من جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس
اليهود يثيرون الفتنة الدموية في فلسطين طمعًا في البراق الشريف والمسجد الأقصى المبارك. إن (جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة) في القدس الشريف قيامًا بواجبها إزاء الفتنة الحالية التي سبَّبها اليهود بتوالي اعتداءاتهم على البراق الشريف - فَجَرُّوا البلاد إلى البلاء الشامل والخسارة العظيمة في النفوس والثمرات - تثابر على خطتها من الأخذ بكل الوسائل المشروعة الجائزة للدفاع عن البراق الشريف والمسجد الأقصى المبارك وسائر الأماكن الإسلامية المقدسة لصد كل طمع عنها يحاوله الطامعون، والجمعية تقوم بهذا من حيث تظل على صلة بالعالم الإسلامي وملوكه وأمرائه وأممه وصحفه وزعمائه وأهل الغيرة والحمية من المسلمين بمواصلة إرسال الأنباء عن الحالة، وعما يجدُّ من الأمور المهمة والحوادث الخطيرة؛ ليقف العالم الإسلامي على ذلك ويعمل وسعه لصيانة مقدسات المسلمين ودرء الأخطار عنها. وهذا موجز ما حصل إلى اليوم في الأسابيع الأخيرة: ١- ضاعف اليهود في فلسطين جهودهم في الأسابيع الستة الأخيرة لامتلاك البراق، ثم ليتدرجوا منه إلى امتلاك المسجد الأقصى بحجة أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هو هيكل سليمان، وبحجة أن الوطن القومي اليهودي يظل ناقصًا حتى يملك اليهود مكان الهيكل، وبهذا يصرح كبار زعمائهم. ٢- عقد يهود العالم (المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر) في زوريخ في أواخر شهر تموز (يوليو) وأوائل آب (أغسطس) من هذه السنة، وقد كان من محور المناقشات الحادة والمقررات الإجماعية في هذا المؤتمر استئناف العمل وتحريض يهود العالم على بذل كل ما يستطعيون من قوة لاستعادة الهيكل ولو كلفهم ذلك كل عظيم. ٣- أعلن اليهود بلسان مؤتمر زوريخ وبلسان زعمائهم السياسيين والدينيين وصحفهم وجمعياتهم أنهم لا يرضون بما حدده لهم (الكتاب الأبيض) الذي أصدرته منذ نحو عشرة أشهر الحكومة البريطانية من أن يظل القديم على قدمه بحيث لا يجاوز اليهود زيارة الحائط الزيارة المعتادة، والبراق واقع في ملك الوقف الإسلامي البحت، ثم أعلن اليهود سخطهم على (الكتاب الأبيض) وأخذوا يجاهدون بكل قواهم لحمل الحكومة البريطانية للعدول عن العمل بمقتضاه، وهي قد وضعته بعد درسها القضية درسًا مدققًا استغرق عدة أشهر فضلاً عما كان قد سبق لها ملاحظته ومشاهدته من عدوان اليهود على البراق أثناء السنوات الأخيرة. ٤- أثناء انعقاد مؤتمر زوريخ وبعده ظهر اليهود في فلسطين بمظهر المتعنت الطامع المحاول الباطل، مما دل دلالة قاطعة وأيدته الوقائع أن هناك خطة مدبرة وصلة وثيقة محكمة بين مقررات مؤتمر زوريخ والحوادث التي اقتحمها اليهود على أثره. ٥- في ١٠ ربيع الأول سنة ١٣٤٨ - ١٥ آب (أغسطس) ١٩٢٩ سمحت الحكومة لليهود بأن يقوموا بمظاهرة، فقاموا بها وكانت مظاهرة ظاهرها زيارة البراق ومرماها محاولة إظهار القوة لامتلاكه فمشوا من الحي اليهودي الذي يبعد من الحرم عدة كيلو مترات إلى البراق الشريف فاحتشدت المئات منهم عنده، ورفعوا العلم الصهيوني، وخطب فيهم خطباؤهم خطبًا هائجة عنيفة شتموا فيها المسلمين كثيرًا، وحرَّضوا جماهيرهم على امتلاك البراق تدريجيًّا لاستعادة