للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة

بسم الله الرحمن الرحيم
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ *
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (الجمعة: ١-٢)
نحمده عز وجل ونصلي ونسلم على رسوله محمد خاتم النبيين، الذي بعثه الله
وهو أمي في سن الكهولة مربيًّا ومعلمًا لقومه العرب الأميين، ما جعلهم به قارئين
كاتبين، صالحين مصلحين، فكانوا أئمة حكماء حاكمين وعلماء معلمين لأهل
الكتاب ورثة الأنبياء، ولغيرهم من ورثة الفلاسفة والحكماء، وجعلهم به ملوكًا
عادلين، وآتاهم بكتابه وتعليم رسوله وتزكيته ما لم يؤت أحدًا من العالمين، فما
زال هذا الكتاب الإلهي، وما بينه من سنة هذا النبي الأمي يتدارسهما البشر في
مشارق الأرض ومغاربها من شاطئ المحيط الغربي إلى أحشاء الصين، ثم انتقل
تدارسهما من الجنوب إلى الشمال، فعني بهما طائفة من الأوربيين، الذين عُرِفُوا
بلقب المستشرقين، وقد مهدوا السبيل لهما، بما وضعوه من المفاتح لألفاظهما،
والفهارس المنوعة لكتب التفسير والحديث وغيرها من الكتب العربية لتسهيل
مراجعتها، حتى صار علماء المسلمين من العرب والأعاجم مضطرين لأخذها عنهم،
واقتفاء أثرهم فيها.
وهذا كتاب (مفتاح كنوز السنة) الذي نعرضه اليوم للعالم الإسلامي بلغة
الإسلام، أحد نفائس هذه الكتب التي وضعها أحد هؤلاء الأعلام؛ وإنما وضعه لهم
بإحدى لغاتهم، وإن عالمنا الإسلامي، لهو أحوج إليها من العالم الأوربي، فعسى
أن ينتفع به جميع شعوبه وتنهض بهم الحمية الدينية إلى خدمة السنة بما هو خير
منه في الضبط والجمع، وتعميم النفع.
أما بعد، فإن خير ما أُعَرِّف به هذا الكتاب لقراء العربية، أن أبين لهم وجه
الحاجة إليه، وطريق الانتفاع به، وعدم استغناء أعلم علماء الحديث عنه، بل هم
أشد حاجة إليه من غيرهم، ويتلوهم من دونهم من العلماء، فمن دونهم من دهماء
القراء الذين يقتنون شيئًا من كتب الحديث المشهورة وغيرها مما يراه القراء في
طرته، وإنني أستمد هذا البيان من تجربتي واختباري في السنين الطوال، لا أقوله
بادي الرأي، ولا أصطاده من سوانح الاستحسان.
إنني وُفقت لطلب العلم من طريق الدليل، ثم وُفقت لنشره بالدليل، ووُفقت
للمناظرة وللإفتاء بالدليل، واشتغلت بعلم الحديث أول العهد بالطلب وارتقيت فيه
بالتدريج، وتمرنت على مراجعة كتبه وكتب الجرح والتعديل؛ لتخريج الأحاديث
ونقدها، وسرعة الوصول إليها من أقرب طرقها، واشتهرت عند من يعرفني من
أهل العلم والذكاء، كان الأستاذ اللوذعي الشيخ محمد توفيق البكري يظن أن عندي
فهارس لأوائل الأحاديث كلها، ومعجمًا لمفرداتها كهذا الكتاب يبين عند كل كلمة
مواضع كل حديث وردت فيه من كتبها، ثم علم أنه ما ثم إلا مفتاح الصحيحين
المطبوع المشهور، وهو خاص بأوائل أحاديث الصحيحين القولية والمسندة وبيان
مواضعها من المتن وشروح الحافظ العسقلاني والقسطلاني والعيني لصحيح
البخاري (في طبعاتها الأولى) وشرح النووي لصحيح مسلم المطبوع على هامش
شرح القسطلاني للبخاري.
