للشمس كاسفة ... فما (جهينة) إلا عندها الخبر
وفي ذهاب (ضياء الدين) مظلمة ... هيهات تكشفها الأوضاح والغرر
ما شبَّ في غِيَر الأحداث فكرته ... إلا أضاءت له الأحداث والغير
ومدفع الغرب في أيدي عصابته ... كباتر الهند بالأفغان يفتخر
فلو رأى الكوكب السيارة خاطره ... ما كان يسليه إلا إنه بشر
ولو روى الفلك الدوار حكمته ... لأمست الشهب فيه كلها سور
يا شامخًا دكه ريب المنون أما اهـ ... ـتز الحطيم وركن البيت والحجر
طارت بنعيك للإسلام بارقة ... فانهل دمع بني الإسلام ينهمر
وذي قلوب الورى من حر جارحها ... كأن نار الوغى فيهن تستعر
فما لأنباء هذا السلك خائنة ... حتى المدامع خانت سلكها الدرر
***
(قضايا غرام، فهل من محام)
قال الشيخ تاج الدين محمد بن عبد المنعم التنوخي المعري الأصل الدمشقي
المتوفى سنة ٦٦٩.
ما ضر قاضي الهوى العذري حين ولي ... لو كان في حكمه يقضي علي ولي
وما عليه وقد صرنا رعيته ... لو أنه مغمد عنا ظُبَى المقل
يا حاكم الحب لا تحكم بسفك دمي ... إلا بفتوى فتور الأعين النجل
ويا غريم الأسى الخصم الألد هوى ... رفقًا علي فجسمي في هواك بلي
أخذت قلبي رهنًا يوم كاظمة ... على بقايا دعاوٍ للهوى قِبَلي
ورمت مني كفيلاً بالأسى عبثًا ... وأنت تعلم أني بالغرام مَلي
وقد قضى حاكم التنبريح مجتهدًا ... عليَّ بالوجد حتى ينقضي أجلي
لذا قذفت شهود الدمع فيك عسى ... أن الوصال بجرح الجفن يثبت لي
لا تسطون بعسَّال القوام على ... ضعفي فما آفتى إلا من الأسل
هددتني بالقلى حسبي الجفا وكفى ... (أنا الغريق فما خوفي من البلل)
ولغيره:
عيناه قد شهدت بأني مخطئ ... وأتت بخط عذاره تذكارا
ياحاكم الحب اتَّئِد في قتلتي ... فالخط زور والشهود سكارى
ولنا في أيام الدراسة والطلب:
أتيت قاضي الهوى أشكوه مظلمتي ... إذ لج بي منه هجران وتبريح
ولي شهيدان: قلب خافق قلق ... ومدمع دافق فاضت به الروح
فقال ما لك في دعواك بينة ... فالعين نمامة والقلب مجروح