الهيكل. ٦- وصدرت الصحف اليهودية ومناشير الجمعيات الصهيونية وكلها تحريض ونداء نحو هذه الغاية، وأصدرت حكومة فلسطين بعدئذ بلاغًا رسميًّا بينت فيه أن القصد من مظاهرة اليهود المذكورة لم يكن كله لزيارة (المبكى) أي البراق زيارة دينية مجردة. ٧- في ١١ ربيع الأول - ١٦ أغسطس قام المسلمون بمظاهرة كبيرة مقابلة لمظاهرة اليهود في اليوم السابق، فمشوا من المسجد الأقصى إلى البراق الشريف إعلانا لتصميمهم أنهم متمسكون بملكهم، مدافعون عن حقهم، وطيرت البرقيات إلى الحكومة البريطانية، وقدَّمت الاحتجاجات إلى حكومة فلسطين شجبًا لأعمال اليهود ومحاولاتهم المتكررة التي لا تنتهي إلا بسوء العاقبة إذا سُمح لهم بالمثابرة عليها. ٨- في ١٢ ربيع الأول - ١٧ أغسطس يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم اعتدى اليهود على العرب المسلمين بالقرب من الحي اليهودي، فجرحوا ١٣ عربيًّا ودافع العرب عن أنفسهم، ثم انقلب اليهود يغدرون بالمارة من العرب في حيهم يترصدونهم للإيقاع بهم ليل نهار. ٩- في ١٦ ربيع الأول - ٢١ أغسطس كان اليهود ذاهبين بموكب كبير لدفن أحد موتاهم الذي مات في مستشفى الحكومة متأثرًا من جراحه التي أصيب بها في حادثة اعتداء اليهود السابقة، فاجتمعوا مئات عديدة وخطبوا خطبًا مهيجة وشتموا المسلمين، ولما وصلوا بالميت إلى قرب دائرة البريد خارج المدينة القديمة عدلوا عن السير في الطريق العام المعتاد سلوكهم فيها إلى مقبرتهم، وحاولوا أن يحدثوا حدثًا عظيمًا، فأرادوا أن يدخلوا بالميت الأحياء الإسلامية كلها ويأتوا إلى البراق قبل أن يدفنوه تحويلاً لجنازة الدفن إلى مظاهرة لم يسبق لها مثيل نوعًا وشكلاً، فصدَّهم البوليس البريطاني بالقوة، وجرح منهم (٢٣) شخصًا كما أفاد بلاغ الحكومة الرسمي. وكان اليهود بعملهم هذا يرمون إلى الفتنة صراحة، إذ من تقاليدهم التي يراعونها بحسب دينهم مراعاة شديدة أنهم لن يؤخروا دفن ميتهم إلى الصباح إذا كان مات قبل نصف الليل، غير أنهم في هذه الحادثة أبطلوا العمل بتقاليدهم الدينية، فأخَّروا دفن الميت إلى قبيل ظهر اليوم التالي، وكان موته عصر اليوم السابق طلبًا لأسباب الشر والفتنة. ١٠- فهال أهالي فلسطين المسلمين ما أخذوا يرون في اليهود من التحكك بنار الفتنة، ومن الجرأة الغريبة في محاولتهم اقتحام البراق وامتلاكه والتصرف به تصرف المالك فاحتجت (جمعية حراسة المسجد الأقصى) و (جمعية فرسان البراق) و (جمعيات الشبان المسلمين) في فلسطين والهيئات الدينية على أعمال اليهود ومصارحتهم العرب العدوان مصارحة منافية للحق والقانون، ومعرضة الأمن العام في البلاد إلى خطر كبير. ١١- في ١٨ ربيع الأول - ٢٣ أغسطس خرج المسلمون من صلاة الجمعة من المسجد الأقصى حسب العادة، فلما وصلت زرافاتهم إلى باب الخليل ذاهبين في طريقهم إلى منازلهم وأعمالهم وجدوا اليهود هناك على حالة مريبة جدًّا، وكانت جماهير المسلمين التي خرجت إلى جهة باب العامود قد رأت مثل ذلك من اليهود الساكنين في حي ميشوريم القريب، فسبق أحد اليهود في باب الخليل إلى الاعتداء بإلقاء قنبلة، ثم أطلق اليهود الطلقات النارية على المسلمين فوقع المحذور، وحصل اصطدام قرب باب العامود في الوقت عينه، فاتقدت الفتنة ولم يكن بأيدي المسلمين إلا بعض العصي