ولو وجد بين يدي مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث لوفر عليّ أكثر من
نصف عمري الذي أنفقته في المراجعة؛ ولكنه لم يكن ليغنيني عن هذا الكتاب
(مفتاح كنوز السنة) فإن ذاك إنما يهديك إلى مواضع الأحاديث القولية التي تعرف
أوائلها، وهذا يهديك إلى جميع السنن القولية والعملية وما في معناها كالشمائل
والتقريرات والمناقب والمغازي وغيرها، فلو كان بيدي هو أو مثله من أول عهدي
بالاشتغال بكتب السنة لوفر عليّ ثلاثة أرباع عمري الذي صرفته فيها؛ ولمكنني من
الاستجابة لمن اقترحوا عليّ أن أضع كتابًا جامعًا للمعتمد منها، وكتابًا آخر للمُشْكِل
منها في نظر علوم هذا العصر وفلسفته، والجواب المقنع عنه.
إن حاجتنا إلى هذا الكتاب وما في معناه في هذا العصر لا يدل على تقصير
علماء السنة السابقين، أو تفريطهم في شيء من خدمتها؛ فإنهم - أحسن الله إليهم
ونَضَّرَ وجوههم - قد قاموا بكل ما يجب ويندب ويستحب من رواية الحديث وحفظه
وتدوينه في المسانيد والجوامع والسنن الجامعة والخاصة بالعقائد والأحكام، وإفراد
الصحاح منها وإتمامها بالمستخرجات والمستدركات عليها، ووضعوا المعاجم
لمفرداتها ولأوائلها لتسهيل المراجعة، دع ما سبقوا إليه جميع الأمم من وضع
التواريخ لرواتها، ثم لغيرهم من العلماء، ومن ترتيب بعضها على حروف المعجم
وبعضها على الطبقات، ومن نصب ميزان الجرح والتعديل المستقيم لهم لتمحيص
المقبول والمردود من مروياتهم، ومن وضع كتب الأطراف المبينة لروايات كل
صحابي في كل موضوع، وترتيبها على الحروف، وغير ذلك من الكماليات التي
لا محل لذكرها هنا، فقد تركوا لنا ثروة واسعة في ضبط سنن نبينا صلى الله عليه
وسلم وهديه وشمائله وسيرته لم يوفق لمثلها، ولا لما يقرب منها أحد من أتباع
الأنبياء والمرسلين، ولا غيرهم من الحكماء والمشترعين، يسرت لمن بعدهم سبيل
التفقه فيها والاستنباط منها في كل زمان بما يحتاج إليه أهله، ويكون به المتأخر
مكملاً لما سبقه إليه من قبله، ويكون الارتقاء في العلم متسلسلاً مطردًا، سواء منه
علم الدراية والرواية الذي جعلوه علمًا مستقلاًّ مدونًا وعلوم العقائد والفقه والأدب
والتصوف وغيرها.
كان أئمة الفقه في أمهات الأمصار قبل جمع الأحاديث والآثار في الأسفار
يأخذ كل منهم بما وصل إليه من علم الصحابة والتابعين بالسنة ومذاهبهم في العمل.
فاشتهر في الكوفة مذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه وقضايا علي
أمير المؤمنين كرم الله وجهه، وشريح قاضي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
وفتاوى إبراهيم النخعي وأقرانه من التابعين، فكانت عمدة أبي حنيفة في اجتهاده
بالتخريج عليها قلما كان يخالفها، ولقلة المرفوع فيها كان يأخذ بالمرسل والمنقطع،
وكثر في فروعه القياس والرأي وعرف به، واشتهرت براعة صاحبه أبي يوسف
في القضاء لتولية هارون الرشيد إياه رياسته في مملكته، ثم اشتغل صاحبه محمد
بن الحسن بالحديث، وأخذ الموطأ عن الإمام مالك ودون الكتب التي هي عمدة
المذهب.
