للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

مدة حمل النساء شرعًا وطبًّا
(س ٣٨) من صاحب الإمضاء في قفصه (بتونس)
الحمد لله وحده
مشكلة واقعية
حضرة العلامة فيلسوف الإسلام سيدى السيد محمد رشيد رضا الحسيني
منشئ مجلة المنار، دامت سعادته، وتوالت مسراته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فمن المعلوم أن أقل مدة الحمل ستة
أشهر، أقصاها خمس سنين عند مالك، وأربعة عند الشافعي، وسنتان عند أبي
حنيفة؛ القائلين بجواز رقاد الجنين في بطن أمه ثم يفيق في خلال هذه المدة
المحدودة، ويلحق بأبيه بعد إتمام الموجبات الشرعية.
وروى مالك في الموطأ أن امرأة هلك عنها زوجها، فاعتدت أربعة أشهر
وعشرا، ثم تزوجت حين حلّت، فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصف شهر ثم
ولدت ولدًا تامًّا، فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فدعا عمر نسوة
من نساء الجاهلية قدماء، فسألهن عن ذلك، فقالت امرأة منهن: أنا أخبرك عن
هذه المرأة، هلك عنها زوجها حين حملت، فأهريقت عليه الدماء، فحشر ولدها
في بطنها، فلما أصابها زوجها الذي نكحها وأصاب الولد الماء، تحرك الولد في
بطنها وكبر.
فصدقها عمر بن الخطاب وفَرَّقَ بينهما. وقال عمر: أما إنه لم يبلغني عنكما
إلا خير، وألحق الولد بالأول اهـ، وقال ابن سينا في الشفاء: بلغني من جهة من
أثق به كل الثقة؛ أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل ولدًا نبتت أسنانه
اهـ.
وعلى هذا جرى عمل الفقهاء والمفسرين في مشارق الأرض ومغاربها قديمًا
وحديثًا، إلى أن ارتقى علم الطب والتشريح، وأجلاه للعيان علم الطبيعة الذي انتفع
بمواهبه وأسراره بنو الإنسان، ورأوا ما كان جوازه مستحيلاً واقعًا لا غبار عليه.
فقام من بين أطباء الإفرنج عندنا جماعة حكموا بمنع رقاد الجنين في بطن أمه،
ونسبوا إلى من ادعت رقادها زناها، واعتذروا لما عليه علماء الإسلام في هذا
الشأن؛ بأن علم الطب لم تنكشف أسراره في الأزمنة الغابرة انكشافها في زمننا
الحاضر.
وها هي (ذي) واقعة حال صورتها: أن امرأة فارقها زوجها منذ أربعة أعوام
بريئه الرحم، والآن ظهر به حمل نسبته لمفارقها الذي ناكرها فيه، وزعمت رقاده
في هذه الأعوام، واعترفت بعدم مسيس مفارقها لها بعد الطلاق، ونشرت معه
النازلة لدى المحكمة الشرعية من حيث لحوق الولد أو نفيه، كما نشر معها النازلة
لدى المحكمة العدلية من حيث رميها بالحمل من زنا، وإن أدري أيحكم لها أم عليها
في المحكمتين؟ بيد أن النفوس على حيرتها تتطلع إلى معرفة هذه الحقيقة الشرعية
الطبية، ولما كانت لمقامكم العلمي قدم راسخة في العلوم الشرعية، ولصديقكم
النطاسي سيدي محمد توفيق صدقي معرفة عالية في علم الطب؛ جئتكم بهذا السؤال
ألتمس إدراجه قريبًا على صفحات المنار مع الجواب عنه بما يقنع النفوس، ويرفع
الالتباس، ويزيح الإشكال، وربما كان أنموذجًا راجحًا عند تعارض الأدلة. لازلتم
ملجأ للسائلين، وقدوة للمسترشدين، والسلام من معظم حضرتم.
