للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المرأة الجديدة - تتمة التقريظ

وأما الفصل الخامس ففي التربية والحجاب، وأهم مسائله:
١- قوله: إن الحجاب جعل المرأة في حكم القاصر لا تستطيع أن تباشر عملاً
ما بنفسها، مع أن الشرع يعترف لها في تدبير شؤونها المعاشية بكفاءة مساوية
لكفاءة الرجل، وإن ضرره الأعظم أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها.
٢- وإنه ينبغي أن تربى كتربية الرجل في جسمها وآدابها وعقلها.
٣- وقوله: (متى انتهت تربية البنت باتخاذ ما يلزم من الوسائل لتنمية قواها
الجسمية وملكاتها العقلية وبلغت الخامسة عشرة من عمرها، ينبغي أن تطلق لها
الحرية في مخالطة الرجال؛ لأن قهر الإنسان لهواه وجعله تحت سلطان العقل
يستدعي قوة عظيمة في الإرادة، ولا توجد هذه القوة في الإرادة بإقامة الحوائل
المادية بينه وبين النقائص، ولا بمجرد حشو ذهنه بالقواعد الأدبية؛ وإنما تتولد
بالتعرض لملاقاة الحوادث والتعود على مغالبتها والتغلب عليها، فمزاولة الأعمال
ومشاهدة الحوادث واختبار الأمور ومخالطة الناس والاحتكاك بهم والتجارب كل هذه
الأشياء هي منابع للعلم والآداب الصحيحة، بها ترتقي النفوس الكريمة حتى تبلغ
أعلى الدرجات، وأمامها تنهزم النفوس الضعيفة وتهبط إلى أسفل الدركات) اهـ.
٤- وذكر قول معترض حض على النظر إلى مدنيتنا القديمة التي ذكر من
أصولها احتجاب النساء، وقال: إنها نفس الكمال: والرد عليه بوجوب أخذ الأهبة
لمقاومة سلطة العادات الموروثة إذا خشينا أن تسلبنا إرادتنا واختيارنا، وذلك
بالالتفات إلى المدنية الإسلامية، ووزنها بميزان العقل والتدبر في أسباب ارتقاء
الأمة الإسلامية وأسباب انحطاطها، واستخلاص قاعدة من ذلك يمكننا أن نقيم عليه
بناء ننتفع به اليوم، أو في ما يستقبل من الزمان.
ثم ذكر ظهور الإسلام في جزيرة العرب وفتوحاته، وأخذ العلوم والصنائع
ممن فتح المسلمون بلادهم، وما كان من النهضة العلمية، وقال بعد ذلك ما نصه:
(على هذين الأساسين شيدت المدنية الإسلامية الأساس الديني الذي كوَّن من القبائل
العربية أمة واحدة خاضعة لحاكم واحد ولشرع واحد، والأساس العلمي الذي ارتقت
به عقول الأمة الإسلامية وآدابها إلى الحد الذي كان في استطاعتها أن تصل إليه في
ذلك العهد) ، ثم ذكر أن قوة العلم كانت ضعيفة في ذلك العصر وأكثر أصوله ظنية
وأن الفقهاء تغلبوا على رجال العلم ورموهم بالكفر والزندقة حتى نفر الناس من
دراسة العلم، قال: (ثم غلوا في دينهم وشطوا في رأيهم حتى قالوا في العلوم
الدينية نفسها: إنها لا بد أن تقف عند حد لا يجوز لأحد أن يتجاوزه. فقرروا أن ما
وضعه بعض الفقهاء هو الحق الأبدي الذي لا يجوز لأحد أن يخالفه، وكأنهم رأوا
من قواعد الدين أن تُسد أبواب فضل الله على أهله أجمعين) ، ثم عقب هذا بكلمة
جليلة ذكر بعدها ما كان من ارتقاء العلم في أوربا وهي: (هذا النزاع الذي قام بين