واشتهر في المدينة علم عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وزبد بن ثابت وابن
عباس وأبي هريرة وغيرهم من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، وأصحابهم من
كبار التابعين رواتهم وفقهائهم، فكانت عمدة مالك بن أنس في اجتهاده، وكان لثقته
بهؤلاء الأعلام يأخذ المراسيل عنهم، وبعمل أهل المدينة بشرطه على كثرة المرفوع
عنده.
ثم ظهر محمد بن إدريس الشافعي وقد تأسس هذان المذهبان على ما أشرنا
إليه فرحل في طلب الحديث من مكة إلى المدينة، وسمع الموطأ وغيره من مالك،
ثم إلى بغداد فلقي محمد بن الحسن وناظره ونظر في كتب أبي حنيفة ومذهبه،
ولقي أحمد بن حنبل وطبقته من المحدثين، وألف هنالك كتبه التي تسمى بالمذهب
القديم، ثم هاجر إلى مصر وسمع من رجالها وألف فيها مذهبه الجديد، وكان أكبر
الفرق بينه وبين من قبله أن بنى مذهبه على الجمع بين روايات الأمصار المختلفة،
ووضع أصول الفقه للجري عليها في الاستنباط، وخالف أبا حنيفة وأصحابه ومالكًا
في مسائل، من أهمها: ما اشترطه في الاحتجاج بالمرسل والمنقطع، وغير ذلك كما
بينه في كتاب الأم.
ووجه أحمد بن حنبل جل عنايته إلى الإحاطة بالروايات بقدر الاستطاعة،
وبالجرح والتعديل للرجال فكان أعلمهم بها، وأقلهم عناية بالفقه استغناءً بالحديث
والآثار، ومسنده أصل الأصول لأكثر كتب السنة، فهو أعظم المسانيد وأوسعها،
ثم وضع تلاميذه وغيرهم كتب الصحاح والسنن وغيرها كما بيناه آنفًا.
وقد جرى على مذاهب هؤلاء الأربعة أكثر فقهاء أهل السنة في الشرق
والغرب، وصارت كتب السنة المدونة وشروحها المصنفة مرجع علمائهم كلهم،
فملؤوا بها طباق الأرض علمًا من كل ما يحتاج إليه البشر في دينهم ودنياهم.
فبتلك الكتب التي أتقن أفراد الأخصائيين لكل نوع منها في الرواية والدراية
صار طريق علوم السنة بأنواعها معبدًا ممهدًا، وهذه العلوم تتسع دائرتها في كل
عصر بقدر ما يتجدد للبشر فيه من الأقضية والمصالح السياسية، والحكمة العقلية
والأدبية، والأصول التشريعية، والنظريات العلمية التجريبية، والمخترعات الفنية
والصناعية، ومن فوق هذا كله إقامة الحجة على نبوة خاتم النبيين، ودفع الشبهات
عما يرد عليها وعلى أحاديثه من إشكال علمي أو عقلي؛ وإنما يكون ذلك بتمحيص
الروايات ونصب ميزان الترجيح بين المتعارض منها. والأجانب يعنون بنقد هذه
المتعارضات ما لا يعنون بتلك العلوم والحكم التي تعد من المعجزات، لتفجر
ينابيعها من فيض نبي أمي نشأ بين الأميين، وفي هذه الكتب ما لا يصح سنده وما
يُشْكِل متنه، بمخالفة الظني للقطعي من نص أو حس، وما فيه علل خفية كعنعنة
المدلسين في الصحاح، ومخالفة الثقات في غيرها، ولا بد للعالم المسلم من العلم
بذلك، ولا يتيسر ذلك كله إلا بجمع ما تفرق في كتبها في كل موضوع.