... ... ... ... ... ... ... ... حموده بوتيتي
... ... ... ... ... ... رئيس مجلس عدلية قفصه (تونس)
(ج) إذا قلنا: إن مسألة مدة الحمل دينية، يجب العمل فيها بما جاء في
الدين من غير زيادة ولا نقصان، فالواجب حينئذ أن نعمل بقوله تعالى في سورة
الأحقاف عن الإنسان: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: ١٥) فإذا
كانت مدة الحمل والفصال ثلاثين شهرًا وهي سنتان ونصف، فكيف نجعل مدة
الحمل وحده عدة سنين من سنتين إلى خمس، ونقول: ذلك هو حكم شرعنا في
المسألة؟ فإذا كان المعلوم لكل الناس أن مدة الحمل تسعة أشهر، فمدة الرضاعة
التي يكون الفصال بانتهائها ٢١ شهرًا، هذا هو أقلها الذي لابد منه شرعًا وأكثرها
سنتان كما في آية ٢٣٣ من سورة البقرة، ولذلك قال فيها: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: ٢٣٣) وقد ذكرنا
في تفسيرها قول بعض المفسرين: إنه يستنبط من مجموع الآيتين أن أقل مدة
الحمل ستة أشهر؛ لأنها هي التي تبقى بعد طرح ٢٤ شهرًا مدة الرضاعة التامة من
٣٠ شهرًا مدة الحمل والفصال (راجع ص ٤٠٨ ج ٢ تفسير) ، فإذا عاش الولد
الذي تلقيه أمه بعد تمام ستة أشهر من حمله كالشهر السابع أو الثامن، فينبغي أن
يكون حظه من الرضاع أكثر من حظ من يولد لتسعة أشهر؛ ليكون غذاؤه من اللبن
عوضًا عما فاته من التغذي بالدم في رحم أمه، فلا تقل مدة الحمل والفصال عن
ثلاثين شهرًا وهي حكمة ظاهرة، فإن زادت ثلاثة أشهر كان ذلك من تمام العناية
بالولد. وإذا جرينا على ذلك في جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالحمل، نكون
موافقين لأقوال أطباء هذا العصر واستقرائهم واختبارهم؛ لأن تحديد القرآن الحكيم
لمدة الحمل والرضاعة لم ينقصه من أقوالهم شيء، بل لا يزداد القرآن بازدياد علوم
البشر إلا قوة وظهورًا.
وإذا قلنا: إن هذه مسألة دنيوية، وما يتعلق منها بالمعاملات الشرعية لا
يكتفى فيه بظواهر الكتاب أو السنة، وما يتبادر من معنى النصوص، بل يجب أن
يضم إلى ذلك اختبار الناس، وما يصلون إليه من معرفة الواقع بطريق الاستقراء
والبحث، قلنا حينئذ: إن ما قاله العلماء الذين بحثوا في المسألة من قبل كالأئمة
الثلاثة الذين ذكرت أقوالهم في السؤال، ليس نصًّا دينيًّا يجب التعبد به وعدم اعتبار
بحث غيرهم واستقرائه، بل يعمل أهل كل عصر بما يصل إليه علمهم واستقراؤهم،
وقد وقفنا على طريقة بحث الأوائل في مثل هذه المسألة؛ وهو أنهم كانوا يسألون
العجائز ويصدقونهن، كما سأل عمر - رضي الله عنه - العجائز الجاهليات في
واقعة المرأة التي نقلت في السؤال عن الموطأ، وكما كان الشافعي - رحمه الله
يسأل العجائز عن مدة الحيض والطهر، ومن الجائز أن يكذب بعضهن، ويجيب
بعضهن عن جهل.
وثقة بعض أئمة الفقه بما سمعه من عجائز زمانه لا يوجب أن يكون ذلك
دينًا متبعًا لكل من يعمل بفقهه، وإن ظهر له استقراء أتم وعلم أصح.
نعم.. إن ما قاله الفقهاء غير محال عقلاً ولا طبعًا، فإذا فرضنا أن ما نقل
إليهم من مكث الجنين في الرحم أربع سنين أو خمسًا قد وقع شذوذًا، كما نقل مثل
ذلك إلى ابن سينا، فهل يصح أن يجعل قاعدة مطردة تبنى عليها الأحكام الكثيرة
لمجرد احتمال تعدد ذلك الشذوذ الذي يسميه أهل هذا العصر فلتة طبيعة؛ كولادة
حيوان أو إنسان برأسين؟ أم القواعد تبنى على الغالب المألوف. وما جاء على
خلاف الأصل وخلاف الغالب لا يقاس عليه.