أهل الدين وأهل العلم، ولا أقول: بين الدين والعلم لم يكن خاصًّا بالأمم الإسلامية،
بل وقع كذلك عند الأمم الأوربية) ، ثم ذكر بعض الاكتشافات الحديثة في العلم،
وتغلب أهله على رجال الدين واستنتج من ذلك قوله:
(فإذا كان التمدن الإسلامي بدأ وانتهى قبل أن يكشف الغطاء عن أصول
العلوم كما بيناه، فكيف يمكن أن نعتقد أن هذا التمدن كان (نموذج الكمال البشري)
يهمنا أن لا نبخس أسلافنا حقهم، ولا ننقص من شأنهم؛ ولكن يهمنا مع ذلك أن
لا نغش أنفسنا بأن نتخيل أنهم وصلوا إلى غاية من الكمال ليس وراءها غاية، نحن
طلاب حقيقة إذا عثرنا عليها جهرنا بها مهما تألم القراء من سماعها، لذلك نرى من
الواجب علينا أن نقول: إنه يجب على كل مسلم أن يدرس التمدن الإسلامي ويقف
على ظواهره وخفاياه؛ لأنه يحتوي على كثير من أصول حالتنا الحاضرة، ويجب
عليه أن يعجب به؛ لأنه عمل انتفعت به الإنسانية وكمَّلت به ما كان ناقصًا منها في
بعض أدوارها؛ ولكن كثيرًا من ظواهر هذا التمدن لا يمكن أن يدخل في نظام
معيشتنا الاجتماعية الحالية) اهـ.
وقد بيَّن السبب في عدم هذا الإمكان من جهة العلوم الكونية قبله، وبين بعد
سبب ذلك من جهة النظامات السياسية، وانتقد السلطة المطلقة التي جرى عليها
الخلفاء والملوك، وما كان فيها من الاستبداد الذي ساعد عليه عدم تحديد الفقهاء
للعقوبات، بل تركوا أنواع التعزير مفوضة للحاكم، ثم بيَّن أنه لم يكن عندهم شيء
من العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى إن ابن خلدون لم يذكر في كتابه،
- وهو الكتاب الوحيد الذي وضع عند المسلمين في الأصول الاجتماعية - كلمة
واحدة في العائلة، ثم بين أن الحالة العائلية كانت خالية من كل نظام، ثم بيَّن ذلك من
جهة الآداب، فذكر أن المسلمين لم يأتوا للعالم بأصول جديدة فيها، وأما عملهم بها
فذكر أن التاريخ يشهد على أن كل عصر لا يخلو من الطيب والرديء، وأشار إلى
أهم ما يُنتقد على المسلمين كتمزيق الدولة العربية بالمنازعات الداخلية، وكشرب
بعض الأمراء والعظماء الخمر جهرًا في مجالس الجواري والقيان وغير ذلك، ثم قرر
بعد ذلك الرد على من قال: إن المدنية الإسلامية كانت (نموذج الكمال البشري) ،
وإن المسلمين كانوا حائزين جميع أنواع (الكمالات الأخلاقية الصحيحة) ، وقرر أن
الحجاب إذا كان عادة من عاداتهم التي لم تكن كلها كاملة فلا ينافي ذلك أنه لا يليق في
عصرنا، ثم قال ما نصه بالحرف: (وغني عن البيان أننا عند كلامنا على المدنية
الإسلامية لم نقصد الحكم عليها من جهة الدين، بل من جهة العلوم والفنون والصنائع
والآداب والعادات التي يكون مجموعها الحالة الاجتماعية التي اختصت بها، ذلك لأن
عامل الدين لم يكن وحده المؤثر في وجود تلك الحالة الاجتماعية، فهو على ما به من
قوة السلطان على الأخلاق لم ينتج إلا أثرًا مناسبًا لدرجة عقول وآداب الأمم التي
سبقت، ثم حتم بوجوب بناء مدنيتنا على العلوم العصرية التي بنى عليها الأوربيون
مدنيتهم) .
