ما رأى الراءون منظرًا أبدع، ولا محضراً أروع (المحضر: القوم النازلون على المياه) مما كان في ليلة السبت الماضية من الزينة التي أنشأتها الجمعية الخيرية الإسلامية في حديقة الأزبكية والجمع لها، وحبذا الاجتماع على الصفاء والوداد، المنبعث من حب سعادة البلاد، كنا نقابل من الحديقة فتاة من أحسن الجواري، متمنطقة من المصابيح بالدرر بل الدراري، ولها من كل باب وجه يتلقى وجوه الناس بغاية البشر والإيناس، فإذا ما دخلتها تجدك من ليلك في نهار، في جنة تجري من تحتها الأنهار، لا تسمع فيها إلا قيلاً سلامًا سلامًا، وألحانًا مشجية وأنغامًا، ولا تبصر إلا مواكب تواكب (تساير) مواكب، وأشجارًا مثمرة بالكواكب، ومادة تطير في الجواء، وتتحد بإكسير الهواء، فتعود إلى الأرض بهيئة قلائد من العقيان، أو عقود من الياقوت والزمرد واللؤلؤ والمرجان، وبحيرة قد أحاطت بها أشكال من الأضواء، وانطبعت فيها نجوم المصابيح، فخايلت بذلك السماء، بل حاكت شمس النهار، بما انعكس من سطحها من الأنوار، قد أقيمت على جوانبها هياكل ونصب نورانية، ذات أشكال هندسية، وألوان طيفية، ما أحاط بها الطرف، فيحيط بها الوصف، وبالجملة: قد كانت ليلتنا تلك جدًّا في صورة هزل، وبرًّا وإحسانًا في قالب لهو ولعب، وخبر اجتماع عام على مصلحة الإسلام، عليها مدار تربية المئات والألوف من أبناء الفقراء والمساكين، وكل فرد من أفراد الحاضرين قد سر بأنه ركن من أركان هذا الخير العظيم، إذ مجموع الأمداد من هذه الأفراد.