إذا نحن بنينا أحكام الحمل على ما صدقه بعض أولئك الفقهاء من أقوال النساء،
نكون قد خالفنا إطلاق القرآن، وقيدناه بقيد لا ثقة لأحد من المتعلمين به في هذا
العصر، وخالفنا الثابت المطرد في مدة حمل المرأة؛ وهي أنها لا تكاد تبلغ سنة
واحدة فضلاً عن عدة سنين، وخالفنا القياس الفقهي على تقدير صدق أولئك العجائز
فيما أخبرن به الأئمة من أن ذلك قد وقع شذوذًا، فكيف إذا لم نصدقهن، وخالفنا ما
قرره أطباء هذا العصر من جميع الملل والنحل على سعة علمهم بالطب والتشريح،
وعلم وظائف الأعضاء (PHYSIOLOGIE) ، واستعانتهم في بحثهم
واختبارهم بالآلات، والمجسات، والمسابير، والأشعة التي تخترق الجلد واللحم
فتجعل البدن شفافًا يظهر ما في داخله يرى بالعينين، وعلى بناء علمهم على
التجربة والاستقراء، واستعانة بعضهم في ذلك ببعض على اختلاف الأقطار
بسهولة المواصلة البريدية والبرقية، وعلى كثرة النساء اللواتي على حرية القول
وعدم الخجل من إظهار ما لم يكن يظهره أمثالهن في بلادهن أو غيرها من قبل،
وما لا يظهره غيرهن من سائر البلاد التي لا حرية فيها كحرية بلادهن.
ثم إننا نكون مع هذه المخالفات، اللواتي نحملها لتصديق أولئك النساء
المتهمات، قد تعرضنا لمفاسد كثيرة:
منها طعن الأجانب في شريعتنا طعنًا مبنيًّا على العلم والاختبار لا على
التحامل والتعصب، وذلك منفر عن الدخول في ديننا، ومانع من ظهور حقيته لمن
لا يعرف منشأ هذه الأقوال عندنا.
ومنها تشكيك الكثير من المسلمين في حقية شريعتنا وكونها إلهية، وأعني
بالكثير جميع الذين يتعلمون الطب، والذين يقفون على أقوال أطباء وعلماء هذا
العصر، وتطمئن قلوبهم بأقوالهم في مدة الحمل مع مخالفته لما يظنون أنه هو
الشريعة المقررة الثابتة بالكتاب أو السنة.
ومنها إلحاق الأولاد بغير آبائهم؛ وهي مفسدة يترتب عليها مفاسد كثيرة في
الإرث، والنكاح، وغير ذلك.
ومنها أنه يجرئ المرأة الفاجرة إذا طلقها زوجها أو مات عنها أن تدعي أنها
حامل منه، وأن الولد راقد في بطنها، ويكون لديها وقت واسع تستبضع فيه ولدًا
من غيره بالزنا، ثم تلحقه وتستولي على جميع ماله إن لم يكن له وارث آخر أو
على أكثره.
ومنها أن تصدق من يغيب زوجها عنها من سنة إلى خمس سنين فيما تأتي
به من ولد في هذه المدة أنه منه، وللفقهاء في أمثال هذه المسألة كلام لا محل هنا
لذكره ولا للإشارة إليه باحتراز أو غيره، فمنهم من يقول: إن هذه المرأة تصدق
في إلحاق ما تأتي به من ولد بزوجها الغائب، وإن كانت غيبته أطول من أكثر مدة
الحمل، مهما كانت المسافة بعيدة؛ كأن تكون هي في تونس وهو في داخل بلاد
الصين التي ليس فيها سكك حديدية، وذلك الاحتمال أن تطوى له الأرض كرامة،
فيجيء من الصين إلى تونس فيغشاها، ويعود إلى مكانه في ليلة واحدة! ! . أكثر
مثل هذا بعض الحنفية الذين قال بعضهم: بأن مدعي طي المسافة يكفر!
وإذا نحن بينا أحكام الحمل على الظاهر من إطلاق القرآن الحكيم المطابق
للواقع المعروف عند كل الناس، ولما يقرره الأطباء، وقلنا: إذا ثبت غير ذلك في
حق بعض النساء، يكون من الشاذ النادر الذي لا يبنى عليه حكم، فإننا نسلم من
كل تلك المخالفات والمفاسد، ولا نكون قد خرجنا عن هدي أئمتنا، فإنهم إنما كانوا
يتبعون الدليل القوي إذا ظهر لهم، ولكن المقلدين المنسوبين إليهم يفضلون العمل
بما في هذه الكتب التي بين أيديهم مهما ترتب على ذلك، فلا فائدة من مخاطبتهم
بالدليل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
***
أسئلة من جاوه
(س ٣٩) من (وطني) في تلو سماوي جنوب آسية (سمترا)
مولاي الأستاذ الحكيم
نرى أمراء وأغنياء هذه البلاد الوطنيين منهم، يتهافتون تهافت الفراش على
إدخال أولادهم مدارس الحكومة؛ لتعليمهم لغة أوربا. ولم يفكروا يومًا أن تعليم
اللغة العربية من الأمور المطلوبة شرعًا؛ لأنها لغة القرآن. وأنَّ من المصلحين من
يرى أن لا رجوع للإسلام إلى مركزه الأول إلا بعد تعميم هذه اللغة الشريفة بين
أتباعه. وإذا جئت تقول لهم: إن الواجب الأهم على المسلمين القادرين إقامة
مدارس عربية؛ لتعليم أولادهم وأولاد الفقهاء العاجزين لغة القرآن قبل تعلم أي لغة
كانت. قالوا: ليس المطلوب شرعًا هذا، وإنما المطلوب هو تعلم الأولاد ما يجب
عليهم من مبادي الدين فقط! ! .
