للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة المجلد السادس والعشرين

بسم الله وبحمده نختم المجلد السادس والعشرين من المنار، وهو المحمود في
كل حال، وفي بدء كل أمر ذي بال وختام، ولا نزال نحن والمشتركون في المنار
على ما وصفنا في خواتيم السنين الماضية من تقصير، يقصرون عمدًا في الأداء
والوفاء، فنقصر اضطرارًا في المضاء، ونقصر عمدًا في الاقتضاء والتقاضي،
وفي أمثال العوام (المال السائب - أي المسيَّب - يعلم الناس الحرام) وقد كان
من عاقبة تقصيرنا في المطالبة، وترك الأمر إلى أريحية المشتركين وديانتهم،
وعدم محاكمة المماطلين منهم - أن رأينا غرائب من الدناءة والطمع من أغنيائهم
ووجهائهم، منها أن غنيًّا مترفًا من أصحاب القصور الفخمة، والمركبات الكهربائية،
والخدم والوصائف من الإفرنج والبرابرة، طلب بعد تكرار المطالبة وصلاً
باشتراك المجلة عن سنين لم يدفع فيها شيئًا فأعطيه، فأخذه وضرب موعدًا قريبًا
للدفع ولم يدفع فيه، ثم ضرب موعدًا آخر فموعدًا آخر فموعدًا آخر، وقد مرت
السنون على هذه المواعيد العرقوبية، وهو لا ينكر الوصل، ولعله لو قُوضي إلى
المحكمة لأنكره، أو دفع المال تفاديًا من المحاكمة.
وأعجب من أمر هذا الغني الضعيف في العلم والدين وشرف النفس والبيت
أمر غني آخر معدود من علماء الدين المؤلفين، ومن السادة العلويين، مطل ولوى
عدة سنين، ثم أعطى قليلاً ما عليه وأكدى، ثم قال لجابي المجلة بعد سنين
أخرى أنه يجب أن يعفى من الاشتراك الماضي والمستقبل؛ لعلمه وشرفه (! !) فإن
كانت هذه آيات العلم والشرف وثمراتهما، فلا بد أن تكون آيات ضدهما -
وهما الجهل والخسة وثمراتهما في النفس - الوفاء وأداء، الحق، ومساعدة نشر
الدين والعلم، والترفع عن مثل هذا السؤال، واستثقال حمل منن الرجال، وإذًا
يكون الجهل أفضل من العلم، وخسة الأنساب أفضل من شرفها (! !) كلا، بل
كان حرمان منتحلي العلم الديني وحاملي شهادات الأنساب من التربية الدينية
العالية - سببًا لضياع ما كان لسلفهما من الاحترام والمكانة، إذ كانوا أكرم الناس
وأعزهم أنفسًا.
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
قد شرحنا في الجزء الرابع من هذا المجلد الذي صدر في آخر المحرم أنواع
الأعمال الكثيرة التي تزاحم اشتغالنا بتحرير المنار، وقد زادت بعد ذلك عما ذكر
فيه نوعًا أو نوعين، ثم سافر بعد صدوره بشهر أو شهرين وكيل الإدارة إلى
سورية، فمكث بضعة أشهر فزادت صنفًا أو صنفين، حتى اضطررنا إلى تأخير
بعض الأجزاء عن موعدها، ثم استعنَّا الله تعالى على تدارك هذا التقصير، حتى
جعلنا خاتمة هذه السنة سلخ رمضان كالتي قبلها.
وقبل تمام هذا الشهر نفسه يتم لنا ما كنا شرعنا فيه ووعدنا به في خاتمة
المجلد السابق من توسيع المطبعة وإدارتها بقوة الكهرباء؛ فتتوفر الأسباب لإنجاز
طبع المنار وسائر مطبوعاتنا بالسرعة والإتقان، وسيكون أكبر همنا في المجلد
السابع والعشرين موجَّهًا إلى مجاهدة الملاحدة والإباحيين الذين نشطوا في هذه الأيام
في تعميم دعوتهم إلى هدم العقائد، والتجرئة على الفواحش والرذائل، وتقطيع
الروابط الملية والقومية، وإعداد الأمة لقبول السيطرة الأجنبية، وجميع الفتن
المادية حتى البلشفية. وإلى مجاهدة البدع والخرافات القديمة التي يبثها أهل الطرق
التي تسمى صوفية، وما ولدته من البدع الحديثة كالمسيحية القاديانية، وكل هذا من
قبيل الهدم. ثم إلى تأييد دعوة الإصلاح، وتجديد أمر الإسلام، بالرجوع في عقائده
وعباداته إلى القرن الأول، والاعتماد في قوته وعزته على فنون العصر الحاضر،
هذا هو البناء المطلوب، ولعله لا يتم إلا في جزيرة العرب، كما أشارت إليه
الأحاديث النبوية.
وإننا نكل إلى دين قرائنا ومروءتهم وشرفهم أمر الوفاء لنا بتسديد قيمة
الاشتراك في وقتها، ومساعدتنا على جهادنا بكتابة المقالات، وانتقاد ما يرون من
الخطأ فيما ننشر {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: ٢)
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وسلام على المرسلين، والحمد لله رب
العالمين.