لا توجد بلاد إسلامية أُعطي أهلها حرية في التعليم كالبلاد التي استعمرها الإنكليز، وقد عرَّب المؤيد عن بعض الجرائد مقالة عن مسلمي (فوله) من بلاد سيراليون الإنكليزية على سواحل القاموس الأطلاطنيقي من غربي أفريقيا جاء فيها أنهم مجتهدون في التربية والتعليم، وأنهم كانوا منذ عامين أنشأوا مدرسة صغيرة فنجحت نجاحًا دعاهم إلى إنشاء مدرسة كبيرة، وقد احتفلوا بوضع الحجر الأساسي لهذه المدرسة احتفالاً أجاب الدعوة إليه الحاكم الإنكليزي العام وأركان حربه، وعدد كثير من المسلمين وغيرهم، فقابل مدير المدرسة ووكيلها الحاكم العام بالحفاوة، وقدَّم إليه الأساتذة، وأنشد التلامذة أمامه النشيد الوطني ووضع الحاكم الحجر الأول بيده. ثم خطب (الفاسنوسي) وكيل المدرسة خطبة شكر فيها للحاكم عنايته بحضور الاحتفال، وذكر أن لهذا تأثيرًا في تعظيم شأن المدرسة، ثم ذكر أن مبدأ النشأة العلمية هو إرشاد الدكتور بليدن الذي جاءهم في سنة ١٨٧١، وحثهم على نشر العلم، وهو اليوم مدير المدارس الإسلامية، ثم خطب الحاكم وشكر للخطيب حسن ظنه به، وذكر أن تلك الساعة أحسن الساعات عنده لرؤيته مبدأ تقدم أهل المستعمرة المسلمين، ومما قاله: (وأقول لكم: إنني أعتبر المسلمين في هذه البلاد من أكبر العناصر المهمة التي يجب الاعتناء بها؛ لأنهم أذكياء ذوو حمية ونشاط، ولهم صفات خاصة بهم، وأخلاق مستحسنة، وسجايا مرتقية عن سجايا غيرهم) . ثم صرح لهم بأن الحكومة مستعدة لمساعدتهم في كل وقت على التعليم وإعداد أولادهم لخدمة البلاد تحت نظرها، ونصح لهم بأن يجتهدوا في ذلك قائلاً (إن الزمن الذي كان يرتقي فيه الإنسان بالقوة والسلاح والحسب والنسب قد مضى، وجاء الزمن الذي لا يفلح فيه إلا المتعلم على حسب ما يقتضيه ويناسب الأمم المرتقية فيه) . ثم وعد بأنه سيكتب للماجور (ناثان) الذي ساعدهم على تأسيس المدرسة الصغرى مبشرًا له بنجاحها؛ لأنه يُسَرُّ بذلك، وقد أوصاه بهم عندما لاقاه في إنكلترا، وقال إن الدكتور (بليدن) سيقوم بالواجب عليه من المساعدة (ولكن أنتم المسئولون عن النجاح الحقيقي؛ فإنه منكم يطلع، وإليكم يرجع، وعليكم يسطع، فيجب عليكم أن لا تتوانوا ولا تكسلوا فالوقت قصير، والعمل كثير، واعتمدوا دائمًا على مساعدتي واهتمامي بكم، ورغبتي في خيركم ومصلحتكم) . قال: ولا بد لي قبل ختام القول من الإشارة إلى شيء مهم أنبهكم عليه وهو أنني رأيت المسلمين منقسمين إلى أحزاب مختلفة يدابر بعضهم بعضًا، ويسوءني أن أرى هذا ولا أرى لي وسيلة لإزالته والتوفيق بينكم؛ لأنه ليس من شأن الحكومة فيجب عليكم التدبر في حل عقد الخلاف بأقرب الوسائل لجمع كلمتكم، وما أردت بهذا أن أشعركم بما يؤلمكم لأكدر صفوكم؛ وإنما هي فرصة سنحت لأنصح لكم، وأنتم تعلمون أن المسلمين هنا يجب أن يكونوا جسمًا واحدًا، ولا ينبغي أن يكون بين أعضاء الجسم الواحد اختلاف؛ لأن كل واحد يؤدي وظيفته لمنفعة الجسم كله، واعلموا أنكم إذا اختلفتم وتنازعتم فشلتم وضعفتم، وإذا اتحدتم واجتهدتم تنجحون ويرتفع شأنكم وتتحقق آمالكم وآمال الحكومة فيكم، ثم ختم خطابه بالشكر لهم على حسن استقباله، فهتفوا جميعًا بالدعاء له.