واستشهد بعضهم بدولة الخلافة الجديدة؛ من أنها لم تجعل لهذه اللغة مقامًا في
بروجرام مدارسها، واشتهر أنها جعلت التركية إلزامية، ثم بعض لغات أوربا
كالإنكليزية والفرنسية. ولو كانت دولة الخلافة مع وجود كثير من رجال الإصلاح
الإسلامي في مجلسها؛ ترى بعض ما يراه رجال الإصلاح من ضرورة تعميم هذه
اللغة بين المسلمين، لكانت دولة الإسلام الكبرى هي القدوة للمسلمين في المعمورة
فماذا تقول أيها الأستاذ في هؤلاء؟ وهل توجد طريقة لإقناعهم ? وهل عندكم علم
بما قررته الدولة العثمانية تجاه هذه اللغة الشريفة؟ وهل صحيح من أن الدولة
قررت جعل لغة محاكم بلاد سورية والعرب تركية، وألزمت المترافعين بذلك؟
فأدركونا بالخبر اليقين، متع الله بوجودكم المسلمين. فنحن على أحر من الجمر،
والسلام.
(ج) إنني أعتقد منذ سنين كثيرة بعد طول البحث في حال المسلمين أنهم
لا حياة لهم إلا بالاهتداء بالقرآن الحكيم، سواء منهم من يؤثر الاستقلال في فهم
الإسلام، ومن يؤثر تقليد بعض الأئمة والعلماء. ذلك بأن هداية القرآن التي أنزل
لأجلها، ليست محصورة في الأحكام العملية التي أباح جمهور المسلمين من الخلف
التقليد فيها، بل هذه الأحكام أقلها أدناها مرتبة، فإن فوقها آيات العقائد، وصفات
الله تعالى، وسننه في خلقه، وأسرار دينه، والعبر بسيرة رسله في أممهم،
والآداب العالية، والأخلاق الفاضلة، وأصول الاجتماع البشري، والسياسة،
والترغيب في رضوان الله تعالى في الدار الآخرة، والترهيب من عقابه، وغير
ذلك من الحكم المؤثرة في النفوس المصلحة للقلوب، ولا يمكن أن يستغني المسلم
عن القرآن بغيره في ذلك، بل أقول: إن تفسيره وترجمته لا يغنيان في ذلك عن
تلاوته وتدبره؛ لأن لأسلوبه من التأثير في النفوس ما حير البلغاء والعقلاء من
المسلمين وغير المسلمين من المتقدمين والمتأخرين، حتى قال فيه بعض المشركين
في زمن التنزيل: {إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (المدثر: ٢٤) ، وقال بعض فلاسفة
فرنسا المتأخرين: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن في حال
مؤثرة من الوله والخشوع، فيجذب قلوب السامعين إلى الإيمان به جذبًا خارقًا للعادة،
أغناه عن جذبهم بالخوارق والآيات الكونية التي بأمثالها آمن الناس بالأنبياء من
قبله.
يجب على كل مسلم أن يأخذ عقيدته من القرآن، وأن تكون عقيدته مطابقة
للقرآن، ومن قال من المتكلمين: إن مسائل الاعتقاد المتعلقة بالإلهيات مقدمة على
مسائل الإيمان بالوحي والرسل وما أنزل إليهم من ربهم، فإنما يراد بهذا الترتيب ما
يحتج به على غير المتدين، فمن كان لا يؤمن بوجود الله عز وجل، لا يدعى أولاً
إلى تطبيق عقيدته على القرآن أو أخذها منه؛ فإنه ليس له عقيدة، وإنما يبدأ في
دعوته بإثبات وجود الله وصفاته بالدلائل التي جاء بها القرآن، والتي هدي إليها من
حيث هي براهين لا من حيث هي وحي، ويثني بالوحي مطلقًا، ويثلث بالرسول
والقرآن، ولا يراعى هذا الترتيب فيمن ينشأ على الإسلام، بل يؤخذ بعقيدة القرآن
من أول وهلة.
