للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

(الأمنية)
تمنينا في الجزء الماضي لو جعل مولانا السلطان الأعظم أنجاله الكرام
رؤساء اللجان إعانة سكة الحديد الحجازية في الأقطار الإسلامية. وهي أمنية صادرة
عن قلب مخلص يهمه نجاح هذا العمل الشريف ويهمه أن يكون له أحسن الأثر في
تعلق قلوب إخوانه المؤمنين بخليفتهم وأميرهم الأكبر نصره الله تعالى. ولقد أصاب
ذكر الأمنية موقع الاستحسان من نفوس المصريين الصادقين والعثمانيين المخلصين
للدولة العلية فلهجت به ألسنتهم. ولكن الجواسيس السعاة الوشاة المحَّالين القتاتين
النمامين المذّاعين الكذابين الذين اعتادوا على قلب الحقائق وجعل الحق باطلاً
والحالي عاطلاً - قدروا على أن يستنبطوا من الأمنية سعاية غريبة الشكل والوضع
فكتب بعضهم إلى الأستانة شرحًا لها، واستخرج بزعمه مقاصد صاحبها وسيكون
جزاء هذا المحَّال المذاع كجزاء ذلك المحال الذي زعم أنه أبطل المنار ونسخ آيته من
الوجود ... فإن حبل السعاية مع الكذب والاختلاق قصير , وثوب الرياء والغش يشف
عما وراءه وستكون عاقبة الذين أساؤوا السوءى والعاقبة الحسنى للمتقين.
أين هذا مما كتبه رصيفنا العثماني الغيور صاحب جريدة الإخلاص الغراء من
التنويه بهذه الأمنية والاستدلال بها على إخلاص صاحبها للسلطان الأعظم ومن
موافقتنا عليها وجعل الأمنية اقتراحًا فهكذا يكون الذين يأخذون الأشياء بحقيقتها
ويقدرون الخدمة الصحيحة قدرها فجزاه الله خيرًا.

* * *
(بدعة قبيحة)
ما كان يخطر على بال أحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن الاستهانة بالدين تصل
بأهله إلى أن يتعمد المنتسبون للإسلام تنجيس الجوامع التي تسمى بيوت الله تعالى
تشريفًا لها وتكريمًا وأن يبولوا بلا مبالاة على جدران المساجد التي أذن الله أن ترفع
ويذكر فيها اسمه. ولكن هذه الغاية من الضلال والاستهانة بالدين قد وصل إليها
بعض سفهاء المصريين، فإذا مر الإنسان بجانب جامع المرداني الذي يجدر بمصر
أن تفتخر به وتباهي غيرها من الأمصار الإسلامية يجد أن جدرانه لا سيما القبلي
منها تكاد تبلى من البول , ولا يسكن تلك الناحية إلا المسلمون فيما أعلم. هذا
الجامع العظيم الذي بعد ما كادت تندرس أطلاله حملت لجنة الآثار القديمة ديوان
الأوقاف على إصلاحه فخصص له اثني عشر ألف جنيه وهي لا تكاد تفي
بالإصلاح المطلوب , وقبل أن يتم تجديده أبلى البوالون ما تجدد منه ببولهم.
وليست هذه الشناعة مقصورة على هذا الجامع بل تتعداه إلى غيره من الجوامع
والمساجد المنحرفة عن الأسواق الغاصة بالناس , وقد خصصناه بالذكر لما له من
الشأن المخصوص وقد استلفتنا إليه بعض جيرانه من فضلاء المسلمين الذين
يحترمون دينهم أشد الاحترام.
ألا يعلم الذين يقترفون هذا المنكر القبيح بأن الفقهاء قد صرحوا بأن من يلطخ
المسجد بالنجاسة يحكم عليه بالردة والخروج من دين الإسلام , وأن المرتد تطلق
امرأته حتى إنه إذا تاب مما أوقعه في الردة وجدد إسلامه يجب عليه تجديد عقد
النكاح مطلقًا عند الحنفية وبشرط انقضاء العدة عند الشافعية؟ وإذا لم يجدد إسلامه
بالتوبة النصوح يموت على كفره، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في
مقابر المسلمين؟ وإذا كان هؤلاء لا حظ لهم من الإسلام، ولا قيمة لمعاهد الدين
عندهم، فيجب على الحكومة أن تردهم عن فعلتهم الشنعاء، وتعاقب من يرتكبها؛
لأن الله - تعالى - يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، كما ورد , ونستلفت إلى هذا
سعادة محافظ العاصمة الفاضل الهمام، ونرجو أن تبعثه غيرته الملية على أمر
الشرطة (البوليس) والحراس بمراقبة أولئك الفاعلين، والقبض عليهم ليكونوا
عبرةً لغيرهم.
* * *
(حكم عادل)
حكمت محكمة عابدين في جلستها المنعقدة في ٢٦ ربيع الأول (٢٣ يوليو)
تحت رئاسة القاضي الفاضل محمد بك عفت رئيسها حكمًا غيابيًّا على عبد الحليم
أفندي حلمي مراد وزوجته أم صلاح الدين باختلاس أعداد من المنار ملك صاحب
هذه المجلة محمد رشيد رضا وألزمتهما بإحضار النسخ المختلسة أو بثمنها المقدر
بخمسين جنيهًا مصريًّا وبالمصاريف وأجرة المحاماة.

* * *
(سخاء حاتمي)
تبرع الجواد السخي علي بك التونسي أحد عظماء تجار الطرابيش في
الأستانة العلية بمبلغ ١١٠ ليرات لكل كيلو متر من سكة حديد الحجاز فيكون
مجموع ما تبرع به مائتي ألف وتسعة آلاف ليرة , وهذا هو الكرم الحميد , وقد
أنعمت عليه الحضرة السلطانية بالرتبة الأولى من الصنف الثاني فلمثله فلتكن
الرتب أكثر الله في الأمة من أمثاله.

* * *
(وفاة وتعزية)
توفي في أوائل هذا الشهر الطبيب النطاسي البعيد الصيت في البراعة
بالأعمال الجراحية الدكتور محمد دري باشا عن سبعين عامًا فأسف جميع الفضلاء
على فقده وعدُّوه خسارة وطنية كبيرة لما كان له من المكانة بحسن سلوكه ومكارم
أخلاقه فنسأل الله - تعالى - أن يحسن عزاء أنجاله ويجعلهم خير خلف له وأن
يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جنته.