بيد أن الحياة الدينية العلمية التي بعثت الأولين على تصنيف تلك الأسفار
العظيمة، قد عرض لها أمراض روحية وسياسية كثيرة، انتهت بالمسلمين إلى
هجرها هجرًا غير جميل، حتى صار أكثر علمائهم وخطبائهم وأدبائهم يجهلون علم
الحديث، فلا يميزون بين ما صح منه وما لم يصح، بل ينقلون المنكرات
والموضوعات منه، ويحتجون بها حتى في أصول العقائد وأحكام العبادات والقضاء؛
لأنهم على جهلهم لها، وعدم تمييزهم بينها، ينقلونها من كتب الأدب والتصوف
والمواعظ والتواريخ والقصص، وكذا أكثر كتب التفسير والفقه فأمسينا في فقر
مدقع من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وأخباره، وفي خزائن كتبنا من كنوزها
العظيمة ما لو استخرجناه وانتفعنا به لكنا أغنى الأغنياء، ولملأنا الدنيا بما فيها من
العلم والحكمة بما من الله به على أهل عصرنا من نعمة المطابع، وتعميم
المواصلات وسرعتها بين الأقطار الشواسع، حتى صار جمع تلك الثروة الواسعة
من كتب الحديث وشروحها سهلاً على كل من يريده، ولكن بعد أن قل من يريده
حتى إن من المقلدين الجامدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها، والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره وذكرها!
ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها
بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ
القرن العاشر للهجرة، حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر
وإنني لما هاجرت إلى مصر سنة ١٣١٥ رأيت خطباء مساجدها الأزهر وغيره
يذكرون الأحاديث في خطبهم غير مخرجة، ومنها الضعيف والمنكر والموضوع،
ومثلهم في هذا الوعاظ والمدرسون، ومصنفو الكتب، فكنت أنكر ذلك عليهم كما
بدأت بإنكار مثله على أهل بلدي طرابلس قبلهم، واخترت لأشهر خطبائهم من
الأحاديث الصحاح والحسان المعزوة إلى مُخَرِّجِيهَا ما ختم بها خطب ديوانه.
ولما أنشأت المنار في أواخر تلك السنة التزمت فيه تخريج ما أنقله فيه من
الأحاديث، فكان لذلك بعض التأثير في بعض طلاب العلم في الأزهر، ثم في
مدرسة القضاء الشرعي، وكان جل الذين اشتغلوا بالحديث منهم من إخواني
وأصدقائي، فبإحيائي لهذه السنة بالقول والعمل، وبالدعوة إلى السنة وهدي السلف،
والنهي عن مستحدثات البدع، وُصفت بمحيي السنة، على ضعف حفظي للرواية،
وقلة حظي من الدراية، ولله الحمد على ما أعطى، ومنه وله وحده الفضل والمنة.
بيد أن جمهور المشتغلين بعلوم الشرع لا يزالون معرضين عن علم الحديث
حتى إن مشيخة الأزهر على علو مكانتها، قد أنشأت منذ أربع سنين مجلة دينية
علمية جعلتها لسان حالها، فكان أول ما أنكرته عليها عدم عنايتها بالحديث الشريف،
واقترحت عليها تخصيص بعض العلماء لتخريج كل حديث ينقل فيها وبيان
درجته، ولكن لا يزال ينشر فيها ما لا يصح ولا يعزى إلى شيء من كتب السنة
المعتمدة؛ لقلة اطلاع محرريها على هذه الكتب، وصعوبة التمييز بين الصحيح
وغيره مما في غير الصحيحين، وأصعب من ذلك عليهم المراجعة للعثور على
تخريج ما ينقلونه من الكتب المختلفة، وقد صاروا هم وأمثالهم من الكتاب والمصنفين
الذين يكتبون في المسائل الإسلامية مضطرين إلى هذا التمييز والتخريج، لكثرة
السؤال عنه، والإنكار على من نقله وتركه غفلاً، بكثرة إخواننا من أنصار السنة
ودعاتها والمهتدين بها، وتأليفهم الجمعيات ونشرهم المصنفات لتعميمها، واعتراض
الزراع والعمال منهم على العلماء الرسميين من غيرهم، وظهور حجتهم عليهم، ولا
سبيل إلى حفظ كرامتهم ومقامهم العلمي إلا بالاشتغال بعلم الحديث، وهو يتوقف
على درس طويل وتعب كثير.