وقد ذهب جماهير المحققين من العلماء إلى وجوب معرفة الدليل على العقيدة
وامتناع التقليد فيها، والإيمان بالقرآن من أصول العقيدة، وإنكار شيء منه كفر
بإجماع المسلمين، فكيف يتسغني مسلم منهم عن معرفته، ويعد نفسه من أهل
الدليل في اعتقاده؟ ومن المعلوم في كتب العقائد أن إيمان المقلد مختلف في
صحته، بل نقل السنوسي في الكبرى وغيره الإجماع على عدم الاعتداد بإيمانه أي:
على كفره، وبعضهم قال بصحة إيمانه إذا كان مطابقًا للحق، وكان هو جازمًا به،
ومن أكبر هؤلاء أبو حامد الغزالي، وهو قد صرح في كتاب إلجام العوام عن علم
الكلام؛ بوجوب الإيمان بصفات الله تعالى كما جاءت في القرآن، وأنه لا يجوز
ترجمتها؛ لأن الترجمة لا يمكن أن تؤدي معنى الأصل تمامًا، وفي الانحراف عن الأصل خطر الكفر لا خطأ المعصية فقط.
إننا قد أفتينا في المنار من قبل بوجوب تعلم اللغة العربية على كل مسلم ?
وقول الغزالي هذا يؤيد فتوانا، بل قال لنا أحد علماء الشافعية المدرسين في الأزهر:
إنه رأى نصًّا للإمام الشافعي في ذلك، وما جرى عليه الخلفاء الراشدون وعمالهم
ومن بعهدهم من الفاتحين الأمويين والعباسيين يدل على ذلك فإنهم نشروا لغة الدين في
جميع البلاد التي فتحوها مع بعدهم عن العصبية الجنسية، وعدم التفاتهم إليها في
معاملاتهم الاجتماعية والدولية , وجميع المجتهدين والقائلين بوجوب الاجتهاد في
الدين، يجزمون بوجوب معرفة اللغة العربية؛ لأن الاجتهاد يتوقف على ذلك، كما
هو مصرح به في كتب الأصول , وإننا نذكر مسلمي جاوة بالبينات الآتية على
وجوب تعليم العربية:
(١) إن القرآن هو آية الله الكبرى على صدق نبيه محمد صلى الله عليه
وسلم في دعوى النبوة والرسالة، وطريق العلم الصحيح بكونه آية معجزة هو فهمه
الذي يعرف به وجه إعجازه، وكونه آية تشتمل على آيات كثيرة. وإن جماهير
علماء العقائد قد قرروا أن أقوى وجوه الإعجاز فيه هي بلاغته وأسلوبه، وهل
يعرف هذا إلا من يتقن العربية إتقانًا؟
(٢) إن الله قد أنزل القرآن؛ هدى للمتقين ورحمة لقوم يؤمنون، ولا
يهتدي به إلا من يفهمه كما هو بديهي، ولا يفهمه من لا يعرف العربية.
(٣) إن الله تعالى قد حث على تدبر القرآن في آيات كثيرة {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ
القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: ٢٤) - {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (محمد: ٢٥) - {أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} (المؤمنون: ٦٨) - {أَمْ لَمْ
يَعْرِفُوا رَسُوَلَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (المؤمنون: ٦٩) ولا يمكن تدبره إلا بفهم لغته.
(٤) إن الله قد أوعد من يعرض عن القرآن بترك تدبره والاهتداء به أشد
الوعيد، كقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
القِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: ١٢٤) ... إلخ الآيات، ومن البديهي أن ترك تدبره
والاهتداء به هو عين الإعراض عنه والهجر له، الذي يخشى أن يدخل صاحبه في
زمرة من اشتكى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، كما قال
تعالى في سورة الفرقان: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ
مَهْجُوراً} (الفرقان: ٣٠) وقد بالغ بعض علماء الحنفية في التوقي من الدخول
في زمرة هؤلاء، حتى قالوا: إنه يكره أن يواظب المرء على قراءة سورتي الم
السجدة والإنسان في صلاة فجر الجمعة؛ لما في ذلك من هجر غيرهما من القرآن.