يحملها الواحد منهم على عادته، فأخذ الرصاص يدوي ولم تكن قوة البوليس كافية فاستعانت بإطلاق النار على المسلمين فقتلت وجرحت منهم، واحتشد اليهود في مبانيهم الكبيرة في حي ميشوريم، وأخذوا يطلقون النار من النوافذ على العرب واستمرت الفتنة على أشدها عدة ساعات، وأقفلت المدينة وتوالى إطلاق الرصاص في أماكن عديدة، وفي العصر حلَّقت الطيارات وجيء بقوات البوليس من الخارج وفي الساعة السادسة أعلنت الحكومة منع التجوال من السادسة ونصف مساء إلى السادسة صباحًا، وانقضى الليل والرصاص لم يهدأ حتى الصباح. ولم تزل الحالة في القدس إلى هذا التاريخ غير اعتيادية رغم تكاثر القوة العسكرية وتحليق الطيارات يوميًّا، فحوادث القتل والاعتداء يوالي مزاولتها اليهود في أطراف الأحياء التي يسكنونها، ولم تنقض ليلة إلى الآن منذ ١٨ ربيع الأول دون أن يثابر على إطلاق النار الليل كله أو معظمه في ضواحي المدينة. وبلغ عدد شهداء المسلمين في القدس العشرات، ولم يمكن إحصاء الإصابات إحصاء مضبوطًا إلى الآن وبلغ عدد الجرحى في القدس مبلغًا كبيرًا. امتداد الفتنة إلى أنحاء فلسطين في الخليل: وامتدت الفتنة إلى الخليل يوم السبت ٢٩ ربيع الأول ٢٥ أغسطس، فقُتل من المسلمين ثمانية، وجُرح عدد لم نعرف صحته بعد. في يافا: وحصل اصطدام عنيف في يافا يوم الأحد ٢٠ ربيع الأول - ٢٥ أغسطس، فقتل وجرح من المسلمين برصاص الجنود البريطانية عدد لم يُعرف بعد. في حيفا: قام اليهود وباشروا مهاجمة العرب بالسلاح، فدافع العرب عن أنفسهم وعائلاتهم، وفي اليوم التالي وصلت البارجة البحرية (برهم) تحمل الجنود والطيارات والأعتاد الحربية، فكان العرب بقرب الرصيف يشاهدونها، وبينما هم على هذه الحال إذا بجنود الدراعة يطلقون عليهم النار بغتة بلا سبب ولا إنذار فقُتل ٢٧ عربيًّا وجُرح ٥٩. في بيسان وضواحيها: ووقع قتال في بيسان والأماكن المجاورة، ولم تُعرف تفاصيل الحوادث وعدد الإصابات بعد. في صفد: وحصل اصطدام شديد في صفد بين المسلمين واليهود مساء ٢٤ ربيع الأول - ٢٩ أغسطس لم تُعرف تفاصيله بعد. في غزة والرملة: اشتد الاضطراب في غزة وقامت المظاهرات، فنقلت الحكومة اليهود من هناك إلى تل أبيب المستعمرة اليهودية الكبيرة قرب يافا، وهاج مسلمو الرملة واللد والسبع هياجًا كبيرًا. في نابلس: ووقع اصطدام كبير في نابلس بين الأهالي والبوليس فجُرح ٩ من المسلمين. في سائر أنحاء البلاد: وعم الاضطراب جميع أنحاء البلاد من بئر السبع جنوبًا إلى الحولة شمالاً. الشهداء والجرحى أخذت حكومة فلسطين تصدر نشرات رسمية منذ نحو أسبوع في بيان الحالة العامة في البلاد، وجاء في النشرة المؤرخة في ٢٩ أغسطس أن عدد الإصابات لغاية الساعة الثامنة من صباح ٢٨ آب حسب أنباء المستشفيات ما يلي: ... ... ... ... ... ... مسلمون مسيحيون يهود المجموع القتلى ... ... ... ... ... ... ٦٣ ... ٤ ... ٩٧ ١٦٤ الجرحى الذين في المستشفيات ... ... ١١٣ ... ٩ ... ١٥٠ ٢٧٢ الجرحى الذين خارج المستشفيات ... ... لم يرد نبأ عن عددهم بالضبط غير أن شهداء المسلمين وجرحاهم يفوق العدد الذي جاء في النشرة الرسمية المؤرخة في ٢٩ أغسطس؛ لأنه لم يمكن إلى الآن القيام بإحصاء دقيق لإصابات المسلمين، وقد قالت النشرة المذكورة إن هذه الأرقام التي