والمسألة (٥) من مهمات هذا الفصل البحث في زعم الذين يعترفون بتقدم
الغربيين علينا في الصنائع وإنكار تقدمهم في الآداب، ولم يُبق الإسهاب في المسألة
الرابعة مجالاً لتلخيص شيء منها، وإنما أطلت في هذه لأنها أهم مسائل الكتاب في
الحقيقة؛ ولأن الناس يلغطون فيها قولاً وكتابة على غير بصيرة، بل يكذبون على
المؤلف ويتهمونه بأنه طعن بالدين الإسلامي نفسه، وقال: إنه غير كاف لمدنية
المسلمين في هذا العصر. ونحو ذلك مما يرمي به من لا قيمة للصدق ولا للدين في
نفوسهم، نعم إن كلامه في هذا الموضوع لا يسلم من استدراك وانتقاد سنبينه في
بقية مقالاتنا في مدنية العرب، وأما خاتمة الكتاب فسنكتب عنها شيئًا في الجزء
الآتي إن شاء الله تعالى.
رأي الناس في الكتاب
ورأينا فيه
قلنا في تقريظ كتاب (تحرير المرأة) ما أعدنا معناه في تقريظ المرأة الجديدة
من أننا لم نر في مكتوب العصر شيئًا أثَّر في مسلمي مصر مثل هذين الكتابين،
وكنا قد استبشرنا لهذا التأثر لدلالته على أن في الأمة ذماء ورمقًا من الحياة يهيج
إحساسها للنفور من الضار في اعتقادهم، وإن لم يرتق إلى العناية بالنافع في الأخذ
به؛ ولكن هذا الاستبشار غير صافٍ من الكدورة، ولا محل هنا لبيان السبب في
ذلك؛ إذ لا يفي به إلا مقالة أو مقالات في شعور الأمة ووجدانها وتأثيره في أعمالها.
قلنا في الجزء الماضي: إن من الناس من قرَّظ كتاب المرأة الجديدة، ومن
انتقده، ونذكر ههنا أن المنتقدين هم الأكثرون بحسب ما يظهر لنا من كتابتهم في
الجرائد ومحاوراتهم في الأندية والسمار، يقول هؤلاء المنتقدون: إن هذا الكتاب
وسابقه ما أُلفا إلا لإقناع المسلمين بأن يعطوا نساءهم الحرية المطلقة بمعاشرة من
يردن من الرجال، وأن يكن كنساء الإفرنج مكشوفات الوجوه والرؤوس يختلفن إلى
الملاهي والمراقص، ويذهبن في التهتك كل مذهب. هذا ما يلهج به الجماهير
يتلقفه بعضهم من بعض وأكثرهم لم يقرأ الكتاب، ومنهم من يزيد على ذلك مسألة
المدنية الإسلامية والمدنية الغربية، وقد ذكرنا طعنهم فيها آنفًا.
إن كان الكتابان أُلفا لهاتين الغايتين، أو اشتملا عليها، فنحن وجميع المسلمين
بل وجميع العقلاء نقول: إنهما باطلان جديران بالمقت والرفض؛ لأن ذلك يجر إلى
فتنة في الأرض وفساد كبير، ويكون به خيار نسائنا في التهتك والتبذل أبعد غورًا
من شر نساء الإفرنج؛ لأن لهؤلاء من التربية والعلم الذي لم يصلن إليه إلا بعد عدة
قرون ما ليس لنا شيء منه، ونحن لما نبتدئ بالتربية ابتداء؛ ولكن هل الكتابان
كما يقولون؟ الجواب ما قلناه في تقريظ كتاب تحرير المرأة في العام الماضي من
أن المؤلف غالى في بيان مضار التشديد والمبالغة في الحجاب، وبالغ جدًّا في
جعل نجاح المسلمين متوقفًا على إزالة الحجاب المعهود في الأذهان، والموجود أثره
في الأعيان، بحيث إن هذه المغالاة والمبالغة المصوغة في قالب الأسلوب الكتابي
المؤثر تذهب بوجدان القارئ إلى وجوب تمزيق هذا الحجاب؛ لأنه لم يحجب إلا
العلوم والفضائل عن نصف الأمة.