فإذا قالوا في قراءة سورتين وردت قراءتهما في السنة، فماذا يقولون فيمن لاحظ له
من فهم شيء من القرآن؛ لعدم معرفة لغته! ؟
(٥) ما تقدم شرحه في وجوب أخذ العقيدة من القرآن أو مطابقتها له على
الأقل.
(٦) إن الصلاة - وهي عماد الدين - المفروضة على كل مسلم ومسلمة، لا
تصح إلا بقراءة شيء من القرآن فيها وبأركان أخرى؛ كالتكبير والتشهد كلها عربية
والمقصود منها فهمها؛ لأن فهمها هو الذي يؤثر في النفس، ويذكرها بعظمة الله
تعالى ومراقبته، فتكون جديرة بأن تنهاه عن الفحشاء والمنكر كما وصفها الذي
فرضها بقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت: ٤٥)
وبأن تكون عونًا للعبد على مقاومة المصائب والنوائب، كما قال تعالى:
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (البقرة: ٤٥) وبأن تحول بينه وبين الهلع، كما
جاء في سورة المعارج، ومن لا يعرف العربية لا يستفيد من صلاته ذلك، ومن لم
تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا كما ورد.
(٧) إن الخطب المشروعة في الإسلام من مفروضة ومسنونة؛ كخطبة
الجمعة والعيدين وعرفة كلها تؤدى باللغة العربية لغة الدين، فمن لا يعرف العربية
من المسلمين لا يستفيد منها، بل تكون هذه العبادة كسائر عباداته العربية رسومًا
وتقاليد صورية، والإسلام أجل وأكبر من ذلك.
(٨) إن الإسلام قد جاء بدعوة جميع البشر إلى ترك الشقاق والعداوات
الجنسية والدخول في السلم كافة؛ ليكونوا أمة واحدة، ويتآخوا في هذا الإصلاح،
فلا يتعصب أحد لجنس على جنس، كما ثبت في آيات وأحاديث كثيرة، ولا يتم
هذا الارتباط والتآخي بين الداخلين في هذا السلم إلا إذا كان لهم لغة واحدة يتعارفون
بها. وهل توجد لغة لهذا الجمع الكبير من الإخوة يتعارفون بها غير لغة الدين الذي
يتعرفون به إلى ربهم عز وجل، ويرجون رحمته ويخشون عذابه؟ ؟
هذا ما اتسع له الوقت القصير من البينات على وجوب تعلم المسلمين لغة
دينهم، كتبته في أحد الأندية العامة في القسطنطينية على عجل، وقد قرب الوقت
الذي أودعه فيه بالبريد، فأكتفي به لأشير إلى شبهة ترد عليه وهي:
ينكر علينا ما تقدم بعض المتفرنجين من المسلمين، الذين غلبت في نفوسهم
نزعة الجنسية الجاهلية على نزعة الدين، فهم يحاولون مقاومة ما يجدونه في العالم
الإسلامي؛ من الشعور بخطر التفريق والميل إلى التعارف وإحياء ما اندرس من
معالم الإسلام، فيقول هؤلاء المنكرون: إن الإسلام ليس له لغة، فيمكن لكل جنس
من الأجناس التي دخلت في الإسلام أن يترجم القرآن والأحاديث إلى لغته،
ويستغني بها عن الأصل العربي، وقد بينا في المنار من قبل أن ترجمة القرآن
ترجمة تقوم مقام الأصل متعذرة، فإن القرآن معجزة تشتمل على معجزات كثيرة،
ولا يمكن أن تكون الترجمة كذلك. وإن القرآن مؤثر بأسلوبه في القلوب، ولا
تكون الترجمة كذلك، كما بينا ذلك بالإيجاز في أول هذه الفتوى، وسنزيد ذلك بيانًا
في وقت آخر.
وأما زعم أولئك الجاويين أن دولة الخلافة الجديدة؛ لم تجعل لهذه اللغة مقامًا
في بروجرام مدارسها ... إلخ ما قالوه، فهو زعم باطل، وكدنا نغتر بمثله إذ أطلعنا
بعض الناس هنا على آخر بروجرام المدارس الإعدادية، فرأينا فيه عدد الدروس
العربية مساويًا في بعض السنين للغة الأرمن ولغة البلغارالاختياريتين، وقد أشرنا
إلى هذا في مقالنا (العرب والترك) ، الذي كتبناه ونشرناه في بعض جرائد
العاصمة نصيحة لأولي الأمر، ثم راجعنا البروجرام كله فوجدنا أن دروس العربية
في النحو الصرف، وحفظ بعض المنثور والمنظوم، قد قررت فيه تقريرًا نعم..
