للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


صدى حادثة الشام

جاءنا هذا الرقيم من أحد علماء تونس المصلحين، وقد سأَلَنا نشره في المنار
وإننا ننشره إجابة لسؤله مع الشكر له ولأولئك الذين يحسنون بنا الظن، قال:
أيها السيد الكريم:
من ذا الذي يعلم خدمتك للملة، وجهادك في سبيل ترقية الأمة، ثم لا يسجد لله
شكرًا على ما نجاك ممن أراد بك كيدا؟ فهنيئًا للعلم والحكمة، بما أسبغ الله عليهما
من النعمة.
ولقد رأيت المصطفين الأخيار، من نابتة هذه الديار، فرحين بما آتاهم الله من
فضله وأفاض عليهم من طوله؛ إذ حفظ زعيم هذه الأمة، الداعي إلى سبيل ربه
بالموعظة الحسنة والحكمة.
وإني لأَذْكُر بهذه الحادثة ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد من
عمر بن قميئة، وأحب أن يذكر ذلك أسرى الأوهام (حيثما كانوا) ممن يرون هذه
الحادثة أثرًا من آثار تحرج الدين عليك، وانتظاره الفرص للانتقام منك! كلا والله،
إنك لمن أحب الناس إليه، وأكرمهم عليه، ولو تمثّل لهم بشرًا لرأوه يحمد الله حمدًا
كثيرًا، ويشكره بكرة وأصيلا، على أن الحادثة - بفضل الله - لم تزد درجتك إلا
ارتفاعًا، وصيتك إلا اشتهارًا؛ ولكنهم يفهمون الشرف مقلوبًا، والمجد معكوسًا.
فيا لله والدين والإنسانية، وطلاب الإصلاح من نبغاء الجمعية البشرية، من
هؤلاء الذين يَهْرِفون بما لا يعرفون، ويلقبون أنفسهم بالفهماء وهم لا يفهمون،
ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون.
وإنا نشكر للمنار الزاهر فضله في تبديد حزبهم، وتمزيق شملهم، والإِجْهَاز
على مذهبهم حتى أصبحت كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى، وازداد
إيماننا بما قال الله في كتابه: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ
السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي
الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} (الرعد: ١٧) .
والله يحفظك لحماية دينه والدعوة إلى سبيله، والسلام.