وقد رأينا من أفاضل المعتدلين في الإنكار على كتاب المرأة الجديدة من قال: إن
هذا هو الضرر الحقيقي من قراءة الكتاب، وقال: إنني كنت أقرأه فأشعر بوجداني قد
تغير واعتقادي بوجوب بقاء الحجاب قد تزلزل واضطرب، فأترك القراءة ليثوب إليّ
وجداني الأول، ويسكن اعتقادي فيه، ثم أعود إليها. فقلت له: ربما تكون هذه
المغالاة مقصودة للمؤلف؛ لأن الداعي إلى شيء ينبغي له لأجل إرجاع من يدعوهم
إلى الاعتدال الذي هو الحق أن يقف على الطرف المقابل لما هم فيه، فإن كانوا في
جانب التفريط يقف في جانب الإفراط؛لينتهي التجاذب بينه وبينهم إلى الوسط، ولو
وقف في الوسط وجذبهم وجذبوه يخرج كل منهما عنه، أو يبقى في محله ولا فائدة في
ذلك، ومن هنا يقول الناس: لا بد من شيء من الباطل لأجل الوصول إلى الحق.
وقد قال الإمام الغزالي: إن وعد القرآن ووعيده مبني على هذه القاعدة فمثل قوله
تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (الزمر: ٥٣) إنما يعالج الذين غلبت عليهم خشية الله،
والخوف من عذابه، وأفرطوا فيها حتى كادوا يقنطون من رحمته تعالى، وأما
الذين غلب عليهم التهاون وأدى بهم الإفراط في الرجاء إلى الغرور وكادوا يأمنون مكر
الله وعذابه وتجرؤوا على المعاصي، فيجب أن يُعالجوا بمثل قوله تعالى:
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (وَالعصر: ١-٣) وإذا ذكروا تلك الآية ذُكِّروا بمثل قوله
تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} (طه: ٨٢)
وهكذا يجب أن يكون المرشد كالطبيب يعطي كل مريض ما مست إليه حاجته ويناسب
حاله.
ثم إن من فوائد هذه المبالغة أن أثارت أفكار الناس للبحث، وكل الباحثين أو
جلهم موافق له على سوء حالة المرأة المصرية والمسلمة، ووجوب تربيتها وتعليمها،
وقد كان المانع الأكبر منهما عند الجماهير هو الحجاب؛ ولكنهم يخالفونه في توقف
التربية والتعليم في كمالهما على تخفيف الحجاب أو منعه، فإذا انتهت هذه المناقشات
بانصراف همة الأمة إلى تربية وتعليم مع بقاء الحجاب نتقدم إلى الأمام، ويكون
الفضل الأكبر في ذلك لقاسم بك يعترف له بعض المنصفين الآن، ويحفظه التاريخ
إلى آخر الزمان.
استفتاء البابلي في المرأة الجديدة
من أعجب ما أحدثه كتاب (المرأة الجديدة) في نفوس الناس أن محمد أفندي
عبده البابلي كتب إلى فضيلة مفتي الديار المصرية كتابًا مفتوحًا وزَّعه على الناس
ونشره في الجرائد يسأل فيه: (هل رفع الحجاب عن المرأة وإطلاقها في سبيل
حريتها بالطريقة التي يريدها صاحب كتاب المرأة الجديدة يسمح به الشرع الشريف
أم لا؟) ، ثم طبع استلفاتًا إلى هذا الكتاب المفتوح، ووزَّعه في الأزقة والشوارع،
وأرسله إلى الجرائد قبل أن يرسله إلى فضيلة المفتي المخاطب به، حتى إن الإستاذ
المفتي لم يعلم به إلا بعد أن أطلعته أنا عليه، ونحن نجيب هذا السائل المستلفت
فنقول:
(١) إن الاستفتاء جاء على خلاف المعهود في مثله، ولم يفهم أحد من
العقلاء معنى توزيع السؤال مطبوعًا على الناس، لا سيما قبل إيصاله إلى المسؤول
بل أنا في شك من إرساله إليه قياسًا على الاستلفات الذي رآه عندي لأول مرة،
ولا يقال: إن الغرض الفائدة؛ لأن الفائدة إنما تكون في الجواب، وربما كان أكثر
الذين وُزِّع عليهم الكتاب المفتوح والاستلفات من خالي الذهن عن كتاب المرأة
الجديدة، فيظهر أن للسائل غرضًا غير الإفادة.