إن ما هو مقرر غير كاف، وإن هذه البروجرامات والقوانين لا تنفذ كما يجب،
ولكم كان هذا من طبيعة الخلل الذي جرت عليه الدولة في دور الاستبداد الطويل
العريض، ونرجو أن يصلح الحال في دور الدستور، وإن كان يوجد في بعض
رجال الحكومة الآن أفراد كثيرون متعصبون للجنسية التركية تعصبًا ضارًّا وهؤلاء
هم الذين حاولوا جعل المرافعات في محاكم البلاد العربية بالتركية، وترون بيان
ذلك مفصلاً في مقال العرب والترك من هذا الجزء، ونحن ساعون في تدارك ذلك،
والله الموفق.
***
الزكاة في القراطيس المالية
(س ٤٠) من صاحب التوقيع الرمزي في (سمبس برنيو) :
حكيم الإسلام والمسلمين، سعد الملة والدين، حضرة سيدي الأستاذ السيد
محمد رشيد رضا صاحب المنار الأغر، متعني الله بعزيز وجوده، آمين.
بعد إهدائكم عظيم تحيتي واحترامي، جزاكم الله عنا جزاء موفورًا، وجعل
سعيكم سعيًا مشكورًا؛ على فتياكم في حكم القراطيس المالية بوجوب الزكاة فيها ,
وهي التي نعتمد عليها، ونتمسك بها غير أني أرجو من فضيلة سيدي الجواب عما
سألت عنه، وهو: من أي طريق عدت هذه القراطيس من النقود الذهبية؟
واستمهلت حتى أرفعه إلى حضرة سيدي، فوضحوه لي أشكركم.
أرجو أيضًا سيدي أن تنظروا إلى أقوال القائلين في هذه القراطيس؛ منهم من
قال: إنها لا تجب فيها الزكاة إلا زكاة التجارة، وإنها كفلوس النحاس في عدم
وجوب زكاة العين فيها، ومنهم من قال: إنها في حكم السندات تجب فيها الزكاة
على قدر الدراهم التي بها من فضة أو ذهب اهـ.
فهل هذان القولان لهما وجه صحيح أم لا؟ تفضلوا سيدي بزيادة الإيضاح في
هذه المسألة، حتى لا أعيد ذكرها بعد. ولكم من الله جزيل الأجر، ومني جميل
الحمد والشكر.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ملتمس الدعاء
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... م. ب.
(ج) إن هذه القراطيس لا يفرق بينها وبين نقد الذهب أحد من الماليين، كما
هو معروف للمتعاملين بها، وهناك أوراق أخرى تسمى سندات مالية، تؤخذ في
مقابلة حصة معينة بالسهام من شركة مالية، وهي أشبه بعروض التجارة؛ لأن
ثمنها يزيد في السوق وينقص، وتباع كذلك وتشترى، ولكنها لا قيمة لها في ذاتها.
وقد يفتي بعض الفقهاء في المسائل المالية المستحدثة في هذا الزمن، وهو
على غير بينة من أنواعها وعرف الناس فيها، ومن كان عارفًا منهم بذلك يقيس
عرف الحادث على ما يراه أشبه به في عرف سابق مما تكلم عنه الفقهاء، فبعضهم
يرجح في ذلك جانب المعنى أو المقصد، ومنهم من يرجح جانب اللفظ أو الصورة
فمن قال: إن القراطيس المالية التي تدعى (بنك نوت) ، ويطلق عليها بعض
العرب لفظ (الأنواط) ، هي من عروض التجارة، وجعل التعامل بها كبيع
العرض بمثله أو بالنقد، فقد بالغ في الوقوف عند ظاهر الصورة، فالعروض قيمتها
ذاتية وهذه لا قيمة لها في ذاتها، ومن قال: إنها في حكم السندات والسفاتج راعى
الصورة أيضًا من جهة والمعنى من أخرى، ووجه قوله: إنها أوراق تؤخذ في مقابلة
نقد، ويسترجع مثل ذلك النقد بإعادتها، وغفل عن الفرق الكبير بينها وبين
السندات بالمعنى الفقهي، وهو أن السند يكون بدين على شخص معين، وهذه
القراطيس تروج في الأسواق المالية، فيشترى بها من كل أحد كالنقدين بلا فرق.