وأول ما يحتاجون إليه قبل درسه الفني العلمي سهولة المراجعة في كتبه
للوقوف على ما يُحتج به وما لا يُحتج به، ويقرب شقته عليهم هذا الكتاب الذي
شعر بالحاجة إليه لنفسه ولأمثاله من شعوب الإفرنج عالم أوربي مستشرق هو
الدكتور أ. ي فنسنك الهولندي، والمسلمون أحوج إليه منهم، ولا غرو فقد ورد في
الحديث (الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها) رواه الترمذي من
حديث أبي هريرة، وقال: غريب. ورواه غيره بألفاظ أخرى بعضها موقوف على
علي وابن عمر رضي الله عنهما تكفي للاعتبار بها في موضوع الاستفادة في علم
مجمع على وجوبه، وورد في حديث آخر مرفوع (إن الله ليؤيد الإسلام برجال ما
هم من أهله) رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما، ويؤيد ضعف سنده ما في معناه في الصحيحين بلفظ آخر ليس نصًّا فيه مثله،
وحاصل ما تقدم أن الحاجة إلى مفتاح لكتب السنة الجامعة شديدة لكل من يريد
الدخول عليها من أبوابها
موضوع هذا الكتاب دلالة القارئ على ما أُودع في كتب الصحاح والسنن
والمسانيد والسير والطبقات والمغازي - المبينة في أوله - من الأحاديث والآثار
والمناقب بالصفة التي شرحها، فهو لا يدلك على مواضع الأحاديث التي تحفظها أو
تحفظ أوائلها في تلك الكتب كمفتاح أحاديث الصحيحين؛ وإنما يدلك على ما ورد
فيها من كل موضوع بمراجعة أخص كلمة به تدل على أصل الموضوع، ثم ما
يليها من فروعه، فهو ككتاب (فتح الرحمن لطالب آيات القرآن) فإذا لم تجد
مطلوبك عند الكلمة التي راجعتها؛ فإنك تجده عند كلمة أخرى في معناها، فمؤلفه
قد أحصى ما وصل إليه علمه، ووضع ألفاظها بقدر ما بلغه فهمه {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا} (الطلاق: ٧) .
وإنني كنت أعجبت بالكتاب منذ اطلعت عليه، واستأذنت مؤلفه بنقله إلى
اللغة العربية، فأذن لي، وانتدب لهذا العمل الجليل أحد إخواننا من عشاق العلم
الذين يكثرون الاختلاف إلى دار المنار، والبحث في مسائل التفسير والآثار،
ويقتنون نفائس الأسفار، الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي أدام الله توفيقه، ومهد له في
كل علم نافع وعمل صالح طريقه، وكنا اتفقنا على التعاون على تصحيحه وتنقيحه،
فعاقني عن القيام بسهمي منه ما لم يعقه عن سرعة القيام بسهمه، وانفرد بهذا
الفضل واستقل به، وجاهد في هذه السبيل - وهي سبيل الله - جهادًا محمودًا تلافى
به بعض تقصير المؤلف، فصحح ما فطن له في الأصل من خطأ بمراجعة تلك
الكتب كلها في مظانها، بعد وضع الأرقام لما بين يديه من نسخها، وإبقاء المتكرر
من المتون في مواضعها، وتكثير العناوين للحديث الواحد منها، حتى صارت هذه
الترجمة العربية أنفع من أصلها الإنكليزي في الدلالة على تلك المتون في كتبها،
فجزاه لله على حسن عمله وإخلاص نيته، ووفق الأمة للشكر له بالانتفاع بأثره،
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) رواه
أحمد والترمذي والضياء في المختارة من حديث أبي سعيد الخدري بسند صحيح،
ولا ننسى أن نشكر لمؤلف الأصل عمله وجهاده، فهو صاحب الفضل الأول في هذا
الأثر الحميد {وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: ٤)
... ... ... ... ... ... ... ... وكتبه محمد رشيد رضا
... ... ... ... ... ... ... ... منشئ المنار بمصر