(٢) لا يخفى على السائل وغيره أن الاستفتاء عن كتاب يستلزم أن يقرأ
المفتي ذلك الكتاب كله، وذلك تكليف الشطط؛ لأن أصحاب الأعمال الكثيرة كمفتي
القطر المصري يجب أن يختصر في الأسئلة التي تلقى إليهم؛ لأن كثرة أعمالهم لا
تسمح لهم بقراءة الأسئلة المطولة والجواب عنها الذي يستدعي التفصيل والتطويل
غالبًا، وإننا نعلم أن الأسئلة التي ترفع إلى شيخ الإسلام في دار الخلافة لا يكتفون
فيها بالاختصار حتى يذكرون الجواب، ويسألون عنه، فيكتب شيخ الإسلام كلمة
(أولور) إذا كان الجواب بالإيجاب، وكلمة (أولماز) إذا كان سلبًا.
والسائل يعلم أن مفتي الديار المصرية هو رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية
التي هي أعظم جمعية للمسلمين في البلاد العربية كلها، وهو أيضًا عضو عامل في
مجلس شورى القوانين، ومجلس الأوقاف الأعلى، وله أعمال أخرى في نظارة
الحقانية، وهو شيخ رواق الحنفية الذي هو أعظم رواق في الأزهر وناظر على
أوقاف كبيرة، وعضو في مجلس إدارة الأزهر، ويؤلف ويقرأ في الأزهر درسًا في
علم البلاغة، ودرسًا في تفسير القرآن الشريف، ولا يخفى ما يستلزمه هذا الدرس
من المطالعة والمراجعة، ويعلم أنه من الدقة في أعماله بحيث إذا رُفع إليه استفتاء من
المحاكم عن قتل جانٍ، يقرأ جميع أوراق القضية، وإن كانت تعد بالمئات، ويعلم
أيضًا أنه مقصود من الناس بقضاء المصالح، فلا يخلو يوم من عدة أشخاص يطلبون
منه قضاء مصالحهم، فهل مثل هذا يستفتى عن كتاب، ويكلَّف بقراءته ليبين رأيه
فيه؟ كلا، إنه يجب على شيخ الجامع الأزهر أن يؤلف بمعرفة المفتي ومساعدته
لجنة من العلماء لانتقاد الكتب التي تنشر بين المسلمين، يكون أفرادها من البارعين
في جميع الفنون، بحيث ينتقد كل صنف ما هو عالم به، ثم ينشر ذلك في الجرائد؛
فإن في الكتب المنسوبة للمتقدمين ما ينشر، وفيه من الإفساد في الدين والدنيا فوق ما
يتصوره كل منتقد على كتاب المرأة الجديدة.
(٣) إن الفتوى في الكتاب لا يمكن أن يفهمها أحد إلا إذا اطلع على السؤال،
والسؤال يدخل فيه الكتاب كله، فيحتاج كل من اطلع على الفتوى أن يقرأ الكتاب
أولاً، فإذا كان ضارًّا تكون الفتوى سببًا في إذاعة الضرر.
(٤) إذا أفتى مفتي الديار المصرية في الكتاب، فلا شك أن فتواه تكون
بمقتضى مذهب الحنفية الذي عينته الحكومة ليفتي به، فإذا لم توافق فتواه غرض
صاحب الكتاب يمكنه أن يقول كما قال في كتابيه: إن إصلاح شؤون المسلمين يتوقف
على عدم التقيد بقول إمام واحد، بل يجب أن ينظر في المصلحة وتطبق على قول
أي إمام، ولا يخفى أنه نقل عن بعض الأئمة في تحرير المرأة جواز كشف الوجه
والكفين، وجواز معاملة الرجال في غير خلوة، وهذا كل ما يطلبه من إبطال
الحجاب.
كل هذا يدلنا على أن السائل أخطأ في السؤال، وأنه لا يلقى جوابًا.