هذان القولان يتفقان مع قولنا في غايته من حيث الزكاة، إلا عند من يقول:
إن الدين لا زكاة فيه قبل قبضه، ويترتب على الخلاف من المسائل المهمة أن جعل
القراطيس المالية كالنقدين، يقتضي وقوع الربا فيها وهو ما نجزم به، ومن قال:
إنها عروض تجارة منع الربا فيها، وحينئذ يسهل على كل أحد أن يأكل الربا
أضعافًا مضاعفة بهذه الأوراق، التي لا فرق بينها وبين الذهب عند أحد من الماليين
وكذلك القول بأنها في حكم السندات، قد يكون موصلاً لأكل الربا ولمنع الزكاة،
ولا حاجة إلى تفصيل، فمن نظر إلى حقيقة المسألة في الواقع واحتاط لدينه، أخذ
بما قلناه، والسلام.
***
الأحاديث الموضوعة في كتاب الإحياء وروايتها
(س ٤١) ومنه أيضًا:
حضرة العلامة المفضال سيدي الأستاذ السيد: محمد رشيد رضا صاحب مجلة
المنار الغراء، متعني الله بعزيز وجوده آمين.
بعد إهداء أزكى السلام والتحيات العظام: تعجب بعض الأفاضل مما ذكر في
كتاب أسنى المطالب، ونصه: (اعلم أن كتاب الإحياء لسيدنا الغزالي، مع جلالة
قدره، وعلو مرتبته، ورسوخ قدمه في العلم، لا يعتمد عليه في الحديث؛ لذكره
في كتابه المذكور جملة من الأحاديث الموضوعة) اهـ (ص ٢٦٨) فهل يتصور
أن حجة الإسلام شحن كتابه الجليل بالموضوعات؟ خصوصًا وقد زينت مجلة
المنار بترجمة صاحب ذلك الكتاب، وقد قلتم: وإنما صرحت بهذا ليعلم من يقرأ
ترجمة حجة الإسلام في المنار - إلى قولكم - ولعل ذلك يكون مشوقًا لهم (أي:
طلاب العلوم والأزهريين) إلى مطالعة الإحياء وغيره من كتبه (٨٥١-١٠ ص
٥٩٥) .
وعليه، فهل يجوز لمن لا يتميز له الصحيح من الضعيف أو نحوه، رواية
أو قراءة ما فيه من الأحاديث احتياطًا أم لا؟ تفضلوا سيدي ببيان الحق؛ لئلا نكون
في ريب مما أتى به حجة الإسلام من أحاديث سيد الأنام، لازلتم في إجلال وإكرام.
(ج) إن ما قاله صاحب كتاب أسنى المطالب حق، وسنذكر ذلك في
ترجمته التي ننشرها في المنار، فإن لها بقية صالحة، وإن أبا حامد الغزالي رحمه
الله تعالى - لم يعن في أول أمره برواية الحديث وحفظه، كذلك كان الكثيرون من
الفقهاء والمتكلمين والصوفية، ولا سيما في عصره وبعد عصره، وإنما عني
بالحديث في آخر عمره. وقد جمع التاج السبكي في ترجمته هذه الأحاديث المطعون
في روايتها في عدة صحائف من طبقات الشافعية الكبرى، ووضع الحافظ العراقي
كتابًا خاصًّا في تخريج أحاديث الإحياء، وهو الذي اعتمد عليه الزبيدي في شرحه
للإحياء، وزاد عليه مباحث وفوائد، وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لغير العارف
بالحديث، المطلع على تخريج تلك الأحاديث أن يعتمد عليها في الاستدلال، أو
يجزم برفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما أسنده الغزالي إلى الصحيحين
وغيرهما من كتب الحديث المعتبرة، وهو يفعل ذلك كثيرًا في مقام الاحتجاج
والاستدلال بعزو الحديث إلى الصحيحين أو كتب السنن. وأكثر ما فيه من
الأحاديث الضعيفة والموضوعة، قد ذكر في مقام الترغيب في العبادات والفضائل
(كصلاة الرغائب في رجب وصلاة شعبان) ، أو الترهيب والتنفير عن المعاصي
والرذائل، وهم يتساهلون في مثل هذا المقام بتأييد كلامهم بالروايات الضعيفة،
على ما في ذلك من الخلاف والتفصيل في شروط جوازه عند من أجازه. وحاش
للغزالي من تعمد إيراد الموضوعات، وإنما نقل ما نقله منها من الكتب التي أحسن
الظن بمؤلفيها؛ كقوت القلوب لأبي طالب المكي، فمعظم الأخبار والآثار الضعيفة
والمنكرة والموضوعة في كتاب الأحياء منقولة من ذلك الكتاب.