ذكرتها لا تشمل الإصابات التي أوقعتها القوات المسلحة في إخماد الاضطراب والتي لم تصل إلى المستشفيات. ١٣-ومع أن القوات العسكرية قد ازدادت بوصول النجدات من مصر ونزول قوات عسكرية من البارجتين اللتين رست إحدهما في يافا والأخرى في حيفا، فالحالة العامة في البلاد تسير باضطراب. الفظائع تنزل بالمسلمين ثبت أن كثيرًا من اليهود مسلحون، وأن كثيرًا منهم في القدس كانوا يرتدون الألبسة العسكرية، ويتقلدون البنادق، ويتصيدون العرب في الطرق والأماكن المنعزلة، وقد راع العرب تسلح اليهود وتخطفهم للعرب تحت هذا الزي وبعد الاحتجاج للحكومة عثرت الحكومة على بعض المتسلحين منهم. وتوزع الحكومة القوات العسكرية في البلاد بنشاط كبير، وقد كانت هائلة جدًّا الخطة التي باشرت القوات العسكرية العمل عليها من رمي المسلمين بالنار رميًا بلغ حد الفظائع الرائعة بلا سبب وبلا إنذار، بل بحجة التفتيش دون أن يعثروا على أي شيء مما تفتش القوات عليه، وقد سقط أكثر شهداء المسلمين وجرحاهم برصاص الجيش البريطاني والبوليس البريطاني ففي قرية (صور باهر) الواقعة في الضاحية الجنوبية في القدس ذهبت حملة عسكرية باكرًا صباح ٢٨ أغسطس مجهزة بالرشاشات والدبابات والطيارات فأحاطت بالقرية، وأخذت تطلق النار من جميع الجهات فقتلت ثمانية منهم النساء والأطفال وجرحت تسعة وحصل شبه هذا في قرية قالونيا في الضاحية الشمالية. ويجري من قبل المسلمين إحصاء مدقق للشهداء والجرحى الذين يذهبون ضحية رصاص الجند البريطاني، ويجري أيضًا إحصاء لإصابات العرب على العموم وستُرسل إليكم التفاصيل بوقت قريب. ١٣ طيارة فوق المسجد الأقصى ١٤- وقد حلقت البارحة (٣٠ أغسطس) وقت صلاة الجمعة حين خروج المسلمين من المسجد الأقصى (١٣) طيارة، وقامت بحركات مختلفة فوق الحرم القدسي الشريف أكثر من ساعة. المسلمون والمسيحيون يشتركون في الدفاع ١٥- وتشكر جمعية حراسة المسجد الأقصى لإخواننا المسيحين العرب وقوفهم وإخوانهم المسلمين موقف المؤازرة والاتحاد الوطني في هذه الفتنة، فالبلاد لأهلها مسلمين ومسيحيين على السواء. إعانة عائلات الشهداء والجرحى استنجاد العالم الإسلامي إن (جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة) تدعو المسلمين بصفة عامة، وأرباب الحمية والغيرة منهم بصفة خاصة، والمهاجرين العرب الكرام في ديار المهجر إلى أن يسعفوا عائلات الشهداء والجرحى الذين ذهبوا في سبيل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والجرحى الذين سالت دماؤهم في هذا السبيل المقدس، في حين تستنجد الجمعية العرب والمسلمين عامة ليسارعوا إلى الاحتجاج المتوالي على جناية اليهود في هذه الفتنة على ما تنزله القوات العسكرية البريطانية بالمسلمين الأبرياء من الضربات العظيمة الذاهبة بالأرواح بلا حساب. وسيظل المسلمون في فلسطين معتصمين بشرف السدانة الصادقة والحراسة الأمينة للمسجد الأقصى المبارك والبراق الشريف، وسائر الأماكن الإسلامية المقدسة {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} (إبراهيم: ٤٧) وهو {نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الأنفال: ٤٠) . ... ... ... جمعية حراسة الأماكن الإسلامية المقدسة ... بيت المقدس ٢٦ ربيع الأول سنة ١٣٤٨ - ٣١ أغسطس ١٩٢٩