للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية
(العام الجديد)
هذا اليوم هو افتتاح سنة ١٣١٨ للهجرة الشريفة , وقد قابل سمو العزيز
المعظم فيه جموع المهنئين من علماء العاصمة وأمرائها وموظفيها ووجهائها ,
فكان يتلقاهم بما عُهد في سموه من اللطف والطلاقة , وأنشد بين يدي سموه حضرة
صديقنا الفاضل عزتلو إسماعيل بك عاصم الخطيب والمحامي الشهير هذه التهنئة
التاريخية:
باكر لتهنئة العباس مبتهجًا ... فيومنا فيه بدء العام قد ثبتا
هل الهلال وسعد الملك طالعه ... ودوحة اليمن فيها غرسه نبتا
وانشر بشائره فيما نؤرخه ... عام جديد بإيناس الخديو أتى
فتقبلها سموه بالبشر والارتياح , نسأل الله تعالى أن يجعله عامًا سعيدًا ويهيئ
للأمة فيه مجدًا جديدًا.
***
(أوروبا والإسلام)
فرنسا وإنكلترا هما الدولتان اللتان تهتمان بقوة الإسلام وضعفه؛ لسعة
مستعمراتهما الإسلامية , ولكن الثانية أبرع من الأولى وأحكم , فإنها إذا أظلت
بنفوذها بلادًا إسلامية تتحامى جرح عواطف المسلمين في سائر البلاد بقدر الطاقة
بأن تَدخُلها باسم الإصلاح ووقاية الحقوق المهضومة , وتثبت ذلك بالفعل والتنائي
عن الضغط الذي يخشى أن يحدث الانفجار, وفي كل يوم تُسمِع المسلمين من
وزرائها وجرائدها ما يرضيهم ويربط بمودتها حبال آمالهم حتى يبلغ الكتاب أجله.
ولولا أن الإنكليز توهموا منذ سنين أن في مصر حزبًا وطنيًّا عاملاً يرتبط
بدولة فرنسا الطامعة في مصر ويعتمد عليها في حل عقدة الاحتلال الإنكليزي؛ لما
ظهر منهم ما ظهر من الضغط والاستعجال في القبض على أزِمّة كثير من المصالح
والمنافع المصرية , فلقد كان المفتونون بحزب الاستعمار الفرنساوي الذين لقبوا
أنفسهم بالوطنيين أكبر بلاء على مصر والمصريين.
وأما فرنسا فإنها لم تحسن هذه السياسة , ولذلك لا يوجد عندها من الاطمئنان
على مستعمراتها الإسلامية , والثقة بالمسلمين عشر معشار ما عند الإنكليز من ذلك,
وقد أحس سواسها بهذا فقاموا ينصحون حكومتهم بتلافي الأمر , واستنباط الوسائل
والحيل لربط ثقة المسلمين بهم؛ ليأمنوا على ما استعمروه من بلادهم , ويتسنى لهم
ضم غيره إليه , وتبين لهذا الفريق منهم خطأ الفريق الآخر الذي كان ولا يزال يرى
أنه لا يمكِّن لفرنسا في أرض الإسلام إلا الضغط الشديد وتقطيع الروابط الدينية ,
وهدم الأركان الإسلامية كمنع الحج إلى بيت الله الحرام الذي لم يتجرأ عليه من دول
أوربا غير فرنسا المتهورة.
كتب منهم الموسيو هانوتو وزير الخارجية سابقًا مقالتين في إحدى جرائدهم
ذكر فيها الرأيين وبين المذهبين , ولكنه خاض مع ذلك في فلسفة الديانتين
الإسلامية والمسيحية واستمدادهما وآثارهما , فخبط وخلط , وجرح الوجدان وآلم
النفوس , فرد عليه ذلك الإمام العظيم من علماء المسلمين ردًّا حكيمًا كان شفاءً لما
في الصدور , وهدى ورحمة للمؤمنين.
ثم ترجمت جريدة المؤيد الصادرة قبل أمس مقالة لسياسي فرنساوي آخر اسمه
(نابليون ني) هو أعلى من هانوتو كعبًا وأرسخ قدمًا في السياسة رمى بكلامه إلى
أغراض بعيدة , وأشار بآراء لهم سديدة ينبغي أن يجعلها المسلمون نصب أعينهم ,
ويعلقوا عليها الشروح والحواشي , ويضعوا لها التقارير, وإن أخذ ذلك وقتًا من
حواشي الصبان والأمير , وسنكتب ما يعن لنا بذلك في الجزء الآتي إن شاء الله.
كتبنا مقالة في الوحدة العربية في وقت كان الذهن فيه صافيًا والفكر موافيًا ,
ثم أضعناها فاستملينا الفكر معانيها مرة ثانية , فضن ببعض ما جاد به أولاً حيث
وجد الوقت ضيقًا , وهي ما ترى في صدر هذا الجزء.
***
(نور الإسلام)
ستصدر في هذا الشهر مجلة دينية في الزقازيق تدعى نور الإسلام , فنرحب
برفيقتنا , ونستوفي الكلام عليها بعد ظهور العدد الأول منها إن شاء الله تعالى.
***
(جمعية شمس الإسلام)
يرى قارئ مجلة الجمعية أن لها ثلاث طبقات , وأن لها لجنة عليا , ويتساءل
الناس عن ذلك , والذي يمكن أن نوضحه لهم أن الجمعية عندما تنتشر في قطر من
الأقطار يرتقي أصحاب الجد والاجتهاد في خدمتها إلى الدرجة الثانية بشروط
مخصوصة , ومن هؤلاء تتألف اللجنة الثانية العالية التي تدير نظام الجمعية ,
وتنظر في شئونها في جميع القطر , ومن هؤلاء من يرتقي إلى الدرجة الثالثة
بشروط مخصوصة , ومنهم ينتخب أعضاء اللجنة العليا فيتعارفون بأمثالهم من
سائر الأقطار , ويتألف منهم من يدير أعمال الجمعية في جميع أقطار الأرض ,
وبهم يحصل التعارف العام الذي تقوم به الجامعة الإسلامية.
وقد اجتمعت اللجنة العالية التي تدير أعمال جمعيات القطر المصري اجتماعها
الأول في ليلة الجمعة الماضية , وستوالي ذلك في الأوقات المعينة إن شاء الله تعالى.
***
(نجاح الجمعية)
سافر كاتب هذه السطور ثانية إلى الوجه القبلي بصحبة سعادة محمد علي بك
المؤيد الرئيس العام , فزرنا بعض الجمعيات , وأسسنا جمعية جديدة في بلدة (مسارة)
وأهل هذه البلدة كانوا مشهورين في الصعيد بسفك الدماء والسلب والنهب , فتاب
الجم الغفير منهم إلى الله تعالى , وعاهدوا الله تعالى على التمسك بالدين والعمل به
ودعوة سائر إخوانهم إلى ذلك وموالاة من والاهم على ذلك , ومنابذة من خالفهم فيه
وفقهم الله لذلك بمنه وكرمه.
***
(احترام الجمعية)
اشتهر أعضاء الجمعية في البلاد التي انتشرت فيها بالصدق والتمسك بالدين
وحدثني بعض القضاة أن امرأة لها دعوى جاءت بشاهد واحد , وقالت للقاضي
متبجحة: عندى شاهد من جمعية شمس الإسلام , وهو يعدل خمسين شاهدًا من سائر
الناس.